تتميز الثورة اليمنية الشعبية التي اشعلت شرارتها في ال 3 من فبراير 2011م والتي خرجت مطالبة بتغيير نظام علي عبدالله صالح القابع في السلطة لأكثر من ثلاثة عقود والمستمرة حتى اللحظة بسلميتها وبمواجهتها لآلة القمع العسكرية الهمجية التابعة للقوات الموالية لصالح بصدور عارية، ولم يحمل الثوار يوما قطعة سلاح واحدة للدفاع عن أنفسهم من الموت بالرغم من إنتشار السلاح بين أوساط الشعب بشكل مخيف، حيث تشير الإحصائيات في اليمن إلى وجود أكثر من 60 مليون قطعة سلاح في البلاد، أي بمعدل 3 قطع سلاح لكل مواطن من السكان البالغ عددهم أكثر من عشرين مليون نسمة. فالثورة الشبابية اليمنية تتعرض بشكل شبه يومي للقتل والقنص بإستخدام آلة الحرب المتوسطة والثقيلة من قبل القوات الحكومية الموالية لصالح ومن قبل مدنيين مما يطلق عليهم "ببلاطجة النظام"حيث تستخدم قذائف الأر بي جي ومضادات الطائرات في مواجهة شباب سلميين يحملون سلاح الكلمة وأفواه تصدح بشعارات مطالبة بالحرية وبإسقاط بقايا نظام متهاوي، فالسلاح – شعارات سلمية مدوية - الذي يحمله الشباب زلزل الأرض من تحت أقدام الطاغية وأعوانه وأصبحوا يرون في شباب الثورة السلميين قوة جبارة قد تقضي عليهم جميعا وتقودهم للموت يوميا، لذا يواجهونهم بكافة أنواع الأسلحة والتي تستخدم فقط في المواجهات العسكرية ظنا منهم أنها قد تخمد النار المتقدة في صدور الشباب وتثبط عزيمتهم ولكنهم أخطأؤا هذه المرة، لأن نار الغضب تزداد وهجا وضيئا وتصميما للقضاء نهائيا وإلى غير رجعة على نظام ظالم أخرجهم للساحات بعقلية ثورية جديدة تمتلك الكثير لبناء يمن جديد خال من الفساد والظلم . قرر الشباب ومنذ أول يوم خرجوا فيه للساحات، أن يفسخوا عقد إجتماعي كان الطرف الأول المستفيد منه هو صالح وأزلامه والطرف الثاني الشعب المغلوب على أمره، وبدؤا في مناقشة ملامح عقد إجتماعي جديد يمهد لميلاد يمن جديد يقوم على المواطنة المتساوية والديمقراطية الحقة والشفافية، فالعقلية الثورية في اليمن مرت بفترات خصوبة قبل بدء الثورة في مطلع فبراير الماضي، وقد استفادت شريحة من هامش حرية لا بأس به أيام حكم صالح ونحن لا ننكر ذلك، وفيه تشكلت نواة الثورة الأولى والمطالبة في بداية الأمر بإصلاحات سياسية وإجتماعية، فقد كانا نسمع بنداءات بتلك الإصلاحات من قبل شباب سوءا صحفيين أو كتاب أو طلبة جامعات وذلك قبل إندلاع الثورتين في تونس ومصر إلا إنها لم تكن بزخم كبير أو لم تكن بجرأة تدعوها للخروج للشارع لأنها كانت في فترة نضوج للعقلية الثورية وما شجعها للخروج للشارع هو ما حدث في ميادين الحرية في تونس ومصر، وإيضا بسبب غباء أمني كان لمصلحة اليمنيين كافة، وهو عندما خرجت مجموعة من الشباب بناء على دعوة من قبل الناشطة توكل كرمان والحائزة على جائزة نوبل للسلام لهذا العام 2011م، وذلك في مظاهرة تأييد للثورة التونسية أمام السفارة التونسية في صنعاء، إلا ان العدد كان قليل ولم يكن بالمستوى المطلوب وقد جوبهت هذه المظاهرة بالقمع من قبل قوات الأمن وهو ما أطلقنا عليه "الغباء الأمني" سابقا، والذي ساهم في إنطلاق الشرارة الأولى للثورة الشبابية السلمية، وقتها دعت السيدة توكل كرمان عبر الفيس بوك للخروج إلى الشارع بمظاهرة أكبر تضامنا مع الشعب التونسي وقد واجهت تلك التظاهرات أيضا بالقمع وبوحشية، وقتها رفعت شعارات تطالب برحيل علي عبدالله صالح ونظامه، عندها أنضم للساحات في صنعاء وتعز وغيرها من محافظات الجمهورية الكثير من الشباب المطالبين برحيل صالح ولحقت بركب الثورة قوى المعارضة وأيضا المنشقين عن نظام صالح وخاصة بعد " جمعة الكرامة " 18 مارس 2011م عندما أرتكبت قوات صالح مجزرة مروعة راح ضحيتها ما يزيد عن 52 شهيدا . العقلية اليمنية ثورية في الأصل وتتميز بالسلمية في الوقت نفسه وعلى مر التاريخ، فاليمنيون دخلوا الإسلام حينما أرسل الرسول الأعظم محمد عليه افضل الصلاة والتسليم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل إلى اليمن لدعوة أهله إلى الإسلام، فكان أن استجاب أهل اليمن إلى دعوتهما دون تردد أو مقاومة، وأيضا اليمنيون ثوريون ومقاتلين شداد وشاركوا جيش المسلمين الذي فتح الشام وعدد أخر من البلدان، أيضا اليمنيون انتفضوا ضد الحكم العثماني والإمامي في الشمال والمستعمر في الجنوب، وهذا دليل على العقلية التي تميل للثورة ضد الظلم والجبروت وأيضا عقلية تتميز بطول الصبر، فقد صبر اليمنيون على نظام ظالم مدة 33 عاما وهي إلى الآن تربض في الساحات لأكثر من ثمانية أشهر للتخلص من براثين هذا الظلم وبعقلية ثورية سلمية . العقلية الثورية في اليمن تميزت ولكنها لم تصل لمستوى النضج الكامل بعد، فالساحات تضم مختلف الأطياف والقوى السياسية والجميع مجمع على تحقيق مطلب واحد وهو إسقاط نظام علي عبدالله صالح ومحاكمته وهذا هو الرائع أي الإجماع، وهذا ما يراه المراقب للثورة اليمنية من على بعد ومن خلال الفضائيات، ولكن ما أن تقترب وتتنقل بين الخيام وفي مختلف الساحات وترى تلك الكتل المكونة للثورة اليمنية والفرق والشيع، فأنك ترى شيئ مختلف قليلا، قد لا يشوه الثورة اليمنية أكثر مما يدعو لمزيد من التأني والتفكير مليا، ماذا سوف يحدث عندما يسقط النظام؟! نظام صالح سيسقط الآن أو غدا لا محالة، ولكن ماذا بعد ؟ سؤال يجب أن يجد إجابة واضحة وجلية فالمرحلة القادمة وهي مرحلة صياغة العقد الإجتماعي الجديد بين الشعب وحاكمه هي الأهم، ما نراه الآن بأن هناك إستعداد كامل من قبل الشباب لتحمل المسؤولية وقيادة المرحلة المقبلة ليس بالأمر اليسير، والخطابات الثورية تختلف عن العمل الثوري الجاد والواقعي . المراقب عن كثب للثورة اليمنية يرى أن هناك إختلافات وإنقسامات حادة داخل الساحات وبين الشباب أنفسهم، فالكل مجمع على رحيل صالح وفي هذه النقطة لا غبار عليها ولكن ماذا سوف يحدث بعد السقوط المدوي لصالح ونظامه؟، نحن نرى الآن معارضة في قيادة الثورة ودماء للشباب في الساحات وقيادات شبابية رافضة لقوى المعارضة . فقد تم تشكيل مجلس وطني قوبل بالرفض من قبل قوى ثورية مما يزيد من حده الإنقسامات داخل الساحات، ويفشل إيضا من بعده مجلس رئاسي إنتقالي يشكل من قبل اللجنة التحضيرية للقوى الشبابية في الساحات فالمشترك يلزم الصمت حياله والحراك الجنوبي والحوثيون يرفضون والشباب منقسمون بين مؤيد ومعارض،ونرى هنا بأن النظام أو بقايا النظام لم يسقط بعد والثوار لا زالوا منقسمين . هناك إختلافات قد تكون بسيطه ولا ترى، ولكن من المهم أن تطرح فمثلا، مسألة تسمية الجمع في الثورة اليمنية يلاحظ أنها أحيانا قوبلت بالرفض من قبل بعض القوى الثورية في الساحات والتي تريد تسميه هذا الجمعة بالتسمية الفلانية وذلك حسب سياسة معينه تنتهجها، وقوى أخرى تريد إلغاء تلك التسمية وذلك لتناقضها من إيديلوجياتها الفكرية . وزد على ذلك، مسألة فوز الناشطة توكل كرمان بأعظم جائزة حصلت عليها اليمن والمرأة العربية بشكل عام وهي جائزة نوبل للسلام لهذا العام، حيث نرى إختلافات ونقاشات حادة داخل الساحات ما بين مؤيد وسعيد بهذا النصر وما بين رافض ان تعطى هذه الجائزة لإمرأة تنتمى لحزب الإصلاح وإنها لا تستحق وإنها مدعومة، وهناك قوى ثورية داخل الساحات من ترفض هذا التكريم الذي جاء تتويجا وإعترافا بالثورة اليمنية على مستوى العالم. ففي حقيقة الأمر، إن النظام سيورث للمجلس الإنتقالي - سوى كان رئاسي أو وطني والمهم التوافق عليه بالإجماع من قبل جميع القوى الوطنية – تركة مثقلة بالهموم والمشكلات السياسية والإجتماعية والإقتصادية، والتي سيكون عصي عليها أن تتجاوزها خلال فترة وجيزة والمطلوب أن توجه دعوة للإنفتاح على كل ألوان القوى السياسية بجميع أطيافها دون إستثناء سوى حوثيون أو حراك أو غيرهم فكفاية الكيل بمكيالين وخلق الحروب والمشكلات والقبلية التي كرسها نظام صالح ودمر بها اليمن السعيد، ويجب أن تخلق مساواة عادلة تدل على وصول العقلية الثورية في اليمن لمرحلة النضج، تختلف عن المساواة التي وصفها جورج أورويل في رائعتة "مزرعة الحيوانات" التي تؤكد أن الكل متساوون، لكن البعض أكثر مساواة عما عداهم !!!.