وجهة نظر حول: المحددات التي تضمن صدور تشريع إعلامي لا يمس حرية الصحافة* وفقا لمبادئ وأسس دستور الجمهورية اليمنية والقواعد الدولية التي تعترف بها اليمن وتعد طرفا فيها، فإن أي تشريع يصدر بشأن الصحافة يفترض أن يلتزم بالمحددات الآتية:- 1- الطبيعة الخاصة لمهنة الصحافة: اعترفت التعديلات الدستورية لعام 2004م بمهنة الصحافة وقررت لها الحق في أن تحظى برعاية مجلس الشورى باعتباره هيئة من الهيئات الدستورية. فقد نصت الفقرة (و) من المادة (125) من الدستور على أن من الصلاحيات الدستورية لمجلس الشورى: رعاية الصحافة ومنظمات المجتمع المدني ودراسة أوضاعها واقتراح تطويرها وتحسين أدائها. وبذلك أصبحت الصحافة مهنة من مهن قلائل تم النص عليها دستوريا والاعتراف بأنها مهن ذات طبيعة خاصة يجب أن تراعى عند التعامل معها. وخصوصية مهنة الصحافة ترجع لكونها الصورة الأكثر تعبيرا عن ما يعرف بحرية التعبير والحق في الإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير. فهي مهنة ذات صلة وثيقة بالحقوق والحريات الأساسية، وليست مجرد نشاط اقتصادي، ولذلك فقد حصنها الدستور من التدخل في شئونها بذريعة التنظيم ولم يفوض أياً من سلطات الدولة أو هيئاتها لأن تقوم بأي دور تنظيمي يستهدف الصحافة كمهنة أو حريتها كحق من حقوق الإنسان.
2- مراعاة البيئة التشريعية: يفترض عند التفكير في إصدار أي تشريع خاص رعائي أو تنظيمي أن لا يتم تجاهل وجود بيئة تشريعية. وأن المهنة أو النشاط أو الحرية أو الحق التي سيتناولها التشريع الخاص هي في الأصل مثلها مثل غيرها من المهن والحقوق والحريات والأنشطة تخضع لذات البيئة التشريعية رعاية أو تنظيما, ومن ثم فلا يصاغ التشريع على أساس أنه يتعامل مع كائن غريب غير مؤطر.
وصدور تشريعات خاصة تقتضي بدءاً وجود تفويض بذلك , يبين سلطات وصلاحيات المشرع القانوني والغاية من صدور التشريع الخاص دون الإخلال بوجود قواعد تشريعية عامة. وهنا لو افترضنا جدلا وجود تفويض لمجلس النواب بتنظيم مهنة الصحافة، فإن من المفترض أن لا يقع المشرع في الخلط بين تنظيم مهنة الصحافة وتنظيم حرية الصحافة, باعتبار أن الحرية قد نظمت تشريعيا تنظيما عاما وصار معلوما للكافة بغض النظر عن صفاتهم ومهنهم وجنسياتهم ما يعد وما لا يعد من جرائم التعبير.
3- قانون رعائي لا تنظيمي: تبين الدساتير الوظائف التي تقوم بها الدول بسلطاتها الثلاث وهيئاتها المختلفة , كما يحدد علاقتها مع المجتمع ومكوناته، كما تبين متى يحق للدولة التدخل في نشاطات المجتمع المختلفة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية وحدود ذلك التدخل. وتتولى الدساتير حماية الحقوق والحريات، من توغل الدولة وهيئاتها بتحديد الأدوار التي تقوم بها الدولة إزاء تلك الحقوق والحريات وهل هي أدوار رعائية أم تنظيمية أم في كلاهما؟ ودستور الجمهورية اليمنية من الدساتير التي لم تفوض نصوصه أيا من سلطات الدولة أو هيئاتها بأن تمارس أي دور تنظيمي على الصحافة. والدور المفترض أن تمارسه الدولة وفقا للدستور هو دور رعائي لا تنظيمي ويقوم به مجلس الشورى دون غيره من سلطات الدولة أو هيئاتها. يترتب على ذلك: أ- عدم مشروعية صدور أي قوانين تنظيمية تستهدف الصحافة كمهنة أو كحرية , وأن الصحافة كمهنة أو كحرية تخضع في تنظيمها لتشريعات عامة لا تشريعات خاصة. فالقوانين التي تصدر في أي بلد إما قوانين خاصة أو قوانين عامة، وكضمان لعدم المساس بالحقوق والحريات فإن الأصل عدم صدور قوانين خاصة تستهدف تنظيم حق من الحقوق أو حرية من الحريات بدون تفويض دستوري حماية لها من أن لا تنتهك أو تعطل تحت ذريعة تدخل الدولة بتنظيمها تشريعيا. وهنا فإن من المفترض أن تخضع الصحافة في مسئوليتها المدنية للقانون المدني وفي مسئوليتها الجنائية لقانون الجرائم والعقوبات وأن لا تخضع لقواعد خاصة بشأن مسئوليتها المدنية أو الجنائية حتى في القوانين العامة. ويعد أي تشريع يرتب مسئولية جنائية أو مدنية على الصحافة أو الصحفيين تشريع غير دستوري مثلما هو عليه الحال بالنسبة لقانون الصحافة والمطبوعات النافذ، وأي أحكام تستهدف الصحافة على وجه الخصوص حتى وإن وردت في تشريعات عامة. ب- إن الصحافة كنشاط اقتصادي يفترض أن تخضع لقانون تنظيمي يتعاطى مع مختلف المناشط الاقتصادية كقانون الشركات أو السجل التجاري وتخضع لذات الشروط والمعايير التي تخضع لها. ج- إن أي تشريع خاص يصدر بشأن الصحافة كمهنة أو حرية أو نشاط اقتصادي يفترض أن يكون تشريعاً رعائياً يحقق الغاية من الرعاية، وهي تطوير وتحسين الصحافة. ومفهوم كون أن التشريع رعائي يقتضي أن ينص على الامتيازات التي يفترض أن تكفلها الدولة للصحافة وأدوات وآليات حماية الصحافة ووسائل تطويرها وتحسينها وأن تمكن الصحافة ومنتسبيها من تلك الامتيازات على نحو يضمن استقلالية الصحافة. د- أن يبين التشريع الامتيازات التي تتقرر للصحافة والمشتغلين بها وكيفية التمتع بها ويكفل حماية عدم الانتقاص منها أو الاعتداء عليها. ويفترض أن تتضمن نصوصه بياناً واضحاً للمزايا والتسهيلات كالإعفاء من الضرائب أو منح أفضلية أو حصانة من إجراء ما، وبما يجعل من الصحافة منطقة جاذبة للاشتغال فيها لا طاردة منها.
4- الحماية من التدخل المباشر أو غير المباشر للإدارة: يتضح رفض الدستور للتدخل المباشر للحكومة في شئون الصحافة تنظيما أو رعاية، من خلال عدم تفويضها بالقيام بأي دور تنظيمي أو رعائي وإسناد الدور الرعائي لمجلس الشورى. وبذلك فإن من المفترض أن لا تنشأ علاقة مباشرة بين الحكومة وبين الصحافة سواءاً كانت تنظيمية أو رعائية. ويترتب على ذلك عدم مشروعية وجود نصوص خاصة تخول الحكومة التدخل في الصحافة تنظيماً أو نشاطاً، وبمعنى آخر أن لا ترد نصوص تنظيمية خاصة بالصحافة حماية للأخيرة من تدخل جهة الإدارة تحت مبرر تطبيق النصوص. ومن مظاهر التدخل غير المباشر منحها ما يعرف سلطة صرف بطائق التسهيلات الصحفية فيما يعد منحها سلطة الترخيص للصحف وفق اشتراطات خاصة تستهدف الصحافة وإصدار لوائح تنفيذية وتنظيمية تدخلاً مباشراً. والتدخل يتحقق بممارسة أدوار قضائية كسلطة تقرير عقوبات معينة وتشريعية كسلطة إصدار لوائح وأنظمة معينة. 5- نشاط اقتصادي: يفترض في أي تشريع رعائي يصدر بشأن الصحافة أن يتعامل مع الصحافة كنشاط اقتصادي حر تعمل في بيئة تكفل لها المعاملة المتساوية والقدرة على المنافسة وهذا يقتضي أن ينص التشريع على: أ. تقرير حق الكافة في امتلاك جميع وسائل الإعلام بما في ذلك الإعلام المرئي والمسموع بالإضافة للإعلام المقروء والإلكتروني. ب. حظر ملكية الدولة لوسائل الإعلام بصورة مباشرة أو غير مباشرة وتحرير وسائل الإعلام المملوكة للدولة. ج- كفالة تكافؤ الفرص في الحصول على الحصص الإعلانية وخضوعها لمبادئ الشفافية والمنافسة ولقواعد مشابهة للحصول على المناقصات والمشاريع العامة.
6- رقابه قضائية: يفترض في أي تشريع رعائي أن لا يتضمن أية نصوص قد تؤدي لأن تصبح الصحافة خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة السابقة أو المعاصرة وأن تكون الرقابة على الصحافة رقابة قضائية ولاحقة وأن تحمى الصحافة من كل صنوف الرقابة الإدارية أو الأمنية المباشرة وغير المباشرة. كما يفترض في أي تشريع يصدر أن يصاغ على نحو لا يؤدي إلى منح القضاء سلطة واسعة في تفسير وتقدير النصوص وعلى نحو يمس بالصحافة. ومن ثم يفترض أن تبين نصوصه وبصورة قطعية المراد منها وعلى نحو لا يجعل منها عائقاً أو عديمة الجدوى.
7- استقلالية وسائل الإعلام: يقوم النظام السياسي للجمهورية اليمنية على التعددية السياسية والحزبية وذلك بهدف تداول السلطة سلميا، ووفقاً للدستور لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين. ولا يتصور الالتزام بمبدأ جواز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين مع فتح الباب على مصراعيه أمام الدولة لاحتكار وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وامتلاك وسائل الإعلام المقروءة. باعتبار أن هذه الوسائل بطبيعة وظيفتها تصبح حتما أدوات سياسية لمن يحكم بصورة مباشرة وغير مباشرة مما يستلزم التحرير الكامل لوسائل الإعلام. واستقلال الصحافة يقتضي أن تكون الصحافة بمفهومها الواسع نشاطاً اقتصادياً تمتلك بذات الأسس والمعايير التي تمتلك بها المشاريع الاقتصادية وأن تكون في ملكيتها مستقلة عن الأحزاب السياسة وعن الحكومة في آن واحد. والاستقلالية لا تتحقق فقط باستقلال الصحفي وإنما باستقلال المؤسسات الصحفية وإدارة العمل الصحفي بالإضافة لاستقلال الكيان النقابي.
* ورقة عمل لورشة منتدى الإعلاميات اليمنيات بشأن تطوير التشريعات المتعلقة بالصحافة والإعلام.