ك(جمل المعصرة) نحن.. ندور حولنا بجنون لا يتوقف.. نعصر ولا نرى (السليط).. يقول التاريخ بأنَّا نعيش في قدر حلزوني مفخخ بالدوران حول الوجع التاريخي ذاته، فقد خرجنا من دوامة الاحتلال الحبشي مباشرة صوب مقصلة الاحتلال الفارسي.. وتهنا بعد ذلك في خضم الخلافات الإسلامية.. وخرجنا من كنف الخلافة العثمانية إلى كنف الاحتلال البريطاني جنوبا واحتلال الغرباء القادمين من جبال نجد والحجاز وبقايا الفرس «شمالا» وخرجنا منها إلى نظام بئيس ومن النظام البئيس إلى الأكثر بؤسا ومن هذا كله إلى نظام علي صالح.. وها نحن نتجه إلى المجهول.. لا جديد يا وطني.. لا جديد.. إن فرحنا إن حزنا إن بكينا إن رقصنا إن ذهبنا إن بقينا فلن يتغير شيء.. هكذا يريدون من أجل أن تتكاثر أرصدتهم.. يريدون لنا البقاء في تيه طويل من أجل أرصدتهم فقط.. نعيش وكأننا نلعب «الغميض» يا وطني.. كما لو أننا نشاهد مسلسل توم وجيري حيا.. نشارك فيه بالفعل والقول غير أنا لا نضحك لأن كل الشر يسقط علينا نحن فقط.. توم وجيري يسلطان شرهما علينا.. هكذا بكل بساطة يسلطانه علينا.. شعب للتسلية ووطن للتسلية.. وأي تسلية!!! إنه وطن الحلزونات السياسية والدوران حول مراكز لا تؤدي إلا إلى جيوب الساسة وكلابهم ومرتزقتهم فقط.. كالموال اليمني الحزين (حجر وسيري سايرة) نسترخي على خيباتنا وآلامنا نرمم ما تيسر من أوجاعنا الطويلة فتتسع آفاقها دون أن تُرَمَّم.. يرتبط هذا الموال في الأصل بنقل الحجارة من الأسفل إلى الأعلى أو بتمريرها بشكل دائري أو بشكل مستقيم وبالتعب المتعلق بالكد والكدح والشقاء.. إنه مرتبط بالوطن والشعب اللذين يمارسان حمل الأثقال كل يوم دون توقف.. أثقال الزعيم والساسة والقبائل وأنصار الله وأنصار الشريعة وأنصار الموت واللقاء المشترك والحراك والمثقفين والأشباه وأثقال الثوار والبلاطجة والسفير الأمريكي والطائرات بلا طيار و"المقوت"، وبائعة الملوج وعبد الجندي وزحمة الحافلات وفتاوى جامعة الإيمان وضجيج ميكروفونات جامع الصالح وألغام الحوثي ودموع باسندوة و.... نمضي من مربع حزين إلى مربع أكثر حزنا.. ومن وجع إلى وجع أكثر إيلاما.. ووحدهم البسطاء يموتون جوعا وقهرا دون أن يشعر بموتهم أحد.. وحدهم يبيتون في العراء وهم يحلمون بِمِتْرٍ من رصيف يابس لممارسة فرحهم الصغير وترديد زامل لا يقل وجعا عن حظهم العاثر.. يا وطني أنت كوكب الحزن الوحيد في المجموعة الشمسية.. الوحيد كل كائناتك تطلب الله بشكل مستفز للنواميس.. المثقف طالب الله، السياسي طالب الله، الزعيم طالب الله، الكاتب طالب الله، رجل الدين طالب الله، الجيش طالب الله والأمن طالب الله.. الكل طالب الله حتى الطير في سمائك يا وطني طالب الله.. حتى المآذن تطلب الله.. الكل يتاجر بترابك.. يتاجر بأحلامنا ويساوم بدمائنا ومستعد لبيعنا بالمزاد العلني إن اقتضى الأمر.. طلبة الله ماركة يمنية مسجلة.. لعل المضحك في الأمر كله أن المعادلة التي تحكم المشهد حلزونية أيضا تقول بكل سخرية: إن هربنا من صالح سنؤول إلى الإصلاح.. وإن هربنا من الإصلاح سنفر إلى الحوثي وإن هربنا من الحوثي سنفر إلى القاعدة وإن هربنا من الوحدة سنفر إلى الانفصال وإن هربنا من النار لن نبتعد كثيرا عن الرمضاء وإن..... فسنظل في فلك يذكرنا ب"حجر وسيري سايرة.. ولا تكوني...".. إن اقترفنا الحرب سنخسر.. وإن التزمنا السلم سنخسر.. إن نمنا فلن نحلم سوى بالكوابيس وإن صحونا لن نجد سواها.. موجع هو منطق الخسارات يا وطني.. وأنت تمنحنا الخسارات بشكل سخي.. قادتنا يرغمونك على ذلك كما يرغم عزرائيل ضحيته على الرحيل معه بدون حقيبة ودون وداع ودون اعتذار للأهل عن الغياب المفاجئ.. يا وطني شعبك تعلمه جيدا.. تعلم أن مثلث الإمامة (الجهل والفقر والمرض) قد أهلكه تماما.. ومزقه نتفا وصيره شيعا.. وأن الاحتلال البريطاني قد أكل خيرة أبنائه.. وأن البيض قد تركنا لصالح وفر هاربا بجلده وأن صالح قد باعنا للسفير الأمريكي وآل سعود مجانا.. نعم مجانا وبدون مقابل كعبيد.. وها هو البيض يحاول بيعنا لإيران وصالح يبيعنا للقاعدة من جديد.. إنه مأزق الأوغاد الذي لا فكاك منه.. شعب كله بسطاء وكله عظماء.. كله ساسة وكله فقراء.. كله شعراء وكله أميون.. كله مرضى وكله لا يعرفون المرض.. كله جوعى وكله يعاني من التخمة والكوليسترول.. كله موتى وكله أحياء.. شعب هو كل شيء إلا كل شيء.. ينقصه عكازين ليواصل المسيرة فقط.. حزين وجائع يا وطني.. خائف ومرتبك ويحلم بمنفى.. يحلم برصيف لا يعبره الرصاص ولا يدوسه الغرباء.. متعب يا وطني بك وفيك ومنك.. متعبون يا وطني نحن وأنت.. "نحن جرحان حللنا بدنا".. وسيف الغريب مسلول دائما.. مغروز في سويداء القلب.. يا وطني كل شيء مغلق ومشفر كل شيء مراوغ ومخاتل.. لنا الله يا وطني لنا الله.