تبذل الولاياتالمتحدةالأمريكية جهداً كبيراً لاستعادة الثقة بدبلوماسيتها بعد قيام موقع ويكيليكس بنشر وثائق تابعة للخارجية الأمريكية. ووصف مساعد وزيرة الخارجة الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى ما قام به الموقع بأنه "هجوم على المجتمع الدولي والسفارات" قائلاً ان "الوضع صعب" ف" تلك التقارير تحمل آراء صريحة جداً"، معبراً عن قلق بلاده على حلفائها سواءً كانوا داخل الحكومات أو خارجها بفعل نشر هذه المستندات التي قال ان ناشرها يستحق أن يعاقب".
وأقر جيفري فيلتمان أن نشر هذه الوثائق أثر على عمل دبلوماسييها في العالم، وقال "ان هذا يشكل عقبة كؤودا" لكنه أكد ان "علاقتنا بهذه الدول والمجتمع المدني ستمكننا من تجاوز هذه العقبة".
وأبدى فيلتمان عزم الإدارة الأمريكية على "إعادة بناء الثقة مع حلفائها حول العالم"، مؤكداً أن الخارجية الأميركية بدأت تطبيق عدداً من الخطوات الضرورية لضمان الخصوصية وسرية التواصل بحيث تبقى الأحاديث الخاصة آمنة في المستقبل، ولإيجاد ميزان بين حماية المعلومة وتوفيرها لمن يريدها من صناع القرار".
وعبر المسؤول الأمريكي في مؤتمر صحافي عقده أواخر الأسبوع الماضي عبر الهاتف مع مجموعة من الصحافيين في البلدان العربية، شارك فيه «المصدر أونلاين» للحديث حول تداعيات نشر وثائق ويكيليكس على العلاقات بين واشنطن والعواصم العربية، عبر عن "اعتذار الولاياتالمتحدة للدول والأصدقاء بسبب ما حدث"، مؤكداً أن "هذا لن يحدث مستقبلاً".
ورداً على سؤال ل «المصدر أونلاين» حول تأثير نشر هذه الوثائق على عمل دبلوماسييها قال فيلتمان: نعم .. لقد تأثر عمل دبلوماسيينا، وإذا نفيت ذلك لن أكون صادقا. لقد حضرت اجتماعات كان فيها المسؤولون متحفظين في الحديث، في حين طلب مسؤولون في اجتماعات ان يغادر مدونو الملاحظات غرفة الاجتماعات".
وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي انه قضى إجازة عيد الشكر في التواصل مع المسئولين في الدول الأخرى، وتحدث مع القادة في المنامة "لنخفف من وطأة الحدث". وأضاف: نعلم أنه علينا أن نعيد بناء هذه الثقة التي تعتمد عليها محادثاتنا، ونحن نتحدث مع أصدقائنا وحلفائنا حول العالم، لكي نعبر عن أسفنا واعتذارنا، ولكي نؤكد لهم أننا نتخذ خطوات لكي نعيد الثقة التي بيننا إلى ما كانت عليه قبل تسريب الوثائق، ونتقدم إلى الأمام. وأكد أن العلاقات التي بنتها السفارات ستتمكن من مواجهة هذا التحدي".
ووصف فيلتمان التسريبات بأنها تثير الاشمئزاز، وقال: هذه القصة كلها تجعلني كدبلوماسي، أشعر بالغثيان، والغضب والاشمئزاز، لأنني أرى معلومات تتم مناقشتها بينما المتكلمون والأصدقاء لديهم كل الحق أن يتوقعوا أن تبقى سرية. وتحدث عن حاجة الدبلوماسيين إلى نوع من السرية لكي يتمكنوا من أداء عملهم. وشبه عملهم بعمل الصحافيين، لجهة الحاجة إلى حماية المصادر والحفاظ على العلاقات، وقال: أعتقد أن كل عمل في العالم لديه حاجة مماثلة للسرية والثقة، كالأطباء والمحامين والأعمال والبنوك... كلنا لدينا الحاجة لمعرفة أنه يمكننا الاعتماد على الثقة والسرية لمناقشة أمور ذات اهتمامات مشتركة.
وكشف عن "صدمة وغضب" المسؤولين العرب عندما أبلغتهم واشنطن قبل أيام من التسريبات، بأنه سيتم نشر هذه الوثائق. وقال: ردود الفعل من الجميع تقريبا كانوا مصدومين ومندهشين، متسائلين كيف يمكن أن يحصل هذا الأمر، ولكن أنا مقتنع بأن الأحاديث التي ما زلنا نقوم بها مع المسؤولين في العالم العربي، ستتمكن من تخطي ذلك. الحاجة لكي نعمل معا ستطغى في النهاية، فاهتماماتنا المتبادلة ما زالت هي نفسها.
وحاول المسؤول الأميركي الذي عمل سفيرا لبيروت بين عامي 2004 و2008 شرح طريقة عمل الدبلوماسيين الأميركيين حول العالم، وقال: إحدى مهماتنا الأساسية كدبلوماسيين، هي أن نرفع تقارير صريحة على التطورات في البلدان والمجتمعات التي نخدم بها. نحتاج في السفارات أن يكون لدينا مجموعة كبيرة من الاتصالات لكي نتمكن من تأمين معلومات إلى واشنطن حيث يتم تكوين السياسات. وأعتقد أن حلفاءنا وأصدقاءنا يفهمون هذه الحاجة لمحادثات مباشرة وصريحة. وأضاف: التقارير التي يرسلها الدبلوماسيون، والتي كنت أرسلها أنا عندما كنت سفيرا، هي تقارير صريحة جدا، وما أسميها أنا مادة خام ومبدئية، وغالبا هي غير مكتملة، وتؤمن معلومات تدمج مع معلومات أخرى لكي تعطي صناع السياسة في واشنطن أكبر قدر ممكن من المعلومات لكي يتخذوا القرارات. وشدد على أن التقارير التي ترسل ليست سياسات بحد ذاتها، بل تسهم في رسم السياسات تجاه البلدان في واشنطن.
ونفى فيلتمان أن يكون ما حدث مؤامرة حكومية أمريكية وقال: لا يمكن أن نقوم بعمل يسبب كل هذه التداعيات علينا وعلى حلفائنا، كما رفض اتهام اي دولة او جهة بالوقوف وراء عملية التسريب وقال "اننا ننتظر نتائج التحقيقات" لكنه اضاف: لا يبدو ان للاستخبارات الخارجية لها أي ضلع في ذلك.
وحول حجم هذه الوثائق قال مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى ان ويكيليكس يزعم أن لديه ربع مليون وثيقة لكنهم لم ينشروا سوى كمية قليلة من المستندات، وأضاف: آمل أن يدركوا أن هذا السلوك غير مسئول ويتوقفوا عن النشر، أنا كدبلوماسي أرغب كثيراً في التوقف عن النشر وأحث العاملين في هذا الموقع على الكف عن نشر هذه التسريبات التي تخاطر بأساس الدبلوماسية العالمية.
وكان المسئول السياسي بوزارة الخارجية قال انه لن يكون سهلا على الولاياتالمتحدة إعادة بناء الثقة في علاقاتها الدبلوماسية مع العالم بعد تسريبات موقع ويكيليكس التي الحقت ضررا كبيرا بالدبلوماسية الأمريكية. وقال خلال مؤتمر صحافي "أعتقد أن تسريبات ويكيليكس سببت ضررا كبيرا بدبلوماسيتنا".
وردا على سؤال بشأن الإجراءات التي تعتزم واشنطن أخذها لاعادة بناء علاقات الثقة هذه، أجاب "سوف نحاول أن نطمئن شركاءنا بشأن الإجراءات التي سنتخذها وبأننا سنحمي في المستقبل سرية المحادثات".
وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قالت انها أجرت محادثات مع نظرائها من مختلف أنحاء العالم حول هذه المسألة. وقالت ان الكشف عن هذه المعلومات "تعرض حياة الناس للخطر وتهدد أمننا القومي"، مضيفة: هذا الكشف لا يُشكِّل هجوماً على مصالح السياسة الخارجية الأميركية فحسب بل إنه أيضاً اعتداء على المجتمع الدولي، والتحالفات والشراكات، والمحادثات والمفاوضات، التي تضمن الأمن العالمي وتقدم الازدهار الاقتصادي. وتابعت: إنني واثقة من أن الشراكات التي عملت حكومة أوباما على إقامتها سوف تصمد أمام هذا التحدي.
وأشارت إلى أن التأثير لن يكون فقط على العلاقات بين الحكومات فالدبلوماسيون الأميركيون يقابلون ناشطين محليين في حقل حقوق الإنسان، وصحفيين، وقادة دينيين وغيرهم من خارج الحكومات الذين يقدمون رؤى صريحة خاصة بهم، وهذه المحادثات تعتمد على الائتمان والثقة.
وهكذا تقول مهما كانت الدوافع وراء نشر هذه الوثائق، فمن الواضح أن نشرها يشكل مخاطر حقيقية على أناس حقيقيين، وفي أحيان كثيرة على نفس الناس الذي كرسوا حياتهم لحماية الآخرين.