أرجع عدد من الكتاب في الصحف القطرية، بينهم مصريون، خسارة وزير الثقافة المصري فاروق حسني أمام المرشحة الأوروبية في انتخابات مدير عام منظمة الأممالمتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو)، إلى عدة أسباب، أبرزها كونه ممثلا لدولة "فاشلة سياسيا تحتكر السلطة وتقمع الحريات وهو ما يجرح صورة مرشحها"، حسب قولهم. في المقابل أيد كتاب آخرون ما ذهب إليه الوزير المصري من أن "مؤامرة أمريكية صهيونية" حيكت ضده للحيلولة دون وصول عربي مسلم لأرفع منصب ثقافي في العالم، إلا أنهم حملوا حسني ذاته المسئولية بسبب تصريحات السابقة المعادية لإسرائيل.
يأتي ذلك في الوقت الذي اتهم رئيس تحرير صحيفة مصرية خاصة قطر بالوقوف ضد الوزير المصري خلال انتخابات اليونسكو التي انتهت الأسبوع الماضي، وذلك في أعقاب تصريحات لحسني تحدث فيها عن وجود دور لسفير إحدى الدول العربية في خسارته دون أن يسمي تلك الدولة.
دولة "فاشلة سياسيا"
الكاتب والمفكر المصري فهمي هويدي كان على رأس الكُتّاب الذين اعتبروا أن أبرز أسباب هزيمة حسني يعود للنظام المصري ذاته.
ففي مقال بجريدة "الشرق" القطرية، قال هويدي: إن "فشل السيد فاروق حسني ليس راجعًا لكونه معاديا لإسرائيل كما قيل، ولكن من الأسباب المهمة التي أسهمت في الفشل أنه يمثل بلدا يصنف ضمن الدول الفاشلة سياسيا".
وفصل قائلا: الدولة التي "تُحتكر فيها السلطة ويُحكم بقانون الطوارئ منذ أكثر من ربع قرن وتُقمع فيه الحريات العامة، تجرح صورة مرشحها، وتجعل من انتخابه لإدارة اليونسكو اعتداء على قيمها (المنظمة) وإضعافًا لرصيدها الأدبي والمعنوي".
واعتبر هويدي أن "قرار التنافس على منصب مدير اليونسكو لم يكن اختيارًا صائبا؛ لأن سمعة مصر السياسية والثقافية لا تشكل رصيدا إيجابيا يقوي مركز مرشحها ويعززه".
"ابن النظام المصري البار"
المعنى ذاته ذهب إليه الكاتب ياسر سعد في مقال له بجريدة "العرب"، قائلا: "لا يستطيع المثقف العربي أن يتعاطف مع خسارة وزير للثقافة لأكثر من عقدين في نظام يتبنى نشر ثقافة الخوف والتملق والتزلف".
وتابع: "بل إن رجل الشارع المصري والعربي قد يجد صعوبة في كبت مشاعر الشماتة بهزيمة انتخابية لأحد رموز نظام أدمن تزييف الانتخابات الداخلية".
واعتبر أن "الدرس الكبير الذي يمكن استخلاصه من خسارة حسني يكمن في أن الإنجازات والمواقع الدولية المتقدمة تكون من خلال إثبات الوجود والمواقف القوية المبينة على أسس راسخة، وليست من خلال تقديم التنازلات المهينة واتخاذ المواقف الذليلة".
ولفت في هذا الصدد إلى مواقف حسني من جانب و"تفريط (الرئيس المصري حسني) مبارك ل(رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو ووصفه له برجل السلام برغم مواقفه المتطرفة والمتعالية واستقباله في القاهرة مباشرة بعد إعلان الحكومة الإسرائيلية إطلاق البناء في المستوطنات".
وذكر سعد بتصريحات وزير الثقافة المصري، الذي وصفه ب"ابن النظام المصري البار"، التي أطلقها قبل ثلاثة أعوام ووصف فيها الحجاب بالتخلف والردة للوراء، وأضاف أنه لا يستبعد "أن تلك التصريحات كانت بداية غير معلنة للوزير في حملته نحو اليونسكو لتتسق مع الحملات الغربية ضد الحجاب وليبرهن الرجل عن ثقافته الغربية"، مشيرًا أيضا إلى منح حسني جائزة الدولة التقديرية للدكتور سيد القمني، وهو باحث متهم بال"التشكيك في الإسلام والإلحاد".
حرب هوية
من جهة ثانية، أيد كتاب آخرون تصريحات لوزير الثقافة المصري تحدث فيها عن وجود "مؤامرة أمريكية صهيونية" حيكت ضده لمنع وصول شخصية عربية إسلامية إلى منصب مدير عام اليونسكو.
واتفق الكاتب فرحان العقيل مع الآراء السابقة في أن أحد أسباب هزيمة حسني هو "مشهد الحرية الثقافية والإعلامية في دولنا الذي لا يزال بعيدا عن ذلك المستوى التأهيلي لهذا المنصب الذي تهتم مؤسسته بتوسيع مستويات الحرية الإعلامية والفكرية في كافة المجتمعات العالمية حسب ميثاقها الأساسي".
غير أنه في مقال له بجريدة "الشرق" أيد ما ذهب إليه حسني من أن "صراع الحضارات والصهاينة" كانوا سببا آخر لهزيمته.
وقال العقيل: "صدق الوزير حسني في الأسباب التي أطلقها تبريرا لخسارته بتحميل عدد من الدول الغربية واللوبي اليهودي المحيط بالمنظمة مسئولية إحباط وصوله لهذا المنصب الشرفي؛ لهويته العربية ومرجعيته الثقافية وتصريحاته المعادية لإسرائيل".
وبين أنه "وبرغم أن خسارة العرب لهذا المنصب هي الثانية بعد التأهل الكبير الذي حققه الوزير السعودي الدكتور غازي القصيبي عام 1999، إلا أن العرب لم يستوعبوا الدرس ومضامينه الفكرية المرتبطة مباشرة بالعقيدة اليهودية وما يوظف لها دوليا حتى في كواليس السياسة الأمريكية".
اللعبة الكبيرة
واتفق مع العقيل في الرأي الكاتب السوداني الدكتور الصادق الفقيه في مقال له بجريدة "الراية"، مؤمنًا بدوره على تصريحات الوزير المصري بأن "اليونسكو" أصبحت "مسيسة"، ولكنه بين أن قواعد اللعبة كانت معروفة للجميع بما فيهم حسني ذاته.
وقال الفقيه: "مع التأمين المطلق على كل ما قال السيد فاروق حسني، ومحاولته لتوضيح تفاصيل اللعبة الكبيرة وتأييد العرب والمسلمين ومساندة أحرار العالم في الجنوب وبعض من الشمال لمصر الدولة، بيد أن هناك متعلقات شخصية جعلت من الوزير حسني هدفاً خاصًّا للمعارضة، وعرضته للهزيمة".
ودعا إلى التفريق بين مصر وحسني، مشددا على أن "مصر التاريخ والحضارة والكسب الإنساني، هي أكثر البلاد تأهيلاً وأحقية بهذا المنصب، ليس الآن، ولكن كان يجب أن تكون متربعة هناك منذ أن رأت هذه المنظمة النور".
وفي الجريدة نفسها، اعتبر الدكتور صلاح الدين محمد، وهو باحث في العلاقات الدولية، أن تصريحات الوزير المصري التي قال فيها أمام البرلمان المصري إنه سيحرق الكتب الإسرائيلية إذا عثر عليها في المكتبات المصرية، كانت وبالا عليه برغم اعتذاره عنها.
وأردف محمد في مقاله: "سأحرق كتب إسرائيل تتشابه إلى حد بعيد مع ما قاله الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في مطلع تسعينيات القرن الماضي عندما هدد الكيان الإسرائيلي، وقال سأحرق نصف إسرائيل إذا فكرت في الاعتداء على أي قطر عربي".
وتابع "وهذه كلمات دفع كل من قائليها الثمن، أحدهما دفع حياته على المدى البعيد، والآخر خسر المنصب على المستوى القريب، ولا ندري إن كان قد اقترب أجله"، ورأى أن السبب الآخر وراء خسارة حسني "هو ضعف الصوت العربي والإسلامي بشكل عام كلوبي مؤثر كما يؤثر اللوبي الصهيوني والإسرائيلي".
مؤيد لحسني
وعلى خلاف الآراء السابقة، أعرب الكاتب حسن شكري فلفل في مقال له بجريدة "الوطن" القطرية عن غيظه وخيبة أمله لنجاح "الإعلام الصهيوني والدوائر السياسية والإعلامية الغربية" في حشد الجهود لإسقاط فاروق حسني.
واعتبر أن حسني "لو تبوأه (أي المنصب) لأسهم -بما له من خلفية- في دفع عجلة حوار الحضارات، لكن ومن أسف فإننا نحن العرب ما اشتغلنها صح".
لكن الكاتب المصري فهمي هويدي عارض ذلك الطرح في مقاله ب"الشروق"، معتبرا أن "فشل السيد فاروق حسني لا يشكل خسارة لمصالح العرب أو المسلمين، كما أن فوزه لم يكن ليعد مكسبا لهم"، وبين أن مدير اليونسكو يظل محكوما في سياساته ومواقفه بحسابات ومصالح الدول الكبرى المهيمنة.
ولفت هويدي إلى ما حدث للمسلم الوحيد الذي شغل ذلك المنصب، وهو السنغالي البارز أحمد مختار إمبو الذي انتخب عام 1974، فحين اقترب إمبو من خطوط الغرب الحمراء، مثل نزع السلاح وإسرائيل والنظام العنصري في جنوب إفريقيا، ناصبته الدول الأوروبية العداء، وانسحبت الولاياتالمتحدة من المنظمة، وقطعت تمويلها لأنشطتها.
اتهامات لقطر
وتأتي تعليقات الكتاب العرب على أسباب خسارة وزير الثقافة المصري في ظل اتهامات من كتاب مصريين لقطر بالعمل على عرقلة فوز حسني، وقال مجدي الجلاد رئيس تحرير جريدة "المصري اليوم" الخاصة في تصريحات لبرنامج "الحياة اليوم" على قناة "الحياة" المصرية الخاصة مساء أمس السبت 26-9-2009: إن السفير القطري لدى اليونسكو سعى لدى الدول الإسلامية في المجلس التنفيذي للمنظمة كي لا ينتخبوا حسني، واتهم الجلاد دولا عربية أخرى بالتصويت ضد حسني، دون أن يسميها.
وكان حسني قد قال في تصريحات ل"المصري اليوم": إن "سفير إحدى الدول العربية في اليونسكو، والتي ليس لها حق التصويت ضدي، كان يطوف على سفراء الدول الإسلامية لمنع انتخابي"، معتبرًا أن هذا السلوك كان من "الأساليب القذرة التي شهدها في الحملة الانتخابية".
ويبلغ عدد أعضاء اليونسكو 191 دولة، فيما يبلغ عدد أعضاء المجلس التنفيذي 58 دولة، وهم من لهم حق التصويت في انتخابات المدير العام، ويوجد سبع دول عربية في المجلس التنفيذي، ليس من بينها قطر، وهم: مصر والجزائر وتونس والمغرب ولبنان والكويت والسعودية.
وخسر الوزير المصري في الجولة الخامسة والأخيرة للانتخابات بعد أن دعمت الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية الرئيسية المرشحة المنافسة البلغارية إيرينا بوكوفا، التي فازت ب31 صوتا مقابل 27 لحسني.