لأول مرة عبر التاريخ يقدم الإخوان المسلمين في مصر مرشحهم لكرسي الرئاسة.. كشفت تسمية خيرت الشاطر كمرشح الإخوان المسلمين حالة من الدهشة والاستغراب لدى بعض المتابعين خصوصاً أنه لم يكن متوقعاً أن يتم ترشيحه. بعيداً عن الصراع الخجول بين الإخوان والمجلس العسكري، أكد الإخوان مراراً أنهم لن يرشحوا أحداً للرئاسة وأنهم غير طامعين في منصب رئاسة مصر، لكنهم أجبروا على الدخول في المنافسة الرئاسية بعد دخول مرشحين أقوياء من الجماعة دون إذن أو قبول منها أو حتى تزكية، هذا المسلك بالذات غريب على نهج الجماعة عموماً المرتكز على الانضباط التنظيمي والسمع والطاعة، فالجماعة لم تكن تعرف الاختلاف بالصوت المدوي من قبل، ويبدو أننا في مرحلة مهمة في تاريخ الجماعة لأنها ستؤجج الصراع بين جيل الشباب والكهول ومنهجية الكفاءة الدينية والكفاءة الدنيوية.
بعد الثورة وسقوط النظام المصري فقد الإخوان أهم عامل وهدف استراتيجي للجماعة وهو الوقوف في استعصاء أمام الدكتاتور والدولة البوليسية وتم استبداله بهدف جديد وهو الجماهيرية (الانتشار الجماهيري) للدخول في انتخابات برلمانية ورئاسية، مما جعلهم يراجعون آراءهم وبرامجهم واجتهاداتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية بل وإجراءاتهم التنظيمية الداخلية، لمواءمتها لهدف جديد وهو الجماهيرية.
لم يفهم جيل الكهول بعد أن اختيارهم خيرت شاطر هو خطأ يؤكد طريقة ومسلك قيادة الإخوان المسلمين غير الصائب في اعتمادها على عاملي الالتزام التنظيمي والسمع والطاعة في ترشيح القيادات، وهذا قد يؤدي حتماً إلى موجة انقسام طفيفة في الشارع الإخواني المصري (التنظيمي والجماهيري)، أتصور أن هنالك من سيستغلها في ترتيب أوراقه ونيل بعض المكاسب، ما لم تقم الجماعة بعملية مراجعة سريعة وأهمها التفاهمات مع المرشحين الإخوانيين الآخرين للانسحاب والدخول بمرشح واحد فقط للجماعة.
قد يقود هذا الترشيح إلى حراك وحالة لغط داخلي في أحد المسارات التالية: الأول هو الانقسام المؤدي إلى تفكيك الإخوان إلى أشكال مختلفة متوحدة في المنهج والتاريخ والقيم والرؤى ومختلفة في الأداء التنظيمي والسياسي والمؤسسي، خصوصاً في حالة خسارة مرشح الإخوان الرسمي وفوز أحد الإخوان غير الرسميين.. مما سيظهر قيادة التنظيم بأنها أصدرت فرمان ضد إرادة التنظيم والشعب على السواء.
المسار الثاني والمحتمل هو خسارة الانتخابات الرئاسية لمصلحة أحد الليبراليين أو غير الإخوان والذي بدوره قد يؤثر على مدى ثقة القاعدة بقرارات القيادة، لكنه سيؤدي -في المستقبل البعيد- إلى تطوير وتوسيع دائرة القيادة التنظيمية المغلقة على عدة أشخاص كهول والذي بدوره سيحسّن ممارسة الإخوان الداخلية ويوجههم إلى فهم أعمق للواقع السياسي الحالي ومتغيراته الحديثة. المسار الثالث هو أن تقوم قيادة الإخوان بعملية ترميم إسعافية سريعة عبر تفاهمات مع المرشحين الآخرين وقيادات التنظيم الوسطى لتوحيد الصفوف ولملمة الآراء وعملية اصطفاف إخواني قد لا تكون ناجحة إلا بمعجزه إلهية، فتمرر عملية الانتخابات ولكنها قد تتسبب بفوضى تنظيمية إن فشل مرشح الأخوان في الوصول إلى كرسي الرئاسة، وإن نجح فزخم الوصول للرئاسة كفيل بأن يلملم الشتات ويعيد الصف.
لم يكن مفاجئاً انتخاب شخصية مقربة من مكتب الإرشاد ودون اختيار من القاعدة التنظيمية السفلى، ولا أستغرب خسارة الإخوان فيها إذا استمرت القيادة في إصدار فرمانات مفاجأة لقواعدها، فالانتخابات الرئاسية القادمة ليست النهاية.
المعضلة الأخيرة والمهمة التي سيواجهها الإخوان داخلياً في حال فوز مرشحهم هي السلطة الرئاسية وصناعة القرار الرئاسي.. فمن سيحكم من: هل رئيس الجمهورية سيحكم البلاد ومن ضمنها الإخوان المسلمين، أم أن الإخوان المسلمين هم من سيحكمون الرئيس والبلاد معه؟ هذا التساؤل يحتاج إلى مراجعة في مفهوم السمع والطاعة لدى الجماعة.
في الأخير حركة الإخوان المسلمين مثلها مثل أي منشاة ومنظمة في العالم تحتاج إلى تجديد وتحديث وتطوير في نهج القيادة.. ولا يمكن أن تظل الحركة أسيرة للنهج التاريخي القديم في عمل أشبه بمسرحية تبادل أدوار لا أكثر.