قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عاجل: الحوثيون يعلنون قصف سفينة نفط بريطانية في البحر الأحمر وإسقاط طائرة أمريكية    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر    أجواء ما قبل اتفاق الرياض تخيم على علاقة الشرعية اليمنية بالانتقالي الجنوبي    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخلافة السعودية بين كهولة أبناء المؤسس وتطلعات احفاده
نشر في المصدر يوم 04 - 12 - 2010

يبدو واضحاً بالنسبة للعديد من المهتمين بالشأن السعودي الداخلي، ان المملكة العربية السعودية تعيش منعطفاً حرجاً في مسيرة دولتها الثالثة التي أسسها الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود في العقد العشريني من القرن المنصرم.
العنوان الرئيسي للمنعطف الحرج يكمن في هوية القيادة القادمة، لمسببات لعل أبرزها الصراعات والاصطفافات القائمة بين الامراء وتأثيرها المتوقع على التشكيلة القيادية المرتقبة، بموازاة التغيير الجذري المُرجح حدوثه على شكل النظام الملكي الوراثي.
فطيلة العقود التالية لمرحلة التأسيس، ظل انتقال السلطة محصوراً في ابناء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، إذ كان نظام (التوريث الأخوي) ولازال هو المحدد الأساسي لذلك الانتقال.
لايبدو ان التوارث بين الاخوة سيدوم طويلاً، فما تبقى من ابناء المؤسس وهم تسعة عشر نجلاً، اصبحوا كهولاً طاعنين في العمر يكابدون عناء الشيخوخة وأمراضها، وهو ما يعني ان تغييراً لنظام الوارثة بات حتمياً، إذ من المُرجح خلال السنوات القادمة ان يكون انتقال السلطة محكوماً بنظام وراثة احفاد المؤسس لأبناءه.
ورغم ان انتقال العرش الى الاحفاد لازال –حسب راهن المعطيات- بعيداً عن التحقق، إلا ان كهولة ابناء المؤسس، ووجود الاحفاد في المعادلة السلطوية كأعمدة نفوذية اساسية، بات يضع علامات استفهامية كثيرة حول آلية انتقال السلطة العليا إليهم والشكل الافتراضي المرتقب لتقاسم المناصب السيادية بينهم، وما إذا كان سيجسد إعادة انتاج للتقاسم الراهن بين الأبناء ام سيتخذ طابعاً مغايراً.
تأرجح الاستقرار السياسي للمملكة بين خلافات ابناء المؤسس وصراعات احفاده، لم يعد شأناً سعودياً داخلياً، إذ بات محط اهتمام عربي ودولي متزايد كنتاج لأمرين اولهما: إدارة الدولة السعودية للاماكن الاسلامية المقدسة (مكة والمدنية)، وثانيهما: مستوى التأثير السعودي في مفاعيل الاقتصاد الدولي ومسارات السياسة الاقليمية على مستوى الشرق الاوسط.
خلافات الجيل الاول (الابناء) على العرش، صراعات الجيل الثاني (الاحفاد) على التركة، شكل التقاسم المتوقع، تأثر اليمن سلباً وايجاباً بالتموضعات الحالية والمستقبلية، تلك وغيرها عناوين رئيسية سنعبر من خلالها في محاولة لرسم صورة تقريبية للمشهد المرتقب، وصولاً لإجابة واضحة حول هوية التركيبة القيادية القادمة للدولة السعودية، والشكل الافتراضي لانتقال السلطة من جيل الابناء الى جيل الاحفاد.

اعتلال صحة الملك وعودة مفاجئة لسلطان
الحديث عن هوية القيادة السعودية القادمة، يكتسب اهميته من تزامنه مع الاحداث اللافتة التي جرت مؤخراً في المشهد السعودي.
إعتلال صحة الملك، تعيين قائد جديد للحرس الوطني، عودة الامير سلطان، ثلاثة مانشيتات بتفاصيل لا متناهية تشكل دافعاً لبحث السيناريوهات المرتقبة لشكل التركيبة القيادية السعودية المنتظرة.
قبل أيام خلت، كشف الديوان الملكي السعودي عن اصابة الملك عبدالله بن عبدالعزيز البالغ من العمر (86 عاماً) بانزلاق غضروفي، وهو نبأ سرعان ما اتبعه الديوان الملكي باعلان قرار مفاجئ يقضي بتنازل الملك عن منصبه كرئيس للحرس الوطني لصالح نجله الامير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز الذي يحمل رتبة فريق اول في القوات المسلحة السعودية.
لقد جاء النبأ الثاني مؤكداً للمخاوف الناجمة عن النبأ الاول، فالملك عبدالله –حسب النبأين- لم يعد قادراً من الناحية الصحية على ادارة شؤون الحكم والدولة، وهو ما يضع علامات استفهامية حول هوية الملك القادم.
حين كان الملك –قبل اكثر من اسبوعين- يتأهب لمغادرة البلاد صوب الولايات المتحدة الاميركية بغرض العلاج، ووسط ترقب سياسي بصدور تفويض ملكي للامير نائف بإدارة شؤون الدولة، فوجئت الاوساط السياسية بنبأ عودة ولي العهد السعودي ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام للجيش الامير سلطان بن عبدالعزيز من مدينة اغادير المغربية الى الرياض قبل ساعات من مغادرة الملك.
لقد تسببت العودة السلطانية المفاجئة في خلط الاوراق، فالملك الذي كان يوشك على المغادرة، لم يكن في وسعه –رغم عمق خلافاته مع سلطان- ان يفوض الامير نائف بإدارة شؤون الدولة بعد عودة سلطان لمسببات كثيرة.
فتفويض نائف في وجود سلطان، بقدر ما سيعد إقصاءً رسمياً لسلطان، فإنه سيجسد نقلاً للصراعات والخلافات الى المستويين الدامي والعلني، وهي خطوة ليس في وسع الملك الاقدام على اتخاذها لاسيما في ظل تدهور صحته وعدم قدرته على مواجهة الخيارات الصعبة على الاقل في الوقت الراهن.
ورغم ان موقف الامير سلطان بن عبدالعزيز تعزز عقب تفويض الملك له بإدارة شؤون الدولة، وأصبح نظرياً وعملياً هو الملك القادم للسعودية، إلا ان اعتبارات اخرى قد تجعل انتقال السلطة اليه اكثر تعقيداً مما يبدو عليه الامر.
فالامير سلطان البالغ من العمر (85 عاماً) يعاني حسب –وسائل اعلام اميركية- اعتلالاً صحياً كنتاج لمرض السرطان وأمراض الشيخوخة، كما انه وفق مجلة فورين بوليسي الاميركية يعاني ضعفاً في الادراك بصورة تعيق ممارسته لشؤون الحكم كملك للبلاد، بالاضافة الى ان شقيقه الأمير نائف بن عبدالعزيز (النائب الثاني للملك ووزير الداخلية) الذي يبلغ من العمر (76 عاماً) أضحى يشاطره التطلع لاعتلاء العرش.
اعتبارات التعقيد لا تقتصر على ما اسلفناه، فهيئة البيعة التي أنشأها الملك عبدالله والتي تضم ابناء المؤسس واحفاده، يُرجح ان تؤدي دوراً محورياً في تحديد هوية الملك القادم رغم انها لم تعقد اجتماعاً لها حتى الآن.
إن صلاحياتها –وفق القانون المنظم لعملها- تمنحها الحق في تقييم المرشح لمنصب الملك، وتحديد اهليته الصحية وفحص مؤهلاته القيادية لتولي العرش.
ورغم ان انشاءها حسب التقارير الصحافية الغربية جاء بهدف الحيلولة دون وصول الامراء السديريين الستة الى العرش، إلا ان مايبدو راجحاً استناداً لمؤشرات عدة يكمن في ان الهيئة لن تقف حجر عثرة للحيلولة دون وصول اي من الشقيقين السديريين سلطان ونائف إلى الحكم، إذ ان نفوذهما في العائلة المالكة يوازي ما يتمتعان به من سلطات مطلقة في الجهاز الاداري للدولة والمؤسستين العسكرية والأمنية.

نائف وسلطان ايهما يكسب الرهان
تشير راهن المعطيات، إلى ان اعادة تشكيل خارطة التوازنات النفوذية -التي تمت إثر تعيين الامير نائف نائباً ثانياً للملك- ستؤدي دوراً محورياً في تحديد هوية الملك القادم.
فالملك عبدالله أضحى يفضل وصول الامير نائف الى العرش كخليفة له، بينما لايزال الامير سلطان –رغم متاعبة الصحية- متمسك باستحقاقه الطبيعي بوصفه ولياً للعهد في ان يكون ملكاً.
تطلعات الامير نائف العاجلة للوصول إلى العرش لها ما يبررها، فمساندته للملك على حساب سلطان –في المرحلة اللاحقة لتعيينه نائباً ثانياً- ستجعل الامير سلطان –فيما لو اصبح ملكاً- يتخذ اجراءات انتقامية قد تبدد تطلعات نائف في المُلك.
التوقعات تشير الى ان وصول الامير سلطان للعرش قد يؤدي الى تعيين شقيقه الامير سلمان بن عبدالعزيز حاكم الرياض الذي يبلغ من العمر (74 عاماً) كولي للعهد وهو ما يعني القضاء على طموحات الامير نائف في اعتلاء العرش بعد سلطان.
لايبدو ان مخاوف الامير نائف مقتصرة على ذلك، إذ انه يخشى –فيما اذا اصبح سلطان ملكاً- من اجراءات قد تطال تركته النفوذية المتمثلة بأجهزة الامن والداخلية بما يُفضي لإخراج نجله الامير محمد -مساعد وزير الداخلية للشؤون الامنية- من دائرة التسابق بين الاحفاد على العرش في المستقبل المنظور.

سلطان ملكاً ونائف ولياً للعهد
وفق الحيثيات الماثلة، بإمكاننا افتراض ثلاثة سيناريوهات لتحديد شكل التركيبة القيادية المنتظرة.
يشير السيناريو الاول الى امكانية عقد صفقة بين الامراء السديريين -في حال وفاة الملك عبدالله- تقضي بطي صفحة الخلاف بين الشقيقين سلطان ونائف بصورة تؤدي لأن يكون الاول ملكاً والثاني ولياً للعهد على ان يُمنح سلطان الحق في تعيين الاميرسلمان كنائب ثان له، مع احتمال تمسك الامير نائف بتعيين الامير متعب بن عبدالله (نجل الملك عبدالله) كنائب ثان.
في حال عدم التوافق بين نائف وسلطان، يمكن –كسيناريو ثاني- ان يسعى الامير نائف للحيلولة دون وصول الامير سلطان الى العرش والضغط على هيئة البيعة لتعيينه –أي نائف- كملك بقوة الامر الواقع.
يمكن لهذا السيناريو ان يتحقق عبر احد امرين، الاول: صدور قرار من الملك عبدالله بتعيين نائف ولياً للعهد كبديل للامير سلطان وهذا القرار بقدر ما يبدو صعباً عقب تفويض الملك للامير سلطان بإدارة شؤون الدولة لحين عودته، إلا انه ليس مستبعداً –إذا ما عاد الملك من رحلته العلاجية الى اميركا- لاسيما في ظل تطابق الرؤى بين نائف والملك.
ورغم ان الملك حسب آخر تعديل للنظام الاساسي للحكم (الدستور السعودي) لم يعد يملك صلاحية إقالة ولي عهده كما ان تعيينه لولي عهد جديد اضحى –بموجب المادة السابعة من نظام هيئة البيعة- مرهوناً بموافقة الهيئة، إلا أنه – رغم ذلك- يستطيع (وبشكل حصري) إقالة سلطان من ولاية العهد، وتعيين نائف كولي عهد جديد.
قدرة الملك عبدالله الحصرية على اصدار مرسوم من هذا النوع مستمدة من الفقرة الثالثة من قرار انشاء هيئة البيعة التي نصت على الآتي: تسري أحكام نظام هيئة البيعة على الحالات المستقبلية ولا تسري أحكامه على الملك وولي العهد الحاليين، وبالتالي فالملك عبدالله في وسعه ان يقيل ولي عهده ويعين ولياً جديداً للعهد دون ان يكون مضطراً للحصول على موافقة هيئة البيعة ودون الحاجة لاجراء تعديل سواء على النظام الاساسي للحكم (الدستور السعودي) او على نظام هيئة البيعة، علماً ان المادة الخامسة والعشرون من نظام الهيئة اشترطت موافقة اغلبية اعضاء هيئة البيعة على اي قرار ملكي يقضي بتعديل نظامها الاساسي.
يشار الى ان الفقرة (ج) من المادة الخامسة في الدستور السعودي (النظام الاساسي للحكم) التي نصها: يختار الملك ولي العهد ويعفيه بأمر ملكي، خضعت للتعديل بموجب الأمر الملكي رقم أ / 90وتاريخ 27/8/1412ه الخاص بانشاء هيئة البيعة، حيث اصبح نصها بعد التعديل: تتم الدعوة لمبايعة الملك، واختيار ولي العهد وفقا لنظام هيئة البيعة، وهو ما يعني نزع حق الملك (القادم) في إقالة ولي عهده، وربطها بموافقة هيئة البيعة.
وتنص المادة السابعة من نظام هيئة البيعة على الآتي: يختار الملك بعد مبايعته، وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة، واحدا، أو اثنين، أو ثلاثة، ممن يراه لولاية العهد ويعرض هذا الاختيار على الهيئة، وعليها بذل الجهد للوصول إلى ترشيح واحد من هؤلاء بالتوافق لتتم تسميته وليا للعهد. وفي حالة عدم ترشيح الهيئة لأي من هؤلاء فعليها ترشيح من تراه وليا للعهد، وللملك في أي وقت أن يطلب من الهيئة ترشيح من تراه لولاية العهد، وفي حالة عدم موافقة الملك على من رشحته الهيئة، فعلى الهيئة التصويت على من رشحته بالاضافة الى واحد يختاره الملك، وتتم تسمية الحاصل من بينهما (مرشح الهيئة ومرشح الملك) على أكثر الأصوات وليا للعهد.
بالعودة للسيناريو فإن الثاني من الامور: يكمن في ان يلجأ نائف –في حال وفاة الملك- للاستعانة بحلفائه ابتداءً بالامير مقرن بن عبدالعزيز رئيس جهاز الاستخبارات ومروراً بالامير متعب بن عبدالله رئيس الحرس الوطني وانتهاءً بالامير مشعل بن عبدالعزيز رئيس هيئة البيعة بهدف دفع هيئة البيعة الى تعيينه ملكاً وازاحة سلطان لاسباب صحية، علماً ان السلطة في حال وفاة الملك –وفق نظام الحكم الاساسي- تنتقل بشكل مؤقت الى ولي العهد لحين مبايعة ملك جديد، وتنص الفقرة (ه) في المادة الخامسة من النظام الاساسي للحكم على الآتي: يتولى ولي العهد سلطات الملك عند وفاته حتى تتم البيعة.
ورغم ان المادة السادسة من نظام هيئة البيعة قد نصت على قيام الهيئة بمبايعة ولي العهد كملك جديد للبلاد في حال وفاة الملك، إلا ان المادة الثانية عشر من النظام منحت الحق للهيئة في تنحية ولي العهد لاسباب صحية شريطة التأكد من الموانع الصحية، وفي هذه الحالة يتشكل مجلس للحكم من اعضاء الهيئة يتولى إدارة شؤون الدولة لمدة سبعة ايام يقوم خلالها باختيار امير من ابناء المؤسس عبدالعزيز آل سعود او احفاده ليكون ملكاً جديداً.
نجاح هذا السيناريو سيؤدي بالضرورة الى تعيين الامير مقرن بن عبدالعزيز كولي للعهد، بينما سيكون منصب النائب الثاني من نصيب الامير متعب قائد الحرس الوطني، على ان يتولى الامير محمد بن نائف منصب النائب الثاني مستقبلاً وتحديداً حال وصول الامير مقرن الى العرش والامير متعب الى ولاية العهد.
ثالث السيناريوهات، يفترض ان الخلاف على المُلك بين الاميرين سلطان ونائف قد يؤدي الى حل توفيقي ألا هو الامير سلمان بن عبدالعزيز الذي يحظى باحترام واسع في العائلة المالكة بموازاة حيازته على ثقة معظم سفراء الدول الكبرى في السعودية.
ويمكن لهذا السيناريو ان يمضي في أحد نسقين، الاول: يكون فيه الامير سلمان ملكاً، والامير نائف ولياً للعهد، على ان يُمنح موقع النائب الثاني للامير خالد بن سلطان (نجل الامير سلطان) كنوع من الترضية او للأمير تركي بن عبدالعزيز احد الاشقاء السديريين وهو بالمناسبة محسوب على جناح الامير سلطان، وقد عاد مؤخراً الى المملكة برفقه الامير سلطان وذلك بعد مصالحة تمت بينهما، علماً ان الامير تركي ظل معتكفاً مدةً طويلة في القاهرة عقب ان أقصاه الامير سلطان من منصبه كنائب لوزير الدفاع، والثاني: سلمان ملكاً ومحمد بن نائف ولياً للعهد كنوع من الترضية للامير نائف، بينما سيبقى موقع النائب الثاني متأرجحاً بين الامراء تركي بن عبدالعزيز ومتعب بن عبدالله و خالد بن سلطان، علماً ان الامير سلمان يعتبر الذراع اليمنى للامير سلطان، واكثر اشقاء سلطان قرباً منه، وقد رافقه في اعتكافه الاول والثاني بمدينة اغادير، حيث مكث معه في الاعتكاف الاول عاماً كاملاً، في حين مكث معه في الاعتكاف الثاني بضعة اشهر، قبل ان يعود معه ايضاً الى الرياض في الاسبوع الماضي..!

هيئة البيعة والامراء السديريين
على خلفية الصراع الذي نشأ بين الاميرين عبدالله وسلطان لخلافة الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز سابع الامراء السديريين، جاء التفكير بإنشاء هيئة للبيعة بهدف تنظيم خلافات العائلة حول هوية الملوك وولاة العهد.
وتُرجح مجلة فورين بوليسي الاميركية، ان انشاءها جاء بهدف عرقلة الامراء السديريين عن بلوغ العرش، غير ان الأصوب –حسب وقائع كثيرة- يكمن في ان انشاءها جاء بهدف تحجيم الامراء السديريين الستة وانهاء انفرادهم في إقرار وتعيين الملوك وولاة العهد.
ويرأس هيئة البيعة الامير مشعل بن عبدالعزيز البالغ من العمر (83 عاماً) وهو اخ غير شقيق للملك عبدالله، ويعد الاقرب الى الملك والنائب الثاني منه الى ولي العهد، وكان الملك قد عين ضابطاً سابقاً في الحرس الوطني هو خالد التويجري كأمين عام لهيئة البيعة لضمان ابقاءها تحت سيطرة الجناح الملكي، علماً ان التويجري يشغل منصب رئيس الديوان الملكي ايضاً.
وتتكون الهيئة من (35) عضواً هم عبارة عن ابناء المؤسس وحفيد واحد عن كل ابن متوفي او عاجز عن المشاركة في العمل السياسي، بالاضافة الى احد انجال الملك وأحد انجال ولي العهد، ويتم تعيين الاعضاء في الهيئة بقرار ملكي شريطة تمثيلهم لأحد ابناء المؤسس.
ويمكن حصر اعضاء الهيئة في فرعين، أولهما ابناء المؤسس الذين لازالوا على قيد الحياة وقادرين على ممارسة العمل السياسي وهم: نائف، سلمان، مشعل، احمد، عبدالرحمن، تركي، متعب، طلال، بدر، ممدوح، عبدالإله، سطام، هذلول، مقرن، مشهور.
ثانيهما احفاد المؤسس وهم: خالد نجل الملك عبدالله، خالد نجل الامير سلطان، عبدالله بن فيصل حفيد الامير تركي الاول، محمد نجل الملك سعود، خالد نجل الملك فيصل، بدر نجل الامير محمد، فيصل نجل الملك خالد، محمد نجل الامير ناصر، محمد نجل الامير سعد، طلال نجل الامير منصور، محمد نجل الملك فهد، فيصل نجل الامير بندر، عبدالله نجل الامير مساعد، سعود نجل الامير عبدالمحسن، محمد نجل الامير مشاري، عبدالعزيز نجل الامير نواف، مشعل نجل الامير ماجد، فيصل نجل الامير ثامر، فيصل نجل الامير عبدالمجيد.
وتتلخص مهام هيئة البيعة في الدعوة لمبايعة ولي العهد كملك جديد في حال وفاة الملك، بالاضافة الى مشاركة الملك في تعيين ولي عهده، وعزل الملك وولي عهده صحياً، وتشكيل مجلس للحكم يتولى ادارة الدولة لمدة سبعة ايام في حال وفاة الملك وولي عهده او عدم قدرتهما صحياً على ممارسة مهام الحكم.
ورغم ان الملك المؤسس عبدالعزيز ال سعود، كان قد أوصى بأن يكون الحكم من بعده لأرشد أبنائه، إلا ان النظام الاساسي للحكم (الدستور السعودي) لم يحدد الشروط الواجب توفرها في الملك، حيث اكتفى في الفقرة (ب) من المادة الخامسة بالنص التالي: يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله.
كما ان نظام هيئة البيعة لم يحدد بدقة شروط المرشح لمنصب الملك، لكن هنالك قواعد وتقاليد مالبثت ان تشكلت بالتقادم لحسم النزاع حول الخلافة، وحسب المعلومات المتاحة، فان معايير تعيين الملك تنحصر في نقاط أربع، أولها: معيار الاقدمية والسن، وهو معيار تم الاخذ به لأول مرة حين انتقلت السلطة بعد المؤسس عبدالعزيز الى أكبر انجاله الملك سعود بن عبدالعزيز، كما تم الاخذ به ايضاً في الخلاف بين عبدالله وسلطان.
ثانيها: ان يكون المرشح لمنصب الملك نجلاً للمؤسس عبدالعزيز من أم سعودية، إذ حسب تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى، فان نصف زوجات المؤسس –وهن 32 زوجة- أجنبيات ولسن سعوديات، وهو ما يحصر حق الوصول الى المُلك في تسعة امراء هم الامير سلطان، والامير نائف، والامير سلمان، والامير عبدالرحمن نائب وزير الدفاع الذي يبلغ من العمر (78 عاماً)، والامير عبدالإله مستشار الملك الذي يبلغ من العمر (74 عاماً)، والامير احمد مساعد وزير الداخلية، والامير تركي النائب الاسبق لوزير الدفاع، والامير ممدوح الرئيس السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية وأمير منطقة تبوك الاسبق، والامير مشهور.
ثالثها: الخبرة والحنكة والاهتمام بالسياسة.
رابعها: الشعبية والاحترام في اوساط المراجع الدينية والمجتمع.

المحاصصة السلطوية بين فروع العائلة
تبدو السلطة في المملكة قائمة على اساس المحاصصة العائلية بين الامراء، وحسب المعطيات السابقة فإن الامراء السديريين (وهم سبعة امراء لأم واحدة تنتسب الى قبيلة السديري في المملكة) كانوا يهيمنون على الجيش والامن والاستخبارات ومعظم الوزارات والمحافظات، في حين كان الامراء الفيصليون (نسبة للملك فيصل) ويسمون ايضاً بنو تميم، يهيمنون على وزارة الخارجية وبعض الوزارات والمحافظات الأخرى، أما (باقي فروع الاسرة وهم المنحدرين الى قبيلة شمر وآل الرشيد وبني خالد وقبيلة عنزة) فكانوا يهيمنون على الحرس الوطني وبعض الوزارات والمحافظات، علماً ان المعيار الاساسي للتقسيم الاسري هو انتساب الامراء الى قبائل امهاتهم.
المحاصصة الشخصية –في الواقع الراهن- تبدو اكثر دقة لتوصيف المشهد الحالي، فثمة كتلتان متصارعتان هما كتلة الملك عبدالله التي توسعت بانضواء الامراء نائف ومقرن واحمد إليها، وكتلة الامير سلطان التي تضم سلمان وباقي الامراء السديريين من غير نائف واحمد.
وتشير المعطيات الماثلة إلى ان ارتقاء الجيل الثاني في التسلسل الهرمي سيأتي عبر وراثة تمهيدية تتمثل في وراثة التركة النفوذية للاباء تمهيداً لوراثة العرش.
فالأمير متعب بن عبدالله أضحى وريثاً رسمياً لتركة أبيه المتمثلة في قوات الحرس الوطني، لاسيما عقب اعفاء الامير بدر بن عبدالعزيز نائب رئيس الحرس الوطني من منصبه بالتزامن مع تعيين متعب رئيساً، هذا فيما يتوقع ان يرث الامير خالد بن سلطان موقع أبيه كوزير للدفاع والطيران ومفتش عام للجيش وذلك بعد ان يتم اعفاء الامير عبدالرحمن بن عبدالعزيز من منصبه كنائب لوزير الدفاع لدواعٍ صحية، في حين ينتظر ان يرث الامير محمد بن نائف منصب أبيه كوزير للداخلية ومسؤول عن اجهزة الامن والشرطة وذلك بعد اعفاء الامير احمد بن عبدالعزيز من منصبه كنائب لوزير الداخلية لاسباب صحية ايضاً.
الصراع المرتقب بين الاحفاد يُرجح ان يمضي في فريقين، الاول: يعبر عن تحالف الامير متعب بن عبدالله والامير محمد بن نائف وبعض الاحفاد من الامراء الهامشيين والفيصليين.
والثاني: يعبر عن خالد وبندر نجلي الامير سلطان بالاضافة الى ابناء الامراء السديريين –باستثناء نائف واحمد- ويتوقع ان ينشطر احفاد الامراء الفيصليين والهامشيين بين الفريقين.
حسب المعطيات ايضاً، فهوية الملك القادم، ستؤدي دوراً محورياً، في تحديد الفريق الذي سيشكل هوية التركيبة القيادية المرتقبة للبلاد من الاحفاد، إذ ان وصول الامير نائف الى المُلك سيؤدي لترجيح فريق الاحفاد الاول، في حين ان وصول الامير سلطان سيؤدي بالضرورة الى ترجيح فريق الاحفاد الثاني.

رهان وانشطار يمني
رغم ان ثمة رهاناً يمنياً رسمياً على وصول الامير نائف الى عرش المملكة، وما يمكن ان يتسبب به ذلك الوصول من تغيير في السياسات السعودية البروتوكولية إزاء اليمن، إلا ان التغيير في تلك السياسات لا يعد مضموناً بشكل مطلق.
في شأن الخليفة السعودي القادم، يمكن للموقف اليمني ان ينشطر الى فسطاطين، فالرئيس والمؤسسات التوريثية الحديثة يرون في الاميرين نائف وسلمان افضل الخيارات تحبيذاً لتولي عرش المملكة، هذا فيما يبدو الامير سلطان بالنسبة لمشائخ القبائل والمؤسسات التقليدية –الحرس القديم- افضل الخيارات.
اما في شأن الخليفة السعودي من الاحفاد، فالانشطار اليمني يبقى قائماً ايضاً، اذ يبدو فريق متعب بن عبدالله ومحمد بن نائف اكثر الخيارات تفضيلاً بالنسبة للرئيس والمؤسسات التوريثية (الاولاد) في حين يبدو فريق الأخوين خالد وبندر نجلي الامير سلطان الاكثر تفضيلاً بالنسبة للمشائخ والمؤسسات التقليدية.
وتشير التوقعات الى ان السياسات السعودية الايذائية تجاه اليمن شعباً وحكومة، ستظل هي السائدة في حال وصول الامير سلطان الى منصب الملك، وهو ما يعني انها ستستمر ايضاً في عهد فريق الاحفاد المسنود بالامير سلطان، في حين تُرجح التوقعات حدوث تغييرات جزئية في تلك السياسات ان كان الامير نائف هو الملك القادم واصبح الاميران متعب بن عبدالله ومحمد بن نائف هما فريق الاحفاد المرتقب لقيادة المملكة في المستقبل.

أميركا بوصفها الحكم والمرجعية
تحاول الولايات المتحدة الاميركية اتباع نهج الامساك بالعصا من المنتصف للتعاطي مع الشؤون الداخلية للعائلة السعودية المالكة، إذ انها تسعى دائماً لأن يكون دورها في الخلافات بين الامراء متوازناً ومرجعياً اكثر من كونه مائلاً لطرف على حساب آخر.
سبق للولايات المتحدة ان قامت بدور اساسي في الخلاف الذي نشأ بين الاميرين عبدالله وسلطان في آواخر عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، ويشير محمد حسنين هيكل في مقال له بعنوان "نظرة على الاوضاع في السعودية" الى ان الامير سلطان لم يكن قابلاً بانتقال السلطة الى فرع آخر غير السديريين وهو ما جعله يعارض صعود الامير عبدالله بن عبدالعزيز الى العرش.
وحسب هيكل، فان الولايات المتحدة الاميركية تدخلت في الخلاف واقترحت حلاً توفيقياً يقضي بان يقوم الملك فهد بتفويض السلطة –وليس بإخلاء العرش- لأخيه غير الشقيق عبدالله حتى تنجلي الامور.
يقول محمد حسنين هيكل "السياسة الاميركية تجاه السعودية تتصور انها تستطيع ان تمسك بصفارة الحكم في المباراة وتضبط قواعد اللعبة وهو امر غير مؤكد".
لقد استطاعت الولايات المتحدة ان تؤدي مهمة الحكم في الخلاف بين عبدالله وسلطان، إذ انها اسهمت في اجراء توافقات داخل العائلة المالكة انتهت بجلوس عبدالله على العرش وصعود سلطان الى موقع ولاية العهد.
غير ان اميركا اتبعت بعد ذلك، استراتيجية الموازنة في العلاقة بين طرفي العصا عبدالله وسلطان، وذلك للحفاظ على موقعها المرجعي كناظم للمسارات العائلية وضابط لايقاع الخلافات بين الامراء ومتحكم بقواعد اللعبة السلطوية.

الاستفادة الاميركية من خلافات الامراء
مؤشر التوازن الاميركي بين عبدالله وسلطان، لا يلبث ان يضطرب حين يتعلق الامر بسلطان ونائف كشقيقين متنافسين على السلطة، إذ يبدو الميول الاميركي نحو سلطان أكثر وضوحاً.
فالاميركيون –حسب المحلل السياسي سايمون هندرسون- يعتبرون الامير نائف رجلاً صعباً مقارنة بسلطان، ويعتقدون ان وصول نائف الى السلطة كملك سيؤدي الى ايقاف الخطوات المترددة التي قام بها الملك عبدالله باتجاه الاصلاحات السياسية والتي كان ابرزها تخفيف نفوذ المؤسسة الدينية واجراء انتخابات بلدية جزئية وتعيين امرأة كنائب لوزير التعليم لشؤون الفتيات.
ثمة مبررات أخرى لعدم ارتياح الاميركيين للأمير نائف يمكن اجمالها في نقاط ثلاث، أولها: تمسك الامير نائف باتهاماته العلنية لجهاز الموساد الاسرائيلي بالوقوف وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر في اميركا.
ثانيها: إصراره على أخذ بصمات الاميركيين الذين يزورون السعودية ومعاملتهم في المطارات السعودية بمثل ما يُعامل به السعوديون في المطارات الاميركية.
ثالثها: موقفه العلني من الانتخابات وحقوق المرأة، حيث اكد انه لا يرى ضرورةً لاجراء انتخابات او لوجود نساء في مجلس الشورى السعودي.
حين يبدو الموقف الاميركي ناقداً للامير نائف منحازاً للامير سلطان، يحاول الاميركيون إعادة التوازن للعصا عبر أمرين، الاول: توجيه انتقادات للامير سلطان واتهامه بالفساد والسعي لكسب المال من خلال صفقات الاسلحة مع بعض الدول الاوروبية وهو ما عبر عنه معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى في احدى تحليلاته السياسية للاوضاع في السعودية. والثاني: الاشادة بأدوار وجهود الامير محمد بن نائف (نجل الامير نائف) في ملف مكافحة الارهاب.
احياناً يضطر الاميركيون للاشادة بالامير نائف نفسه، حين تتضاعف جرعة النقد الموجهة إليه في الصحافة الاميركية، كنموذج لتلك الاشادة مثلاً، يقول روبرت جوردن السفير الاميركي الاسبق لدى السعودية "ان تمكن الامير نائف من تفكيك تنظيم القاعدة والخلايا الارهابية في المملكة اكد قدرته على تحمل مسؤولية امن السعودية واستقرارها".
المحاولات الاميركية لممارسة دور متوازن لها ما يبررها، فحين تشتد خلافات الامراء تؤدي اميركا دوراً مرجعياً لتهدئه الامور، بالتوازي مع استفادتها من خدمات وتنازلات الاطراف المتصارعة التي ترمي الى كسب ود الاميركيين وتأييدهم..!
وإذا كانت الصفقة الاخيرة لشراء اسلحة اميركية (قدرتها الصحافة الاميركية بنحو 60 مليار دولار) تعد اعلى المكاسب الاميركية من تيار الامير سلطان، فإن حادثة الطردين بالمقابل تعد اعلى المكاسب الاميركية من جناح الامير نائف والاستخبارات (تسابق الاميرين لخطب الرضا والتأييد الاميركي قبل معركة الصراع المرتقبة على العرش).

توظيف اميركي للخلافات
ثمة مؤشرات عديدة تؤكد ان الاميركان يسعون لتوظيف الصراعات بين الامراء لأهداف أخرى ابرزها ايجاد تنسيق سعودي اسرائيلي في مواجهة ايران..!
يقول سايمون هندرسون في احدى مقالاته "ان اكثر ما يهم اميركا هو توحيد السعودية واسرائيل في مواجهة ايران".
وتشير مجلة فورين بوليسي الاميركية الى ان عودة الامير بندر بن سلطان مؤخراً الى المملكة تهدف الى الالتقاء بجميع الامراء وشرح مخاطر اي صراع داخلي سعودي قد ينشأ حول العرش، في ظل ازدياد التهديد الايراني، وهنا لا نستبعد ان تكون عودة الامير بندر (نجل الامير سلطان) تهدف ايضاً للعب دور في اقناع الاسرة بضرورة رفع التنسيق السعودي مع اسرائيل لاسيما وهو –اي الامير بندر- يعد حسب بعض المواقع الالكترونية احد ابرز مهندسي التقارب السعودي الاسرائيلي في مواجهة ايران، علماً ان صحيفة التايمز البريطانية اكدت -في تقرير خاص لها- وجود تنسيق سعودي اسرائيلي بهدف السماح للطائرات الاسرائيلية المقاتلة بالمرور عبر الاجواء السعودية لضرب المنشأت النووية في ايران، وهو أمر نفاه المسؤولون السعوديون في تصريحات علنية.

وماذا بعد
ثمة ما يعزز واقعية السيناريو التصالحي الافتراضي الاول بين الاميرين سلطان ونائف، فالولايات المتحدة حتى وان جنت فوائد وعوائد عديدة من صراعات الامراء، غير انها لن تسمح بتطورها لاسيما حين يتعلق الامر بشأن مصيري كهوية الملك القادم.
ان اكثر السيناريوهات ترجيحاً، يكمن في إمساك الولايات المتحدة بصافرة الحكم للفصل بين سلطان ونائف تماماً كما فصلت من قبل بين سلطان وعبدالله، غير ان دوراً كهذا قد لا يكون فاعلاً سوى عقب رحيل الملك عبدالله، إذ ان نائف –في وجود عبدالله- لن يكون قادراً على التوافق مع سلطان دون الرجوع الى الملك، وذلك حرصاً على التحالف المصيري القائم بينهما.
التطورات الاخيرة (مغادرة عبدالله الى اميركا للعلاج تفويض سلطان بإدارة الدولة) تؤكد ان الامير سلطان عاد بثبات ليستعيد موقعه كرجل ثان في التركيبة القيادية للنظام السعودي الحاكم، وهي المكانة التي قام بتأديتها الامير نائف على أكمل وجه خلال فترة غياب سلطان عن البلاد واعتكافه في مدينة اغادير المغربية.
لقد كان لافتاً إصدار الملك عبدالله -قبل ساعات من مغادرته البلاد- قراراً قضى بتفويض الامير سلطان بإدارة شؤون الدولة في غيابه، وهو ما يعني إقراراً ملكياً ضمنياً بأحقية سلطان في العرش.
يدرك الامير سلطان متى يتحرك بالضبط، فلو لم يكن موجوداً قبل مغادرة الملك عبدالله مؤخراً الى واشنطن، لما حصل على هذا التفويض بإدارة شؤون الدولة، فالتوقعات كانت تشير الى ان تفويضاً ملكياً للامير نائف بإدارة شؤون الدولة كان على وشك الصدور لولا العودة السلطانية المفاجئة التي غيرت مجرى الامور في اللحظات الاخيرة.
إذ كان صعباً على الملك عبدالله ان يفوض النائب الثاني بإدارة شؤون الدولة في وجود النائب الاول (ولي العهد)، ومع هذا فإن الجزم القطعي بانتقال السلطة الى الامير سلطان في ظل التطورات الاخيرة، لايبدو موفقاً، فالامير نائف لازال يملك العديد من أدوات التأثير ووسائل القوة التي تمنحه امتياز المنازعة على العرش، فهو يسيطر على قوات الامن والداخلية، كما انه متحالف بشكل استراتيجي مع الامير مقرن بن عبدالعزيز رئيس جهاز الاستخبارات بالتوازي مع تحالفه ايضاً مع الامير متعب بن عبدالله قائد قوات الحرس الوطني الذي يعد معادلاً استراتيجياً للجيش السعودي الخاضع لسيطرة سلطان ونجله خالد.
وبالتالي فالصراع بين الاميرين سلطان ونائف على العرش قد يلج فصلاً جديداً، غير انه في النهاية –وفق راهن المعطيات- سينتهي بصفقة –ترعاها اميركا- على غرار تلك التي حدثت في السابق بين عبدالله وسلطان عقب رحيل الملك فهد بن عبدالعزيز، حيث سيكون سلطان بموجب الصفقة ملكاً، في حين سيحظى نائف بولاية العهد، على ان يبقى موقع النائب الثاني معلقاً ومتروكاً للتوافقات المستقبلية، مع احتمال ان يكون من نصيب الامير سلمان بن عبدالعزيز.
المؤشرات الحالية، تؤكد ايضاً ان السلطة باتت في طريقها للعودة الى السيطرة السديرية سواءً عبر سلطان او نائف او سلمان، إذ يستبعد ان تقوم هيئة البيعة التي يحظى فيها الامراء الهامشيون (غير السديريين) بالنفوذ والسيطرة، بدور للحيلولة دون عودة السلطة الى الفرع السديري، غير ان الامراء الهامشيين بالمقابل قد يراهنون على الخلافات بين الامراء السديريين عبر توظيف التسابق بين سلطان ونائف لخدمة اجندتهم المستقبلية، وهو ما يضع احتمالاً لفرض نائبٍ ثان من الامراء الفيصليين او الهامشيين (غير السديريين).
ان عودة سلطان مؤخراً والتفويض الملكي له بادارة شؤون الدولة، يجعله بكل المقاييس ملكاً قادماً في حال تعثر صحة الملك عبدالله وعدم قدرته على العودة لإدارة البلاد، وبالتالي لن يكون في وسع نائف –في هذه الحالة- سوى الرضوخ للمصلحة السديرية العليا ومبايعة سلطان على العرش، غير انه سيكون رضوخاً مشروطاً ومحكوماً بصفقة تجعل من نائف ولياً للعهد وتحفظ له امرين، اولهما: تركته النفوذية المتمثلة بأجهزة الامن ووزارة الداخلية، وثانيهما: تركه حلفاءه مقرن ومتعب ومشعل المتمثلة بالاستخبارات والحرس الوطني وهيئة البيعة.
يمكن القول ايضاً، ان العمر الافتراضي لنظام الوارثة الاخوية اضحى مشارفاً على الانتهاء، فالاحفاد بعد ان تمكنوا من إعادة انتاج تموضعات الآباء عبر وراثة تركتهم، اصبحوا يتطلعون لوراثة المناصب الثلاثة العليا في التركيبة القيادية للنظام السعودي المتمثلة بالملك وولي عهده ونائبه الثاني.
ان جل المؤشرات تؤكد ان الصراع بين الاحفاد سينحصر في الثلاثي متعب بن عبدالله قائد قوات الحرس الوطني وخالد بن سلطان نائب قائد الجيش السعودي ومحمد بن نائف مسؤول أجهزة الامن والداخلية.
ووفق المؤشرات ايضاً فان ملحمة الصراع بين الاحفاد ستتحدد في فريقين متنافسين، إذ بات واضحاً ان متعب بن عبدالله ومحمد بن نائف يشكلان فريقاً تحالفياً، في حين يشكل خالد وبندر نجلي الامير سلطان فريقاً موازياً، بينما يتفرع باقي الاحفاد من فروع الاسرة سواءً الفيصليون او الهامشيون بين الفريقين المتنافسين.
ابرز ما يمكن تأكيده هنا ان جل الصراعات والتحالفات بين الاحفاد (الناتجة عن التقاسم الحالي للتركة) ستشكل اعادة انتاج للصراعات والتحالفات الحالية بين الآباء، غير ان تطلعات الاحفاد قد تؤدي دوراً مستقبلياً في فصم عرى التمترس الراهن بصورة تسمح بتقاسم مغاير للتركة واعادة تشكيل للاصطفافات والتحالفات بين الاحفاد.
يبدو واضحاً ان اميركا ستعيد انتاج دورها كحكم بين ابناء المؤسس، لتصبح حكماً بين احفاده أيضاً، إذ يُرجح ان تلعب دوراً في تعميد التقاسم الراهن بين الاحفاد او تعديله بما يضمن انتقالاً امناً للسلطة بين الجيلين الاول والثاني، دونما حاجة للصراعات او العمليات الجراحية لحسم الخلافات الحالية والمستقبلية بين رموز الجيل الثاني.
بالنسبة لصنعاء لاتبدو الامور باعثة على الاطمئنان، فحتى وان ساد اعتقاد مفاده ان خلافات الامراء تنعكس سلباً وايجاباً على اليمن، إلا ان السياسات البروتوكولية السعودية ازاء اليمنيين ستظل هي المرجعية امتثالاً لوصية المؤسس عبدالعزيز آل سعود.
وبالتالي فسواء أكان سلطان هو الملك القادم، او كان العرش من نصيب نائف، لن يكون الفارق –في السياسات السعودية ازاء اليمن- كبيراً، تماماً مثلما لن يكون الفارق كبيراً ايضاً حال وصول الاحفاد الى المناصب السيادية العليا في الدولة السعودية.
ان أي تغيير في التعاطي السعودي مع اليمن سيظل نسبياً، مالم تتخلق الارادة السياسية اليمنية القادرة على احداث التغيير المنشود وفق قواعد الشراكة والندية بين الدولتين اليمنية والسعودية، وبدون تخلق تلك الارادة ستظل السياسات البروتوكولية ذات النمط الايذائي تجاه اليمن قائمة مهما اختلفت وجوه الحكام السعوديين اوتعاقبت أجيال الامراء وكفى!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.