لعل أفضل قرار اتخذه الرئيس صالح من تلقاء نفسه منذ بدء الثورة المناهضة لحكمه مطلع العام المنصرم، أمره الأسبوع الماضي بإنزال صوره من المؤسسات الحكومية والشوارع. لا جدوى من التكهن في ما قصده الرئيس صالح من وراء هذا القرار. المهم هنا أن تترافق عملية إنزال هذه الصور مع التخلص من ظاهرة تعظيم الزعماء وتبجيلهم وجعلهم رموزا وإسباغ الصفات الوطنية الاستثنائية عليهم، ومن ثقافة النفاق البغيضة الكامنة وراءها. هذا يتطلب إعادة صياغة المفاهيم المصاحبة لمنصب الرئيس في وعينا الجمعي لتخرج منه مفاهيم الأبوة والفخامة والجلالة والتسلط المطلق وولاية الأمر والنعمة مما كان تاريخيا يسبغ على الفراعنة والملوك والأمراء ولكنها في العقود الماضية استهوت الرؤساء أيضا. عندما تزال كل هذا الشوائب، يصبح منصب الرئيس على حقيقته كأعلى وظيفة تنفيذية في الحكومة دون أن يحتاج شاغرها لمسميات باهته وغير ذات معنى من قبيل كونه رمزا أو قامة وطنية شامخة أو صاحب فخامة أو صاحب سمو أو ما سواها من ألقاب جرت عادة الرؤساء أن يطلقوها على أنفسهم أو يطلقها عليهم حملة المباخر من حولهم. وبذهاب هذه الألقاب لا يبقى هناك داع لرفع صور الرئيس في كل مكان! إذ ما المعني المتوخى من ذلك؟ أهي موجودة لتوحي للناس أن انتبهوا فهذا أبوكم أو أخوكم الأكبر يراقبكم ويحصي أنفاسكم؟ أليس في هذا معرة لكل مواطن وخزي في وجه أي نظام يدعى الديمقراطية ويتباهى بالحرية؟ أم هي لتذكير الناس في الشوارع بمن يكون رئيسهم وولي نعمتهم كيلا ينسوا اسمه؟ وماذا لو نسوه ولم يعرف بعض اليمنيين أو حتى أغلبهم حين يسألون عن رئيسهم من هو؟ أفي ذلك شيء؟ أعتقد أن حدوث ذلك مؤشر جيد بأن الناس قد وجدوا فيما ينفعهم من أمور معيشتهم ما يشغلهم عن السياسة وأصحابها؛ وهذا -برأيي - شي جيد يستحق النظام ورئيسه حينها الشكر عليه. لا بأس من أن تعلق صور الرئيس أثناء الانتخابات أو حيث يجتمع الوزراء وفي مكاتبهم لأنهم ينفذون برنامجه الانتخابي وهو من اختارهم والمشرف عليهم. أما أن تمتلئ المكاتب الحكومية وغير الحكومية والمحاكم والبنوك والشوارع والمقاهي والمدارس والجامعات وورق العملات بهذه الصور فلا معنى لذلك الا الدكتاتورية المقيتة وارسال الرسالة السيئة للناس بأنه هو المعطي وهو المانع وهو الضار وهو النافع وهو ولي الأمر كله. ولا عجب إذن بعد عقود من هذه الممارسات أن يوجد أناس لا يعرفون حق أنفسهم ويعتقدون أن الرئيس هو من علمهم ومن وظفهم ومن أنعم عليهم بالأمن والاستقرار، ومن ثم وجب عليهم شكره والامتنان لمعروفه والولاء له. وبالعودة إلى مبتدأ هذه المقالة، فان إزالة صور الرئيس صالح من المكاتب الحكومية والشوارع لا ينبغي أن تترافق مع إحلال صور الرئيس الجديد عبد ربه هادي منصور محلها ليس فقط من أن أجل الحفاظ على المال العام من التبذير، وأنما حتى لا تكون محصلة عملنا هذا استبدال صنم مكان صنم أخر. ترى هل تعلمنا من أحداث العام المنصرم وتضحياته التي لا ننفك نتحدث عن وفائنا لها درسا بسيطا كهذا أم أن «حليمة ما زالت على عادتها القديمة»؟