يبدو أن الرئيس المصري حسني مبارك يقاوم حتى الآن عاصفة الاحتجاجات التي تواجه حكمه ويحاول فرض حضور له في دراما الأحداث المتواصلة، في وقت يستمر تدفق آلاف المصريين إلى الشوارع للمطالبة برحيله. ووجه مبارك (82 عاما) كلمتين للشعب المصري منذ بدء الاحتجاجات، ورأس اجتماعين للحكومة، وظهر مرارا على شاشة التلفزيون الرسمي ليكرر صورة الرئيس الممسك بزمام الأمور ويتحدث ويبتسم.
وفي قاعة تعلوها صورة ضخمة للرئيس المصري، جرى أيضا حوار وطني رسمي غير مسبوق بين عمر سليمان نائب مبارك وممثلين عن جماعات المعارضة من بينها جماعة الإخوان المسلمين المحظورة.
ويبدي مبارك ثقة في النفس وعدم تشكيك في إنجازاته وافتخار بعناده، ويحاول إظهار نفسه زعيما لا يدخر جهدا للحفاظ على استقرار بلده ويعمل من أجل رفاهية شعبه، معتبرا أن رحيله الذي هو مطلب الملايين يعني الفوضى. وزلزلت انتفاضة المصريين منذ أسبوعين حكم مبارك المستمر منذ 30 عاما، وصدرت موجات من الصدمة إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط والعالم، وأجبرته على تقديم تنازلات لم يفكر فيها أبدا، غير أن المحتجين ما زالوا بعيدين على ما يبدو عن تحقيق مطلبهم الأساسي المتمثل برحيله.
وتحاول الحكومة المصرية الجديدة الظهور بمظهر المسيطر على الأمور وأنها تتحكم في وتيرة التغيير وتأتي بالمعارضة إلى عقر دار النظام لمناقشة مستقبل مصر.
وأشار بيان حكومي صدر بعد أولى جولة محادثات رأسها سليمان الأحد، والذي رفضه المتظاهرون، إلى أن الرئيس سينهي فترته الرئاسية الحالية في سبتمبر/أيلول المقبل عندما يحين موعد انتخابات الرئاسة. وأوضح صراحة أن الحكومة تعتزم إدارة الجدول الزمني لتركه السلطة.
نجا وأصيب ويرى محلل شؤون الشرق الأوسط رامي خوري أن مبارك نجا من أولى موجات العاصفة لكنه مصاب بجراح غائرة. وأضاف أن الرئيس المصري ما زال في السلطة، لكن نظامه ضعفَ وتزعزع بالفعل غير أنه لم يسقط, وتوقع استخدام حالة مبارك الصحية ذريعة لتسهيل خروجه من السلطة خلال الشهور القليلة المقبلة إذا زادت الضغوط عليه للتنحي.
وقال الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو الشوبكي -الذي يشارك في الحوار- إن النظام اتخذ خطوات للمساعدة في بقائه على قيد الحياة والاستمرار، لكن الرئيس هو الحلقة الأضعف في النظام السياسي.
دعم الجيش ويقول محللون إن صمود مبارك في مواجهة العاصفة لا يرجع إلى حنكته أو مهارته بل إلى الدعم القوي الذي يحظى به من قيادة الجيش المصري وقوات الأمن على عكس الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي فر من بلاده يوم 14 يناير/كانون الثاني الماضي بعد احتجاجات حاشدة صاحبها توقف دعم الجيش التونسي له.
وعلى الرغم من رفض التيار الأساسي في المعارضة المصرية التفاوض قبل ترك مبارك السلطة، فإن بعض عناصره قالت إن الرئيس يجب على الأقل أن ينقل سلطاته لنائبه.
ورفضت الحكومة المصرية المطلبين وخرجت بدلا من ذلك على من شاركوا في الحوار ببيان حكومي ليكون أساسا للمحادثات ويجعل الحكومة في موقع القيادة.
تفاصيل دستورية وقد تعجز المحادثات مع الحكومة بسهولة عن إحراز تقدم بسبب تفاصيل دستورية حول إمكانية إجراء سليمان الإصلاحات اللازمة لإجراء انتخابات رئاسة حرة ونزيهة إذا ما تولى السلطات الرئاسية.
وقال خبير سياسي مستقل شارك في المحادثات طلب عدم ذكر اسمه "ما لدينا الآن هو حقيقة جديدة في مصر بعد 25 يناير والسؤال هو سرعة وتيرة تحركنا باتجاه الانتخابات".
وقد يستمر مثل هذا الحوار لشهور مما يصب مجددا في مصلحة الحكومة ويضمن بقاء مبارك حتى سبتمبر القادم. ومع إطالة أمد المحادثات قد يضيق عدد أكبر من المصريين ذرعا لينضموا بأعداد كبيرة إلى المحتجين في الشوارع.