بحلول العام 2007 بدأت تتحدد بوضوح فكرة الثورة الشاملة، قبل هذا التاريخ بسنوات وبالتحديد منذ العام 2000 ميلادية كانت المسألة لا تعدوا كونها مجرد أفكار ثورية لم تكتمل، الظروف التي خلقتها ممارسات النظام في المحافظات الجنوبية منذ ما بعد حرب صيف 94 لم تكن عادية، لقد أخذت تمنح الناس أسباباً كافية لتفجير ثورة شعبية غير أن عدم وجود ضمانات موضوعية كافية لنجاحها واستمرارها واتصالها بثورة مماثلة في شمال الوطن بالصورة التي تجبر النظام على الرضوخ لإجراء إصلاحات شاملة، وخوفا من فشلها وتحولها إلى حمل ثقيل على الناس يمكن النظام من مواصلة أفعاله الإجرامية بحقهم تم الحد من نموها لأنها في هذه الحالة تصبح أشبة بمغامرة مدمرة، إلا أن الأوضاع المأساوية وإصرار النظام على الإيغال في تدمير حياة الناس وما يوفره ذلك من ظروف تشكل تهديدا للمشروع الوطني أبقى فكرة الثورة قائمة إلى حين تتهيأ أرضية ملائمة لميلادها. في البدء لم تكن فكرة الثورة تستهدف إزالة النظام بالقدر الذي كانت تهدف إلى ممارسة الضغوط الشعبية عليه لإجباره على القبول بإجراء إصلاحات حقيقية تؤمن حياة كريمة للناس وتضمن استمرار المشروع الوطني دون منغصات.
العام 2007 كما أسلفنا لاحت الفرصة التاريخية مجددا بشكل كامل لانطلاق ثورة شعبية من الجنوب على أن يتم إسنادها بفعل مماثل من شمال الوطن لقطع الطريق على النظام الذي حاول منذ الوهلة الأولى التربص بفكرة الثورة ومحاولة تشويهها، وهو ما حدث بالفعل بعد عام على انطلاقها من ساحة الحرية في عدن، حيث استطاع النظام ضرب فكرة الثورة الشاملة بفكرة مضادة مجندا عناصر عديدة لهذه المهمة القذرة، كثير من أبناء الجنوب لا أقول "تورطوا" ولكن بسبب العنف الذي مورس عليهم في مقابل رفض النظام إجراء أية إصلاحات تستوعب مطالب الناس وجدوا أنفسهم أمام خيارين: الأول: الاستمرار في المطالب الحقوقية التي تبلورت في صيغة "القضية الجنوبية" في ظل عدم وجود إسناد في صورة ثورة مماثلة في الشمال، ناهيك عن الرفض القاطع الذي جوبهت به مطالبهم من قبل النظام، فضلا عن صمودهم في وجه آلة القمع البشعة.
الثاني: الذهاب إلى خيارات كارثية خطط لها النظام بهدف ضرب فكرة الثورة الشاملة وتشويهها من خلال العنف.. ولخلق ظروف وأسباب تشرعن بقاءه واستمراره في الحكم لحماية المشروع الوطني، الذي أثبتت كل الدلائل أنه يشكل تهديدا خطيرا عليه.
لقد اختار عدد من الناس الخيار الثاني وهم خليط ممن وظفهم النظام لمهمة ضرب الفكرة الثورية، وآخرون وقعوا في الفخ أو ابتلعوا الطعم وهم من العوام، إلا أن آخرين ظلوا متمسكين بالخيار الأول على أمل أن تلوح فرصة تاريخية جديدة تساهم في إنضاج فكرة الثورة الشاملة.
كان النظام قد تمكن من ضرب الفكرة الثورية في الجنوب بعد عام من انطلاق الثورة الشعبية أو ما اصطلح على تسميتها ب "الحراك السلمي"، استطاع النظام بحلول العام 2008 من غزو الحراك بأدوات مختلفة دافعا إياه إلى ممارسة العنف اللفظي وارتكاب أفعال تشوه فكرة السلمية التي بني عليها مستبقا ذلك بعملية تمزيق واسعة استهدفت تحويله إلى مجرد كيانات متناثرة كل منها يحمل مشروع حفزت البعض للتسابق على الزعامة في عملية نجحت إلى حد بعيد في تمييع فكرة الثورة كمقدمة تسهل عليه إبقاء الحراك تحت تصرفه لحماية نفسه من إمكانية انطلاق ثورة شعبية شاملة تستهدفه.
لقد فشلت محاولات النظام في اجتثاث الحراك أو السيطرة عليه كليا عبر المال والفكرة المضادة، ذلك لأن فكرة الثورة الشاملة ظلت تمد كثيرين فيه بأسباب المقاومة والبقاء بعيدا عن المكايد التي رتبها النظام، وهو ما يجعلنا نقول بملء الفم للذين ما يزالون يسبحون في غياهب مكايد النظام عليكم بالعودة إلى رشدكم إذ لم يعد مقبولا استمراركم على هذا النحو بعد عام من انطلاق الثورة الشاملة. مهمة صعبة ومعقدة منذ أن غادرت الثورة في الجنوب خطابها الوطني وفشل عملية ربطها بثورة شاملة بدأت عملية التفكير في إعادة الحراك إلى مساره الطبيعي كما ولد أول مرة إلا أن هذه العملية ارتطمت بعوائق عديدة: - عدم نضوج فكرة الثورة في شمال الوطن. - نجاح النظام في تصوير الحراك باعتباره خصم لكل ما هو شمالي. - تفكيك الحراك إلى كيانات متناثرة تتسابق على الزعامة. - توظيف المال الذي حول الثورة أو الحراك إلى مشروع استثماري لم يكن بمقدور البعض التضحية به بسهولة لصالح فكرة بديلة وفقيرة. - توظيف العنف وتوريط جهات في الشمال بالإساءة للحراك بهدف توسيع رقعة الفكرة المضادة مستغلا عواطف الناس. - بروز نزعة التخوين داخل الحراك للرأي المخالف. كل هذه العوامل وغيرها وقفت عائقا أمام إعادة ترميم فكرة الثورة في الجنوب بسهولة ويسر ولم يكن الوقت يسعف للتوقف أمامها طويلا، بل كان لا بد من التفكير بحلول منطقية لقطع الطريق على النظام من التوغل أكثر في توسيع دائرة الكراهية بين أبناء اليمن والدفع بالبلاد إلى المجهول. العام 2009 بدأت فكرة الثورة الشاملة تنمو من جديد بصورة بطيئة وحذرة بعد وصول الناس إلى اليأس من إمكانية إصلاح الحراك والنظام معا في وقت وصلت فيه البلاد إلى وضع معقد لم تعد فيه عمليات الترقيع والترضيات تجدي نفعا ولم تعد النصائح تفيد ولم يكن يسمع لها، عدا ذلك أخذ النظام يحاول جعل ما تبقى من أدوات التغيير جزء من موروثة الذي أنتج المشكلات وتوريطها في مزالقه القذرة لتشويهها لولا عملية المقاومة التي تمت بطرق وصور مختلفة.
إن عملية إصلاح جذرية كانت قد اتخذت في ذلك العام على نطاق واسع ففيما فظلت القوى السياسية خيار الحوار كان الشباب يرون الحل في إجراء عملية جراحية معقدة في صورة ثورة شعبية سلمية شاملة تستأصل هذه المرة النظام الذي أسهم طيلة 33 عاما في إنتاج المشكلات الكارثية شمالا وجنوبا وظل يوظفها بصورة أو بأخرى في إدامة حكمه بينما يتجه بالبلاد صوب التفكك والتمزق. العملية لم تكن مؤامرة كما صورها النظام الراحل بقدر ما هي عملية إنقاذ واسعة في لحظة تاريخية لن يجود القدر بمثلها مرة ثانية في حال مرت دون استغلالها كما يجب، كما هي فرصة لا تعوض أمام اليمنيين للبدء في بناء دولة المستقبل المنشودة التي تضمن العدالة والمشاركة والمواطنة لكل الناس.
لم يكن الأمر سهلا في إنجاز ثورة بهذا الحجم في ظل وجود نظام متربص، ناهيك عن أن أصعب ما كان يواجه نجاح الفكرة هو إقناع الناس بها في ظل التناقضات الموجودة والجروح الغائرة والمصالح المتشابكة التي خلقها النظام في المجتمع ومدى قدرتها على الصمود أمام ألاعيبه وإمكانياته الضخمة في توظيف العنف أو إنتاج الثورة المضادة كما فعل مع ثورة الحراك.
نضجت فكرة الثورة الشبابية في المكان عينه الذي نضجت وانطلقت منه ثورة الحراك السلمي قبل أن يختطفها النظام بعد عام من انطلاقها، وبدلا من وظيفة إصلاح الحراك الخطيرة والمعقدة تم الاستعاضة عنها بالبحث عن خيوط وطنية من داخله قادرة على العزف على الوتر الوطني لتوفير ضمانة وحماية لنجاح الثورة الشاملة في حال انطلقت وهو ما حدث بالفعل.
وإلى هنا تكون الثورة الشاملة بعد عام من انطلاقها قد حققت أهداف عديدة من أبرزها: إسقاط النظام، وتوسيع رقعة المعادل الوطني داخل الجنوب عبر ثورة الشباب التي تحظى بتأييد واسع، وكذا تغير المزاج داخل الحراك بصورة أكبر مما كان عليه قبل انطلاق الثورة، الأمر الذي يهيئ البلاد لمرحلة جديدة تحيي الأمل من جديد في بقاء المشروع الوطني قائما وإلى الأبد.
وقفات - يلقي الشباب بالمسؤولية الآن في أحضان القوى السياسية وعلى طاولة الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي لمواصلة عملية استكمال أهداف الثورة والشروع في البناء. - الثورة ستظل حاضرة والشباب سيظلون في الساحات مع ضرورة نقل الثورة إلى كل بيت كي يضطلع الجميع بمسؤولياتهم في إنجاح عملية التحول التي تشهدها اليمن. - على إخواننا في الحراك الاستعداد الكامل للمرحلة المقبلة التي ستعيد صياغة يمن جديد سيكونون شركاء فيه إلى جانب كل القوى السياسية في إطار مشروع مدني وحضاري ووطني طموح. - أخيرا.. انتصرت فكرة الثورة الشاملة، وفشل النظام، انتصر اليمن، انتصر الشباب للمستقبل الواعد والمشرق بإذن الله.