خبر القبض على عدد 104 من الخاطفين أو من المظلومين في قضايا الاختطافات خلال الأيام الماضية يفترض أن يبعث على الارتياح، ولكن الخبر مر على وسائل الإعلام وعلى الصحافة مرور الكرام ومن حق وزارة الداخلية في هذه الحالة أن تسأل وتستفسر، لماذا؟ جاء الخبر لاحقاً على حادثة اختطاف رجل الأعمال عبد الملك الخامري، وسابقاً على الإفراج عن الصحفي صلاح الجلال، رئيس تحرير "17 يوليو" والذين واكبوا ويواكبون جرائم الاختطافات بالتغطية الإعلامية مقصرون جداً –وربما عمداً- في مواكبة الإجراءات والنجاحات الأمنية على صلة بالملف نفسه.
ويقتضي الإنصاف –على كل حال- إظهار النجاحات وإشهارها، إذا كنا سنعتبر أن جرائم الاختطافات المتفرقة هنا وهناك تحسب فشلاً أو إخفاقاً على الأجهزة الأمنية، فمن الإنصاف احتساب القبض على أكثر من مائة متهم بالخطف في عموم المحافظات نجاحاً أمنياً يستحق الدعم والمناصرة.
ولكن ثمة استداراك مهم يفوت كثيرين –في هذا النقاش- الالتفات نحوه أو إليه، وهو أن "ظاهرة" الاختطاف –إذا جاز التعبير عنها بالظاهرة- لا تعد فقط مسؤولة أمنية بحتة، ولكنها مسؤولية عامة ومجتمعية تدخل فيها قطاعات كثيرة وكبيرة.
وإذا نظرنا إلى الاختطافات كظاهرة سيئة وعبثية، فإنها تعبر عن فشل جماعي مشترك ومؤسف، وليس الفشل أمنياً بدرجة رئيسية بقدر ما يكون الفشل حالة عامة واسترجاعية تعيد التذكير بفشلنا كمجتمع في التحرر من مساوئ ومفاسد ظواهر اجتماعية وجنائية سيئة تلحق ضرراً بالمجتمع ككل وتقدمه، وتشير إلى فشل يكتنف عمل المؤسسات التنويرية والتثقيفية والتربوية والإعلامية والأكاديمية وكل مؤسسات وهيئات الدولة والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية بنفس القدر والمستوى.
أجدني –هنا ودائماً- متعصباً للمؤسسة الأمنية وللأجهزة الأمنية، أفراداً ومسميات، لا لشيء إلا لأن هؤلاء يتحملون أكثر من غيرهم وأكبر من أي جهة أخرى أوزار وأخطاء وتبعات الآخرين في كل القطاعات والجماعات والهيئات. فيجب عليهم حماية الأمن والسكينة ومكافحة الجريمة، ولكنهم لا يجدون مناصراً في مواجهة جميع المجرمين والمخربين والمهربين والخارجين على القانون، ودائماً تسارع إلى اتهام الأمن في قضايا لا يجب أن يتهم فيها بل أن يشكر ويناصر!
غير معقول أن يعرض الجندي نفسه للخطر وهو يدافع عنا جميعاً ثم نحمله أخطاء السياسيين والحزبيين المهربين والخاطفين وأخطاء القبيلة وثاراتها وأعرافها الصاخبة! وغير معقول –أيضاً- أن تهتم الصحافة بالمجرمين وقطاع الطرق والخاطفين والمخربين والخارجين على القانون وأن لا تجد ضرورة للاهتمام برجل الأمن وتضحياته ونكران الذات الذي يمارسه أفراد الأمن وهم ينوءون بمهمة تتعلق بحياة وأمن واستقرار المجتمع ككل.
خلال الأشهر المنصرمة حدثت تطورات وتفاعلات متسارعة على صعيد المؤسسة الأمنية –إدارياً وفنياً وميدانياً- ولم تحض بعناية وتغطية إعلامية تبرز الجوانب الإيجابية والجيدة كما تبرز الجوانب الأخرى، ولدي في هذه المقام أكثر من عتب على مجتمع الصحافة المحلية كونه تعامل –ولا يزال- مع المسألة الأمنية كما يتعامل مع المسألة السياسية أو ما شابه، والفرق واضح وكبير بلا حدود.
أعتقد بأن العامين الماضيين تحديداً كانا حافين جداً بالنجاحات الأمنية وشهدا عدداً واسعاً من الجولات التي حسبت لأجهزة الأمن باقتدار، بدءً من المواجهات والحرب المتواصلة ضد الجماعات الإرهابية المتطرفة، والضربات الموجهة التي تلقتها هذه الجماعات في تريم والمكلا بمحافظة حضرموت وفي عدن ومأرب وتعز والعاصمة صنعاء. ومروراً بالنجاحات المتصاعدة لأجهزة الأمن في ملاحقة ومطاردة جرائم التهريب وخصوصاً تهريب المخدرات، حيث بلغت الكميات المضبوطة بالأطنان وملايين الحبوب المخدرة وضبط وتفكيك عشرات العصابات ومحاكمة أفرادها.
إضافة إلى ثالثة المعارك الحاسمة ضد مزوري العملات النقدية المزورة الوطنية والأجنبية، فلم تشهد فترة سابقة هذا القدر والعدد من المضبوطات والجناة الذين وقعوا في أيدي الأجهزة الأمنية خلال العامين الأخيرين، وكان آخرها تفكيك معمل متكامل لتزوير العملة في محافظة حضرموت مطلع الأسبوع الجاري.
إلا أن العمل اليومي للأجهزة الأمنية لا يتوقف عند حد، وصحيح أن هناك بعض جوانب القصور والتجاوزات الفردية أو النوعية، ولكنها لا تعتبر عن ظاهرة ولا تعتبر سلوكاً عاماً لأجهزة الأمن، وإن كان لا بد من التنويه إلى مساوئ السكوت عن مثل هذه السلوكيات كونها تلحق الإساءة والتشويه بمؤسسة الأمن والداخلية عموماً.
وكان الوزير اللواء مطهر رشاد المصري قد حالفه التوفيق تماماً وهو ينفذ نزولات ميدانية وزيارات مباغتة لعدد من مراكز الشرطة أسفرت عن إقالة وتغيير ومحاسبة عدداً من الأفراد والضباط والقيادات المسؤولة، وأحسب أنه الوزير الأول الذي يفعل ذلك، والمرجو هو تحويل هذا إلى سلوك يومي لا يقتصر على الوزير فحسب بل تقتدي به القيادات الأمنية المسؤولة في المحافظات والمدن والمديريات.
ولا يتسع المقام لتفاصيل مهمة، ولكن يمكن الإشارة إلى عناوين عريضة وعلى صلة بموضوعنا، فليس قليلاً ما حققته حملة منع حيازة وحمل الأسلحة والتجول بها في المدن الرئيسية وعواصم المحافظات، وإن كان ظهر فتور أو تراخ مع مطلع العام الجاري إلا أن الحملة عادت ونشطت خلال الشهرين الماضيين، ونرجو أن تتواصل بنفس الوتيرة، وعلى البرلمان مساعدة الداخلية بسرعة إقرار القانون الخاص بالسلاح.
زد على ذلك الأثر الطيب لتوسع الانتشار الأمني وفقاً للبرنامج الأمني والجغرافي المعد بحيث غطى خارطة الجمهورية اليمنية وكان له نتائج إيجابية في الحد من الجرائم والتقطعات والتهريب وفي ملاحقة ورصد ومحاصرة العناصر الإرهابية والتخريبية.
وتعزز كل ذلك بتدشين العمل في أول قاعدة بيانات ومعلومات تربط كافة مدن ومحافظات الجمهورية في شبكة واحدة امتلكتها الداخلية بجدارة ومثابرة.
على أن هناك جوانب قصور وانفلات تحسب على الداخلية وأجهزتها المعنية، وقد يتشعب ويطول الجدل في هذا الباب والخصوص، سيما فيما يتعلق الوضع الأمني يف محافظة صعدة وملف التمرد الذي لم يغلق حتى الآن، وأيضاً فيما يخص التداعيات الأمنية والأخرى المرتبطة ب"الحراك" في بعض المحافظات الجنوبية.
وهنا تكمن أهم وأخطر المآخذ على أداء الأمن والداخلية، ومع إعطاء مساحة مناسبة للأخذ والرد والنقاش، إلا أن أحداً لا يمكنه تجاوز حقيقة ومسلمة بأن ما يحدث في صعدة أو في بعض مناطق الجنوب لا يعبر عن مشاكل أمنية بحتة بقدر ما يعبر عن احتقانات وتداعيات سياسية متفلتة ومتطرفة، وحلها بالتالي سياسي بالمقام الأول وليس أمني. هذا للتذكير ولإعطاء الأمور حقها من الموضوعية والإنصاف.
قد يكون تولي اللواء مطر المصري قيادة الداخلية أعطى المؤسسة الأمنية دافعية ملحوظة في بعض الجوانب المرتبطة بالأداء فاعلية الحرب على الإرهاب والجريمة، فالرجل عدو لدود للجماعات الإرهابية ومطلوب أول لها، ولكنه والحق يقال –ظلم إعلامياً أكثر من سابقيه- كونه جاء في فترة غير مستقرة سياسياً وحزبياً.. وشهدت تداعيات خطيرة جداً على أكثر من جهة وجبهة، وهكذا ربما يكون الحظ أو التوقيت المرحلي قد لعب ضد المصري، غير أن الداخلية في عهده قطعت مشواراً مهماً من الصعوبة بمكان تجاهله أو تجاوز مضامينه على الأرض.. ومن المؤكد أن استمرارية الرجل في تنفيذ واستكمال مهامه وبرامجه التحديثية يتيح له فرصة لتصحيح الصورة وتوضيح ما لم يحالفهم وهل يساعده السياسيون وصناع القرار؟!