قبل خمسة أشهر كنت في أجازة سنوية قضيتها في اليمن وزرت خلالها أربع محافظات "صنعاءوتعز وعدن والحديدة" كان لسان حال كل مواطن يمني يقول "يكفي لقد أوغلتم في قتلنا". في صنعاء قابلت بائع الماء في ميدان التحرير حيث يرابط هذه الأيام ما يسمى بأنصار "الريال الصالح" عندما كنت أقراء إحدى الجرائد في حديقة التحرير جلس بجواري وكان ينظر إلى عنوانين الجريدة بنصف عينه، كم حزت في نفسي تلك النظرة التي حاول من خلالها أن يسرق بعض عناوين الأخبار في الجريدة التي كانت في يدي، هو ليس لص أنما عزة نفسه لا تسمح له بأن يقول لي لو سمحت ممكن أن أقراء الجريدة كما أنه لا يحب إن ينهره صاحب الكشك الذي لجأ إلى تدبيس الجرائد لكثرة المتصفحين العاجزين عن شرائها. تحدث إلية عن كيفية العمل في بيع الماء فقال لي أنه يكسب 350 ريال يوميا يدرس في الصباح ويعمل في بيع الماء من الظهر حتى الساعة التاسعة مساء. قال لي أنه يساعد والده في مصاريف الأسرة، كم كان دمي يغلي وأنا أسمع تلك الكلمات وأقول في نفسي هل يعرف هذا الطفل البالغ من العمر 11 سنه تقريبا أن في الدستور اليمني بنودا تكفل له حق الحياة الكريمة وهل يعرف أن إجمالي ما ينهبه الفاسدون في اليمن يصل إلى 4 مليار دولار سنوياً.
في صنعاء حيث يوجد 300 ألف أسرة فقيرة ينتشر الآلاف من المتسولين في التقاطعات والمساجد والأسواق وترى الأطفال والشباب والمسنين يكدحون في العمل بأشياء بسيطة تكفل لهم ولأسرهم دخلهم اليومي البسيط في تعز وإب هو ذاته المشهد السائد في صنعاء بل أشد سواء وفقراً وخدمات، أما محافظة الحديدة بمديرياتها فتختلف تماما بعض مديريات ومدن المحافظة كأنك تعيش في أفقر دولة افريقية حيث يباع الزيت في أكياس صغيرة لوجبة واحدة ويباع الدقيق بالكيلو ويمشي الكثير حفاة على الأقدام. الشعب يريد الحياة بعيدا عن مصاصي دماء البشر من المسؤولين السفهاء الذين عبثوا بأموال الشعب اليمني وجعلوا من كرامة المواطن اليمني ليس رخيصة الثمن بل لا ذكر لها مطلقاً.