وقفت المعارضة اليمنية حائرة ومعها الشعب اليمني وكل المهتمين بالشأن اليمني حيال تفسير التناقض في الموقف الخليجي وخصوصا في ما يخص بيت القصيد بالمبادرة الخليجية وتحديدا في النقطة الأولى وتغيير كلمة "التنحي" عن السلطة إلى نقل السلطة. والمتابع جيدا يعرف أن كلمة نقل السلطة هي نفس الكلمة التي وردت في المبادرة المضادة التي أطلقها الرئيس ضد المبادرة الخليجية الأولى التي أعلنها رئيس الوزراء القطري. تلك المبادرة المضادة التي لم يستطع حملها القربي لفرط أهميتها فحملها رجلي المهمات الصعبة الأمنية والسياسية علي الآنسي و عبدالكريم الارياني.. وقبل أن نلج إلى مسارات محاولتنا للفهم يجب أن نضع بعض الأسئلة التي توجهنا في متاهات تخبط ومراوغات علي عبدالله صالح وهي: - هل هناك مبادرة خليجية واحدة ام مبادرتين ؟ - هل الخليجيون متوحدون فعلا حيال الثورة اليمنية؟ - هل كان وضع علي عبدالله صالح السياسي يسمح له بالهجوم على دولة بقدرات قطر واستعدائها في هذا الظرف العصيب بالنسبة له؟ أم أن هناك من هو أكبر من قطر حرضه على قطر..بمعنى أخر هل أكلت السعودية الثوم بفم علي عبدالله صالح؟ - هل من مصلحة السعودية والبحرين وعمان و الإمارات إنتصار الثورة اليمنية بل إنتصار أي ثورة عربية؟ - هل يتشابه موقف دول الخليج الحالي من الثورة اليمنية الحالية مع موقفها في الستينات من ثورة 26 سبتمبر..وهل تغيرت الشروط الموضوعية للوضع السياسي في المنطقة مما يستتبع تغيرا في المواقف أم أن الشروط الموضوعية لم تتغير بل تعمقت و زاد تأثيرها و لماذا؟ وهناك أسئلة أخرى تتناسل و تتفرع من الأسئلة الآنفة الذكر..وهنا نجد أنفسنا - ككاتب وقراء- أمام وضع سياسي بالغ التعقيد في المنطقة يصبح فيها علي عبدالله صالح مجرد كرت بيد لاعبين أقوياء وهو الرجل الذي طالما لعب وتلاعب بشعبه ومكوناته السياسية والاجتماعية ككروت مجردة من كل معاني الإنسانية..فتُقتل الألوف المؤلفة في صعدة لمجرد تقليم أظافر علي محسن وتسوية الملعب للنجل المدلل لوراثة المنصب و لابتزاز السعودية بالخطر الشيعي الموهوم..ويُقتل أطفال فقراء جياع محرومون منسيون ومعزلون في وادي بعيد غير ذي زرع يسمى المعجلة، - ولها من اسمها نصيب فقد عجلت بنهاية علي عبدالله صالح- لمجرد ابتزاز الأمريكان بالإرهاب والقاعدة المصنوعة في قلعة السبعين المسماة اعتباطا دارا للرئاسة وهي لا تقل عن باب العزيزية تحصينا و ترفا.. إذا علي عبدالله صالح مجرد كرت و لكن بيد من ..بيد السعودية وإليكم القصة.. من المؤكد أن موقف السعودية وبقية دول الخليج ما عدا قطر والكويت من الثورة اليمنية الحالية لم يتغير عن موقفها من ثورة 26 سبتمبر في الستينات لسبب بسيط وهو أن الظروف الموضوعية للوضع السياسي في المنطقة لم تتغير بل تعمقت بسبب المتغيرات الحادثة في المنطقة منذ ذلك الحين وهي: الثورة الإيرانية الشيعية، وسقوط العراق السني، وثورة المعلومات التي تضرب المجتمعات الخليجية بقوة وعمق أفقياً ورأسياً. إضافة إلى ذلك، النمو الإنساني المتراكم و المستدام طوال خمسين عام بكل جوانبه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي والوعي السياسي والحضاري والمصحوب بإحباط سياسي واضح المعالم الذي شهدته دول الخليج أن كل ما ذكر أعلاه يجعل السعودية عرضة لهزات سياسية قوية ربما أخرتها المسكنات المالية المهولة التي ضخها الملك عبدالله في جسد المملكة المصابة بالشيخوخة التي انتقلت إليها عدو الشيخوخة من شيخوخة جميع قادتها دون استثناء.. و عليه فأن مواقف الدول الخليجية حيال الثورة اليمنية تصب في مسارين الأول: مسار السعودية وحلفائها وينطلق من مصالحها ومصيرها وهو موقف مضاد للثورة بالضرورة والمحلل السياسي يفهم هذا الموقف بناءً على ما تقدم. الثاني: قطر وتقف فيها مع الكويت ولكل منها أسبابها.. فقطر لها مصالح تختلف عن المصالح السعودية إضافة لعدم وجود خطر قيام ثورة لسبب بسيط وهو غياب التركيبة والمشاكل الاجتماعية المعقدة والمتضادة فلا فقر ولا بطالة بل أن قطر حققت مستويات دخل قياسية في التاريخ لم يحققها شعب ولا دولة على مر التاريخ بمتوسط دخل 140 ألف دولار سنويا و معروف أن قطر تحظي بتوزيع عادل للثروة إلى حد بعيد بين الحاملين للجنسية القطرية أو كما يدعون في الخليج "بالمواطنين" وهذا يجعل من جميع أبناء الشعب القطري على قلتهم يشعرون أنهم جزء أصيل من السلطة الحاكمة بمقابل المقيمين والذين يدعون في الخليج "بالوافدين" الذين يمثلون الشعب المنعدم الحقوق والذي يعيشون بمتوسط دخل ضئيل مقارنة "بالمواطنين" وهذا يجعل الثورة في قطر تدخل في نطاق المستحيل إلا إذا قام الوافدون بالثورة وهذا أيضا مستحيل.. وهنا يجب التنويه أن الإمارات العربية المتحدة لها نفس ظروف قطر في استحالة قيام "المواطنون" بالثورة و لكن خطر "الوافدين" واردا جدا و خصوصا الجيل الثاني من الجالية الهندية وهذا ما يجعل الإمارات تتحالف مع السعودية الدولة القوية وذات الكثافة السكانية المعقولة والتي يمكنها كبح جماح أي ثورة فيها كما حصل مع البحرين.. ولقطر سبب أخر غير "نزيه" ولعلنا نتذكر أمير قطر ذات ظهور على قناة الجزيرة قبيل قمة غزة في قطر وهو يردد "حسبنا الله و نعم الوكيل" ولسانه حاله "يقول حسبنا الله و نعم الوكيل فيك يا علي عبدالله صالح الذي تتاجر بالمواقف على حساب أهل عزة" ...وفي نفس المسار القطري تقف الكويت لسبب موضوعي وهو أنها دولة ديمقراطية حقيقية إلى حد بعيد ولسبب ذاتي غير نزيه وهو الرغبة في الانتقام من علي عبدالله صالح لمواقفه في حرب الخليج الأولى. ولكل ما تقدم أرى أن الاجتماع الأول لدول الخليج الذي عقد في قطر أقر المبادرة التي تقدمت بها قطر وفرضتها لأسباب دبلوماسية تتعلق بمكان الاجتماع بالضد من رغبة السعودية تحديدا وبدل أن ترفضها السعودية وتحرج نفسها أمام الشارع اليمنى الثائر ومن خلفه الشارع العربي عموما وبالأخص الشارع السعودي حرضت علي عبدالله صالح على رفضها لا بل و التهجم الشخصي على رئيس الوزراء القطري التهجم الذي جعل الكل يقف أمامه حائرا الذي جاء في خطاب قصير جدا كأنما صمم خصيصا لهذا التهجم والذي لم يكن ليحدث من الرئيس وهو في حالة سياسية مهلهلة لولا استقوائه بالسعودية. بل إن السعودية جعلت الرئيس يقدم مقترحا بمبادرة أخري تتناقض مع المبادرة الخليجية الأولى "القطرية" وتسارع السعودية للدعوة لاجتماع طارئ تتبنى فيه مبادرة علي عبدالله صالح وتفرضه على الاجتماع المنعقد في قاعدة عسكرية في الرياض ومن الطبيعي جدا أن تتحفظ قطر على المبادرة المضادة لمبادرتها. لقد كان علي عبدالله صالح هذه المرة صادقا وربما للمرة الأولى منذ زمن طويل ولا أظن أني أتذكر أخر مرة سمعت فيها الرئيس يقول شيئا وهو صادق..حيث قال أن هناك مبادرة قطرية وهي التي عرضت في الثالث من أبريل..أما مبادرة العاشر من ابريل فهي مبادرة سعودية ..الأولى كانت تهدف لنجاح الثورة ..والثانية تهدف لكبح جماح الثورة اليمنية وبالتالي لكبح جماح التسونامي الثوري العربي وتحطيم أمواجه على أعتاب الجارة الكبيرة... وهذا يطرح سؤال أمام الأخوة الأشقاء السعوديين لماذا تريدوا أن تضعوننا وتضعون أنفسكم على طرفي نقيض سعادتكم في شقائنا وشقائكم في سعادتنا..لماذا لا نعيش جميعنا سعداء؟!.