لم يكن مخترعو مبررات حروب صعدة الست يكترثون- فيما مضى- لمبرر الحفاظ على هيبة الدولة، ولكنهم فطنوا إلى أهمية هذا المبرر في الآونة الأخيرة، وضموه إلى قائمة الدعاوى، التي تسوَّغ وتفسر وقوع هذه الحروب.. وقد يكون حظ هؤلاء المخترعين عاثراً، فمبرر شن الحرب حفاظاً على هيبة الدولة جاء متأخراً جداً، ولا أمل في أن يكون له تأثير فعال في خلق رأي عام داخلي وخارجي مساند للحرب، فالرأي العام داخل اليمن وخارجها غدا أكثر اقتناعاً بأن الدولة اليمنية تمر بحالة انهيار حقيقية، مما يجعل الحديث عن شن حرب ضارية حفاظاً على هيبتها، حديثاً يخلو من الجدية ومن المصداقية..
استمرار المأساة، التي نشهد وقائعها يومياً، هو ما جعلني أحجم عن وصف هذا المبرر بالمضحك، ولكن إذا ما بدت المفارقة مثيرة للضحك، فسيكون ضحكاً كالبكاء، فهل ما يجري في صعدة يدل على وجود دولة تستحق فعلاً أن يكون لها هيبة، بينما قرار الاتهام الصادر عن النائب العام بحق من أسماهم قادة التمرد في صعدة لم يصدر إلا في الأيام الأخيرة بعد حدوث خمس حروب ونصف، باعتبار أن الحرب الحالية السادسة لا تزال مستمرة، ولم تضع أوزارها بعد..
سيكون سخيفاً أيضاً تبرير تأخر صدور قرار الاتهام كل هذه السنوات بحالة غير مقصودة من النسيان وسط انشغالات داخلية وخارجية لا نهاية لها، فالدولة التي تسهو عن استخدام القانون صيانة لهيبتها، واحتراماً لأهم وظائفها، ليست دولة ولا يجوز الادعاء بحاجتها للهيبة..
ربما أن الانكسارات المتلاحقة التي تعرضت لها وحدات الجيش المستخدمة في حروب صعدة الست، تعبر عن إحساس الجيش اليمني بعدم عدالة هذه الحروب، وعدم شرعيتها، وأن أهدافها الحقيقية تقع خارج واجباته الوطنية والدستورية، ولعل السيد عبدالملك الحوثي كان واعياً لهذه المسألة، ومنصفاً في رأيه فيها، عندما أجاب على سؤال صحفي بهذا الخصوص، قال فيه: لم يُهزم الجيش، ولكنه غير مقتنع بهذه الحرب..
بلا ريب، يحمل هذا الوصف الكثير من الإنصاف للجيش اليمني، والكثير من التقدير لجنوده وضباطه، ومن الحقائق التي لا سبيل إلى دحضها، أن الجندي اليمني فائق الشجاعة والبسالة، وقد حقق انتصارات قتالية مبهرة في ظروف أخرى كان فيها أقل تجهيزاً بالمعدات العسكرية، ولكنه كان يحارب بمعنويات عالية، وبقناعة كاملة بعدالة المعركة التي يخوضها، على العكس تماماً من الحالة التي وضع فيها في صعدة خلال حروبها الست..
إن الحفاظ على هيبة الدولة مهمة نبيلة ليس هناك من يجرؤ على معارضة تحقيقها، أو يستكثر الثمن المطلوب لإنجازها، مهما كان باهضاَ، ولكن دعونا نتحقق أولاً من أن لدينا دولة قانون وطنية فعلاً..
لا ريب بأن دولة القانون الوطنية ستعلو شامخة مهابة دونما حاجة لشن الحروب الداخلية ضد مواطنيها، ولن تقبل على نفسها شن العدوان قبل أن يصدر النائب العام قرار القبض على المتهمين، واستنفاذ الوسائل القانونية الأخرى في القبض عليهم..