حضرموت.. قنابل ضوئية على محيط مطار سيئون واتهامات متبادلة بشأن اشتباكات الشحر وحدتها تتصاعد    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    إدانات واسعة تجاه اعتراف العدو الصهيوني بإقليم " أرض الصومال "الانفصالي.. اسرائيل تناور بالاعتراف هروباً من الحصار    هنأ الشعب بمناسبة جمعة رجب.. قائد الثورة: لابد أن نكون في حالة يقظة مستمرة وروحية جهادية عالية    هل حان الوقت لتجريم الاستعمار    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    قوات النجدة بأمانة العاصمة تستعيد 3 دراجات نارية مسروقة    وكيل وزارة الخارجية يشيد بدورالصليب الأحمر في ملف الأسرى    فلسطين الوطن البشارة    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    جوائز غلوب سوكر: باريس والبرتغال ويامال الأفضل    مطالب حضرمية لمجلس الأمن بالتحقيق في مصافي الخشعة وتمويل الإرهاب    سياسي جنوبي يثمّن شراكة التحالف مع الجنوب ويؤكد: النصر في 2015 صُنع بوضوح الموقف لا بالمساومات    اغتيال جار الله عمر.. اللحظة التي دخل فيها ملف الإرهاب في اليمن دائرة التوظيف السياسي    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    تشييع جثمان الشهيد المقدم توفيق العسيقي في التعزية    مدارس أمانة العاصمة تحتفي بعيد جمعة رجب    مركز البحر الأحمر للدراسات يصدر كتابين جديدين حول الهجرة الأفريقية غير الشرعية إلى اليمن والقضية الفلسطينية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    الشتاء يتحول إلى كارثة إنسانية: 20 وفاة وآلاف النازحين بالعراء في غزة    عاجل: أهم نقاط البيان.. سيئون تجدد العهد لاستعادة دولة الجنوب وتفوض الانتقالي خيارًا نهائيًا بلا تراجع أو مساومة    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    تحت شعار الهوية والانتماء.. جامعة صنعاء تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    صنعاء.. صدور حكم استئنافي في قضية الصحفي محمد المياحي    صنعاء: المكاتب التنفيذية تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    الصين: تأسيس أكثر من مليون شركة جديدة في 11 شهرا    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    هروب    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    القوات المسلحة الجنوبية تضبط مصفاة غير قانونية لنهب النفط داخل مزرعة متنفذ شمالي في الخشعة    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فشل الدولة
نشر في المصدر يوم 27 - 08 - 2009

الحفاظ على المملكة يستلزم الكثير من الجنود، فرساناً ومشاة.
والحفاظ على هؤلاء الجنود يحتاج إلى أموال كثيرة.
وللحصول على هذه الأموال، لابد أن يكون الشعب غنياً.
ولكي يصبح الشعب غنياً، لابد أن تكون القوانين عادلة.
وإذا تعطل أي منها، تعطل الأربعة جميعاً.
وإذا تعطل الأربعة، تفسخت المملكة.
مقطع شعري للشاعر التركي يوسف كان.
يلخص الشاعر التركي يوسف كان – صاحب المقطع الشعري السابق – وبشكل بسيط جداً، المبادئ الأساسية التي من شأنها أن تحافظ على بقاء المملكة/الدولة. تلك المبادئ الأربعة تتجانس وتترابط فيما بينها بشكل تراتبي من الأسفل إلى الأعلى بحيث تؤدي في مجموعها الكلي إلى النتيجة المطلوبة: الحفاظ على مملكة/دولة قوية. وحتى يتم ذلك، يجب أن يكون هناك: قوانين عادلة. الأمر الذي سيتمكن بموجبه الشعب من بلوغ درجة الثراء، بعيداً عن المحسوبية. وإذا ما أصبح الشعب غنياً، ستتمكن الدولة من توفير أموال كثيرة لخزينتها جراء الأعمال التجارية والاستثمارات وفرض الضرائب وغيره. الأمر الذي سيمكنها من بناء دولة قوية محمية بجيش قوي.

قد يبدو طلبي هذا غريباً، ولكن لبعض الوقت فقط: دعونا ننسى أمر الجبهتين المفتوحتين مع النظام القائم: الحرب الدائرة في محافظة صعدة، والمواجهات المتصاعدة بشكل متقطع في المحافظات الجنوبية.
وليس بعيداً عن ذلك، علينا أن نخوض في جبهة أخرى من الصراع، هي - في اعتقادي - تمثل جذر الأزمات جميعاً. جبهة مرتبطة بالإجابة على التساؤل التالي: كيف تدار الدولة؟
إن فشل السلطة القائمة في إدارة شئون الدولة، هو الجذر الأساسي، الذي أفضى إلى مجموعة الأزمات المتتالية. وحينما يصبح الفشل سمة واضحة لأي إدارة، فمن الطبيعي أن تكون نتيجته العامة: تراكم الأزمات بعضها فوق بعض، الأمر الذي قد يوصلها إلى درجة أقرب إلى الاستعصاء على الحلول.
وعند هذه النقطة الحرجة تفقد [أي سلطة إدارية/حكومة] المعنى الجوهري الذي يجعلها مستحقة – وهي على شاكلتها تلك –للاستمرار في ممارسة المهام الموكلة إليها في إدارة شئون "الدولة".
وفي حالة ما إذا استعصت الظروف على "قسرها"، بلوغاً إلى تغييرها بسلطة أخرى "رشيدة"، فإن "الدولة" ستمضي في طريقها إلى الانهيار التام. وعندئذ يتحول الأمر من "حكومة" فاشلة إلى "دولة" فاشلة.
والفرق واضح بين الحالتين من حيث النتائج. وإن كانت العلاقة بينهما مترابطة من جهة أن الحالة الثانية تأتي كنتيجة للحالة الأولى( غالباً)، وبالتالي يصعب الفصل بينهما. إلا أن فشل "الحكومة" في الأنظمة الديمقراطية (الحقيقية) تختلف مآلاته عن الفشل في الأنظمة المستبدة أو الأنظمة ذات الديمقراطيات الصورية. فهو في حالة الأنظمة الديمقراطية، قد يعني أننا وصلنا إلى الخطوة الأولى لإنقاذ "الدولة". ذلك أن الشعب الحر، الذي يمتلك آليات التغيير الديمقراطية بين يديه، لا يمكنه أن يترك دولته تتهاوى، فيما أنه قادر على وضع حد لذلك. وهذا هو المعنى الجوهري للفعل الديمقراطي..

بيد أن فشل "الحكومات" في الدولة المستبدة، أو الدولة ذات النهج الديمقراطي "الصوري"- كليهما - يوصل حتماً إلى: فشل "الدولة". كون الأمر هنا منوط بافتقاد آليات التغيير التي تمكن الشعب من إيقاف حالة الانتقال إلى تلك النتيجة. غير أن هناك نتيجة مرافقة، غالباً ما تبرز عند هذا المستوى المتقدم، وهي: اللجوء إلى خيار العنف للتغير والإنقاذ. ومرد ذلك هو التحرك تحت قوة الدافع الإنساني للبقاء، أو الإبقاء على الحياة عند أدنى مستوياتها. وفي مثل هذه الحالة من التدافع الإنساني - عند بلوغ مرحلة "فشل الدولة" في الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية الصورية- دائما ما تكون هناك نقطة حرجة، تجبر الغالبية العظمى من الشعب على كسر حاجز الخوف المسيطر، تحت إلحاح الخوف من الآتي. الخوف من المصير الذي ستؤول إليه الأمور. والذي قد تدل مؤشراته - في الوضع الراهن - أنه سيكون أكثر قساوة من الحاضر، مالم يكن هناك تحرك قوي لإيقاف هذا المآل تحت أي شكل من الأشكال.
وعندئذ: قد تنفجر الأوضاع وتدار الحروب الأهلية التي تجد لها ذرائع ومسميات عدة، يكون القائمون على النظام قد عجزوا عن امتصاصها أو إذابتها بالحلول المناسبة. بل غالباً ما تكون سياساتهم هي السبب الرئيس في تجذريها وتعميقها، مثل: الطائفية، المناطقية، المذهبية، القبلية... الخ. وهي المرجعيات أو الملاذات التي قد تعتقد بعض الفئات المجتمعية العصبوية، أنها ستكون آمنة، حينما تشعر أن دور الدولة إزاء حاجياتها الأساسية قد فقد، وأن الوقت قد حان للتدخل والإنقاذ.
• معايير "فشل الدولة"
"ثمة معياران أساسيان يحددان الدول الفاشلة: تؤمن كميات ونوعيات محددة جداً من الخدمات السياسية لمواطنيها، وخسرت احتكارها للعنف" وهما معياران تحدث بهما روبرت أي روتبرغ، وهو مدير برنامج النزاعات داخل الدول وتسوية النزاعات، في كلية كينيدي للإدارة الحكومية، ورئيس مؤسسة السلام العالمية.
فأما الخدمات السياسية التي ينشدها المواطن - أيّ مواطن - فهي تكاد تكون متشابهة - إلى حد ما - في مختلف أرجاء الأرض. وبحسب روتبرغ، فإنه تم تصنيفها في خمس فئات جامعة، على النحو التالي : السلامة والأمن، سيادة القانون والشفافية، المشاركة وحقوق الإنسان، التنمية الإقتصادية المستدامة، والتنمية البشرية. ويلاحظ أنها تتشابه إلى حد التطابق – لكن مع فارق التسميات بين الزمنين – مع ما ذهب إليه الشاعر التركي يوسف كان في قصيدته السابقة.
وتعتبر الدولة في حالة "فشل" ملموس، إذا كان أداؤها سيئاً في الفئات الخمس كلها. وفيما عدا ذلك، فتصنف الدول التي على شفير الانهيار. على أنها: إما "ضعيفة"، وإما "في طور الفشل".
وفي الحقيقة، إننا ما زلنا - إذا ما اقتصرنا على المعيار السابق فقط - لا نستطيع الحكم على الدولة، إذا كانت فاشلة أم لا. وحتى يكون الحكم باتاً، يجب ربط الأمر بالمعيار الثاني: قدرة الدولة من عدمه على احتكار العنف. بمعنى أنه إذا فشلت دولة ما في المعيار الأول (عجزت عن تأمين الخدمات الأساسية لمواطنيها إلا بكميات محدودة جداً)، فإنها لا تصبح فاشلة كلياً إلا إذا فقدت سيطرتها الاحتكارية على العنف. أي إن الدولة تعاني من حروب أهلية وداخلية واضحة للعيان، ولم تستطع القضاء عليها بشكل نهائي. هنا يمكن الإشارة إلى الصومال كنموذج واضح للدولة الفاشلة كلياً.
ومع ذلك، فالأمر بحاجة إلى مقياس آخر لإحداث التوازن بين الدولة الفاشلة في توفير احتياجات مواطنيها، لكنها تمتلك قبضة حديدية في احتكار العنف. ولإحداث التوازن، فقد ذهب المؤشر العالمي لقياس الدول الفاشلة، للتأكيد أننا يمكن أن نعتبر دولة ما "فاشلة ": إذا كانت حكومتها قوية جداً لدرجة أنها تخنق الحياة في مجتمعها ( كما هو الحال في زيمبابوي وبورما).
منذ العام 2005 حمل كل من: "صندوق السلام" ومجلة "فورن بوليسي/ السياسة الخارجية" – مقرهما أمريكا – على عاتقهما إصدار تقرير سنوي في مؤشر الدول الفاشلة. وقبل أيام صدر التقرير الخامس 2009 (يقيس المؤشرات التي حصلت عليها الدول خلال العام (2008). يضع المؤشر 12 مقياساً للحكم. هي: الضغوط الديمغرافية – لاجئون/نازحون داخلياً – مظالم جماعية – هروب الأدمغة – تنمية غير متساوية – التراجع الاقتصادي – فقدان الدولة شرعيتها – الخدمات العامة – حقوق الإنسان – الأجهزة الأمنية – نخب متحزبة – التدخل الخارجي.
ونشرت مجلة "فورن بوليسي" في عددها الأخير: يوليو – أغسطس تفاصيل التقرير الأخير. وبشكل عام، يصنف المؤشر أوضاع الدول إلى خمسة تصنيفات، هي بحسب الترتيب: دول في وضع حرج – في خطر – عند الحد الفاصل – مستقر – الأكثر استقراراً. إلا أن ما تم التركيز عليه ونشر في العدد الأخير من المجلة، هي الدول الأكثر هشاشة في العالم، والتي بلغ مجموعها 60 دولة على مستوى العالم. ويمنح المؤشر كل دولة من هذه الدول، نقاط حتى الرقم 10 في كل مقياس من المقاييس ال 12 السابقة. حيث تشير النقاط الأعلى إلى أداء سيئ للدولة.
• في أي خانة نحن؟
قبل التطرق لوضع بلادنا في مؤشر الدول الفاشلة، علينا أولاً أن نقوم بالاختبار التالي: إذا ما جلنا بالنظر في أنحاء البلاد، فما الذي سنجده؟ ليجب كل منا على هذا التساؤل بمحض إرادته.
وبحسب التعريف الدولي، فإن الدولة "الفاشلة"، هي الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها، وعادة ما تلجأ للقوة، وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثرة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير الخدمات لأبناء شعبها، فضلاً عن فشلها في التعامل بفاعلية مع المجتمع الدولي، وعادة ما تشهد معدلات فساد وجريمة مرتفعة.
في الحقيقة، ربما لم تصل بلادنا بعد إلى مرحلة الدولة "الفاشلة". وهذا أمر جيد. لكننا بحسب تصنيف مؤشر الدول الفاشلة، نقبع في خانة الدول التي في حالة "الخطر". وهي الخانة التي تسبق حالة "الفشل" الكلي.
"ربما لا تتصدر اليمن بعد أخبار الصفحات الأولى، لكن عواصم العالم ترصدها عن كثب الآن. تتحضر عاصفة كبرى هناك، من شأنها أن تؤدي إلى فشل الدولة: اختفاء الموارد النفطية والمائية، زمرة من المهاجرين الذين يتدفقون من الصومال – الدولة الفاشلة المجاورة. ويزعم أن بعضهم على صلة بتنظيم القاعدة. وحكومة ضعيفة تصبح أكثر فأكثر عاجزة عن إدارة الأمور. يتخوف كثير من أن اليمن قد تكون أفغانستان المقبلة: مشكلة عالمية مغلفة في دولة فاشلة".
بهذه العبارات، بدأت المجلة الأمريكية، بافتتاح تقريرها. لقد وضعت بلادنا في الواجهه الرئيسية للتقرير، الذي فضل أن يتحدث عن الخطر المحدق باليمن في الفقرة الأولى منه، ليحذر من انهيارها.
من بين الدول الستين الأكثر هشاشة، وضع التقرير "الصومال" في المرتبة الأولى كدولة فاشلة، بينما وضع بلادنا في المرتبة ال(18). وإذ حصلت الصومال على 114.7 نقطة بحساب المجموع الكلي للمقاييس ال 12، فقد حصلت بلادنا في كافة المقاييس على مجموع كلي بلغ 98.1 نقطة.
بل غالباً ما تخوف المحللون السياسيون (محليون ودوليون)، أن يتشابه مصير اليمن مع مصير جارتها: الدولة التي حازت على المرتبة الأولى في قائمة الدول الفاشلة للعامين الأخيرين على التوالي. فيما أنها ما زالت تضخ عشرات الآلاف من النازحين نحو اليمن على مدى العقدين الأخيرين منذ اندلاع الحرب الأهلية. وتشير آخر الإحصائيات أن عددهم الكلي قد تجاوز المليون نازح.
• نظام ديمقراطي "صوري" أفضى إلى دولة "هشة"
ويتعزز حديثنا عن نتائج ومآلات الأزمات وتراكمها في النظم الديمقراطية الصورية والاستبدادية، من خلال تقرير مؤشر الدول الفاشلة، في المقياس الخاص ب"فقدان الدولة لشرعيتها". حيث يمنح التقرير بلادنا في هذا المقياس (8.3) من 10 نقاط (للتذكير فقط: كلما اقتربت النقاط من الرقم 10 ازداد الأمر سوءاً). النتيجة التي يمكن استخلاصها من هذا الأمر، أننا نقترب كثيراً، وعلى وشك أن نصل إلى "الدولة الفاشلة".
والخلاصة: لقد فشلت "الحكومة" التي تدير الدولة منذ أمد. وهي الآن تقودنا تدريجياً وبشكل أكثر وضوحاً نحو المرحلة التالية: أن نصبح في عداد الدول "الفاشلة".
غير أن ما يجعل الأمر معقداً على نحو كبير، أن النظام مصنف على أنه "ديمقراطي".! وهو أمر يتعارض مع ما ذهبنا إليه في مقدمة حديثنا. من جهة أن [المحكومين] ما زالوا – منذ عقدين وحتى اللحظة – غير قادرين على إيقاف التدهور الحاصل، باستخدام الآليات الممنوحة لهم ديمقراطياً. تلك الآليات التي يجب أن تفضي بالضرورة إلى استبداله بنظام "راشد". لذلك قد يبدو أن الأمور بدأت تنحو إلى النتيجة الأخرى: الحاجة إلى التغيير بطرق وآليات آخرى تنزع إلى القوة. لنتمعن النظر حولنا: هل هذا هو ما يحصل منذ سنوات؟
حسناً: لكون النظام الحالي قائم على النهج الديمقراطي، ولكوننا مصنفين دولياً في وضع "خطر"، ونقترب بشكل مخيف من "الدولة الفاشلة"، في الوقت الذي يفتقد فيه الشعب القدرة على تغيير الإدارة الحالية للنظام بشكل سلس.. هي أمور بمجملها تؤدي إلى تعزيز صحة القول: إن الديمقراطية في بلادنا هي ديمقراطية "صورية"، يسيطر فيها الحزب الحاكم على كافة أجهزة الدولة ويتماهى في سلطاتها الثلاث بما يجعله يجير القوانين لمصلحة بقائه وإستمراره، عبر السلطة التشريعية، في الوقت الذي جعل من نفسه القاضي والمحكمة، والأمن والجيش..الخ
غير أن الحيلة التي استلهمتها القيادة العليا للحزب الحاكم في إدارة شئون البلاد، على ذلك النحو، بدأت ملامح ارتداداتها العكسية تتضح: الاقتراب من مرحلة الفشل الكلي في إدارة شئون الدولة.
فضعف فاعلية الأجهزة الأمنية – بحسب ما يؤكده التقرير الدولي المشار إليه - هي الأخرى تتعدى الثمان نقاط. وهذا أمر ينبئ بضعف سيطرة الدولة، الأمر الذي يزيد من حتمية استمرار التدهور الحاصل في مقياس السلامة والأمن إلى ما هو أسوأ خلال الفترة القادمة. لقد اتسعت – إلى حد جلي – يعض المظاهر العصبوية المخيفة، التي يبدو أنها أدركت مدى الضعف الذي تمر به الأجهزة الأمنية. وذهبت بعض التقارير الدولية للقول "إن سيطرت الحكومة على البلاد، لا تتعدى العاصمة صنعاء". ومابين جبهات التمرد المفتوحة في شمال وجنوب البلاد، تبرز بين الحين والآخر مثل تلك المظاهر العصبوية القبلية، لتؤكد مدى استهانتها بالدولة. وبات يلاحظ بشكل واضح أنه وكلما أرادت عصبة قبلية أخذ حقها أو فرض أمر ما، فإنها لا تلجأ إلى قانون الدولة المفترض، بل إلى تلجأ إلى القوة والعنف - قانونها الخاص الذي يمكنها من تحقيق مآربها (بدا وكأنها ليس فقط لم تعد واثقة بالقانون، إنما تعتبره جزءاً من قوة الخصم الذي تواجهه..طالما شعرت أنه يجيره في مصلحته كيفما يشاء).
• ما الذي يقلق العالم لما يحصل في اليمن؟
إن مؤشر الدول الفاشلة الأخير منح بلادنا النقاط التالية: (7.7)، (8.9)، (8.2)، (8.5)، (7.7) في القضايا التالية: مظالم جماعية، تنمية غير متساوية، التراجع الاقتصادي، الخدمات العامة، حقوق الإنسان، على التوالي.
إن مثل هذه المؤشرات السيئة – إلى جانب ما سبق الإشارة إليه من ضعف الأجهزة الحكومية وضعف سيطرة الحكومة - هي التي حدت بالتقرير لأن يؤكد – في مقدمته الافتتاحية - بأن عواصم العالم "ترصد بلادنا عن كثب الآن".
في الواقع قد يمكن إدراك أن عواصم العالم لا يقلقها من فشل الدولة في اليمن، إلا شيء واحد: أنها ستشكل تهديداً كبيراً على مصالحها الأقليمية. الأمر الذي يتضح من خلال التركيز الدولي المكثف - خلال الفترة الأخيرة - على ما يحصل في اليمن.
وإذا أردتم: فأمعنوا النظر فيما يحدث من استعدادات مكثفة على الحدود البحرية تحت ذريعة مكافحة القرصنة! كما يمكنكم التمعن في تحذيرات المحللين الغربين حول ما يحدث هنا.! بل أكثر من ذلك علينا - وبشكل جدي- الالتفات إلى تحذيرات التقرير الأخير الصادر عن الكونجرس الأمريكي (نوقش في الكونجرس بتاريخ 5 اغسطس الحالي) والذي أفصح عما يقلقهم إزاء ما يحدث في بلادنا، من ناحية: "أن عاصفة من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية قد بلغت ذروتها الآن في صنعاء توشك على تحويل اليمن إلى "دولة فاشلة" مما يُمكِن تنظيم القاعدة "الإرهابي" استغلاله لبناء قواعد عسكرية خلفية آمنة لضرب المصالح الغربية وأمن الخليج العربي، والسيطرة على القرن الأفريقي" هكذا يكشف التقرير: أهم مخاوف الغرب من فشل الدولة في اليمن.
صحيح أن بلادنا لم تصل بعد إلى حالة الدولة الفاشلة كلياً، لكنها باتت على مشارف بلوغ ذلك. على أن القلق الذي يساور العالم يحتم التدخل في كلا الأمرين، وإن بطرق مختلفة. حيث جاء في الوثيقة/ التقرير: "لا يزال هناك متسع من الوقت قبل إصدار قرار رسمي باعتماد اليمن "دولة فاشلة" يتحتم بموجبه التدخل العسكري الأمريكي والدولي المباشر داخل الأراضي اليمنية بما في ذلك العمليات العسكرية لحلف الناتو". أما في الحالة الراهنة يقول التقرير: " أنه لا يزال يعتمد توصيف الحكومة والنظام اليمني ب"الضعيف والهش"، وهو ما يوجب فقط زيادة إرسال الدعم المالي التنموي للحكومة اليمنية على مستويات عالية دون التدخل عسكرياً، مع إبقاء الطلعات التجسسية الجوية الأمريكية ومراقبة الأوضاع على الأرض عن كثب".
يمكن تشبيه الوضع بمريض في غرفة الإنعاش، ينتظر الجميع إعلان وفاته. على أن مثل هذا الحل الإسعافي، بحد ذاته، مقرون باستعداد الحكومة على استثمار تلك الأموال بطريقة سليمة. ذلك بعد أن شككت دول ومنظمات مانحة بهذا الأمر في وقت سابق. كان آخرها التشكيك بمقدرة الحكومة اليمنية في تصريف واستغلال تلك المليارات من الدولارات (قرابة 6 مليار دولار) التي أفضى إليها مؤتمر المانحين لليمن في لندن – فبراير 2006. ويقال إن الدول المانحة لم تلتزم بتسليم كامل تعهداتها بعد أن أثبتت بلادنا عجزها في إدارتها على النحو الذي خصصت من أجله.
• إشكالية الرأس..
بدون "كوابح"، يمضي بنا "القائمون على النظام" في إتجاه عاصفة محدقة من شأنها أن تؤدي إلى فشل"الدولة". ليس فقط لأن نفطنا ينضب ومواردنا المائية تستنزف، بالترافق مع: زيادة عدد السكان المحليين وتضاعف عدد النازحين القادمين من الصومال.. بل لأن الحكومة ضعيفة وتصبح أكثر فاكثر عاجزة عن إدارة شئون "الدولة".
أقل القول إن حكومتنا: تنضح بالفوضى العارمة. وهي في أوقات عدة، حازت على فرص كثيرة للقيام بدورها المفترض: إقامة أركان الدولة الحديثة، وإنشاء اقتصاد مبني على التنوع والتجدد. فما الذي قامت به؟ لقد أضاعت تلك الفرص، بشكل مسف، حينما ظلت محكومة بمعيار واحد: ما الذي يريده رأس النظام، لا ما الذي يريده الوطن والشعب..!!
وتباعاً لذلك، فقد شهدنا مجموعة من الوزراء والمسئولين: مع أنهم ظلوا ينحازون بقلوبهم مع بناء الدولة الحديثة، ضد الفساد، إلا أن سلوكهم المعلن لم يزد عن التأكيد بالقول: إن الرئيس بيده مفتاح الحلول، وهو القادر على كل شيء، بما فيه: إنقاذ البلاد. على الأرجح قد يتسم مثل هذا القول بالمديح، من جهة أشخاص يعرفونه تماماً، لكن النتيجة مآلها في نهاية الأمر: إنحاء اللائمة على الرئيس. الذي تعزز تلك المقولات أنه ظل يصنع لنفسه هالة من القوة على حساب إضعاف الدولة اليمنية. ليس ذلك فحسب، وإنما – وكأنهم يريدون قول ذلك - أن الرئيس القادر على إخراج اليمن من أزماتها لم يقرر بعد العمل على ذلك!
تخلت الدولة – المفترضة - عن دورها في التنمية والخدمة الاجتماعية. وهي حينما حررت السوق لم تتخلَّ عن تغذية شبكات الفساد بمختلف أطره، فحسب، بل ساعدت على الاحتكار عن طريق تنمية المحسوبية، لمصلحة فئة قليلة في الحكم، غالباً ما كانوا مقربين من الرأس عموماً، أو من الأسرة الحاكمة بشكل خاص، وذلك على حساب ومصلحة الفئة الأكبر من الشعب. وفي الوقت الذي ظل فيه العدد الأكبر من الشعب يتعرضون للسحق بفعل هذه المعركة غير المتكافئة، كان واضحاً أن فئة قليلة من الأسر التجارية والإدارية المقربة، برزت بحيث أصبحت تتحكم بمصير ومفاصل التجارة من جهة، وبأجهزة الدولة المختلفة لتسيطر على الموارد والاستثمارات وثروات البلاد، من الجهة الأخرى.
إن أسلوب إدارة البلاد بعقلية المالك، لا الحاكم المخول من الشعب بإدارة شئونهم وتحسين أسلوب حياتهم، أفضى – وربما - سيفضي إلى مزيد من الاختلالات البنيوية للدولة، لتبرز بجلاء تلك التشوهات المجتمعية، الأمر الذي أنتج بدوره اختلالاً مرافقاً في أسلوب التفكير لدى فئة من المجتمع شعرت أنها باتت مهمشة في معادلة الدولة، فذهبت في طريق العنف، مستغلة فشل الحكومة في إدارة شئون البلاد. حدث ذلك في الوقت الذي أنهك النظام الحاكم مقدرات الدولة بتسخير كل شيء لمصلحته مما أدى إلى ضعفه العام، الأمر الذي بات معه عاجزاً عن مواجهة تلك الجبهات المستثارة نتيجة لذلك كله.
وبالعودة إلى ما يحدث في جبهتي صعدة والجنوب، إضافة إلى استيطان تنظيم القاعدة اليمن كمقر لتنفيذ عملياته.. أضف إلى ذلك: بروز مظاهر العنف الفئوي المناطقي والقبلي خارج أطر الدولة، وترافق ذلك مع استمرار التدهور الاقتصادي، الناتج عن نضوب النفط، مع زيادة تغلغل الفساد في أجهزة الدولة..
إن ذلك كله لا ينبئ إلا بشيء واحد: إن هناك عاصفة كبرى تتحضر في بلادنا، من شأنها أن تؤدي إلى "فشل الدولة".
على أن ما يسند هذا الأمر: عجز الشعب عن استخدام آليات التغيير السلمية في إيقاف ذلك التدهور الحاصل أمامه، بالطرقة السلمية السلسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.