زهرة بن سمرا مصورة برويترز مقيمة بالجزائر سافرت في مهمة إلى سوريا في فبراير شباط. هذه هي روايتها عن الزيارة. قال المتصل من سوريا "كوني جاهزة خلال 30 دقيقة" وأضاف "اذا أردت الذهاب فعلينا ان نذهب الآن."
منذ اللحظة التي غادرنا فيها فندقنا بتركيا قرب الحدود سافرت انا وزميلي على طرق ترابية يستخدمها المهربون والمزارعون حول الحدود الشمالية لسوريا. فقد كانت الطرق السريعة تعج بالجنود والشبيحة.
وفي اختلاف عن الوضع في ليبيا حيث كانت الخطوط الامامية واضحة تفصل مقاتلي المعارضة عن قوات الزعيم الراحل معمر القذافي فان الخطوط الامامية في سوريا تمر عبر القرى وتتقاطع مع الاراضي الزراعية في متاهة غادرة. فربما تكون قرية ما موالية للرئيس بشار لاسد وتتدلى صوره من كل نافذة بينما تسيطر المعارضة على القرية المجاورة وتتألف ثالثة من تركيبة طائفية حيث لا تستطيع أن تثق في جارك.
في ليبيا كانت كيلومترات تفصل بين الاطراف المتحاربة. اما في سوريا فلا يفصل بينها سوى ياردات. الحرب تدور من منزل الى منزل. في ظل جهلنا بالارض كنا نعتمد كليا على مرشدينا من المعارضين حتى نستمر على قيد الحياة.
فيما اقتربنا من الحدود تركنا السيارة التي كان يقودها أحد المرشدين وأقلنا جرار كان ينتظرنا. كان الجو ممطرا.
كانت الحقول موحلة. حاول مرشدنا طمس اثار الاقدام التي خلفناها في الطين خشية أن نترك أثرا وراءنا.
وصلنا الى ممر مائي اضطررنا لاجتيازه. كانت الوسيلة الوحيدة للعبور هي الجلوس في حيز شديد الضيق بكل معداتنا الثقيلة فيما يشبه حوضا معدنيا ربما تستخدمه الفلاحات لغسل الملابس. نجحنا في الوصول عن طريق شد حبل.
حين وصلنا الى الجانب الاخر كان الظلام قد بدأ يحل.
بعد أن قضينا الليل مع أسرة جاءت سيارة لتقلنا خلسة الى قرية قرب ادلب حيث سنقيم لخمسة ايام. سمعنا قصفا اثناء الليل. انتظرنا.
في الصباح التالي اصطحبونا الى قرية أخرى. افترضنا أن القتال بما في ذلك القصف الذي سمعناه قد انتهى حين وصلنا. لكن الدخان ظل يتصاعد من بعض المباني بينما دخلنا من طرق خلفية.
أخذ سكان يقتربون منا وقال أحدهم "تعالوا لتروا والدي. لقد قتل." وقال اخر "تعالوا من هذا الطريق. هناك جثتان. تعالوا لتروا منزلي الذي دمر."
بدا أن القصف كان عشوائيا. قصفت منازل في مناطق متفرقة من البلدة. وكأن رجلا أعمى كان يطلق النيران ولم يستطع أن يرى او لم يعبأ أين تسقط القذائف.
اصطحبنا سكان الى منزل قالوا ان امرأة في السبعين من عمرها قتلت فيه. سقطت عليه قذيفة. خضبت المرأة في غرفة نومها بالدماء وتناثرت عليها قطع من اللحم. وكأنها نسفت.
ذهبنا الى المسجد. كانت هناك جثتان غطيتا بحصيرة. احداهما كانت بلا رأس. ولعلمي بأنه ما من وسيلة اعلام ستنشر هذه الصور البشعة لم أرسل فيما بعد سوى الصور التي تعطي لمحة عن المشهد.
دفن ضحايا أعمال العنف في حديقة تحولت الى مقبرة فالذهاب الى الجبانة ينطوي على مخاطرة كبيرة.
منذ لحظة عبورنا الحدود من تركيا كان الرعب واضحا على وجوه مرشدينا وكل القرويين.
لكننا لم نلمس بالفعل ما يعنيه أن تكون تحت الهجوم وأن تكون الهدف حتى اليوم التالي حين جاء أحد المعارضين ليرافقنا الى قرية قرب حلب حيث هاجمت القوات الموالية للاسد شاحنة تركية قبل ذلك بيوم.
كان بالقرية مقاتلون للمعارضة وشبيحة يعملون لصالح الاسد. تم نقلنا من ملاذ آمن الى اخر. استطعنا أن نرى القناصة على الجانب الاخر من الشارع. فيما غادرنا القرية قابلنا دورية للجيش.
أصيب مرشدنا بالذعر واستدار عائدا بالسيارة. أثار هذا الانتباه وانطلق عيار ناري. انحرفنا الى طريق جانبي وفي لمح البصر تعرضنا لاطلاق نيران كثيف. مرت الصواريخ من فوق رؤوسنا وصوبت البنادق باتجاهنا. لكننا تحركنا بسيارتنا ببطء خوفا من أن تؤدي القيادة السريعة الى اثارة المزيد من الانتباه.
اخيرا توقفنا في بستان للزيتون حيث انبطحنا ووجوهنا في الطين. كنا نسمع القصف عن بعد وعلى مقربة. بدأ الغسق يهبط واستطعنا تمييز الضوء الاحمر لنيران القذائف المضادة للطائرات وهو يضيء السماء.
كانوا يطلقون أسلحة ثقيلة على الصحفيين. لم نكن مسلحين وكذلك مرشدنا.
في نهاية المطاف ركبنا السيارة. وأخفينا كل معداتنا في صندوق السيارة خوفا من أن تفصح عن مهنتنا اذا تم ايقافنا. قاد مرشدنا السيارة في طرق ترابية واتصل بمعارضين عند كل منعطف ليعرف اي الطرق والمنازل آمنة. أخذنا إلى منزل.
قال المرشد "يجب أن أخرجكم من هذه القرية الليلة. يعرفون أنكم هنا وسيداهمون المنازل الليلة بحثا عن صحفيين. لا تركضوا. امشوا بصورة طبيعية."
كنا خائفين جدا وكان من الصعب أن نسير ببطء.
بعد التوقف في منزل اخر وصلنا الى منزل ثالث يملكه رجل متعاطف مع المعارضين سرا ونتيجة ذلك تعتقد السلطات أنه فوق مستوى الشبهات.
بعد خمس دقائق من دخولنا سمعنا سيارات بالخارج وفي اخر الطريق جنود يدقون على الابواب.
كان زميلي مع رجال العائلة. وكنت انا في غرفة مع امرأتين أخريين وعدة أطفال يلعبون على الارض. اتفقت النساء على أنه اذا دخل الجنود فسيخبرنهم بأنني صماء وبكماء لاخفاء لهجتي التي تنم عن انتمائي لشمال افريقيا.
قدمت لي مضيفتاي القهوة وحاولتا تجاذب أطراف الحديث معي. لكن كل ما استطعت التفكير فيه هو ما سيحدث اذا داهم الجيش هذا المنزل. فكرت في أن هذه الاسرة بالكامل ستقتل بسببنا.
ولم يدق أحد على الباب.
أخيرا سمعنا انتقال الدورية الى حي اخر. لم تمر سوى 20 دقيقة لكنها كانت كدهر.
غطيت عدة حروب في كثير من الدول. في العراق كان يمكن أن يجافيك الحظ في كثير من الاحيان ويحاصرك تفجير انتحاري. في لبنان كانت هناك دائما مناطق آمنة وأخرى خطرة. في ليبيا في اغلب الاوقات كان من الواضح من يقاتل ومن لا يقاتل. في سوريا كانت الحرب التي رأيناها مختلفة فهي حرب بين مدنيين. حرب بين جيران.
غادرنا سوريا من خلال طريق اخر يستخدمه مهربون عبر أراض زراعية موحلة. لم أغتسل او أغير ملابسي خلال الرحلة التي استمرت خمسة ايام. متى وصلنا الى تركيا بدأنا نسترخي. في ذلك الحين بدت رحلتنا الى سوريا سريالية وظل الخوف الذي شعرنا به تحت النيران يلاحقنا مثل الكابوس.
فيما بدأنا نستعد للعودة الى ديارنا تلقينا رسالة بالبريد الالكتروني تقول ان الشبيحة قتلوا الرجل الذي أعطانا منزله لخمسة ايام في تلك القرية التي تسيطر عليها المعارضة في ادلب.
كانت ظروف عملنا في سوريا شديدة الصعوبة وكان من الصعب التقاط الكثير من الصور الصادمة الجريئة التي تصنع اكثر اللقطات الفوتوغرافية تأثيرا. لقد جازف هذا الرجل بحياته حتى نستطيع أن نقدم على الاقل سجلا بسيطا للخوف الذي يعيشه السوريون كل يوم ايا كان الجانب الذي ينتمون اليه.