[email protected] يستعد اليمنيون للذهاب إلى مؤتمر الحوار الوطني كأهم استحقاقات العملية الانتقالية للسلطة في ظل أوضاع لازالت مضطربة أمنيا وسياسيا. ويصدق القول في مسألة الحوار الوطني ان البلاد تقف على مفترق طرق وهي إما الذهاب إلى مؤتمر الحوار بأكبر قدر من التوافق الوطني على ضرورة توديع المرحلة السابقة والدخول في النظام الجديد أو الاستمرار في طريق التشظي والانقسامات الثنائية على مختلف المستويات، وهو ما يعرقل جهود تنفيذ اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ويطول فترة التجاذبات والاختلافات حول قضايا الاصلاحات المدعومة اقليميا ودوليا. وتلقي الأوضاع الأمنية المتدهورة بظلال سلبية على بقية الملفات ومنها الحوار الوطني الذي يشدد كثير مهتمين على ضرورة توفير الأجواء الملائمة لإجرائه ونجاحه وضمان تنفيذ نتائجه على الأرض. وتذهب المؤشرات إلى عدم الانفراج القريب للحالة الأمنية وبقاء هذا الملف كمعوق رئيسي لتطبيع بقية الأوضاع الأخرى. وفيما كانت الأنظار تتجه إلى كيفية تنفيذ القرارات الخاصة بهيكلة الجيش، دخل هذا الأخير في مواجهات مفتوحة مع عناصر القاعدة في محافظة أبين بهدف انهاء سيطرة عناصرها على بعض مديريات المحافظة وبعض المناطق الأخرى. وتؤكد مصادر عسكرية ان هذه المواجهات لا ترتبط بالقرار الأمريكي فحسب، بل تأتي من مصلحة محلية في المقام الأول بهدف منع عناصر القاعدة من التوسع في تلك المناطق واستغلال هشاشة الوضع الأمني وطبيعة المرحلة الانتقالية. ورغم التقدم العسكري الذي تحرزه قوات الجيش في أبين، لا تزال قرارات هيكلة الجيش في بدايتها ودون المستوى المطلوب وتلقى معارضة وتمردا من النظام السابق. ومع التقدم الواضح في العملية السياسية فذلك لأنها لازالت في مراحلها الأولى وتحظى بمتابعة دولية مكثفة وغير مسبوقة، لكنها في الجانب العملي المهم لم تختبر بعد. ويتمثل هذا الجانب في ازالة العقبات أمام مؤتمر الحوار الوطني ثم الجلوس على طاولة الحوار والخروج بنتائج تمثل خلاصة اجماع القوى الفاعلة في البلاد على أقل تقدير. ويرى محللون سياسيون في ردود الأفعال التي أعقبت قرار الرئيس هادي تشكيل لجنة الاتصال للحوار الوطني بأنها تشير إلى أن الوضع السياسي ما زال معقدا وأن الأجواء أمام الحوار ما زالت غير مهيأة. وللمرة الأولى في ظل النظام الجديد، تواجه أحزاب اللقاء المشترك والتي عادة ما توصف تجربتها في تناولات المحللين السياسيين بالفريدة والرائدة، ليس على المستوى اليمني فحسب بل والمنطقة العربية، أول اختبار لتحالفاتها السياسية بين الاسلاميين واليساريين والقوميين إثر ظهور التباينات بين مكوناتها الرئيسية عقب صدور القرار الجمهوري بتشكيل لجنة الاتصال للحوار الوطني وتعيين أربعة مستشارين للرئيس هادي. وخرج الناصريون ببيانات وتصريحات مفاجئة للمراقبين المحليين، مثيرين قضايا الاقصاء والتهميش من الشراكة الوطنية لينضموا بذلك إلى بقية الأحزاب الثلاثة المكونة للتحالف وهي الحق واتحاد القوى الشعبية والبعث العربي الاشتراكي القومي والتي اعتادت بعض قياداتها السياسية منذ شهور الثورة الشبابية الشعبية الخروج بتصريحات متقاطعة مع توجهات اللقاء المشترك. وبعكس التنظيم الناصري، بدت مواقف الأحزاب الثلاثة خارج اهتمامات المتابعين نظرا لضعف فاعليتها السياسية وعدة اعتبارات أخرى من بينها التوجهات الفكرية المعروفة للحق واتحاد القوى الشعبية وكذلك تأثر مواقف الأحزاب الثلاثة بالمتغيرات الاقليمية وتطورات الثورة السورية. غير ان الموقف الناصري الأخير، فاجأ المراقبين، واعتبره آخرون غير مبررا من حزب فاعل في تكوين اللقاء المشترك وفي هذا التوقيت بالذات، حيث لم تتعاف البلاد بعد من تراكمات العقود الماضية أو تغادر ما يمكن اعتباره "عنق الزجاجة"، و لا تزال في أمس الحاجة إلى التوافقات والتحالفات وإلى تجربة اللقاء المشترك تحديدا. ولا تجيز المبادرة الخليجية الاعتراض على قرارات الرئيس هادي وهي ملزمة للجميع، فضلا عن أنه لم يكن لدى الاشتراكي أو الاصلاح علم مسبق بما صدر من قرارات أخيرة، حسب الدكتور ياسين سعيد نعمان. ويشير نعمان إلى ان لجنة الاتصال لا تمثل احزابا ولكنها تمثل شخصيات عامة ومهمتها مؤقتة للتواصل وتشكيل لجنة تحضيرية للحوار وهي اللجنة التي سيتم فيها تمثيل الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشباب والنساء تمثيلا حزبيا معتبرا. وتتفق ردود الأمين العام للحزب الاشتراكي مع ما صرح به الرئيس هادي مؤخرا من أن لجنة الاتصال للحوار الوطني هي هيئة تابعة له بمهام محددة من حيث التحضير لتشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني والذي سيشارك فيه الجميع من المهرة وحتى صعدة. ولم يتردد الأمين العام للحزب الاشتراكي لدى سؤاله عن مصير التحالف بين اللقاء المشترك، في القول ان "العمل في اللقاء المشترك طوعي وإذا وجد أي حزب نفسه مضطرا لأسباب معينة للخروج فمن حقه ان يفعل"، واستدرك " لكني لا أجد في اللحظة الراهنة سببا يدعو أي حزب إلى ذلك". ورغم ان الموقف الرسمي للناصري لم يتوجه بالنقد المباشر في حديثه عن التقاسم والاستبعاد من الشراكة الوطنية إلى حزبي الاصلاح والاشتراكي بعد القرار الجمهوري بتعيين الدكتور ياسين سعيد نعمان وعبد الوهاب الآنسي كأعضاء في لجنة الاتصال للحوار الوطني. الا ان بيانات فروع التنظيم في بعض المحافظات، أشارت إلى ذلك، كما طالبت بموقف من المشترك وأعادت التذكير بما اعتبرته قبول الناصريين "بالمشاركة البسيطة في حكومة الوفاق الوطني والذي لا يليق بحجم التنظيم وتاريخه وأدواره النضالية". ويشغل نائب الأمين العام للتنظيم الوحدوي الناصري، علي اليزيدي، وزارة الادارة المحلية في حكومة الوفاق الوطني ضمن 17 حقيبة وزارية توزعها اللقاء المشترك وحلفائه، فيما تحدثت مصادر في حزب الاصلاح عقب الاعلان عن التشكيلة الحكومية بأن الحزب لم يستأثر بالحقائب الوزارية واكتفى بوزارتين هما التخطيط والتربية والتعليم، دون الاشارة إلى العرشاني في وزارة العدل أو عبد القادر قحطان في الداخلية. وتناولت وسائل اعلامية تابعة للنظام السابق، التباينات في المشترك بوصفها خلافات حادة، وأثارت تساؤلات عن مصير التحالف بين هذه الاحزاب بعد خروج احتجاجات الناصريين للعلن. وربما، دفع هذا التشفي القيادات السياسية الكبيرة في المشترك للنقد والمراجعة والتأكيد على أهمية استمرار الشراكة خلال هذه المرحلة. ففي تصريح له الأسبوع الماضي، نفى الناطق الرسمي للمشترك صحة ما يتردد عن وجود خلافات وانشقاقات بين أحزابه، مؤكدا أن المرحلة مفصلية وتتطلب مزيدا من التعاون والتكاتف حتى يكون المشترك حاملا للقضية الوطنية، وأن جميع هذه الأحزاب حريصة على استمرار الشراكة والعلاقة فيما بينها إلى فترة أطول في المرحلة القادمة. وأشار أن المشترك يدرك ويؤمن أن هذه التجربة رائدة في العمل السياسي والوطني وأنه لا يمكن التفريط بها بأي حال من الأحوال. وتردد مصادر قيادية في أحزاب اللقاء المشترك بشيء من الاعتزاز استمرار تجربتهم المشتركة وفشل كل محاولات النظام السابق في فك عرى التحالف بين أحزابها، وهي محاولات كثيرة وتمتد إلى ما قبل الاعلان الرسمي عن التحالف في عام 2003م. لكن المفارقة تبدو في أن محاولات النظام السابق كانت تزداد قبيل الاستحقاقات الانتخابية وأثناء العمليات الحوارية بين الجانبين بهدف الاستفراد بأحد أطرافها وإضعافها، ولم تخرج تلك الحوارات بنتائج كبيرة للوطن، وهو ما كان يؤخذ على أحزاب المشترك رغم دخولها للحوار موحدة الموقف. وصحيح ان هناك عقبات كثيرة تعترض الحوار الآن من بينها بقاء النظام السابق وعدم مغادرته المشهد السياسي نهائيا، إلا ان الاجماع على أهمة الحوار وتوفير ظروف ملائمة لنجاحه ورعايته دوليا لم تتوفر له من قبل، وهو ما دفع التباينات في أوساط المشترك بشأنه كي تأخذ اهتماما أكبر. أما التساؤلات بشأن مصير التحالف بين هذه الأحزاب، فقد بدأت منذ اللحظات الأولى لتهاوي أركان النظام السابق نتيجة الثورة الشبابية الشعبية، وتؤكد المؤشرات وقياديون حزبيون بأن ظروف اليمن خلال هذه المرحلة تحتاج إلى مثل هذا التحالف لعشر سنوات قادمة على الأقل. ويقول القيادي محمد قحطان " نحن سمينا أنفسنا تسمية دقيقة كلقاء مشترك بمعنى أننا نلتقي على المشتركات، ومن هذا المنطلق نشعر أن هناك بعض المشتركات تحتاج إلى أن نستمر عشر سنوات إن لم يكن أكثر".