الارصاد يتوقع هطول امطار على أجزاء واسعة من المرتفعات ويحذر من الحرارة الشديدة في الصحاري والسواحل    اجتماع موسع لمناقشة الاستعدادات الجارية لبدء العام الدراسي الجديد في مدينة البيضاء    الشعر الذي لا ينزف .. قراءة في كتاب (صورة الدم في شعر أمل دنقل) ل"منير فوزي"    ضبط مخزن للأدوية المهربة بمحافظة تعز    الفاسدون في الدولة وسياسات تخريب الطاقة الكهربائية السيادية؟!    في الذكرى ال 56 لانقلاب 22 يونيو.. فتح باب الاغتيالات لكبار المسئولين    ماذا اعد العرب بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية؟    نادي الصقر يُعيد تدشين موقعه الإلكتروني بعد 10 سنوات من التوقف    الجنوب العربي.. دولة تتشكل من رماد الحرب وإرادة النصر    الغيثي: علي ناصر محمد عدو الجنوب الأول وجاسوس علي عفاش المخلص    الحرارة فوق 40..عدن في ظلام دامس    خام برنت يتجاوز 81 دولارا للبرميل    ريال مدريد يقسو على باتشوكا    فصيلة دم تظهر لأول مرة وامرأة واحدة في العالم تحملها!    الصين.. العثور على مقابر مليئة بكنوز نادرة تحتفظ بأسرار عمرها 1800 عام    في بيان للقوات المسلحة اليمنية.. لا يمكن السكوت على أي هجوم وعدوان أمريكي مساند للعدو الإسرائيلي ضد إيران    ترامب "صانع السلام" يدخل الحرب على إيران رسمياً    في خطابه التعبوي المهم .. قائد الثورة : المعركة واحدة من قطاع غزة إلى إيران    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (1)    دول المنطقة.. وثقافة الغطرسة..!!    الكاراز يعادل رقم نادال على الملاعب العشبية    المنتخب الوطني تحت 23 عامًا يجري حصصه التدريبية في مأرب استعدادًا لتصفيات آسيا    رسائل ميدانية من جبهات البقع ونجران و الأجاشر .. المقاتلون يؤكدون: نجدد العهد والولاء لقيادتنا الثورية والعسكرية ولشعبنا اليمني الصامد    اعلام اسرائيلي يتحدث عن الحاجة لوقف اطلاق النار والطاقة الذرية تحذر وأكثر من 20 ألف طلب مغادرة للاسرائيلين    الخارجية اليمنية: نقف مع سوريا في مواجهة الإرهاب    تفكيك أكثر من 1200 لغم وذخيرة حوثية خلال أسبوع    إيران تنتصر    قطاع الأمن والشرطة بوزارة الداخلية يُحيي ذكرى يوم الولاية    بين عدن وصنعاء .. شهادة على مدينتين    مرض الفشل الكلوي (9)    - رئيس الجمارك يطبق توجيهات وزارة الاقتصاد والمالية عل. تحسين التعرفة الجمركية احباط محاولةتهريب( ربع طن)ثوم خارجي لضرب الثوم البلدي اليمني    تحذير أممي من تفاقم انعدام الأمن الغذائي في اليمن    - ظاهرة غير مسبوقة: حجاج يمنيون يُثيرون استياء جيرانهم والمجتمع.. ما السبب؟*    بنك الكريمي يوضح حول قرار مركزي صنعاء بايقاف التعامل معه    ذمار.. المداني والبخيتي يدشّنان حصاد القمح في مزرعة الأسرة    توقيف الفنانة شجون الهاجري بتهمة حيازة مخدرات    كشف أثري جديد بمصر    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الدكتور الأفندي بوفاة شقيقه    "عدن التي أحببتُها" بلا نازحين.!    إشهار الإطار المرجعي والمهام الإعلامية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    ريال أوفييدو يعود إلى «لاليغا» بعد 24 عاماً    الفريق السامعي: إرادة الشعوب لا تُقصف بالطائرات والحرية لا تُقهر بالقنابل ومن قاوم لعقود سيسقط مشاريع الغطرسة    من قلب نيويورك .. حاشد ومعركة البقاء    الحديدة و سحرة فرعون    خبراء :المشروبات الساخنة تعمل على تبريد الجسم في الحر الشديد    حادث مفجع يفسد احتفالات المولودية بلقب الدوري الجزائري    من بينها فوردو.. ترامب يعلن قصف 3 مواقع نووية في إيران    أثار نزاعا قانونيّا.. ما سبب إطلاق لقب «محاربو السوكا» على ترينيداد؟    فلومينينسي ينهي رحلة أولسان المونديالية    شوجي.. امرأة سحقتها السمعة بأثر رجعي    علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي    استعدادات مكثفة لعام دراسي جديد في ظل قساوة الظروف    فساد الاشراف الهندسي وغياب الرقابة الرسمية .. حفر صنعاء تبتلع السيارات    على مركب الأبقار… حين يصبح البحر أرحم من اليابسة    قصر شبام.. أهم مباني ومقر الحكم    الاتحاد الأوروبي يقدّم منحة مالية لدعم خدمات الصحة الإنجابية في اليمن    بين ملحمة "الرجل الحوت" وشذرات "من أول رائحة"    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتوكل والموتر السياسي: (2-3)
نشر في المصدر يوم 17 - 04 - 2012

[لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكنه من أدى الأمانة، وكف عن أعراض الناس فهو الرجل].. عمر بن الخطاب رضي الله عنه

(1)
من غير الواضح كيف نبتت حكاية محاولة اغتيال د. محمد المتوكل بالموتر السياسي في ذهنه؛ فوفقا لكلامه فهو لم يشعر بما حدث له حتى أنه شكك بالدراجة النارية (لم يكن هناك موتر) ثم دخل في غيبوبة فورا لم يفق منها إلا في الأردن، وهناك فقط عرف ما حدث له، وجاءه أناس من اليمن: محامون وأقارب، لكنه عندما عاد كانت مؤامرة الاغتيال قد اختمرت في ذهنه، وكان لابد أن يضع لها حيثيات ودلائل حتى يقنع نفسه قبل أن يقنع الآخرين أنه استهدف بموتر سياسي [عندما رأى الأخت/ سمية القواس ضمن مستقبليه في المطار كانت أول كلمة قالها وأثارت ضحكات الاستغراب: أين الموتر؟].
في الحوارين مع الصحيفتين المشار إليهما في الأسبوع الماضي؛ حدد المتوكل عددا من المسائل التي قال إنه اختلف فيها مع المشترك وكانت سببا في الإقدام على اغتياله كقوله (أنا ضد العنف وبكل أشكاله ولهذا أرسلوا لي دراجة نارية)، وعندما سرد مسائل خلافه مع المشترك اختتم كلامه قائلا (هذا ما كان وراء الحادث.. ما حصل حادث سياسي نتيجة مواقف سياسية)، وحدد أربع قضايا قال إنها كانت وراء محاولة اغتياله بعد أن طرحها في المشترك أو جاهر بها في مناقشاته مع قيادات إصلاحية بالذات. وهذه القضايا هي:
1- رفضه لعسكرة الثورة وممارسة الجيش للعمل الثوري، ووجوده في الساحات، ويتفرع منها اتهامه للإخوان في العالم العربي كله أنهم هم الذين جاءوا بالعسكر إلى السلطة.
2- دعوته لضرورة إيجاد توازن قوى متعددة لضمان نمو الديمقراطية.
3- تشكيل لجنة لعملية إعادة التفكير في هيكلة القوات المسلحة.
4- معارضة منع الطلبة من استئناف الدراسة الجامعية.

(2)
لا بأس الآن أن نناقش هذه المواضيع التي قال المتوكل إنها الأسباب التي أغضبت المشترك والإصلاح تحديدا فكانت النتيجة: موتر سياسي صدمه وكاد يقتله!
نبدأ من حكاية أنه قال – يا لشجاعته!- في معرض رفضه لعسكرة الثورة: إن الإخوان المسلمين هم الذين جاءوا بالعسكر إلى السلطة.. وفي موضع آخر يقول: التيارات الإسلامية في العالم العربي كله(!) هي التي دفعت بالقوات المسلحة إلى الحكم.. في مصر: الإخوان المسلمون.. في السودان.. في تونس!!
وهنا نجد أنفسنا مضطرين أن نعلم دكتور العلوم السياسية؛ أو بالأصح ننعش ذاكرته؛ شيئا من تاريخ الانقلابات العسكرية لكيلا يكرر تهويشاته هذه فيستحق أن يوصف بأنه (كذّاب أشر) ويكتب عند الله (كذّابا). ونحن فقط سنشير إلى الانقلابات العسكرية الناجحة التي جاءت بالعسكر إلى الحكم؛ أما تلك الفاشلة فلم تأتِ بأحد، وبصرف النظر عن دوافع كل منها. وأولا/ فالعالم العربي عرف أولى الانقلابات العسكرية الناجحة في سوريا بدءا من عام 1949 بانقلاب حسني الزعيم ثم سامي الحناوي ثم أديب الشيشكلي، والأول والثاني كانا مدبرين من المخابرات الأمريكية والبريطانية (كتابا: لعبة الأمم وحبال من رمال).. وأما الانقلابات المتتالية حتى انقلاب حافظ الأسد نهاية 1970؛ فمعظمها انقلابات بعثية، وواحد منها هو انقلاب الانفصال وآخر هو الذي أطاح بحكومة الانفصال وشارك فيه قوميون وناصريون وبعثيون قبل أن يطاح بغير البعثيين الذين حكموا سوريا حتى الآن ودبروا انقلابات عسكرية ضد بعضهم. البلد الثاني الذي شهد انقلابات عسكرية متوالية هو العراق؛ وكلها إما بعثية وإما قومية موالية لعبدالناصر. وكما هو واضح لم يكن لأي تيار إسلامي لا سني ولا شيعي مشاركة في أي انقلاب، وإذا كان للمتوكل معلومات خاصة غير هذا فليعلمنا بها وسنكون له شاكرين معتذرين.
بلدان عربية أخرى شهدت انقلابات عسكرية ناجحة لكن لم يكن للإسلاميين دور فيها؛ بل كانوا ضحاياها كما هو الحال في سوريا والعراق فموريتانيا عرفت انقلابات بريئة من الإسلاميين، والجزائر عرفت انقلابين عسكريين؛ الأول بقيادة بومدين ضد أحمد بن بللا – رحمه الله- عام 1965، وأنتج نظاما يساريا، والآخر انقلاب العسكر ضد نتائج انتخابات 1992 التي فازت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية. في ليبيا كان الانقلاب الأول والأخير هو انقلاب معمر القذافي، ومن اليوم الأول أعلن ولاءه لعبدالناصر والقومية العربية، وظل معاديا للإخوان حتى وصل إلى المجاري في اليوم الأخير من عمره. والسودان عرف عددا من الانقلابات: الأول كان سلميا عام 1958 سلّمت فيه الأحزاب الليبرالية المحافظة السلطة للفريق إبراهيم عبود، والثاني قاده جعفر النميري بالاشتراك مع الحزب الشيوعي السوداني 1969، والثالث قاده (سوار الذهب المحسوب على الإخوان) في نهاية الثورة الشعبية عام 1985 لكنه وفّى بوعده وسلّم السلطة للمدنيين. والانقلاب الوحيد الذي نظمه ونفذه ووقفت وراءه حركة إسلامية هو انقلاب عمر البشير بدعم من الجبهة الإسلامية القومية بقيادة د. حسن الترابي، وهي على خلاف مع الإخوان السودانيين. في اليمن الشمالي كانت ثورة 26 سبتمبر – أو الانقلاب كما يحلو للبعض وصفه- قومية جمعت بين أغلبية بعثية ومؤيدين لعبدالناصر، وأما انقلاب 5 نوفمبر فقد شارك فيه بعثيون ومشائخ قبائل وحتى يساريون وكان أشبه بحركة داخلية، وعلى كل حال جاء بحكام مدنيين وليس عسكريين، ثم كانت حركة 13 يونيو بقيادة إبراهيم الحمدي شبيهة بما قبلها لكن لا يمكن القول إن الإسلاميين كانوا وراءها، والمتوكل نفسه كان عضوا في اللجنة العليا للتصحيح، وتولى وزارة التموين تحت قيادة عسكريين(!!) ولم يجد غضاضة في ذلك. وكذلك كان استيلاء الغشمي على السلطة ثم مجيء علي صالح تكريس لحكم العسكر وليس إتيانا بهم. وفي اليمن الجنوبية كانت كل الانقلابات صراعات داخلية ولم يكن للإخوان أو التيارات الإسلامية أي علاقة بها. تونس لم تعرف إلا انقلابا واحدا ناجحا دبره حامل راية الدولة المدنية والعلمانية زين العابدين بن علي والإسلاميون كانوا في السجون.. ومع ذلك اتهم المتوكل الإخوان في تونس بأنهم جاءوا بالعسكر (أظن أنها غلطة لسان متوكلية). بقيت ثورة 23 يوليو المصرية؛ وهذه بالفعل كان للإخوان دور في التنسيق مع قيادة تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر.. لكن الحقيقة أيضا أن آخرين أسهموا أيضا وفي مقدمتهم: الشيوعيون في حزب (حدتو)، وكان لهم مجموعة مهمة من الأعضاء في التنظيم وفي مجلس قيادة الثورة (خالد محيي الدين) بل إن الرجل الذي أنقذ الثورة من الفشل بعد انكشاف سر الانقلاب هو القائمقام (يوسف صديق) الذي تحرك بقواته قبل ساعة الصفر واقتحم رئاسة الأركان وقبض على كبار ضباط الجيش، وهو أحد أعضاء حزب (حدتو) الشيوعي الذي كانت منشورات الضباط الأحرار تطبع في مقراته السرية وتشارك قياداته في كتابتها.. وتقديرا لدور يوسف صديق تم ضمه لعضوية مجلس القيادة فورا. الوفديون الليبراليون كان لهم أيضا مشاركة من خلال بعض الأفراد الذين كانوا على علاقة مع عبدالناصر، وكان أحمد أبو الفتح – رئيس تحرير صحيفة المصري الوفدية- هو الذي نبه الضباط الأحرار عبر صهره ثروت عكاشة عضو الضباط الأحرار – توفي قبل أسابيع- بأن الملك فاروق حصل على قائمة بأسماء قيادة التنظيم، وكان ذلك سببا في تقديم موعد الحركة من نهاية أغسطس إلى 23 يوليو!
نظن أنه تكفي هذه المعلومات ليتعلم المتوكل التواضع وكيف يسيطر على دخائل نفسه ويكف عن أعراض الناس، ويهذب لسانه، ويتعلم كيف يكون زعيما سياسيا مثل الموتر.. السياسي!

(3)
مطالبة المتوكل بالهيكلة على أسس وطنية ليست معجزة فكرية، فالأصل هو أن تتم الهيكلة وفقا لأسس علمية تستبعد صغيري السن وقليلي الخبرة من قيادة أبرز المؤسسات العسكرية والأمنية، والأسس الوطنية ضرورية أيضا لكيلا يصير الجيش والأمن حكرا على انتماءات مناطقية وقبلية ومذهبية محددة. ولا نظن أن أحدا في الثورة يختلف مع المتوكل في ذلك فضلا عن أن يفكر في اغتياله.. وفي عدد (الصحوة) قبل الأخير كتب الأخ عادل أمين مقالا رائعا فضح فيه الموقف الحقيقي للمتوكل من لغز: الحوار قبل أو الهيكلة، وأورد تصريحات صحفية للمتوكل على النحو التالي: (كان المتوكل يصرح في كل مقابلاته الصحفية قبل الحادث المؤسف بأن هيكلة الجيش هي أمر ضروري حتى قبل إجراء الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة الوفاق.. فقد صرح لصحيفة عكاظ في 8/10/2011 أن المعارضة اشترطت تشكيل لجنة برئاسة النائب للإشراف على القوات المسلحة وإعادة هيكلتها لأن الانتخابات لا يمكن أن تجري في ظل جيش ممزق وبلد غير آمن، وحينما يجري تشكيل اللجنة ويصبح الجيش للوطن لن يبقى أمام القوى السياسية أية حجة سوى الجنوح للحوار وإجراء الانتخابات وهي الآلية المطلوبة، واتفقنا على ذلك!!! وفي حوار مع صحيفة كواليس في 13/10/2011 أكد كلامه السابق قائلا: أتفق أن المبادرة الخليجية وبالتعديلات التي تمت، وقضية الانتخابات المبكرة، والرئيس يعطي صلاحياته الكاملة لنائبه، وتتم السيطرة على القوات المسلحة وتحييدها قبل إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة!!!

(4)
عسكرة الثورة وممارسة الجيش للعمل الثوري شنشنة رددها النظام وأعوانه كثيرا من بعد مذبحة جمعة الكرامة ومحرقة تعز.. وحتى الآن فالمتضرر الأول والأكبر من انضمام قوات مسلحة للثورة الشعبية أو عسكرة الثورة هو علي عبدالله صالح ونظامه، والذين يرددون ذلك في صفوف الثورة بحسن أو سوء نية يخدمون علي صالح وقوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي التي استهدفت من وجدتهم أمامها يحمون الشباب واعتصاماتهم، أو أولئك الأبطال في تعز، ونهم، وأرحب، والمحويت، والحيمتين الذين اعترضوا الإمدادات العسكرية المرسلة لسحق الساحات في صنعاء وحضرموت وتعز، وقد كان يمكن لهم أن يدعمموا ويتركونها تمر بسلام؛ بل والاتصال بالعسكر والتفاهم معهم على تشكيل مؤسسة وعي مدني-عسكري لإيجاد توازن قوى لحماية الديمقراطية كما صنع المتوكل! وفي المحصلة فنظام صالح وقادته هم المستفيدون من شنشنة عسكرة الثورة لأنها تبرئهم في ظنهم من تعمد قتل المدنيين!
وأما حكاية أن العسكرة خدشت سلمية الثورة في نظر العالم وجعلتها غير سلمية؛ فالمتوكل يقول ذلك كرها في علي محسن الذي أسهم في حماية الثوار وليس كرها في علي صالح الذي قتلهم، وهاهو يرى بأم عينيه كيف يتعاطف العالم مع الجيش السوري الحر الذي يشن مقاومة مسلحة ضد نظام الأسد ولم يخدش ذلك في سلمية الثورة إطلاقا أو يجعل العالم يصف ما يجري في سوريا بأنه صراع مسلح بين قوتين عسكريتين! والواضح أن المتوكل هنا يتحدث أساسا ضد الفرقة الأولى مدرع واللواء علي محسن ولكن بلغة الحوثيين على خلفية الحرب في صعدة.. وقد قلنا مرارا إن فتح ملفات ما قبل الثورة سيشمل حتى الذين يظنون أنفسهم أنهم ملائكة، والأفضل تركها لما بعد الثورة؛ فلا الفرقة وعلي محسن شياطين ولا الحوثيون ملائكة أبرياء من الدماء والانتهاكات ضد المدنيين.. ونظن أن ممارسات الحوثيين في صعدة وحجة والجوف تكفي ليتواضع البعض عن أدائه السيء لدور غاندي ونيلسون مانديلا!

(5)
معارضة المتوكل لاستمرار إضراب طلاب الجامعة، وموافقته على التدريس في الأماكن البديلة ليست معجزة ولا موقفا جبارا لا يستطيعه إلا الجبابرة، وهو خلاف طبيعي يقع عادة في مثل هذه الحالات، وبلسانه اعترف أن المعارضين هم الاتحاد الطلابي أي الطلاب أنفسهم أو جزء منهم. ومثل هذا الخلاف عرفته مجتمعات وثورات عديدة (أذكر في صغري أن بعض الثوار في عدن قتلوا شخصا من جيراننا أمام منزلنا لأنه كان يرفض الالتزام بالإضراب عن العمل)، بل إن الزعيم الشيوعي لينين كتب رسالة خاصة عن الإضرابات وضرورة عدم الجمود وراءها، ودعا إلى المرونة في اتخاذ قرار إلغائها أو استمرارها بحسب المصلحة، ولو أدى الأمر إلى إجراء مساومات أو عدم الحصول على أي مكسب(!) كما فعل البلاشفة قبل وبعد ثورتهم، ثم حكم بأن من لا يفهم ذلك لا يفهم حرفا في الماركسية. وشخصيا كنت مؤيدا لفكرة العودة إلى الدراسة وقلت ذلك في مناقشات في وسط الساحة ولم يلحقني لا موتر ولا عربية خيار! وعلى أية حال فالخلاف انتهى سريعا، وأجبرت الإدارة على إعادة الدراسة إلى مباني الجامعة، واستأنف الطلاب دراستهم واستفادوا منها في الإطاحة بخالد طميم!

(6)
لعبة توازن القوى التي يعمل لها المتوكل هي بيت القصيد من كل هذه التهويشات والافتراءات التي يرددها؛ فمن الواضح أن وجوده في المشترك لم يعد مجديا ولا مريحا بالنسبة له فهو هناك مجرد رقم عادي بجوار عمالقة يقودون أحزابا حقيقية، ويحترمهم العالم الذي يتعامل معهم ويعرف وزنهم الشعبي والنضالي، كما أنهم قيادات مجربة مثقفة وليسوا صغار السن من الذين يتعالم المتوكل بجوارهم.
وحكاية توازن القوى كما يرويها المتوكل – ووجدت للغرابة مؤيدين لها في قيادات المؤتمر- لا تتفق مع ذكاء الرجل؛ فالتوازن مطلوب في مواجهة قوة مسيطرة مهيمنة وليس بين قوتين يضم كل منهما عدة أحزاب وقوى اجتماعية، وبالنظر إلى تكوين كتلة المتوكل- الإرياني الجديدة (فيها حوثيون وحراكيون كما يقول) فمن الواضح أنها ستقوم بدور (القط مشاكس) فإما وحصلت على نصيب الثلث وإما أثارت الإعلام ضد المشترك لأن مكوناتها عدو شرس له مثل المتوكل والحوثيين والحراكيين (أستبعد أن يكونوا حراكيين لأن أهداف هؤلاء في الانفصال أو فك الارتباط أو فيدرالية الشطرين ثم استفتاء تقرير المصير تتناقض مع الحرص على إيجاد توازن سياسي بين قوى شمالية! وفي الغالب هم من الجنوبيين المستقرين في صنعاء من أصدقاء المتوكل التاريخيين ومن فلول نظام صالح الذين تذكروا الآن أنهم جنوبيون أصحاب قضية.. والحليم ينفعه التلميح) وأقل هؤلاء شرا وأكثرهم عقلا هو الإرياني، وقد قيل إن سوء الرؤساء دليل على المجموعة.. أو كما روي عن سعد بن أبي وقاص لما رأى نوعيات المحاصرين لعثمان بن عفان: والله إن أمرا هؤلاء رؤساؤه لأمر سوء.. مع الاعتذار لأكثرهم عقلا!
توازن القوى بالمعنى المتوكلي بين القوى السياسية موجود في اليمن الآن، ولولا ذلك لكان طرف قد فرض إرادته على الآخر بسهولة.. ثم ليس صحيحا ما يقوله المتوكل إن هيمنة حزبين على المشهد السياسي ستكون قضاء على الديمقراطية ولو كانت وليدة.. ففي معظم الديمقراطيات يبرز حزبان بالكثير (الولايات المتحدة- بريطانيا- الهند) وليس في ذلك عيب ولا خطر. ومعنى الأغلبية والأقلية في النظام الديمقراطي هو عدم وجود توازن قوى بينهما وإلا كيف ستحكم الأغلبية وتنفذ برنامجها؟ والثابت أنه عندما لا يحصل حزب على أغلبية يضطر للتحالف مع أحزاب أخرى مما يضعف الحكومة، وأحيانا تتعطل الحياة السياسية بسبب ذلك كما حدث في الدنمارك أو بلجيكا العام الماضي. والواضح أنه يلوح بشيء ويتحدث عن آخر لغرض في نفس إبليس.. فالتوازن المطلوب في النظام الديمقراطي ليس هو التوازن بين القوى السياسية لأن ذلك يتناقض مع مبدأ: أغلبية تحكم وأقلية تعارض، بل المطلوب هو التوازن بين مؤسسات الدولة الثلاث والمجتمع المدني بكل مكوناته، وحيادية الجيش والأمن، وعدم هيمنة قوة على مقدرات الدولة، وبحيث لا تطغى مؤسسة على الأخريات ولو كانت تملك الأغلبية الساحقة في البرلمان وتقود السلطة التنفيذية: حكومة ورئاسة في فترة حكمها المحددة دستوريا. ولا شك أن توازن القوى هذا هو الذي يمنعها من العبث بالدستور والقوانين، والتشبث بالسلطة، وتعطيل الديمقراطية أو تفريغها من مضمونها وهذا هو محط الخلاف اليوم بين المعارضة وبقايا النظام.
ما يردده الدكتور عن مشروع له بعيد عن المشترك باسم إيجاد توازن قوى فهي حركة دلع ليس لها إلا جواب واحد كما في المثل اليمني: (قال: يا أبه ما شرقدش جنبك.. قال: يا بني...) والجواب معروف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.