ثمة مشهد غريب يحدث في اليمن وربما لن يتكرر على الإطلاق، الثورة والبلطجة تلتقيان معا على رصيف واحد ، ثائرون يهتفون بسقوط النظام في مقابل جموع غفيرة تحمل العصي والجنابي وتهتف بحياة الرئيس ، ووراء ذلك لحظات دامية أسدلت ستاراً من القلق والتوجس على المشهد اليمني منذ مساء الجمعة الماضي، وقبل أن يختم عبدالحق صداح تقريره في مواجهة كاميرا الجزيرة، تكون هجمات البلاطجة قد بلغت ذروتها لتتحول شحنات الغضب المسيسة إلى ضربات عنيفة وهمهمات ساخطة ولكمات وتراشق بالأحجار وسب مقذع وزبط ولطم، لتدور رحى معركة ينقصها طلقات نارية كي يكتمل المشهد في عين من يفهمون المدلول الحقيقي لمعنى البلطجة وما وراء ذلك من جر البلاد إلى حالة من الفوضى التي قد تقود إلى "فوضى خلاقة". هذا ما تشاءم منه الرئيس قبل عدة أسابيع محذرا من جر البلاد إلى فتنة لا تحمد عقباها في الوقت الذي لم يدرك فيه أن إخراج البلاطجة على ذلك النحو "المقرف" جاء بقرار حكيم من شخص مخلص يختبئ خلف تصريحات الرئيس التي يقرأها الناس "بمفهوم المخالفة" على نحو لا يروق لأي من أولئك المخلصين الذين يعمل أبرزهم على الإغداق على البلاطجة "بالمن والسلوى" من خيرات المؤسسة الإقتصادية ، راغبين من ذلك إقحام الناس في حالة من الوطنية يتصارع فيها فريقان كلاهما يهتف باسم اليمن في استحضار سخيف لمشروعية العمل الذي يقوم به أولئك "المزمرون" في ميدان التحرير من قبل بعض الشخصيات المثقفة والمتدينة المحسوبة على النظام ، لينشق ليل صنعاء وتعز وباقي المدن عن أسنان صفراء "فاقع لونها" تحمل نذر الموت والفناء لكل من يهتف بسقوط النظام ، لتصبح اليمن مثار للسخرية والرثاء على النحو الذي تهكم به ضيف برنامج "الاتجاه المعاكس" بقناة الجزيرة هذا الأسبوع ، وهي حركة مقصودة جاءت بعد غمز ولمز من "فيصل القاسم" الذي يجيد تقمص الأدوار المتناقضة.
وبالنظر إلى حال أولئك "الرعاع" المسحورين بنكهة "الغنمي" ومذاق "الفحسة" نجدهم يتوافدون على ميدان التحرير من كل حدب وصوب بحثاً عن لحظة عزٍ لم يألفوها من قبل ، وهم على ذلك الحال من النعيم لا يكدر خاطرهم سوى أنهم مجبرون على القيام في وضعية "محلك سر" تمهيداً لنقلهم إلى إي ميدان للاشتباك مع المتظاهرين المسالمين ، كما رأيناه في صنعاء وتعز وما نتج عن ذلك من دماء وضحايا لا مبرر لسقوطهم إلا معرفة أن هنالك يدٌ خفيه تعبث بأمن البلد في لحظة استقواء بالدولة ومقوماتها وكأن ما جرى في مصر لن يحدث في اليمن ، وبدلا من استحضار العظة والعبرة من سقوط نظامين فاسدين في تونس ومصر ، يكابر المخلصون لشخص الرئيس معاندين في ذلك أقدار الله عز وجل وهم بزعمهم يقودون البلاد نحو مستقبل آمن بمسرحية هزلية سخر منها البعض قائلا "حكم البلاطجة في سوقهم" ولعل ذلك ما يغري بعض العقلاء بترديد الآية الكريمة "إن الله لا يصلح عمل المفسدين"