نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    تعيين شاب "يمني" قائدا للشرطة في مدينة أمريكية    الوية العمالقة توجه رسالة نارية لمقاتلي الحوثي    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بمحافظة عمران (صور)    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    التفاؤل رغم كآبة الواقع    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    انهيار وشيك للبنوك التجارية في صنعاء.. وخبير اقتصادي يحذر: هذا ما سيحدث خلال الأيام القادمة    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن بين خيارات بقاء النظام أو التغيير المنظم
نشر في المصدر يوم 06 - 04 - 2011

نشرت جامعة ستانفورد الأمريكية على موقعها الالكتروني ورقة بحثية للكاتب السياسي اليمني عبدالناصر المودع تتعلق بالأزمة الحالية في اليمن، و"المصدر أونلاين" يعيد نشرها بالاتفاق مع الكاتب..

صالح بين الخيارات السيئة والأكثر سوءاً:
لم يواجه نظام الرئيس صالح تهديدات وجودية كما يواجهها في هذه الأيام. فهذه التهديدات تختلف نوعياً عما سبقها، من حيث المصدر والأهداف والوسيلة. فالمصدر شريحة واسعة من السكان، لا يمكن الجزم بأنهم يمثلون أغلبية السكان، لكنهم يمثلون معظم التوجهات السياسية والجغرافية والقبلية، وأما الهدف فهو إسقاط حكمه، فيما الوسيلة المظاهرات والاعتصامات السلمية، حتى الآن. ففي التهديدات السابقة من مثل: التمرد في المناطق الوسطى نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، وحرب 1994، وتمرد الحوثي، والحراك في الجنوب والقاعدة، كانت تلك التهديدات مصدرها جهة محددة، وكان الرئيس يجد إلى جواره أطرافاً داخلية وخارجية كثيرة تقف معه في خندق واحد لمواجهتها. غير أن التهديدات الحالية تستهدف سلطته تحديداً، وأقاربه ودائرة صغيرة من المحيطين به تتناقص باستمرار. وهو ما يجعل من فرص نجاحه في التغلب عليها شبه معدومة، خاصة في ظل مناخ إقليمي ودولي لا يسير في صالحه. ونتيجة لكل ذلك نجد أن خيارات الرئيس صالح في مواجهة هذه التهديدات جميعها سيئة، غير أن بعضها أسوأ من غيرها كما سيتم توضيحه في النقاط التالية:
عاصفة يتم الانحناء لها حتى تهدأ:
يتمنى الرئيس علي عبدالله صالح أن تكون الاحتجاجات الحالية عبارة عن عاصفة مؤقتة لا تلبث أن تهدأ بعد حين. ووفقاً لهذه الأمنية، يمكنه أن ينحني مؤقتا، بتقديم بعض العروض للمحتجين لا تؤثر بشكل فعلي على سلطته، كالوعد بعدم التمديد والتوريث. وبعد أن تهدأ العاصفة يتم العودة للسياسة السابقة القائمة على برنامج التمديد والتوريث. ومن خلال تصرفات الرئيس الحالية، يمكن القول إن الرئيس يعتقد بأن ما يحدث ليس سوى عاصفة مؤقتة لا تلبث أن تهدأ. غير أن إيمانه هذا، في حال كان صحيحاً، يعد تقييماً خاطئاً للوضع، ولا يعدو عن أن يكون قراءة للواقع ناتجة عن التمنيات ليس إلا. فالواقع يشير إلى أن هناك معطيات جديدة على الأرض يمكن الإشارة إلى أهمها في النقاط التالية:
1- بعد الثورتين التونسية والمصرية أصبح لدى غالبية القوى المسيسة في اليمن قناعة قوية بأن تغيير النظام في اليمن أصبح أمراً سهلاً وضرورياً، وأن إصلاح النظام الحالي قد فات أوانه. ويزداد عدد المؤمنين بهذه القناعة يوماً بعد آخر، لتصل إلى بعض المنتمين للنظام الحالي. 2- هناك قناعة دولية، وربما إقليمية، بان نظام على عبدالله صالح، بصيغته الحالية، قد أصبح جزءاً من مشاكل اليمن، وان استمراره بالنهج نفسه يعني المزيد من الفوضى، الأمر الذي يتطلب إجراء إصلاحات حقيقية أو تغيير للنظام، وهذا الأمر يعني غياب الدعم والمساندة الإقليمية والدولية للرئيس.
3- لا يمكن لليمن أن يستمر لفترة طويلة في الأوضاع الحالية، حيث أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى النفسية لا يمكن أن تتحمل حالة القلق وعدم الوضوح لفترة طويلة، بمعنى آخر، لا يمكن أن تبقى صفحة على عبدالله صالح معلقة لفترة طويلة دون إغلاقها بشكل من الأشكال وفتح صفحة جديدة.
4- المؤسسات الدستورية في اليمن ستصبح مفتقدة للمشروعية في الفترة القادمة (المشروعية تعني التنفيذ الحرفي للنصوص الدستورية والقانونية السارية بغض النظر عن قبولها وملاءمتها لإرادة الشعب التي تسمى الشرعية) فمجلس النواب الحالي ستنتهي فترته الدستورية في 27 ابريل 2011، وأي وجود للمجلس بعدها لن يمتلك أي شكل من أشكال الشرعية أو المشروعية. إلى جانب ذلك فإن الرئيس تنتهي ولايته في 2013 دون أن نتوقع أن يتم الاتفاق على صيغة للتمديد بعد كل ما جرى. ومن ثم فإن الحكم سيصبح دون أساس من الشرعية أو المشروعية مما يعني المزيد من الصراع والفوضى.

مما ذكر يمكن القول إن الاحتجاجات الحالية ليست عاصفة أو موجة مؤقتة ستزول بعد حين، بل هي حالة أقرب إلى حالة الثورة الشعبية.
استجابة جزئية للمطالب:
الخيار الثاني للرئيس هو أن يقوم بإجراء بعض الإصلاحات التي كانت تطالب بها المعارضة من قبيل تبني النظام النسبي في الانتخابات النيابية وإجراء تعديلات دستورية توسع الحكم المحلي، والحد من سلطات رئيس الجمهورية، وإقامة نظام برلماني كما أعلن الرئيس عن ذلك في مبادرته الأخيرة، والوعد بخروجه من السلطة عام 2013. ومن خلال المعطيات الحالية يمكن القول إن هذا الخيار تجاوزته الأحداث، ولم يعد الشارع أو حتى الظروف السياسية في الداخل والخارج قادرة على تقبله، فالانتظار حتى نهاية فترة الرئيس يعني استمرار حالة عدم الاستقرار وتفاقمها. لهذا فإن هذا الخيار يبدو غير مجدٍ لا للرئيس ولا للوضع العام في اليمن.
القيام بإصلاحات جذرية:
تطالب بعض القوى المحلية والخارجية الرئيس صالح بأن يقوم بإصلاحات جذرية تشمل: عزل أقاربه من الوظائف الرئيسية في الدولة وتحديداً الجيش والأمن، والحد من السلطات المطلقة في التحكم بالمال العام والوظيفة العامة. ورغم أن هذه الإصلاحات لن تكون كافية لمعظم المتظاهرين والمعتصمين من الشباب، إلا أنها مستبعدة تماماً، فالرئيس صالح لا يمكنه أن يقوم بهذه الخطوات لأنه يدرك، أكثر من غيره، أن قيامه بها تعد حالة من الانتحار السياسي، فنظام صالح معتمد على هذه الأمور، حيث أن سيطرة أقاربه على مفاصل الدولة ضمنت له السيطرة على مراكز القوة والردع، فيما تمكن من خلال تحكمه بالمال العام والوظيفة العامة من كسب الولاء والأتباع، وبدونهما يفقد سلطته خلال فترة قصيرة. فالسلطة في الدولة غير الديمقراطية عمادها، كما تقول العرب، "السيف والذهب" وبدونهما لا يبقى للحاكم غير الديمقراطي من مصادر للبقاء، خاصة والرئيس صالح ليس بقائد ثورة كما يدعي بعض الحكام ولا هو زعيم قبلي أو طائفي ولا هو حتى قائد عسكري كبير قبل توليه السلطة، ولا هو صاحب مشروع التف حوله قطاع كبير من الشعب. ولهذا فإننا نجده محتاجاً بشكل دائم إلى أن يحكم من خلال قوة الردع وشراء الولاءات، وسحب هذه الوسائل من تحته يجعله فاقداً فعلياً للسلطة، وهو ما يجعل أعوانه يتخلون عنه، وخصومه ينقضون عليه.
تجاهل الاحتجاجات وإبقائها بالوتيرة نفسها:
من الخيارات التي قد تكون أمام الرئيس صالح تجاهل الاحتجاجات الحالية وجعلها تخفت بشكل بطيء، طالما وهي على الوتيرة الحالية نفسها، غير أن هذا الخيار ليس متاحا للرئيس، فالمحتجون يدركون أنهم لن يبقوا في الساحات شهوراً طويلة، وحالما يشعرون بأن النظام يتجاهلهم سيصعدون من وتيرة الاحتجاجات. وما يبقيهم في الحالة الراهنة شعورهم بأن الأمور تجري في صالحهم. حيث أن ساحات الاعتصام تشهد المزيد من المشاركين من فئات واسعة وجديدة، بالإضافة إلى أن بقاء الاحتجاجات يزيد من الاهتمام الخارجي باليمن، سياسياً وإعلامياً، وهو ما يصب في مصلحتهم.
قمع الاحتجاجات:
يبدوا أن هذا الخيار تتناقص حظوظه يوماً بعد آخر، خاصة بعد الثورة الليبية، إلا انه لا زال غير مستبعد، فالرئيس صالح لازال، من الناحية النظرية على الأقل، يمتلك هذا الخيار الذي قد يشمل إحدى وسيلتين: إما القمع بواسطة قوات نظامية (الجيش والأمن) أو استخدام قوات غير نظامية (القبائل) وفيما يلي سنناقش هذين الخيارين:
القمع عبر القوات النظامية:
يسيطر الرئيس صالح من الناحية النظرية على القوات المسلحة والأمنية، ويقوى نفوذه في المواقع التي يديرها أقاربه، وفي حال قرر الرئيس قمع الاحتجاجات وإنهاء الاعتصامات عن طريق القوات النظامية، فان الأمر، وفي أحسن الأحوال، سيسفر عن مقتل العشرات من المتظاهرين، وهذا العدد كافٍ لأن يواجَه بتنديد ورفض من قبل القوى المحلية والدولية. أما في حال أصبح الرقم بالمئات فإن الرئيس معرض للعزلة الدولية والمتابعات القضائية التي ستحشره في زاوية ضيقة لا يبدو أنه يسعى لها. إلى جانب ردود الأفعال المتوقعة من المعارضة التي قد تصعد أعمال العنف تجاهه بشكل كبير.
من جهة أخرى فان القوات النظامية في اليمن معروف عنها ضعف انضباطها، وتعدد الولاءات داخلها، الأمر الذي يعني توقع قيام جزء من هذه القوات برفض تنفيذ الأوامر أو الانسحاب، أو أن الرئيس قد يواجه سيناريو أسوأ من هذا، في حال قيام الأفراد والضباط من خارج عشيرة الرئيس وقبيلته بالإطاحة بالقادة المنتمين لقبيلته والالتحاق بالمحتجين. وفي هذه الحالة سيكون صالح قد وضع نفسه في حالة أكثر سوءاً مما هو عليه الآن. وفي كل الأحوال فإن هذا الخيار يبقى خياراً صعباً ويجلب من المخاطر أكثر من الفوائد.
القمع عبر قوات غير نظامية:
تستعين بعض النظم الاستبدادية بقوات غير نظامية لقمع خصومها، من قبيل المليشيات الحزبية أو بعض القوى التقليدية، وفي حال قرر الرئيس صالح اللجوء إلى هذا الخيار، فما هي خياراته الحقيقية في ذلك؟ ومن هي القوة القبلية المرشحة لهذا العمل؟ فوفقاً للتركيبة القبلية اليمنية نجد أن قبيلة الرئيس الأصلية (سنحان) ليست سوى قبيلة صغيرة وهي إحدى فروع قبيلة حاشد، التي أعلن شيوخها التقليديون (أولاد الشيخ عبدالله الأحمر) انضمامهم للمحتجين، وخلال حكم صالح تم توظيف معظم أفراد قبيلته في الجهاز العسكري والأمني، ومن ثم فان استعانته بأفراد قبيلته يبدو أمراً مستبعداً لأنهم عملياً يخدمونه في الجيش والأمن ولا يمكنه أن يسحبهم من هذه المواقع ليقوموا بمهمة قمع الاحتجاجات. أما استعانته بقبائل أخرى فأن هذا الخيار له تبعاته الخطيرة، فمن ناحية لا يمكنه أن يضمن ولاء وسيطرة حقيقية على هذه القبائل التي سيتم "استئجارها" لعملية القمع، فمن المعروف عن القبائل في اليمن استقلاليتها الشديدة وعدم انضباطها وتغير ولائها بسرعة، ومن ناحية أخرى، فان جزءاً مهماً من المحتجين ينتمون إلى معظم القبائل اليمنية، ومن ثم فإن القبائل التي ستقوم بعملية القمع ستجابه من القبائل نفسها التي ينتمون لها ومن قبائل أخرى، الأمر الذي يعني تورط القبائل في حروب وصراعات قبلية لصالح الرئيس وهو أمر مستبعد أن تقبله القبائل القامعة، على الأقل في الظروف الحالية. وحتى في حال ضمن الرئيس قيام بعض القبائل بمساندته في قمع الاحتجاجات، فإنه سيغامر بجر الأوضاع إلى المزيد من العنف والفوضى، وسيحمله المجتمع الدولي والمحلي مسؤولية هذا العنف، كما حمل الرئيس البشير المسؤولية عن سلوك قبائل "الجنجويد" في دارفور. إضافة إلى ذلك فان اعتماد الرئيس على القبائل لا يمكنه أن يستمر لفترة طويلة.
إن من غير المتوقع أن يلجأ الرئيس لخيار القمع لإدراكه أن هذا الخيار لن يعمل على تثبيت نظامه بقدر ما سيكون له نتائج مدمرة. وقد لاحظنا كيف أن العنف المحدود الذي قام به من يسمون "البلاطجة" أدى إلى رفض وإدانة داخلية وخارجية وانشقاقات من داخل النظام، فكيف سيكون الوضع لو أن هذا القمع كان أكثر دموية وقسوة.

خيار شمشون "وعليَّ أعدائي"
على الجميع بما في ذلك المعارضون لصالح أن لا يدفعوا الأمور لتصل إلى هذا الخيار، وهذا الخيار يتلخص في أن يقوم الرئيس صالح بسلوك انتحاري بحيث لا يبالي بأي نتائج يمكن أن تسير إليها اليمن، وقد يكون هذا الخيار تالياً لخيار القمع، فحين يفشل ذلك الخيار في تثبيت النظام، ويعمل على إشعال أعمال العنف بشدة تؤدي إلى إدانات دولية وملاحقات قضائية، قد يقوم صالح بإتباع هذا الخيار وهو خيار اليائس الذي لم يعد له من ملجأ آمن. ومع كل ذلك فان لهذا الخيار نقاط ضعف كثيرة تجعله غير متوقع، يمكن ذكرها فيما يلي:
أ‌- من المعروف عن الرئيس صالح تجنبه السلوك الدموي، وتنازله حين يشعر بأنه لا بد من التنازل، ومن هنا فإن توقع قيام صالح بهذا الخيار سيكون مناقضاً لشخصيته المعهودة.
ب‌- اختيار صالح لهذا الخيار يعني أن الانتحار سيطاله ويطال أقاربه وربما قبيلته، في حال قرر الاحتماء بداخلها، وهذا يعني ان خيار صالح قد لا يتم قبوله من قبل أسرته وقبيلته، خاصة وأنهم، حتى الآن على الأقل، ليسوا مضطرين لهذا الخيار، فليسوا معرضين لخصوم راغبين في إبادتهم أو الانتقام منهم، خاصة وأن نظام صالح على مساوئه ظل إلى حد كبير نظام غير دموي، ولم يمارس القمع والوحشية على خصومه، ومن ثم لم يورط أسرته وقبيلته في عنف وثأر، إلى جانب أن التوازنات القبلية والاجتماعية ستضمن حياة أسرة صالح وقبيلته في حال غادر السلطة.

ونتيجة لما ذكر فان هذا الخيار يبقى مستبعداً في الوقت الحالي على الأقل.

خيارات التغيير الممكنة
تطرح في اليمن عدد من الخيارات لإحداث التغيير في اليمن، وفي الصفحات المقبلة سيتم مناقشة هذه الخيارات الممكن منها وغير الممكن:
استكمال الرئيس لفترته الدستورية 2013:
يعد هذا الخيار هو المفضل لدى السلطة، على أساس انه يتوافق مع الدستور، ويضمن انتقالاً طبيعياً للسلطة عبر الانتخابات. غير أن هذا الخيار غير ممكن بل قد يكون مستحيلاً للأسباب التالية:
أ‌- يتجاهل هذا الخيار حالة الثورة السائدة في الشارع والتي لا يحتمل بقاؤها بضعة أشهر وليس 30 شهراً، فالمحتجون لا يمكن تخيل انسحابهم من الشارع بشكل سلمي، استناداً إلى هذا الخيار، ولن يقبلوا بأي ضمانات لتحقيقه من أي جهة كانت.
ب‌- لم تعد المعارضة تثق بوعود الرئيس، ولن تقبل بأن تطفئ الحماس الحالي بوعود لا يمكن تصديقها، خاصة وأن التجربة التاريخية القريبة شاهدة على أن الرئيس قد تراجع في عام 2006 عن كلامه بعدم الترشح خلال ثلاثة أيام فكيف ستصدق وعودة لما بعد 30 شهراً.
ت‌- حتى لو افترضنا بأن الشارع هدأ وأصبح متقبلاً لفكرة المغادرة في 2013، فان الأسئلة التي تثار الآن ستثار في 2013 من قبيل: لمن سيسلم الرئيس السلطة وأسرته يحتلون المناصب العسكرية الرئيسية؟ وكذلك هل يمكن توقع إجراء انتخابات نزيهة وحرة في ظل بقاء الرئيس وسيطرته المطلقة على الجيش والأمن والمال العام؟
ث‌- كيف ستتم الانتخابات الرئاسية في 2013 ومجلس النواب الحالي سيصبح غير شرعي بعد 27 أبريل 2011؟ ومن غير المتوقع أن تجرى انتخابات برلمانية قبل 2013 في حال بقاء الرئيس والأزمة الحالية، ووفقاً للدستور النافذ فإن على مجلس النواب وبالاشتراك مع مجلس الشورى تزكية المرشحين للرئاسة. وفي حال عدم وجود مجلس نواب فكيف ستتم التزكية؟
ج‌- لا يمكن أن تبقى أوضاع اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون انفجار وتدهور، في حال بقى الرئيس حتى 2013.
من هنا فإن هذا الخيار يبقى خياراً غير عملي ولا يمكن توقعه بشكل من الأشكال، وترديده من قبل السلطة لا يعدو أن يكون ضرباً من الوهم ليس إلا.
تشكيل حكومة وحدة وطنية بزعامة المعارضة:
ملخص هذا الخيار أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية ترأسها شخصية من المعارضة وتتقاسم المناصب مع الحزب الحاكم، وتعمل على إجراء تعديلات دستورية وقانونية والإعداد لانتخابات برلمانية . هذا المقترح غير ممكن للأسباب التالية:
أ‌- لن تقبل به لا المعارضة ولا المحتجون في الشارع، فوفقاً لهذا المقترح سيبقى الرئيس وأسرته مسيطرين على مفاصل الدولة، وهو ما يجعله غير مقبول من قبل المعارضة.
ب‌- حتى لو قبلت المعارضة بهذا الخيار، فإن من غير الممكن أن يتم الاتفاق على التعديلات الدستورية والقانونية، نظراً للفجوة الواسعة التي تفصل بين السلطة والمعارضة. إضافة إلى أن الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تواجه اليمن تتطلب اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة لمواجهتها، وهو ما لا يمكن توقعه في ظل حكومة وحدة وطنية (تسمى في علم السياسية حكومة شلل وطني) فالحكومات من هذا النوع لا تتفق على أبسط القضايا فكيف هو الحال في القضايا المصيرية التي تواجهها اليمن حالياً.
استقالة الرئيس وفق الدستور الحالي:
هذا الخيار يقوم على استقالة الرئيس وإنفاذ الدستور الحالي، والذي ينص على أن يتولى نائب الرئيس مهام المنصب لمدة 60 يوماً تجرى بعدها الانتخابات الرئاسية. هذا الاقتراح غير ممكن للأسباب التالية:
أ‌- نائب الرئيس الحالي لا يحظى بالقبول من قبل فئات واسعة من السلطة والمعارضة، كما أن هناك إشكالاً قانونياً، يطرح من قبل البعض، يتمثل في أن نائب رئيس الجمهورية لم يصدر بتعيينه قرار بعد انتخابات الرئاسة عام 2006، ومن ثم فإنه غير شرعي، وفي هذه الحالة فإن الدستور يمنح رئيس مجلس النواب صلاحية القيام بمنصب رئيس الجمهورية. ورئيس مجلس النواب الحالي لن يكون مقبولاً من المعارضة والمحتجين في الشارع. ولهذا فإن نقل السلطة لأي من الشخصين المذكورين لن يهدئ الأوضاع بل قد يشعلها.
ب‌- وعلى افتراض تم نقل سلطة رئيس الجمهورية لنائب الرئيس أو رئيس البرلمان، فإن هناك إشكالات قانونية وسياسية تحول دون إجراء الانتخابات خلال الستين يوماً المحددة في الدستور، أهمها أن مجلس النواب الحالي لن يعد شرعيا بعد 27 أبريل 2011، وهو ما سيحول دون عملية التزكية المطلوبة للمرشحين للرئاسة. إلى جانب أن الأوضاع الحالية غير مواتية لإجراء انتخابات رئاسية.
إقامة نظام برلماني نهاية العام:
يستند هذا الخيار على ما طرحه الرئيس صالح، في تاريخ 10 -3- 2011 فيما اسمي بالمبادرة، ويتضمن هذا المقترح إجراء إصلاحات دستورية وتشريعية تؤسس لنظام برلماني، وتعديل لقانون الانتخابات ليأخذ بالنظام النسبي، وإقامة حكم محلي كامل الصلاحيات، وإجراء انتخابات برلمانية في نهاية عام 2011 وتشكيل حكومة في بداية 2012. ورغم أن هذه الخيار كان من ضمن مطالب المعارضة في الماضي، إلا أن الأحداث قد تجاوزته، فالمعارضة رفضت هذا الخيار واعتبرته محاولة من الرئيس لكسب الوقت.
إن القيام بإجراء تعديلات دستورية الآن وفي هذه الظروف غير صحي لأنها ستكون مستعجلة ومسلوقة وتخدم مصلحة طرف ما، فشكل النظام السياسي والحكم المحلي والنظام النسبي وغيرها من القضايا التي تثار الآن ينبغي تأجيل الحديث عنها لأن المناخ الحالي غير مواتٍ للاتفاق على هذه الأمور. وفي حال تغير النظام فإن هناك فرصة أكبر للتوصل إلى قرارات أفضل لهذه القضايا. فمناخ الحرية والتوازن السياسي، المتوقع حصولهما بعد التغيير من شانها أن تخلق بيئة مناسبة لحل هذه القضايا.

إجراء انتخابات رئاسية نهاية العام:
اقترحت المعارضة الرسمية على الرئيس، ضمن ما سمي بمبادرة العلماء، أن يجري انتخابات رئاسية نهاية العام وأن لا يرشح نفسه فيها أو أي من أقاربه، وقد رفض الرئيس هذه الخيار. ورغم أن الرئيس قد يقبل بهذا الاقتراح في مرحلة مقبلة إلا أن هذا الخيار لن يعود مقبولاً في المستقبل للأسباب التالية:
أ‌- المحتجون في الشارع لن يقبلوا بهذا المقترح الآن، كما أن المعارضة الرسمية لن تقدمه مرة أخرى لأنها تعتقد أن الزمن قد تجاوزه.
ب‌- كيف يمكن أن تجرى انتخابات رئاسية في نهاية العام بدون وجود مجلس نواب شرعي، حيث لا يتوقع أن تجرى انتخابات تشريعية قبل نهاية 2011 في ظل الظروف الحالية، إضافة إلى أن من غير الممكن أن تجرى انتخابات رئاسية نزيهة بوجود الرئيس وأقاربه في مفاصل الدولة وسيطرته على المال العام والوظيفة العامة.
نقل السلطة لمجلس عسكري:
يقوم هذا الخيار على تفويض الرئيس لمجلس عسكري، أو تقديم استقالته للقيادة العامة للجيش، هذا الخيار يبدو غير مفيد، نظراً لطبيعة التركيبة الحالية للجيش. فالقيادة الحالية للجيش بيد أقارب الرئيس، وتسليمهم أو بعض منهم السلطة معناه بقاء النظام الحالي تحت مسمى مختلف. وفي حال تم الإتيان بقادة من غير أسرة الرئيس فإن هؤلاء لا يمتلكون سلطة فعلية على الجيش أو أنهم من القادة المتقاعدين الكبار في السن، عديمي الخبرة السياسية. وهذه المؤهلات لا تجعلهم مفيدين في عملية التحول بل قد يزيدون الوضع تعقيداً.
الانقلاب العسكري:
قد يبدو هذا الخيار مستبعداً في الوقت الحالي، بسبب التركيبة الحالية للجيش، إلا أنه يبقى محتملاً من خلال قيام بعض القادة العسكريين وبمشاركة ضباط وأفراد من معسكرات متمردة على قياداتها، بإجبار الرئيس على التنحي، ومن ثم تولي السلطة من قبل هذه الفئة وبعض القوى السياسية. ويحمل هذا الخيار مخاطر سيئة على الدولة يمكن إيضاحها في النقاط التالية:
1- الانقلاب العسكري يعني إجهاض الثورة، فلن يحدث تغير سياسي حقيقي في الدولة، خاصة إذا قام بهذا الانقلاب قادة عسكريون يحملون طموحاً سياسياً وأجندة سياسية تتبع أحدى القوى السياسية. وهذا يعني أن اليمن ستدخل مرحلة من الحكم الشمولي الشبيه بحالة وصول البشير إلى السلطة في السودان. وهذا الأمر في حال حدوثه فانه يعني وضع خطر على الديمقراطية أسوأ من الوضع الحالي. ونتيجة لذلك فإن الكثير من القوى المشاركة في حركة التغيير قد تجد نفسها مضطرة لمواصلة الاحتجاجات لإسقاط هذه الحكومة.
2- عملية الانقلاب العسكري قد يترافقها أعمال عنف داخل الجيش وخارجه، وهو ما سيعمل على المزيد من سفك الدماء والفوضى، والانقسامات القبلية والمناطقية وغيرها. مما يعني حلاً كارثياً لليمن.
إسقاط المدن:
يقوم هذا الخيار من خلال تطوير حالة الاحتجاجات لتشمل الإضرابات وتوقف المصالح الحيوية وقطع الطرقات والسيطرة على المدن حتى الوصول للعاصمة. ويُطرح هذا الخيار بين القوى المعتصمة كأحد الحلول التي يمكن اللجوء لها في حال رفض الرئيس التنحي. ورغم أن هذا الخيار يبدو جذاباً وممكناً إلا انه يحمل الكثير من المخاطر المدمرة للدولة، يمكن إيضاحها فيما يلي:
1- لن تتم هذه العملية بسلام وسلاسة وسهولة كما يعتقد الكثيرون، فالسيطرة على المدن قد لا تتم في جميع المناطق، فتبقى مناطق تابعة للسلطة ومناطق للثوار وهو ما يعني نشوب حرب أهلية بشكل من الأشكال. إضافة إلى أن كثيراً من المدن لن يتم إسقاطها بدون عنف، وهو ما يعني سفك الكثير من الدماء ونشوب نزاعات قبلية وسياسية على نطاق المناطق التي تم إسقاطها.
2- عملية إسقاط المدن لن تتم من قبل جهة واحدة، حيث سنجد بعض المناطق ستسقط في أيدي قوى متعددة وذات أجندات متناقضة ومتصارعة. ومن ذلك سقوط بعض المناطق في أيدي الحراك الجنوبي وبعضها في أيدي الحوثيين ومناطق في أيدي حركات جهادية (القاعدة ومثيلاتها) وقوى أخرى ستنبثق أثناء السيطرة (قبلية، حزبية، مناطقية). وحدوث هذا الأمر يعني الفوضى والخراب. فحتى لو سقط النظام في نهاية الأمر فإن تخلي القوى المسيطرة على ما تحت يدها سلمياً أمر غير متوقع. والنتيجة المزيد من الانقسام والفوضى.
3- قد تبقى الحكومة الحالية مسيطرة على العاصمة وبعض المناطق الأخرى وهو ما يعني حرباً أهلية وانقساماً طويل الأجل. ووضع اليمن الاقتصادي والاجتماعي لن يتحمل حالة مثل هذه مما يعني تدمير الدولة وانهيار مقوماتها.

خيار التغيير الآمن
(الخيار الأقل سوءا للرئيس ولليمن)
من كل ما ذكر سابقاً يتضح أن بقاء الرئيس أصبح غير ممكن، فالأمر لا يتعلق بأن الرئيس جيد أو سيئ أو أن الدستور يقر بقاء الرئيس من عدمه، القضية هنا أن الأوضاع في اليمن لم تعد قابلة لأن تحل في وجود الرئيس وبقائه. حيث أن الرئيس لم يعد جزءاً من الحل وبقاؤه يعني المزيد من حالة الفوضى وربما الانفجار، كما أن من غير الممكن أن تجرى إصلاحات دستورية أو انتخابات برلمانية أو رئاسية في ظل بقاء الرئيس في السلطة. إلى جانب صعوبة نقل السلطة لنائب الرئيس أو رئيس مجلس النواب وفق الدستور النافذ. وعليه فإن المطلوب إحداث انتقال للسلطة خارج سياق الدستور الحالي، ويحظى بقبول نسبي من أحزاب المعارضة ومعظم المحتجين في الشارع، وكذلك المحيط الدولي والإقليمي. فهذا الانتقال يجب أن يتم بسرعة وقبل خروج الأوضاع عن السيطرة وفيما يلي بعض من أفكار هذا التغيير:
يقوم هذا الخيار على اتفاق بين القوى السياسية (الرئيس والمعارضة) وبرعاية إقليمية ودولية على إجراء انتقال هادئ ومنظم للسلطة يكون مقبولاً من جميع الأطراف بما في ذلك الرئيس وأسرته يجنب اليمن الفوضى والعنف، ويؤسس لمرحلة جديدة. ويعتمد نجاح هذا الخيار على عدد من العوامل التي يمكن ذكرها في النقاط التالية:
1- وصول الرئيس وأقاربه إلى قناعة بان بقاءهم في الحكم أصبح صعباً، وأن كلفة البقاء أكثر من كلفة الخروج. ولن تصل هذه النخبة إلى هذه القناعة، إلا إذا أدركت أن الخيارات التي سبق وذكرناها غير ممكنه وضارة عليهم في أحسن الأحوال.
2- اقتناع معظم أفراد السلطة الحالية وأصحاب المصالح والنفوذ - من غير الأقارب - أن الخيارات الأخرى غير ممكنه ومدمرة على مصالحها، وهو ما يدفعها للضغط على الرئيس بالخروج الآمن الذي يعد أقل المخاطر سوءاً على مصالحهم.
3- استمرار الاحتجاجات بإيقاعها الحالي والمتمثل في تزايد الاعتصامات السلمية وعدم وقوع حوادث عنف كبيرة تفجر الأوضاع بشكل عنيف وحاد تحرف الأمور في اتجاهات أخرى.
4- أن تنجح الثورة في ليبيا ويتحول الاهتمام الدولي والإقليمي صوب اليمن مستفيداً من الدرس الليبي العنيف والمكلف. وسيتحقق هذا الخيار في حال تدخل العالم الخارجي (الدولي والإقليمي) بشكل كبير وتمكنوا من إقناع الرئيس صالح بضرورة التنحي مقابل الخروج الآمن والمشرف من السلطة وبضمانة هذه الأطراف ورعايتها. وسيحدث ذلك حين تشعر القوى الدولية والإقليمية أن بقاء الرئيس صالح يعقد أوضاع اليمن ويجعلها عرضة لمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.
5- أن يتم ذلك بأسرع وقت ممكن وقبل أن تتعقد الأوضاع وتخرج عن السيطرة.
مقومات التغيير الآمن:
نظراً لتعقيد المشهد اليمني الذي لا يشبه الوضع في مصر أو تونس، بمعنى غياب جيش محترف يطمئن له الجميع وقادر على استلام السلطة خلال فترة انتقالية، فإن انتقال السلطة في اليمن يعني القيام بترتيبات خاصة يمكن ذكرها فيما يلي:
1- إنشاء مجلس رئاسة أو مجلس قيادة أو مجلس إنقاذ – لا يهم التسمية – يتولى مهام رئيس الجمهورية.
2- يجب أن يمثل هذا المجلس المكونات السياسية والجغرافية والمذهبية لليمن، بحيث تجد معظم هذه الأطراف أنها ممثلة بشكل أو آخر في المجلس وهي:
أ‌- الأحزاب الرئيسية الكبيرة: المؤتمر، الإصلاح، الاشتراكي.
ب‌- القوى الفاعلة غير الحزبية: الحراك، الحوثيون، معارضة الخارج.
ت‌- التقسيمات الجغرافية: الجنوب، اليمن الأسفل، اليمن الأوسط، اليمن الأعلى.
3- يتطلب بالمجلس أن لا يزيد عدد أعضائه عن 9 وأن لا يقل عن خمسة.
4- يتولى المجلس مهام رئيس الدولة لفترة مؤقتة لا تزيد عن عامين ونصف، ويتم تناوب الرئاسة بين الأعضاء بشكل دوري.
5- يفضل أن لا يكون من أعضاء المجلس من يرتبطون بالرئيس بشكل عضوي، خاصة من قادة المؤسسة العسكرية، كي لا يتم الالتفاف على الثورة، وفي الوقت نفسه رفضهم من قبل المحتجين.
6- أعضاء المجلس إضافة إلى أنهم ممثلون للمكونات الرئيسية، إلا أنه يجب أن يكونوا من الشخصيات المعتدلة والمقبولة من جميع الأطراف، بمعنى تجنب الإتيان بالشخصيات الخلافية والمتطرفة وذات الطموح السياسي العالي.
7- يتعين على هذا المجلس العمل على استتباب الاستقرار، والانتقال السلس للسلطة، والقيام بترتيب الوضع الدائم، ومن أهم مهام المجلس إعادة ترتيب القوات المسلحة والأجهزة الأمنية على أسس جديدة تتناسب والمرحلة القادمة.
8- يوكل للمجلس مهمة تشكيل حكومة من التكنوقراط تقوم بتسيير الأمور خلال الفترة الانتقالية، حيث يصعب الاتفاق على حكومة وحدة وطنية في هذه الظروف.
9- يوكل للمجلس إجراء تعديلات دستورية أو إنشاء دستور جديد، ومن ثم القيام بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في فترات متعاقبة.
10- ينتج عن عملية انتقال السلطة ضمان عدم ملاحقة الرئيس وأقاربه وكل المسئولين السابقين عن الفترة التي حكموا فيها، من خلال إجراء عفو عام، صادر عن البرلمان الحالي، وبضمانة قوى دولية وإقليمية.
11- ترتيب أوضاع بعض أقارب الرئيس من خلال منحهم وظائف في الخارج كسفراء أو ملحقين عسكريين لفترة محدودة.
12- إقرار البرلمان لمادة دستورية تمنح رؤساء الدولة السابقين منصب عضو دائم في مجلس الشورى أو أي مجلس بديل يتم تشكيله في المستقبل، وهو ما يمنح الرئيس الحالي الحصانة البرلمانية الدائمة، وسيستفيد من هذه المادة الرؤساء السابقون: علي ناصر محمد، علي سالم البيض، وحيدر أبو بكر العطاس.
13- إنشاء مجلس يتولى جزءاً من مهام السلطة التشريعية التي سيتم تعطيلها، يقوم بدور الرقابة على أعمال الحكومة ومجلس الرئاسة، ويتكون المجلس من 101 عضوا ويمكن تشكيله على النحو التالي:
أ‌- 50 عضواً للأحزاب: 10 للمؤتمر، 10 للإصلاح، 10 للاشتراكي، 20 للأحزاب الأخرى والكتل السياسية.
ب‌- 50 عضواً تقسم على هذا النحو: 20 عضواً للمشايخ، 5 أعضاء لجماعة الحوثي، 5 أعضاء للحراك، 20 عضواً لمنظمات المجتمع المدني وشخصيات عامة.
ت‌- يتم التوافق بين القوى الرئيسية على أسماء الأعضاء ورئيس المجلس، ويتم تعيينهم بقرار من مجلس الرئاسة.
14- في حال كان عدد أعضاء مجلس الرئاسة 7 فيفضل أن يكونوا بالشكل التالي:
أ‌- شخصان يمثلان الحزب الاشتراكي والجنوب وأحدهم قريب للحراك.
ب‌- شخصان يمثلان حزب الإصلاح يكون أحدهما ممثلاً لمناطق اليمن الأسفل والثاني ممثلاً لمناطق اليمن الأعلى.
ت‌- شخصان يمثلان المؤتمر أحدهما يمثل اليمن الأعلى والثاني يمثل اليمن الأوسط.
ث‌- شخص يمثل الحوثيين واليمن الأعلى، وربما يكون من النظام الحالي (هاشمي مؤتمري).
15- من الممكن أن يمثل الشخص نفسه أكثر من جهة كأن يكون ممثل عن الحزب الاشتراكي وفي الوقت نفسه ممثلاً عن الجنوب وربما الحراك وهكذا، ويعتمد ذلك على نوعية الأشخاص، إذ أنه كلما كان الشخص ممثلاً لأكثر من جهة منحه ذلك أفضلية. ولا يعني اختيار هذه الشخصيات شكلاً من أشكال المحاصصة الطائفية أو المناطقية أو الحزبية، فهذا المجلس يجب أن يكون خاصاً بالمرحلة الاستثنائية وليس حلاً دائما للسلطة في اليمن.
إن الهدف مما ذكر المساهمة في إيجاد خارطة طريق للخروج من الأزمة الحالية، بأقل قدر ممكن من الخسائر، خاصة وأن بقاء الرئيس في الحكم يعني استمرار الأزمة، وما يترتب عليها من جمود للدولة وإفراغ للمؤسسات، ومزيد من التدهور الأمني والاقتصادي والاجتماعي.
إن وجود آلية لانتقال السلطة تعمل على تهيئة الرأي العام والقوى السياسية، تجعل المواطنين الخائفين من التغيير يشعرون بالاطمئنان بشكل من أشكال، ويساهم في سهولة الانتقال. إضافة إلى ذلك فإن وجود خارطة طريق تجعل العالم الخارجي القلق بشأن التغيير في اليمن يشارك ويؤيد التغيير ويعمل على مساندته وضمان تنفيذه.
إن ما يجب التأكيد عليه هو أن اليمن لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الأحداث، وبقاء الوضع الحالي ينذر بانفجار عنيف، قد لا يكون مخططاً له من قبل القوى السياسية، ولكنه سينتج عن حالة التشنج التي تعيشها اليمن، التي هي بمثابة برميل بارود ستفجره شرارة قد تأتي بشكل عرضي. ولهذا فإنه كلما كان هناك حل سريع لقضية انتقال السلطة أدى ذلك إلى تفادي العواقب الخطيرة. فلملمة الوضع في الحالة الراهنة أسهل منه بعد الانفجار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.