بإمكانك أن تشتم أمريكا وتصب جام غضبك على سياساتها الفاشلة والعدائية والمتردية وكل ما في قاموسك من مترادفات، هذا حق مشروع ومكفول في كل بلاد العالم دون استثناءات، حتى في بلادنا بإمكانك أن تحاكم سياسات أمريكا على صفحات الجرائد وستجد من يغبطك على هذه الجرأة في الطرح، وأن هذا مصدره حرية الصحافة الأوسع في اليمن، والأكثر ضمانا للحقوق والحريات...!!! الغريب أن أمريكا لا تجد مبررات كافية للتحسس مما يسئ لسمعتها في الصحافة العربية والإسلامية والعالمية، بل في أسوأ الحالات ينبري المتحدث باسم البيت الأبيض ب "كرفته" حمراء لجذب انتباه العالم لما يقول وينفي أو يؤكد أو يبرر سياسة بلاده، وانتهى الموضوع، أمريكا هنا لا تستخدم سلطاتها الواسعة جدا وأذرعها الممتدة في كل مكان لتفعيل مقص الرقابة، وكلاب الحراسة الصحفية...!!
ولم يهدها فكرها المستنير إلى استحداث قوانين أو وزارات على غرار وزارة الإعلام بالوطن العربي الكبير، أو التحرش بالدستور الأمريكي، وتأويل النصوص من أجل ردع المعتدين على سياسة أمريكا وملاحقتهم في الداخل والخارج.
هناك مفارقات عجيبة الدول الكبرى لا تصادر من ينتقد سياساتها، بل تحاول أن تفهم ما يقول جيدا، فقد يكون في كلامه ما يعزز من قدراتها وكفأتها أمام شعوبها، أما الدول الضعيفة فهي بالفعل ضعيفة على كل المستويات، دستورها قابل للتغيير وفقا لمصالح الكبار، قوانينها تشرع لجاهلية جديدة يعاقب فيها الضعيف ويكرم القوي، لا يوجد ما يبرر مواقف دول العالم الثالث تجاه شعوبها سوى لغة الاستحواذ والتملك، فبدلا من صيرورة الحاكم خادما للشعب يصير كل الشعب في خدمة رغبات السلطة..
ربما في أمريكا الحياة تختلف فحرية الإنسان مقدسة، حرية الفكر والمعتقد، الحرية السياسية والشخصية وكل أنواع الحريات حتى المسيئة لأمريكا نفسها تجد لها مكانا واسعا، ومن هذه الحرية تولدت مشاريع القوة العظمى والقطب الواحد، لأن الدولة مشغولة بسيادتها الخارجية، ولم تشغل نفسها بمصادرة الحريات، أو ملاحقة المناهضين لسياستها في أمريكا.
أعتقد أن أمريكا بحاجة إلى دروس عربية صرفة في هذا الجانب فقد يكون سببا في تقييض أركانها..