في حديثة عن الربيع العربي، وبالتحديد عن ثورتي سوريا واليمن، بدا هيكل أشبه بحَانوتُ أفكار محنطة ادخرها من خمسينيات القرن الماضي، ونفثها اليوم. كواحد من شباب الثورة اليمنية لم أتفاجأ من حديث السيد هيكل الذي بدا فيه بالياً، ولكني أحسست أن شعوراً ما يساورني عن هذا الرجل بأنه كشخص ومفكر أصبح جزء من الماضي الذي جاءت الثورات العربية تناقضه تماماً. تجاهل هيكل الشباب اليمني الذي يعتصم ويتظاهر يوميا في كل محافظات الجمهورية ويصنع مجداً فشل منظرو بعض الدكتاتوريات في المنطقة الذين يتقاضون منها مقابل ما يصنعوه لشعوب المنطقة منذ خمسين عاما. ثورة اليمن لا تحتاج إلى من يتحدث عنها, فهي من أسكتت الجميع وجعلت حكمتها وسلميتها تحدث الناس, لقد دُونت في التاريخ أنها ثورة عظيمة حسمت خيارها وستصل إلى هدفها بالسلم. في وقت سابقا أمتدح هيكل الثورات العربية التي انطلقت شرارتها من تونس، ثم ما لبث أن تحول يقول على صفحات الأهرام المصري أن ما يجري ليس "ربيعاً عربياً" وإنما "سايكس بيكو" جديد لتقسيم العالم العربي وللقضاء على ما تبقى من المشروع القومي، وهنا يبدو الفكر التآمري متجذراً في ذهنية هيكل، فهو غير مستعد على الاعتراف بالتغيرات السياسية والاجتماعية التي حصلت في المنطقة العربية. لا ينكر أحد أن هيكل كاتب وصحفي كبير وقامة في التأليف والأرشفة، لكن لا يعني هذا أنه العارف بكل شيء، فقد أثبت في مقابلته التي ملأتني وغيري غيضاً أنه لا يعرف ما الذي يجري في اليمن ولا يمتلك أي فكرة عن اليمن غير هذه الكلمة: قبيلة تريد أن تتحول إلى دولة. ولا أدري على أي أساس استند في هذا القول وهو الرجل الذي إذا تحدث أغرق في الماضي استناداً إلى دفتر الذكريات لكنه يبدو مرتبكا ومشتتاً إذا تحدث عن الحاضر والمستقبل! كان عليه أن يربأ بنفسه عن الحديث بهذا السوء، وفي هذا التوقيت. هيكل يبدو بارعاً في الحديث عن حرب فيتنام وعلى العدوان الثلاثي وعن حرب الكوريتين حيث كان مراسلاً صحفياً. لكنه غير بارع في الحديث عن الربيع العربي لأنه عقلية تعيش في الماضي فقط، فهذا صعب عليه لأنه تجاوز حدود وعيه المتأثر بتراكم السنين والأعوام. في المقابلة أيضا وضع هيكل نفسه في ورطة كبيرة مع الشعب السوري الذي يقتل ويباد كل يوم حيث قال إن الثورة السورية ليست مكتملة الأركان وكأنه يريد أن يفنى الشعب السوري حتى تكتمل أركان ثورتهم التي تواجه نظام هو الأقوى قمعاً في المنطقة وكان لديه حبال سرية مع بشار الأسد كما كانت مع القذافي. وربما تتطابق وجهة نظر هيكل مع وجهة نظر أهل الحكم في سوريا فلسوريا وضع مختلف، كما يقولون، ولقولهم هذا تبريرات عدّة: يفصل بين سوريا وبين العدو الإسرائيلي مجرد شريط شائك، ناهيك عن أن نظامها ممانع ومقاوم، ( وفي حال سقوطه ستكون بوابة عبور الإسرائيليين مفتوحة إلى جميع الأقطار العربيّة) كما عبر كاتب لبنان ساخراً من نظام الاسد.! هذا عدا عن التخوّف من السلفيين والعصابات المسلّحة التي ستأخذ سوريا إلى حرب طائفية. يرى هيكل بأن استعانة الليبيين بالناتو معيبا بينما استعانة صديقة عبدالناصر بخبراء روس وطيارين لمساعدة مصر لم يكن معيبا، ولم يكن معيباً لهيكل في 56 حين خرج الرئيس الروسي غورباتشوف وهدد بضرب باريس والأساطير الفرنسية المتواجدة في البحر ولم يفعل شيئا على أرض الواقع، ويجد هذا التهديد الأجوف تقديرا واحتراما من الأستاذ هيكل كما جاء في كتابيه ملفات السويس، والانفجار. هل لأن حلفاء "وارسو" يحق لهم التدخل أما الناتو فهو استعمار في نظر هيكل؟ تثبت الشعوب العربية أنها شعوب حية جبارة تصنع اليوم حدثا استثنائيا يتجاوز أنظمة الحكم البالية، ويتجاوز معها تنظيرات منظريها. وأختتم هذه الأسطر بكلمات عبدالرحمن شلقم وزير خارجية ليبيا السابق حين شبه هيكل بالرجل الذي يقيم خارج زمنه!!