نحن في عالم يحكمه الكبار , والكبار يحكمونه بمصالحهم, ومصالحهم فقط , ولا ينسون في كل لحظة أن يدثرو أحكامهم بدثار الأخلاق , مجلس الأمن هو وجه آخر من وجوه القوى الكبرى التي تحتكم الى القوة أكثر بكثير من احتكامها للحق . في هذه العجالة سأحاول قراءة قرار مجلس الأمن 2014 بشأن اليمن وفي البدء أرى من المهم أن نشير الى مايلي : لابد من الأشارة الى ان الأممالمتحدة تشير الى تسليم الملف اليمني للجار السعودي , بتبنيها الكامل للمبادرة الخليجية , هذا كان واضحا قبلا , ولكنه الآن بقرار أممي , هذه بحد ذاتها واحدة من أهم انتكاسات القرار الأممي الذي لم يتعامل مع المشكلة مباشرة بل تعامل معها من خلال وسطاء , وهو أمر يبعث على الأرتياب , قد كان بوسع مجلس الأمن أن يعيد حتى كتابة البنود دون الرجوع الى اتفاقية لم يجر التوقيع عليها أصلا من كل الأطراف , باعتباره راع للسلام والأمن الدوليين , وعلى الجميع الألتزام بما يصدر عنه , هذا الأمر متعلق بمنظومة المجلس وليس في القرار فقط . يظل هذا المجلس المرة بعد الأخرى يثبت بأنه يحتكم للسياسة أكثر من أي شيء آخر.
مجرد الاشارة للمبادرة التي تتضمن عفوا عن كل جرائم صالح فيه تعدي على حقوق الأنسان ومواثيق الأممالمتحدة التي كانت كل منظماته الحقوقية العاملة في اليمن قد أدانت بوضوح كامل أعمال القتل وطالبت بصراحة بالمحاكمة , وقد كان بموسوع القرار أن لايترك الأمر للتكهنات والظنون من خلال نص واضح في هذه الصدد , لكن الضغط الخليجي بحسب ظنى وبالأتفاق مع الجانب الأمريكي أرادوه قابلا للتطبيق , ليس صحيحا أن السعودية تضغط بقوة الا لصالح تطبيق المبادرة , والتي من أهم بنودها ضمان الأعفاء , مهما حاولت الأممالمتحدة راعية حقوق الأنسان في الأرض أن تبرر موقفها فانها تبدو عارية من الأخلاق أو على الأقل من حيادية القرار في هذه النقطة . فالمجلس ليس مصلحا اجتماعيا يبحث عن نقاط اتفاق بين الأطراف وانما هو قاض يلزمه اصدار الأحكام استنادا الى الحق.
القرار لم يتعامل مع الثورة ومطالب الشباب الا في حدودها الدنيا , بل تعامل مع مطالب الأحزاب السياسية والجهات ذات العلاقة الأخرى من عسكرية وقبلية , وأهمل الى حد كبير مطالب الشباب الثورية , قدم القرار حلا لأزمة ولم يقدم حلا لثورة ومطلب شعب . وهذا استغفال واضح للمطالب الشبابية وللثورة وللحقيقة بشكل أدق , فالجميع يعلم أن مايحصل في اليمن ثورة مكتملة الأركان لم يكن ينقصها شيء .
حاول القرار أن يشير الى انتهاكات للأطراف الأخرى كما سماها , وهي نقطة مستحدثة جاءت نتيجة لضغوط ليست لها علاقة بحقوق الأنسان , بل لها علاقة بمصالح تلك الدول وصراعاتها التي حاولت التخفيف من القرار من خلال اختيار الألفاظ الأقل حدة .على سبيل المثال "بدون شروط مسبقة" تحولت الى "بدون تأخير " وعبارة التوقيع الفوري اعتمادا على المبادرة الخليجية التي تحولت " اتفاق تسوية على أساس المبادرة الخليجية" وغيرها من عبارات التخفيف .
الأنتخابات الرئاسية الأولى التي ستجري ستكون على أسس السجل الأنتخابي الحالي , لأن الوقت لن يكون كافيا لتصحيح السجل السابق ,, وهي نقطة نبعث على المخاوف ,, الا اذا كان المرشح توفقيا بين الأطراف غلى النائب الحالي الذي اتحفنا الأسبوع المنصرم بخطاب كأنه كان مكرها عليه . هذه أيضا من النقاط التي تبعث على الخوف .
في القرار عبارات فضفاضة ليست قاطعة ولا واضحة مما يجعل احتمالات المناورة والمراوغة ممكنا في كل مرحلة من مراحل التنفيذ التي تطول لأكثر من عامين .
اذا كانت هذه هي مشاكل القرار وسلبياته ,, وهي سلبيات ثقيلة لثورة استمرت لأكثر من 9 شهور تنتظر لحظة الأنتصار , فأين هي فوائده إذن : قبل البدء في تجلية نقاط الضوء المهمة في القرار يكون مهما أن نلفت الأنتباه الى أن القرار والمجموعة الأممية تتحرك وفقا لمعطيات و ربما مسلمات أهمها مايلي :
أضحى من الواضح أن قرارات مجلس الأمن هي قرارات سياسية أكثر منها حقوقية انسانية كما هو الأصل, تتصارع فيه الأمم على مصالحها هنا وهناك, هذا أمر لم يعد خافيا على أحد.فأمريكيا وبريطانيا ومن لف لفهم , في مواجهة دائمة مع الصين وروسيا تظهر دائما في شكل قرارات المجلس , وهذا مايجعلها بعيدة عن الحقوق قريبة من السياسة والمصالح, كنت ولا زلت أقول أن النظام العالمي تشكل بطريقة ظالمة تعطي الأحترام للقوة وليس للحق والا مامعنى هذه الوصاية التي يمكن لصوت أن يوقف كل أصوات العالم , لكن بالنهاية هذا هو الواقع ولسنا حقيقة في ثورة لتغييره وعلينا أن نتفهم أننا جزء من هذا العالم ولا يسعنا غير الدوران في فلكه. لايمكن قراءة القرار بعيدا عن هذه المسلمة.
أن الأممالمتحدة لم تعد تنظر للثورة من عين واحدة , بل من أكثر من زاوية , أسوأ ماقدمه بن عمر للأمم المتحدة أنه قدم لهم الثورة بعكس ماهي عليه فهي كما يراها أزمة لها أطراف عدة , أولها الجناح الشبابي الذي لم يحضر له ممثل حقيقي رسمى في كل مفاوضات بن عمر ربما فقط من باب الأستئناس , وثانيها الجناح السياسي الذي كان حضوره طاغيا ممثلا بالأحزاب السياسية وليس بالمجلس الوطني , لعل من المهم أن نقول أن أكبر خطأ استراتيجي ارتكبته هذه الأحزاب هي أنها ظهرت بصورة توحي بأنها تقدر على تحريك الشارع بريموت كنترول وهو الأمر الذي جعل الأطراف الدولية تتجاهل الشباب وتبدأ في التعامل مع الأحزاب على اعتبار أنها الفصيل الأكبر في قطاع الشباب , والخطأ بطبيعة الحال مشترك , لأنه لا يمكن لأحد أن يركب على ظهرك الا إذا كنت منحنيا .
وثالثها الجناح العسكري للثورة و الجناح القبلي وهذان بطبيعة الحال لايجري التعامل معهما أمميا الا على أساس أنهما مجرد طامعين في السلطة ومختلفين مع الرئيس عليها , هكذا قدم بن عمر المعادلة لمجلس الأمن وهكذا جرى التعامل معها .
أن الثورة السلمية بعد جمعة الكرامة احراق ساحة الحرية في تعز والجرائم التي ارتكبها النظام كان لابد لها من حماية نفسها من هذا العبث , فنشأت بعد ذلك المواحهات المتفرقة التي سوقها النظام على اعتبار أنها جماعات مسلحة وحاول استغلالها ببشاعة وهذا أيضا ولد صورة عند العالم تثلم سلمية الثورة وتنمى الأعتقاد بأن هناك قوى عسكرية وقبلية بامكانها احداث المزيد من الفوضى والعنف , بالرغم من أن مرافقة الفرقة للمسيرات جاء بطلب من الثوار أنفسهم لحماية أنفسهم من رصاص الموت , نحن نقول هذا ونؤمن به , لكن من الواضح أن الأممالمتحدة قرأته بطريقة أخرى وليس الأممالمتحدة فقط , فأنت تسمع رأيا هنا وآخر هناك يقول بأن الحماية أصبحت عبئا على الثورة , وهذا كلام مدحوض بطبيعة الحال لأن الحماية كانت بعد أن نشرت وسائل الأعلام الرسمية أخبارا مفادها أن تنظيم القاعدة يعمل بنشاط في ساحة التغيير وأنه صار من الواجب تطهيرها , قرار الحماية جاء بعد أن عاشت الساحة ليالي رعب في مواجهة المقتحمين من كل اتجاه وفي كل محاولة نودع عددا من الشهداء ويلوذ القتلة بالفرار.
لاننس هنا أن نشير الى المخاوف السعودية من ربيع عربي بدأت مؤشراته هناك من خلال بعض الأصوات الجرئية من الممكن أن يقض مضاجع المملكة حين يفتح شهية المجتمع على وجبة محرمة يسمونها الديموقراطية , وهي ستعمل على اخماد اي محاولة ولو بعيدة لحماية عرشها , كان الوجه الخليجي واضحا من اللحظة الأولى لن نسمح بقيام ثورة تفضي الى وضع يشبه تونس أو مصر , لأن هذه الثورة هي في الخاصرة ولابد من الوقوف لها أو التحكم في مسارها على الأقل ,, حين شعرت السعودية بالخطر من صدام حسين فتحت خزائنها وصرفت مايربو عن 50 مليار دولار لحماية العرش في ماسمي يحرب الخليج ,, هذه أمور لايمكن التفريط بها أو التعامل معها على أنها أمور ثانوية وهنا نلحظ سر ذلك الأهتمام منقطع النظير الذي تحول فيه الزياني الى أشبه بالسندباد يذهب لكي يجيئ ويجيئ لكي يذهب . لعل من نافلة القول هنا حجم التأثير السعودي على القرار الأمريكي بل على القرار العالمي كله فهي تحتفظ بعلاقات مصالح مع كل الدول ذات التأثير في العالم.
الأسلاموفوبيا , وهي لم تعد تخوفات من قبل القوى الكبرى أو الأقليمية وهذا ليس فقط في اليمن بل في كل ثورات الربيع العربي وهو ذات الأمر الذي أخر قرار مجلس الأمن في بداية الثورة الليبية للتحقق من هوية الثوار المقاتلين , واليمن ليست بدعا من هذه الثورات , ذات الأمر هنا يقلق القوى الكبرى من احتمال تسليم السلطة لقوى لاتروق لهم أبدا ,, ولذلك يفتحون مجالا واسعا للمناورات والمساومات والضغط للحصول على المزيد من التنازلات والألتزامات من هذه الأطراف.
فزاعة القاعدة , وهي ليست فزاعة بالنسبة لهم , القاعدة حقيقة مهمة في اليمن بالنسبة للعقل الغربي وحين يقرر الثوار انكارها أو التعامل معها بتسطيح فهم بالتأكيد يخدمون صالح ونظامه , لعل من المهم الأشارة هنا الى أن اللهجة الحادة في نقد تدخل الطائرات الأجنبية لضرب القاعدة استفاد منها النظام كثيرا. القاعدة اذن شبح في ذهن الغرب ولاتزال تضاريس اليمن ونسبة التدين فيه تعزز فيهم هذه المخاوف وتذكرهم بتضاريس افغانستان وجبال تورا بورا سيئة الذكرى.
في ظل هذه المتغيرات المهمة دوليا واقليميا يمكن قراءة القرار فالقرار بالأساس كان محكوما بهذه القواعد المهمة والمؤثرة لهذا يمكن النظر الى القرار على أنه خارطة طريق للنفوذ الى المناطق الآمنة بأقل الخسائر ولذلك نقرأ فيه الجوانب الأيجابية التالية : أن المبادرة الخليجية تمثل بالنهاية انتصارا سياسيا مهما في طريق الأنتقال الى دولة مدنية بأشراف أممي ,, فالرئيس بالتأكيد سيرحل ,,والتوريث بالتأكيد سيرحل هو الآخر أيضا ,, وهذه هي أعظم الأهداف التي خرجت من أجلها الثورة , صحيح أن القرار الأممي لاينص صراحة على الرحيل خارج البلاد ,, لكن السلامة الشخصية لصالح ستجعله يقرر الرحيل فهو لن يقدر على العيش في اليمن حتى بحماية قانونية من مجلس النواب وهو مايعني أن الحماية القانونية له لن تكون ذات جدوى , فبعد الذي فعل وفي بلد مثل اليمن ,, يكون من الصعب لأحد أن يقدم له ضمانة بالسلامة هو وذويه أيضا .
سيعاد تشكيل الجيش على مرحلتين وبأسس وطنية , وهذه هي أهم نقطة التي ان تمت بنجاح فانها ستعلن النهاية الكاملة لحكم على صالح الذي لم يتبق منه غير هذه الآلة التي تقتل , من المهم هنا أن نشير الى أن نجاح هذه المهمة مرهون بالوسيط الأمريكي الغير محايد في هذه النقطة سيما في النقطة الأمنية بعد حجم التعاون الأمني والأتفاقيات الموقعة بين اليمن وأمريكا في هذا الصدد.
تملص مجلس الأمن من موضوع الضمانات وتأكيده عليها في القرار , بالرغم من وجودها ضمن المبادرة الخليجية يجعل صالح ونظامه أمام أي مطالبات لمحاكمته من قبل من قتلهم , وستكون المحاكم الدولية مشرعة الأبواب أمام أي دعوى , هذا سيجعل أمام صالح ملاذا واحدا آمنا حيث سيكمل مشوار العلاج وربما الحياة لأنه يمكن ملاحقته في أي مكان على ظهر الأرض الا هناك ,, لأن من دخله كان آمنا .
أن تنفيذ القرار هو مسئولية أممية ,, وهذا يقلل من فرص المماطلة والمراوغة من قبل صالح ,, هذا بالطبع يعتمد على حنكة المعارضة السياسية في تقديم نفسها كبديل مناسب يمكن الأعتماد عليه والتعامل معه لأن الأطراف الراعية للقرار تستطيع التلاعب كيفما تريد بطريقة تنفيذه وتختلق أسبابا لعرقلة التنفيذ لكسب المزيد من التنازلات .
خاتمة القول ,, وفي ظل العرض أعلاه ,, فان القرار يبدو على الصعيد الثوري مخيبا للآمال على الأقل لأنه يحرمهم من لذة الأنتصار ويقسط عليهم الفرح تقسيطا ليس مريحا , خاصة ونحن مسكونون بنهايات الثورات الأخرى التي سمحت لهم باعلان أيام فارقة في ثوراتهم كأعياد وطنية تتعلق بثوراتهم على غير مايمكن أن يكون في اليمن , لكن يظل انتصارا سياسيا مهما فهو بالنهاية خطوة مهمة على طريق التطهير.
ليس أمامنا من خيار سوى أن نقبل بالقرار ونشرف بجدية على تنفيذه , أو نقوم بثورة أخرى تستفيد من خطوات الثورة السابقة لكنها هذه المرة لن تكون ضد صالح فقط .