مجزرة مروعة في محافظة تعز واستشهاد 5 نساء بقصف حوثي على المدنيين    هل يُخفي البحر الأحمر مخططًا خطيرًا؟ القيادي المؤتمري ابوبكر القربي يُحذر!    الدوري الالماني ... بايرن ميونيخ يحقق الفوز امام فرانكفورت    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    البريميرليج ... ليفربول يواصل السقوط    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    "نجل الزنداني" يكشف عن رسالة من ايران لأسرتهم ..ماذا جاء فيها    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    اختطاف ناشط في صنعاء بعد مداهمة منزله فجر اليوم بسبب منشورات عن المبيدات    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    ضبط المتهمين بقتل الطفل الهمداني في محافظة إب بعد تحول الجريمة إلى قضية رأي عام    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    جماعة الحوثي توجه تحذيرات للبنوك الخاصة بصنعاء من الأقدام على هذه الخطوة !    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    حادث مروع .. ارتطام دراجة نارية وسيارة ''هليوكس'' مسرعة بشاحنة ومقتل وإصابة كافة الركاب    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    عاجل: إعلان أمريكي بإسقاط وتحطم ثلاث طائرات أمريكية من طراز " MQ-9 " قبالة سواحل اليمن    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يتوجب إنهاء وضع مكافحة الفساد كوعاء للحاكم وابتزاز الآخرين
نشر في المصدر يوم 02 - 06 - 2012


توطئة
مما لابد من الإشارة إليه حين الحديث عن الفساد ومكافحته في اليمن, ان تركة ثقيلة تراكمت في هذا الجانب خلال مرحلتين, الأولى استمرت قرون عدة سعى خلالها الأئمة لإحداث أول شرخ في المجتمع بتقسيمه إلى طبقات مستندين إلى شرعية دينية مزعومة للإستئثار بالحكم والعلم وحصر وظيفتي أنصار ورعية في فئة اخرى, ووضع البقية في درجات أدنى وفق مايمارسه منتسبيها من وظائف ومهن وربما اللون.
والثانية كانت خلال 33 عاماً من حكم أنهته الثورة الشبابية السلمية التي لازالت مستمرة, وفيها كان الشرخ الأكبر الذي عزز جذور الفساد ليس فقط بسبب الادارة المريضة وغياب الارادة السياسية لمكافحته, بل وجود إراده لترسيخه كثقافة وقيم في أوساط المجتمع, وعبر سلوكيات تتناقض كفعل مع القول ويتعارض نص القانون مع الممارسة ما كان له أثراً كبيراً في القيم والثقافة والسلوكيات والقناعات لدى النخب وعامة المواطنين وكان تأثيره أشد من تأثير 1000 سنة من حكم الائمة.
غير ان أشهراً قليلة من الفعل الثوري والتلاحم والنضال الذي شهدته ساحات التغيير وميادين الحرية, زلزلت أركان تلك الثقافة واقتلعت تلك القيم من الجذور, وأحدثت أثراً إيجابياً عميقاً كاد أو يكاد اهالة التراب على ماتراكم من رصيد كبير وتركة ثقيلة للفساد, إذا أحسنت مختلف القوى تعزيزها والعمل لإستمراريتها قروناً قادمة وإتساع مساحتها لتغطي الوطن اليمني بكله.
حينما شرعت في إعداد هذه الورقة, كان أول مابحثت عنه هو تعريف الفساد ومظاهره وأشكاله وأسبابه وغيرها من الأمور النظرية المعتادة, ثم القانون اليمني الخاص بمكافحة الفساد ولائحته التنفيذية ومواضيع أخرى تتعلق بالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وتقارير الانجاز الصادرة عنها, لكني وجدت ان ما جثم على صدر وطننا وشعبنا, فساداً من نوع آخر, تتقزم أمامه كل التعريفات ويعجز أمهر الخياطين عن تفصيل أياً منها لتتناسب مع الفساد الحاكم لليمن 33 عاماً.
لا أبالغ فيما أقول وسأسعى ما أستطعت لإثبات ذلك من خلال تسليط الضوء بإختصار للأداء العام للنظام الذي أسقطته ثورة شعبية لم تكتمل انجازاتها بعد, ثم الخوض في التفاصيل بتناول الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وطبيعتها وصلاحياتها وفقاً للقانون المتضمن تأسيسها ومطابقة ذلك مع أدائها الظاهري خلال عمرها القصير نوعاً ما رغم انه جاوز الاربع سنوات.
• الفساد
كما ذكرت سابقاً, فقد بحثت عن تعاريف الفساد ووجدت كثيراً منها, ووجدت انها ليست بحجم ومستوى الفساد اليمني, ولذلك أكتفيت بتوسع بعض من عرفوا الفساد ومفهومه "بحيث يشمل كل سلوك يجافي المصلحة العامة", ويؤكده بشكل أعمق "اتفاق دولي على تعريف الفساد كما حددته (منظمة الشفافية الدولية) بأنه: كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته".
ويعرف المشرع اليمني الفساد في المادة (2) من قانون مكافحة الفساد بأنه "استغلال الوظيفة العامة للحصول علي مصالح خاصة سواء كان ذلك بمخالفة القانون أو استغلاله أو باستغلال الصلاحيات الممنوحة".
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل ينطبق هذا على كل فعل وممارسة وإجراء وتصرف وخطوة, بل وتشريع قانوني, كان يقدم عليها النظام الحاكم وتحديد رئيس الدولة والتي نختصرها في السعي للبقاء على كرسي الحكم أطول مدة ممكنة ثم العمل على توريث الحكم للأبناء والأسرة وتمليك الوطن كله؟.
وتحدد المادة (30) طبيعة الجرائم التي تدخل في إطار جرائم الفساد:
1- الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات.
2- الجرائم الماسة بالوظيفة العامة المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات.
3- الجرائم المخلة بسير العدالة المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات.
4- اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات.
5- رشوة الموظفين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية للقيام بعمل أو الامتناع عن عمل إخلالاً بواجبات وظائفهم بقصد الحصول على منفعة تجارية أو مزية غير مستحقة أو الاحتفاظ بها متى تعلقت بتصريف الأعمال التجارية الدولية ويسري بشأنها الحكم الوارد في قانون الجرائم والعقوبات.
6- جرائم التزوير المتعلقة بالفساد وجرائم التزييف المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات.
7- جرائم التهريب الجمركي والتهرب الضريبي.
8- الغش والتلاعب في المزايدات والمناقصات والمواصفات وغيرها من العقود الحكومية.
9- جرائم غسل العائدات الناتجة عن جرائم الفساد المنصوص عليها في هذه المادة.
10- استغلال الوظيفة للحصول على منافع خاصة.
11- جرائم الثراء غير المشروع.
12-أية جرائم أخرى ينص عليها قانون آخر بوصفها من جرائم الفساد.
• ولادة الهيئة ومهامها
صادق مجلس النواب على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، في 5 يوليو 2005م كخطوة أولى في طريق مكافحة الفساد الطاغي في اليمن ظاهرياً وجراء الضغوط الخارجية خاصة من قبل المانحين، وتلا ذلك إصدار قوانين (الإقرار بالذمة المالية في 19 أغسطس 2006م, مكافحة الفساد في 25 ديسمبر 2006م, المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية).
وعقب ذلك أنشئت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد بناءاً على القانون رقم 39 الخاص بمكافحة الفساد, وأنتخب مجلس النواب الهيئة تتكون من 11 عضواً بالاقتراع السري المباشر في جلسة 25 يونيو 2007 من بين قائمة قدمها مجلس الشورى احتوت 30 مرشحاً أختيرت من مئات المتقدمين للترشح لعضوية الهيئة كما أعلن حينها.
وتشكل أعضاء القائمة من مختلف الفئات الوطنية (القطاع الخاص, منظمات المجتمع المدني, قطاع المرأة, الشخصيات الاجتماعية), وفي 3 يوليو 2007 صدر قرار رئيس الجمهورية برقم (12) بتشكيل الهيئة المنتخبة التي عقدت أول اجتماع لها بعد اربعة ايام (7 يوليو) وانتخبت رئيسا لها ونائبا له.
عودةً إلى قانون مكافحة الفساد الذي وجدت الهيئة الوطنية العليا إستناداً إليه, نجد ان المادة (3): تحدد الهدف منه (القانون) لتحقيق عدة أشياء نسرد ابرزها:
1- "إنشاء هيئة وطنية مستقلة عليا لها صلاحيات قانونية في مكافحة الفساد وتعقب ممارسيه وفقاً لهذا القانون والقوانين النافذة".
2- "منع الفساد ومكافحته ودرء مخاطره وآثاره وملاحقة مرتكبيه وحجز واسترداد الأموال والعائدات المترتبة عن ممارسته".
3- تعزيز مبدأ التعاون والمشاركة مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية في البرامج والمشاريع الدولية الرامية إلى مكافحة الفساد.
وتقضي المادة (8) من القانون: بأن تتولى الهيئة ممارسة المهام والاختصاصات الآتية:
1- إعداد وتنفيذ السياسات العامة الهادفة إلى مكافحة الفساد.
2- وضع إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد وإعداد وتنفيذ الآليات والخطط والبرامج المنفذة لها.
4- دراسة وتقييم التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد لمعرفة مدى فعاليتها واقتراح مشاريع التعديلات لها لمواكبتها للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية أو انضمت إليها.
5- تلقي التقارير والبلاغات والشكاوى بخصوص جرائم الفساد المقدمة إليها ودراستها والتحري حولها والتصرف فيها وفقاً للتشريعات النافذة.
6- تلقي إقرارات الذمة المالية .
7- التحقيق مع مرتكبي جرائم الفساد وإحالتهم إلى القضاء.
10-التنسيق مع كافة أجهزة الدولة في تعزيز وتطوير التدابير اللازمة للوقاية من الفساد وتحديث آليات ووسائل مكافحته.
11- التنسيق مع وسائل الإعلام لتوعية المجتمع وتبصيره بمخاطر الفساد وآثاره وكيفية الوقاية منه ومكافحته.
12- جمع المعلومات المتعلقة بكافة صور وأشكال الفساد والعمل على إيجاد قواعد بيانات وأنظمة معلومات وتبادل المعلومات مع الجهات والمنظمات المعنية في قضايا الفساد في الداخل والخارج وفقاً للتشريعات النافذة.
13- اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لاسترداد الأموال والعائدات الناتجة عن جرائم الفساد بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
15- اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لإلغاء أو فسخ أي عقد تكون الدولة طرفاً فيه أو سحب امتياز أو غير ذلك من الارتباطات إذا تبين أنها قد أبرمت بناءً على مخالفة لأحكام القوانين النافذة وتلحق ضرراً بالصالح العام وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة قانوناً.
• بداية مرتبكة
كما هو مفترض بدأت الهيئة بترتيب بيتها الداخلي لتكون أحدث وسيلة شرعية وتمتلك صلاحيات عدة, في مكافحة فساد تسرب من القمة إلى القاعدة بصورة تبدو بوضوح, متعمدة وتعبر عن نهج وتوجه فج, وتعكس إرادة سياسية من أعلى هرم بالسلطة الحاكمة للبلاد, وليست مجرد نزوات شخصية او حالات فردية ورغبات لمجموعات وشلل وعصابات متفرقة.
في عامها الاول كانت الهيئة عالة على مكتب رئاسة الجمهورية, ثم انتقلت الى المبنى السابق لوزارة التربية والتعليم وعملت على مايفترض ان يكون بناءاً مؤسسياً لهيئة حديثة التكوين, لتكون أهم أداة وسلاح لمكافحة الفساد كثقافة وسلوك قبل ان يكون ممارسة وتجاوزات وخروقات للقانون وتعدي على المصلحة العامة للبلاد والشعب.
غير أن الهيئة بدأت أولى خطواتها بتقديم نفسها كوعاء غير مختلف عن بقية أوعية السلطة الحاكمة ومؤسسات الدولة التي وجدت لافراغ كل شيء جميل وجدت لاجله من مضمونه, بل وتشويهه لدى كافة افراد المجتمع.
فبدلاً ان تكون الهيئة قدوة حسنة وتبدأ عملية المأسسة بإجراءات شفافة تقدم صورة مثالية جيدة لتعزيز الشفافية لدى بقية المؤسسات المستهدفة لمكافحة الفساد فيها, فاحت روائح التسابق المحموم من قبل غالبية الاعضاء على تقاسم القطاعات بناءاً على رغبات الارادة العليا للفساد.
ولم يقتصر الامر على ذلك والترف والبذخ في الصرفيات في تجهيزات وأثاث مكاتبهم ومنازلهم وأفخر انواع السيارات, بل تنافسوا على توظيف الاقارب والابناء والاصدقاء والمعاريف دون إخضاع هذه الوظائف –صغرت أو كبرت- لمعايير توظيف شفافة والاعلان في الصحافة للمتقدمين اليها وفق شروط تتناسب مع تلك الوظائف المهمة.
وبصورة أثق أنها متعمدة سُلم القطاع المكلف بالتوعية والتثقيف والنشر, إلى شخص غير مناسب, لتدمر الصورة الايجابية التي يفترض رسمها في أذهان المواطنين عن الهيئة, حيث عرفه اليمنيين في إنتخابات 2006 مرشحاً رئاسياً أدى دوراً تمثيلياً سيئاً وكان مُدافعاً بفجاجة عن الرئيس السابق المعروف بموقفه وعلاقته بالفساد وتحرر من كل قيم التنافس والديمقراطية وأخلاقيات المجتمع في مواجهة مرشح المعارضة الفقيد فيصل بن شملان رحمه الله.
• الدفاع عن الفساد
من خلال المؤشرات الاولية, كانت الهيئة تبدو مجرد وعاء جديد للسلطة والفساد على حد سواء وإفراغاً لمحتواها وجوهرها والإلتفاف على مطالب الداخل وإشتراطات الخارج, وكان واضحاً ان تشكيلتها كأشخاص, جاء وفقاً لرغبة وإملاءات ودعم ورعاية الإرادة العليا لإفساد البلاد كلها, وتلاه غياب القدوة الحسنة لديهم إلا من رحم الله, وهم قلة كان لهم موقفاً معلناً بالإستقالات المعلنة ومغادرة أحدهم للبلاد وإعتكاف الآخر.
ولم تمض أشهر قليلة حتى تسرب للصحافة أخبار اللهاث وراء السيارات المصروفة من خزينة الدولة ثم التنافس على التجهيزات والتأثيث والإستئثار بالوظائف إما للأبناء والاقارب والمعاريف أو القادمين من مطابخ السلطة الامنية والحزبية, لتتعاضد كل تلك العوامل مع الاداء الهزيل للهيئة وتضاعف الفساد وعملياته الكبيرة التي تتسرب أخبارها عبر الاعلام أو من خلال أحاديث الناس, ليصل الامر حد تصدر الهيئة للدفاع إعلامياً وسياسياً عن نجل الرئيس السابق قائد الحرس الجمهوري حينما كشفت جهات قضائية أمريكية عن صفقات رشاوي بين العميد -عبر سماسرة - وشركات إتصالات أمريكية.
لقد كانت الهيئة أمام أكبر عملية فساد وإفساد للمصلحة اليمنية وإنتهاك صارخ للدستور اليمني وأبرز عملية خيانة لشهداء اليمن وأحرارها الذين قدموا أرواحهم وسالت دمائهم عام 48 وحتى عام 1970 ضد الاستبداد الامامي والاحتلال البريطاني, ولا أقصد هنا فضيحة رشاوي الشركات الامريكية الخاصة بالاتصالات الدولية, فقد توفر (كباش الفداء) يمنيين وغير يمنيين.
أقصد هنا ان من دافعت عنه الهيئة منحه والده منصباً مهماً وخطيراً متجاوزاً مئات من كبار ضباط الحرس الجمهوري والجيش اليمني كله وحظي بالرتب العسكرية بصورة لافته, لا تتفق وأبسط قواعد الترقيات العسكرية في أشد الدول تخلفاً وأكثرها سوءاً وفساداً من اليمن وكاد ان يورثه اليمن (أرضاً وشعباً وتاريخاً) كأي عقار مملوك لأب يرثه إبنه.
والامر لا يختلف بالنسبة لبقية الابناء والاقارب الذين أستأثروا بالمناصب والجيش والامن والصلاحيات والتجارة والاستثمار ويقفون وراء عمليات فساد كبيرة كما حصل في المؤسسة الاقتصادية او بنك التسليف الزراعي او صفقتي بيع الغاز الطبيعي المسال وارساء مناقصة تشغيل ميناء عدن على شركة دبي وقطاعات الاصطياد في البحار وغيرها الكثير مما تسربت أخباره أو مازال رهن السرية وستكشفه لنا الايام القادمة بإذن الله.
• وسيلة إبتزاز
بدت الهيئة كوعاء للسلطة ليس فقط لإفراغ هذا الشيء الجميل من مضمونه الحقيقي, لكنها أستخدمت كوسيلة للإبتزاز وكلنا يتذكر مارافق إستقالة الدكتور صالح سميع من وزارة شئون المغتربين من إبتزاز له وآخرين, وحتى إندلاع ثورة الشباب في فبراير 2011, لم يسلم المنضمين للثورة والمعلنين تأييدهم لها وإحتجاجهم على جرائم النظام ضد المعتصمين والمتظاهرين سلمياً, من فتح ملفات فساد أولئك القيادات عبر الاعلام التابع للرئيس السابق بصورة مفاجئة, رغم الدفاع عن بعضهم قبل ذلك بأسابيع وأيام.
وبصورة متعمدة جيء بأعضاء في الهيئة العليا (منتخبين كما زعموا) هم في تصرفاتهم كموظفين سيئين يستخدمهم الحاكم ليديروا قطاعات مهمة خاصة بالذمة المالية أو التحري والتحقيق والمتابعة القضائية, وكانت أخبار تصرفاتهم الإبتزازية والعنجهية ضد مسئولين حكوميين فقدوا الرضا تزكم الانوف ولا تتوقف الصحف عن تناولها مابين فترة وأخرى.
• تساؤلات مفتوحة
بإستعراض سريع للاهداف التي حددها القانون والمهام والصلاحيات من جهة, وأداء الهيئة وفقاً للظاهر والمعلن وتقارير الانجاز المقدمة لمجلس النواب ورئيس الجمهورية ونشرت الهيئة ملخصات لها في موقعها الالكتروني بصياغة ركيكة من جهة أخرى, أضع عدة نقاط على هيئة تساؤلات, بالتأكيد إجاباتها جاهزة ومعروفة للجميع:
- هل فعلاً كانت الهيئة المنبثقة مستقلة؟ وهل أمتلكت القدرة (نية و فعل) على إحالة فاسدين كبار إلى المحاسبة ممن تسربت أخبار ووثائق فسادهم بالمليارات, أم كانوا يحظون برعاية أكبر وتعيين بمناصب أعلى؟.
- وقبل ذلك, هل كان لدى الهيئة صلاحيات قانونية وقدرة عملية لمساءلة كل مسئول وموظف عام ومستثمر يمارس فساد يجرمه القانون إبتداءاً من رئيس الجمهورية, ثم نجله وأقاربه وأصهاره ومقربيه؟, وحينما تتفاخر الهيئة بدورها الكبير بشأن توقيف المبلغ المخصص للمقاول المسئول عن ترميم قلعة القاهرة التاريخية بتعز والذي صرفه في وقت لاحق المحافظ السابق (حمود الصوفي), لماذا لم تكشف عن المسئول عن ذلك التجاوز الخطير في تلك المناقصة وصاحب التوجيهات المتكررة بإضافات للمناقصة ولصالح مقاول بعينه, وبالتالي هل كان بقدرتها التفكير فقط بمساءلته وليس إحالته للقضاء؟, والامر ذاته, فيما يتعلق بأوامر المنح الدراسية والابتعاث الى خارج الوطن والتي كان الموظفين ومسئولي الوزارة (وهم ليسوا ابرياء) مجرد كباش فداء ولديهم حصانة من المساءلة والمحاسبة, فيما مصدر تلك التوجيهات من بيده صلاحيات تعيين أعضاء الهيئة وإستبدالهم وتقديمهم للمحاكمة وإعدامهم وإقتلاعهم من الجذور؟.
- ماهي عمليات الفساد الكبيرة التي تمكنت الهيئة من منعها والتي كلفت او كادت تكلف الخزينة العامة للبلاد خسائر بمليارات وملايين الدولارات والريالات؟, وما سبب صمتها مثلاً إزاء صفقتي بيع الغاز الطبيعي المسال وميناء عدن؟ وما حجم الاموال التي أستعادتها الهيئة من خلال أدائها مقارنة بالاموال الضخمة التي خسرتها اليمن جراء الفساد خلال ذات الفترة؟.
- ما الذي أستفادته المصلحة العامة وخزينة الدولة بجهود تعاونها مع المنظمات الخارجية المهتمة او المتخصصة بمكافحة الفساد, والتي أقتصرت على جهود سطحية تعود بالنفع على اشخاص قيادة الهيئة والسلطة الحاكمة, لما فيه ضخ اموال ومساعدات ومشاريع ديكورية وسفريات والتمثيل أمام المانحين بوجود رغبة ووعاء لمكافحة الفساد؟.
- لم تتوقف تهديدات وتصريحات رئيس قطاع الذمة المالية لمن لم يسلموا ومن تأخروا وعدد المقرين بذممهم المالية وعدد الاستمارات المسلمة والمتخلفين وهكذا, فكم من بين المئات هؤلاء, فضحة الهيئة وقدمتهم للمحاسبة أمام جهاز القضاء, فيما كانت اخبار فسادهم تزكم الانوف وكروشهم تنتفخ وعدد سياراتهم يتضاعف وقصورهم تعمر وشركاتهم تؤسس وملامح وآثار ودلائل إضرارهم بالخزينة العامة والمصلحة الوطنية واضحة وجلية؟.
‌- يفترض بالهيئة ان تتصدر لمهمة تعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع إسهام الناس فيها, فيما كانت إجراءاتها بعيدة عن ذلك وعلى الأقل مايتعلق بوظائف ومناصب الهيئة, بالإضافة إلى واجب ضمان تيسير حصول الناس فعليا على المعلومات, والواقع يؤكد انها كانت أسوأ من بقية المؤسسات العامة في حجب المعلومات أو تسريب معلومات منتقاة بعناية للإبتزاز وغيره, وفي وضع كهذا أي فساد كافحته؟ وأي توعية وتثقيف بذلته؟ وأي قدوة حسنة قدمتها طوال سنواتها المنصرمة؟.
- بشأن الشراكة مع المجتمع المدني, نفذت منظمات مدنية مشاريع بتمويل خارجي في موضوع مكافحة الفساد ومنها مركز الاعلام الاقتصادي الذي كنت على إطلاع بعددٍ من قضايا الفساد التي أحالها للهيئة قبل سنوات كثمرة للجان شعبية تمخضت عن أحد المشاريع, جميعها لم تحسم طوال متابعة المركز للمختصين بالهيئة الى ان وصلوا لمرحلة رفض الرد عليه, فما المقصود بالشراكة مع المجتمع المدني التي تزعمها تقارير الهيئة وتصريحات مسئوليها؟.
- لماذا أقتصرت جهود الهيئة في مناقشة المنظومة التشريعية لإعداد تعديلات لها, على قانوني مكافحة الفساد والعقوبات, فيما هناك قوانين أخرى لها علاقة ولم تهتم لها, على سبيل المثال قوانين جهاز الرقابة والمحاسبة والسلطة القضائية والخدمة المدنية والعسكرية وهيئة الشرطة وغيرها, هي بحاجة لتعديلات تتوائم مع التوجه المعلن في مكافحة الفساد؟
• فاقد الشيء لا يعطيه
بإختصار شديد, فإن حالة الهيئة لايختلف عن حال بقية أجهزة الدولة الرقابية والمحاسبية والقضائية المتعددة والخاصة بمكافحة الفساد بمختلف انواعه (سياسياً, واقتصادياً, مالياً, إدارياً,,,), حيث ان فاقد الشيء لا يعطيه ولا يملك صلاحيات مكافحة الفساد, حيث انها كانت, ولم تتحرر بعد رغم تغير ظروف مابعد سقوط النظام السابق, مجرد أوعية فاسدة وضعيفة وواهنة وتفتقد للقدوة الحسنة والقيادات النزيهة, وظلت مجرد أداة يستخدمها من صنعها وأنشأها وأسسها ويديرها ويعين مسئوليها وموظفيها ومن بيده الصلاحيات المطلقة في كل شيء وليس عليه وأدائه رقيب أو حسيب ولا توجد لديه إرادة لمكافحة الفساد, لتعزيز الفساد كثقافة وقيم وسلوك في أوساط المجتمع لتحقيق أهدافه الخاصة والاسرية للإستمرار والاستئثار بالحكم وتوريثه وكذلك احتكار التجارة والاحزاب والمجتمع المدني والصحف وكل شيء.
أثق انه لم يكن هناك يمنيين فيما قبل 17 يوليو 1978م يرون فيمن يتسلق في المناصب وينهب اموال عامة وخاصة وينتهك حقوق المواطنين وحرماتهم ويغش وينصب ويرتشي ويحتال, انه (رَجَال) و(أحمر عين) وفق المفهوم الشعبي, فيما صار النزيه والعف بيده ولسانه عن المال العام والخاص (أخبل) و(مسكين) ومنبوذ وكأنه على خطأ ونقيضه على صواب.
كانت الارادة العليا للفساد هي وراء التأسيس لذلك الفساد, فكلما زاد الحديث من رئيس الدولة وإعلامه ومسئولي الدولة عن الفساد ومكافحته يكون الفعل الافسادي مضاعفاً وبصورة أوسع وأشمل وأكثر من ذي قبل, وظل الخطاب يتناقض مع الفعل اليومي وما يراه ويلمسه الناس في واقعهم.
• المرأة: ديكور داخل ديكور
أستغل النظام السابق المرأة اليمنية وأستخدمها كثيراً كديكور وأصباغ لتحسين صورته الديكتاتورية خاصة أمام الخارج وظل يدعي بإستمرار انه يتيح لها الفرص المتساوية مع الرجل في مختلف شئون الحياة ولممارسة حقوقها الانسانية والدستورية كاملة.
وبالإضافة إلى ان الهيئة كانت مجرد ديكور كبقية المؤسسات, فإن المرأة داخل الهيئة أو خارجها كانت مجرد ديكور مضاعف في وهم مكافحة الفساد, وحينما تمتلك المؤسسات قرارها ويكون جوهرها كظاهرها ولا تفرغ من محتواها الحقيقي وقبل ذلك وجود الإرادة لدى صانع القرار, فإن المرأة اليمنية كمواطن لا تختلف عن شقيقها وشريكها الرجل في أداء دورها الطبيعي في القضاء على الفساد, بل قد يكون دورها أكبر بإعتبارها المربية والأم والأخت والزوجة والابنة.
ولتواجد المرأة الفاعل والقوي في قيادة الهيئة أولاً وإداراتها وقطاعاتها المختلفة ثانياً, يتوجب ترشيح نساء في كل قوائم الترشيح المقدمة أولاً لمجلس الشورى ثم ال30 الذين سيتم فرزهم وإحالتهم إلى مجلس النواب, وكذلك, فإن تطبيق إجراءات شفافة في عملية التوظيف ووفق معايير الكفاءة والخبرة والمؤهل, بالتأكيد ان يمنيات كثيرات سيجدن فرصهن للإلتحاق بالهيئة والأمر ينسحب على المرأة اليمنية عموماً خارج الهيئة وقيادتها ومنتسبيها وخاصة في المجتمع المدني وغيره.
• توصيات:
- اتباع اجراءات شفافة في عملية التقدم لطلب عضوية الهيئة العليا لمكافحة الفساد لدى مجلس الشورى عبر الاعلان عن تاريخ فترة تقديم الملفات للجنة مجلس الشورى ومعاييرها وذلك في مختلف وسائل الاعلام.
- إعادة النظر في المنظومة التشريعية الخاصة بمكافحة الفساد إبتداءاً بالدستور مروراً بقانون مكافحة الفساد والمناقصات والذمة المالية وإنتهاءاً بالقوانين الاخرى (جهاز الرقابة والمحاسبة والسلطة القضائية والعقوبات وغيرها) بمايمنح يسد كل المنافذ على الفساد ويساهم في تعزيز مبدأ الشفافية وإشاعة ثقافة النزاهة في المجتمع.
- تحديد معايير دقيقة للمتقدمين لعضوية الهيئة العليا تمنع وصول إلى قيادتها أشخاص ممن عرفوا بقضايا فساد مالي أو إداري او سياسي ليكونوا قدوة حسنة بصورة جدية.
- خضوع إجراءات الهيئة لمعايير الشفافية وخاصة مايتعلق بالتوظيف وشغل المناصب الأدنى من عضوية الهيئة وكذلك مشترياتها ومناقصاتها ومختلف أنشطتها.
- إلزام مختلف القطاعات التي يحددها القانون بتقديم مرشحين يمثلونها الى مجلس الشورى من الجنسين ووضع حصة للمرأة (كوتا) كتمييز إيجابي مؤقت ليتاح لهن حضور أكبر في قيادة الهيئة.
- تدريب وتأهيل مختصين في التحقيق والتحري في قضايا الفساد وتتبع عمليات العبث والتحايل للمال العام وفق أحدث التقنيات وتاهيل قضاة في النيابات والمحاكم المختصة في ذات المجال.

* رئيس مركز التدريب الاعلامي والتنمية.
* هذه المادة ورقة عمل قدمها الكاتب في ندوة نظمها مرصد حقوق الانسان بشأن هيئة مكافحة الفساد يوم الخميس 31 مايو 2012.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.