أثار الكلمة الأخيرة للرئيس السابق (وفق المبادرة الخليجية) والمخلوع (بثورة الشعب اليمني)، حد وصف رئيس أسبوعية «النداء» سامي غالب، أمام عشرات من شباب حزبه مطلع الأسبوع الجاري بصنعاء ردود أفعال ساخطة من قبل شباب الثورة السلمية في كافة أنحاء البلاد، معتبرين وصفه ثورة الشعب السلمية ب «ثورة البلاطجة، ثورة التخلف» خطاباً غير طبيعي ينم عن تفكير غير عقلاني، يعيد إلى الأذهان الوجه الحقيقي لشخصيته العدائية، وتفكيره الالتفافي بما يخص التزاماته في مبادرة نقل السلطة كرئيس يسعى جاهداً لإعادة إنتاج نفسه كزعيم دون تقدير للذات، وإثبات وجوده الواهم كرئيس للرئيس، وهذا ما ستتكفل الثورة بإسقاطه كمشروع سياسي طازج لرجل فاضت به الثورة خارج سياق الواقع. يعتبر الكاتب والصحفي والناشط بساحة الحرية في تعز محمد اللطيفي خطاب علي صالح متسقاً مع شخصيته المعروفة، إذ يتوقع منه قول أي شيء بعد منحه الحصانة من المحاكمات عما اقترف ونظامه من جرائم، متوهماً باحتفاظه بمقاليد السلطة بعدما ترك الرئاسة لهادي في ظل بقاء قوات الحرس وقوات الأمن بيد أبنائه «يتوهم انه مازال ذكياً فهو عملياً ترك الرئاسة ولم يترك السلطة.. لأن السلطة في نظره هي سلطة الحرس التي مازالت بيده» مستدلاً بخطابه امام قوات الحرس قبل توقيع مبادرة رحيله من السلطة: انتم السلطة إذا ما تركت الرئاسة!
ويشير اللطيفي إلى علاقة بين خطاب صالح لإثبات وجوده المتزامن مع اشتداد العمليات الإرهابية في الجنوب والتخريبية في الشمال، ترجمة لوعوده الانتقامية التي أطلقها كمخاوف مغلفة عما ينتظر البلاد بعد رحيله، لافتاً إلى أن بقاء صالح يشكل خطراً على اليمن في ظل تأخر هيكلة الجيش: أعتقد أن بقاءه في البلد سيظل يشكل خطراً على اليمن، خصوصاً مع عدم السرعة في إعادة هيكلة الجيش وفي ظل وجود قوى لا وطنية مثل القاعدة والحوثيين والحراك المسلح تتحرك بالعقلية نفسها.
من جانبه يصف الناشط في ساحة الحرية في إب جمال العبيدي خطاب صالح بأنه «خطاب وقح لرجل يعيش خارج إطار التفكير العقلاني»، منوهاً إلى أن عودة الرئيس الفاشل بالقوة إلى المشهد ستسقط عنه الحصانة، ويضيف: لقد أعمته ثورة شعب بمختلف أطيافه وفشل أمامها في حشد قوات لطالما سمّنها على حساب الشعب فاتخذت قرارها بالعودة إلى صاحب الشرعية الأول فمضى بجنون يهذي ولا يدري أن الحصانه التي سرقها في غفلة من الزمن ستسحب منه وسيلقى وبال أمره.
ومن منظور نفسي، يعتقد طالب الإعلام والناشط الثوري ياسر عقيل أن خطاب صالح جاء نتيجة لابتعاده عن دائرة الأضواء والاهتمام، نافيا أي تأثير لسيل التهم والتهديدات التي أطلقها بروح انهزامية من جامعه بجوار دار الرئاسة: لا نكترث كثيراً لما يقوله لأننا نعرفه جيداً فهو لا يجيد سوى لغة السب والشتم في تعبير صريح عن نفسيته المهزومة والشريرة تجاه شباب الثورة الذين استطاعوا أن يبعدوه عن السلطة بإرادتهم القوية. لافتا إلى أن قطار الثورة سيواصل مروره إلى المستقبل حتى تحقيق كامل أهداف الثورة السلمية.
وذهب الناشط عبدالله بن هذال إلى أن صالح بخطابه لشباب «كهول» من أعضاء حزبه يهدف إلى إرباك الرئيس عبد ربه منصور هادي في توقيت حساس تمر فيه البلاد، انتهزها لإيصال رسالة للمطالبين بهيكلة الجيش وفقا للمبادرة الخليجية المزمنة التي يعدها خطراً على أولاده وباقي عصابته لأنه عندما عرف ان شباب الثوره مستمرون في الساحات، وأننا لن نتوقف عن فعالياتنا إلا بعد رحيل الأولاد من الجيش وإعادة هيكلته. ويتفق هذال مع من يرى أن صالح حاول إفهام الناس بعدم رحيله بل لا يزال كطرف لا يستهان به في الواقع الجديد، لذا يعتبر شباب الثورة ذلك وهماً في طريقة إلى الزوال من عقل صالح نفسه.
وفي مختلف الأحوال، يعد الناشط المأربي عبدالله هذال المطلع على واقع القاعدة في مأرب وما جاورها، يعد صالح «أكبر خطر على البلد وعلى الثورة وأهدافها وشبابها كون هذا الرجل يعد برنامجاً انتقامياً من الشعب الذي خلعه» مستدلاً بتهديدات متكررة صادرة عن صالح بشكل دائم، يتخوف من تحولها إلى برنامج سياسي لصالح في المرحلة الإنتقالية الثانية «أعتقد انه سيحول خطاباته الي برنامج سياسي يعمل به على مدي السنتين القادمتين وسيدعم القاعدة والحوثي والحراك وسيدعم كل من يريد خراب هذا البلد لكي يثبت للعالم انه لا يستطيع أن يحكم اليمن سواه».
وهناك آراء ترجع خطاب صالح إلى انهماك هادي وحكومة الوفاق في تخليص البلد من تركته الثقيلة على الصعيدين الاقتصادي والأمني، بالإضافة إلى انشغال الكل في لملمة الجسد اليمني عبر لقاءات سياسية هادفة إلى إخراج البلد من مربع التشطير التي تتصاعد مطالبه في خطابات وتصريحات عدد من القيادات الجنوبية في الداخل والخارج أكثر من أي وقت سابق، لكن النتائج المشجعة التي خرج بها لقاء برلين تبدد كثيراً من مخاوف كثير من اليمنيين من دعوات فك الارتباط النهائي بين شطري الوطني.
وبمعزل عن ردود الأفعال الغاضبة والمنددة بالخطاب الأخير للرئيس السابق، تؤكد اللجنة التنظيمية للثورة، في بياناتها الأخيرة، على استمرار الفعل الثوري السلمي من خلال استمرارها في تسيير المسيرات ومواصلة الاعتصام بساحات الثورة حتى تحقيق كامل أهداف الثورة دون الالتفات للخطاب الإعلامي للثورة المضادة التي يتصدر خطابها علي صالح وأبناؤه المحشورون في نطاق ضيق بين الثورة السلمية التي تطالب بإسقاطهم وتتوعد بمحاكمتهم ونظام التوافق الانتقالي برئيسيه هادي وباسندوة كنظام سياسي شرعي ولد من رحم الثورة التي أطاحت بصالح كمستبد لا يضاهى ومشروعه التوريثي لنجل الأكبر برئاسة البلاد. وخلاصة الردود تجمع على أن صالح كمستبد مرفوض بقائه من جميع اطراف العمل السياسي في الداخل ومعارضة الخارج، وتعتبر ما يصدر عنه بين حيناً وآخر من تصريحات مستفزه وتهديدات هدفها اثبات الوجود بالقوة بمساندة ابنائه او الابتزاز السياسي لجميع الأطراف مستقوياً بادعاء أحقيته المقدسة في زعامة حزبه التي يعتبرها حلاً سحرياً للبقاء في المشهد كطرف في المعادلة إلى حين تسنح له الظروف لفرض نفسه كزعيم ورئيس للرئيس هادي المنتمي لحزب المؤتمر، وهذا ما يؤكد أن لعنة «الرئيس المخلوع» ستطارد بدعته المثيرة للغرابة: «الزعيم» لحزب المؤتمر وللبلد.