قرأنا كثيراً في الروايات و الحواديث عن الحب على اختلاف انماطه, و لعل تلك العبارة الموسومة ب " حب من طرف واحد " أكثر ما يثير شجون القارئ لهذا النمط الأدبي على مر العصور , لا أعلم إن كنتُ ساستطيع أن أثير أياً من الشجون و أنا استعد الآن لأن أحدثكم عن ال " الحرب من طرف واحد " , لكني أكيدة أنكم ستكونون -على آخر الصفحة- على قدر أكبر من الألم .. الصديق "وليد اسكندر" يضرب كفاً بكف إثر عودته من العاصمة صنعاء إلى عدن مساء أمسٍ الأول , و يتمتم بذهول في حائطه على الفيس بوك : سأستعد لحماية بيتي بما أوتيت , فالأمن لدينا يعمل بالمقلوب , إن كانوا غير قادرين على حمايتنا, استطيع الآن فقط أن أفهم ما يبرر وجود هذا الحشد المهول للجيش على أطراف عدن , إنها خطة الموت .. يُعلق عليه صديقه " لا قبائل تحمينا ". تبدو الطبيبة " نجوين وحيد" في حالة صدمة كبيرة مما تراه و تصفه بالعفن ..لا تلبث تلتقط بعض أنفاسها - بعيداً عن استقبال مستشفى النقيب القريبة جداً من الأحداث الدامية التي حدثت في المنصورة و الشيخ عثمان – لتفتح صفحتها في الفيس بوك و تصرخ بأعلى صوتها " كفوا أيديكم عنا, لكأننا في غزة و لكأن الأمن صهيون " , ثم تحاول أن تبدو أكثر تماسكاً و هي تعدد علينا الحالات و تصفها من وجه نظرها الطبية , في الرأس : توفي , في الحوض : حرج للغاية , في البطن و الكتف و الرجل : أحدهم في العناية المركزة .. و تعود بعدها إلى الداخل لتبدأ دورة أخرى من الصدمة .. تهرول المهندسة الشابة " ديانا عبدالرب " هي الأخرى إلى الفيس بوك - وهي التي كانت البارحة شاهدة على ما حدث في حي عمر المختار , لتفتح في وجه المسئول عن مقتل طفل أمام عينها و جرح شباب من أهل حارتها نار كلماتها التي كتبتها وعينها معلقة على الشارع الملتهب " لم يقترب منهم أحد ( تقصد الشرطة ) , هم يقولون أن من يضرب المتظاهرين من أنصار الحراك , هل نكذّب أعيننا لنصدقهم ؟ , رأيتهم بأم عيني , كان المتظاهرون يزأرون ( سلمية سلمية ) دون أن يعبأ بهم أحد , حتى الجرحى لم يستطع أحد إسعافهم , لأن من كان يتجرأ أن ينزل لهم كانت تُصّب على رأسه حمم الرصاص الحي .. بعد إحراق قسم شرطة الشيخ عثمان و محاولة اقتحام مبنى البلدية بكريتر و أعمال النهب و السلب و التدمير الواسعة التي لحقت بالمدينة من قبل مجموعة من بلطجية النظام و تحت عناية ضباط الشرطة و مراقبتهم ,, امسى شباب عدن الواعي و زهورها ليلتهم ينتحبون على صفحاتهم الشخصية و على صفحات المجموعات المخصصة لمحبي مدينة عدن في الفيس بوك , على تراث مدينتهم الطاعن في القِدم و ممتكلكاتها .. المخرج المسرحي المبدع " عمرو جمال " و هو الذي حمل على عاتقه النهوض بالموروث الإنساني و الجمالي لمعشوقته عدن , واضعا ًيده على قلبه و مربّتاً كتوف الشباب العدني : " إنها عدن تلك التي تحترق , ما يحصل اليوم من تخريب للمدينة و لمعالمها التاريخية يسيء لنا كشباب واعي ومثقف.. يجب على الكل أن يتكاتف ليحمي هذه المدينة التي نحبها أكثر من أنفسنا " عدن اليوم باتت سجن كبير , المنافذ البرية للمدينة قُفلت بالكامل و تم تفريغ مؤسساتها من الحراسة الأمنية في تحرّك مريب بالإمكان اعتباره – لمن أراد – المولود الوحيد الذي تمخضت عنه لجنة التحقيق العاجلة التي شكلها رئيس الجمهورية للبحث في دوافع القتل الجنوني التي اجتاجت قوى الأمن منذ اليوم الأول للتظاهرات السلمية و لازالت حماها ترتفع بتصاعد مخيف . الصحفي الشاب " معاذ الشيباني " يفرك رأسه مستغرباً و هو يسطر عبارته التالية في الفيس بوك " في كريتر الآن لا يوجد شرطي واحد .. البنوك والمباني الحكومية والشوارع الرئيسية خالية تماما على غير العادة. مبنى البنك المركزي ومجمع البنوك في كريتر بدون حراسة .. أين ذهبت الشرطة وخصوصا أن مبنى البلدية التاريخي تعرض لمحاولة تخريب و إحراق ؟ " لا أعلم إن كان سيخطر على بالكم – كما حدث معي – أن الشرطة ربما تكون مشغولة في لعبة " دعنا نقتل المتظاهرين " التي يبدو أنها غدت مسلية للغاية .. (( علمني وطني بان دماء الشهداء هي التي ترسم حدود الوطن )) الآن فقط أفهمك يا صديقي جيفارا , ليرحمك الرب الرحيم في الأعالي ..