بعد انتخابات الرئيس عبدربه منصور هادي في الحادي والعشرين من فبراير 2012 مباشرة.. كتبت في الصباح الجديد التي تصدر بالحديدة في الأسبوع التالي للانتخابات موضوعاً بعنوان “صور عبدربه منصور” دعوته فيه إلى التوجيه برفع صوره من الشوارع والمكاتب كإجراء ملح سياسياً يعزز ويرسخ الديمقراطية الحقيقية، ولا أدري إن كان توجيهه الآن بعد مضي ثلاثة أشهر على رئاسته بنزع صوره من الشوارع والمكاتب وأمره للتوجيه المعنوي بعدم طبع أية صور له وتعليقها في المكاتب كان استجابة للدعوة أم هي مبادرة منفردة منه؟ حقيقة ليس ذلك مهماً.. المهم أن الأخ الرئيس هادي فعلها، وذلك ما كان فعلاً منتظراً منه.. اعتاد أولئك من المطبلين وحملة المباخر لأي رئيس أن يقيسوا في البدء النفسية التي توجه الرئيس وتنتظم سلوكه، وتصرفاته ثم يتصرفون على ضوء ذلك، ليس في بلادنا فقط، وإنما في أي بلد عربي أو من بلدان ما يسمى بالعالم الثالث، حيث اعتادت الزعامات في هذه البلدان أن تكتسب من القداسة الاجتماعية التاريخية الموروثة للتضخيم فالهالة فالطاعة.. ما لا يجعل أي رئيس أو زعيم يعتلي سدة عرشها في حاجة لقياس نبض المجتمع أو حاجته أو تطلعه إلى أي شيء أكثر من حاجته هو إلى إحاطة عرشه وكرسيه بعدد من المنتفعين والانتهازيين الجاهزين في خط الانتظار فيجزل لهم العطايا، وبدورهم يجيدون ما يتوجب عليهم من التطبيل والتذمر، وإضفاء الألقاب، وابتداع كل جديد منها تجود بها المفردات في رؤوسهم. فطبع الصور والعناية بتحسينها، وإضفاء القوة والحيوية والشبابية والجمال عليها.. وذلك من مقتضيات الشغل، وبدوره يكون لابد من مبادلة شيء من الوفاء وظائف.. مناصب.. هبات.. إطلاق أيديهم على الرعية وما قدر أن يكون لهؤلاء من كعكة العرش، ومن مهامهم تعليق صوره بمناسبة وبغير مناسبة على الأخشاب وأعمدة الكهرباء والمكاتب والبيوت والميادين وحتى في ال... وفي هذا المهرجان الكرنفالي المقيت من الضخامة والانتفاخ يتمدد المهرجان إلى عدد من الفئات الاجتماعية مأخوذ بعضها بهيجان الضخامة والقداسة الوراثية التاريخية، وبعضها الآخر مغنم وفرص لتعليقها في أذيال السيارات ووسائل النقل بغرض التهريب والعنجهية في نقاط التفتيش وجمارك الحدود، وهلم جراً.. وهكذا يتيح القائد الرمز والضرورة للفوضى والاستكبار والفساد أن يدمر أوتاده في شتى مفاصل الحياة للمجتمع.. فلا حصاد في النهاية غير المكاسب السرابية وفوضى عارمة تطحن حياة المجتمع ومعيشته وأمنه وكرامته واستقراره، هي النتائج الحتمية للعلائق غير الطبيعية بين الحاكم ومواطنيه. لقد فطن الرئيس عبدربه منصور، أو تنبه للدعوة سيان برفع الصور، وتلك لعمري مقدمة لقضايا يصعب حصرها هنا أهمها تفويت الفرص لأولئك المنتفعين المنتظرين في خط التربص ثم المغانم للمهربين وفرصهم أيضاً في حلبة التضخم. التعميم على الوعي المجتمعي بمخاطر صنمية الصور في تضخيم الفرد وفرعنته.. والأهم الأهم إرساء سابقة حقيقية رائعة لتقليد وترسيخ ديمقراطي للتواضع والبساطة والتداول السلمي للسلطة لرئيس خادم للوطن، وليس الوطن خادماً له. ويمكن أن تكون هذه السابقة الخيِّرة بمثابة لافتة واسعة يتسع لها الوطن كله من شماله إلى جنوبه، وتصبح تقليداً ديمقراطياً منيعاً وحضارياً يستلهمه كل من يعتلي قيادة الوطن لأجل محدد دستورياً لا يستعلي على الوطن، ولا المواطنين، ولا يؤبد نفسه بمجسمات الصور وما يتبعها من الطبول والمباخر والتضخيم.. فالاستبداد وانتشار شبكات الفساد في البر والبحر. لقد فعل الرئيس عبدربه منصور سابقة لن ترضي من اعتادوا على التقرص والاعتياش على المهرجانات الاحتفائية الزائفة بالصور ومفردات التبجيل بالزعيم لبسط البلاد والعباد وتهيئتهما لنهبهم وفسادهم.. لكنها سترضي الشرفاء والسواد الأعظم من الشعب اليمني الذي تكبد الخسائر الفادحة في عيشه ومجمل حياته بلا استثناء، وشتى أساليب الامتهان والتحقير والإذلال بسبب ذلك التضخيم الذي يتبناه طابور العاطلين الجاهزين لطبع الصور وتعليقها وابتداع العجائب في ملق الاحتفاء “كرمة لعيونهم” هم، وليس لعيون الزعيم، وهي العلاقة المعروفة المتبادلة في الاستخدام وليس أحد أحسن من أحد، لا نطبل، ولكنا نشد على يد الأخ الرئيس عبدربه في قراره رفع الصور كرافعة لديمقراطية التداول السلمي الحقيقي للسلطة وترسيخ لوعي جمعي شعبي هو الحاكم، وهو القرار، وهو صاحب المصلحة الأولى في وطنه، وصوره هي الأبهى، وهي الأزهى، وهو يتحكم في لوحة وطنه التي ينشد رسمها في سيره نحو المستقبل، وننتظر من الرئيس منصور الكثير والكثير من الأفعال الدالة على سلامة الخطى نحو الديمقراطية والتغيير والتنمية والبناء.