لم نفق بعد من صدمة غياب الرمز الوطني الكبير هشام محمد علي باشراحيل حتى فوجئنا بغياب أكثر بشاعة ودموية لقائد عسكري بارز جمع مع نباهة القائد وحزمة خصال إنسانية نبيلة قلما تجدها في إنسان تتزاحم النجوم والسيوف والنياشين على عاتقيه وصدره.. أنها الفاجعة، الموت الذي يترصد الشرفاء في كل منعطف وزاوية.. مؤشرات المستقبل الذي يوعدنا به ممن أضحت بين أيديهم ملفات عذاباتنا ومآسينا وما من معين يا معين. هشام باشراحيل الرجل الذي تحمل من أجل الجنوبوعدن ما لم يتحمله شمسان بشوامخه المشرئبة نحو المحيط، من قهر وظلم وعذاب ولم يساوم حتى لفظ أنفاسه الطاهرة.. عرضوا علية المال والجاه ليتخلى عن مبادئه لكنة ظل قابضا عليها كالجمر بين يديه رغم تقادم السنون بعمره الذي أنهكته الأمراض.. كان رمزا طاهرا تقيا، فيه من نقاء القديسين، فيه من طهارة الأنبياء، فيه من صلابة العظام في مواقع الشرف. تعرفت علية في منتصف التسعينات وكانت الأيام قد عاودت الصدور لتعيد لعدنوالجنوب ملمحا من ملامحه المدنية التي فقدت مع الاجتياح العسكري، القبلي في السابع من يوليو 1994م. كان أبا وأخا ورفيقا وصديقا يهدينا الأمل لكي لا يتمكن منّا اليأس ويقول أبشروا أن فرج الله لقريب.. حملنا همومنا الصغيرة ثم هموم وطننا الكبيرة لنلقيها على عاتق هشام، وعنّا ومن أجلنا تحمل الكثير.. من أجل الجنوب ناضل وأفنى ما تبقى من عمره الذي قضاه بين المنافي.. لأنة كذلك أراد السفاح تدميره وسحقه.. أفتعل قضية منزلة في صنعاء.. أراد أن يقتله لولا وقوف ثلة من شرفاء الجنوب لحمايته.. ترك صنعاء راحلا جنوبا وفي كريتر أضحى محاصرا في دار الأيام بالجنود والأطقم بعد توقيف الصحيفة وجرجرة هشاما بين المحاكم في ملهاه عبثية وكأن الرصاص الذي يحوم كل ليلة على الرؤوس لم يكف.. ظل هشام صامدا مما زاد لهيب نار الغل المستعرة في صدر الطاغية وأصدر أوامره للمجرم الصغير قيران باقتحام الأيام وقتل وجرح المتضامنين المعتصمين عند أسوارها، نقلوا الربان وأبناءه إلى السجن ولم يتزحزح قيد أنملة عن مبادئه، لكن السجن والمعاملة القمعية ومحاولات الإهانة كانت كبيرة في حق قامة وطنية وأي قامة.. الحصار والسجن أمدا المرض المستشري نيابا ومخالب حيث لم تعد تنفع أكاسير الطب.. أنة القتل المتعمد من قبل طاغية صنعاء.. علي عبدالله صالح هو المسئول المباشر عن كل ما حدث لهشام.. هو «القاتل».. ذلك ما يعرفه كل الناس. لكن الذي لا يعرفوه...... اللواء الركن سالم علي قطن، قائد عسكري محنك عركته المعارك منذ كان قائدا لفصيلة حتى آخر لحظات عمره.. أعرفه منذ زمن طويل أخا وصديقا وسندا.. كان أنسانا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.. جنرالا لكن من نوع مختلف.. كم ناس وقف معهم لرد حقوقهم.. كم شباب الحقهم بمؤسسات الدولة لكي يعيلوا أسرهم الفقيرة.. كم مشكلة حدثت حتى كان متواجدا لحلها.. جمعتني وإياه جلسات كثيرة كان محورها الشأن الوطني، الشأن الجنوبي.. كان يدرك ما يعانيه الناس وعدالة القضية التي يكافحون من أجلها ولكنة كان عسكريا محترفا يدرك أن لدوره حدود ولكنة لم يقصر يوما.. ذات يوم طلب علي عبدالله صالح بعد أن فشل قادته في صعده من قطن الذهاب إلى هناك لكن نائبة عبدربة حينها سأله أن مثل هذا الأمر لا يستقيم مع التسلسل القيادي العسكري فقطن نائب لرئيس الأركان وعلي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية فمن سيقود الآخر؟ أي أن قطن الأعلى في التسلسل القيادي فرد (الصالح) لكي نتخارج منه؟!!! هذا هو (الصالح) حتى مع أكفى القادة ... عندما اختير الرئيس عبدربة منصور هادي رئيسا كانت القاعدة قد تمكنت من جنوب البلاد وسيطرت على مساحات واسعة من محافظتي أبين وشبوة، وأضحت عدن تحت رحمة العصابات وقطاع الطرق تحت مسميات مختلفة.. كان ذلك حملا ثقيلا ولم يكن جديرا بمهمة كهذه أكثر من اللواء الركن سالم علي قطن.. تحركت وحدات الجيش التي كانت خائرة وشبيهة بالقطعان تلتهمها القاعدة كوجبات مشهية كل صباح.. تحركت هذه المرة لكن تحت قيادة قائد مختلف يدرك ما بين يديه وأهدافه التي جاء لتحقيقها.. كان يقود المعارك وشكك الكثيرون بالنجاح وكنت منهم ولكن لم تمض أسابيع معدودات حتى وقع المارد المخيف المسمى (أنصار الشريعة) تحت أقدام الجيش.. ثارت ثائرة (الصالح) ربيب القاعدة وأباها الروحي.. من يكون هذا (القطن) خليفة مقولة الذي كنس في اسابيع ما تعبنا في بناءه لعشرين سنة مضت. من يكون هذا (القطن) الذي أظهر عجز رجالنا وضباطنا الميامين؟!!! من يكون هذا الأسمر.. النمر الأشهب حتى يقفز وأسودنا تجر الخيبة والمهانة والهزائم.. لم يكونوا كذلك لكننا أردنا منهم ذلك بل البعض منهم وآخرهم (مقولتنا) كان مشرفا من قبلنا.. كان هذا حال علي عبدالله صالح الذي أعطى الإشارة لقادة تنظيماته الظلامية للتخلص من قطن.. أجزم أن الجزء الآخر المنشطر عن النظام الذي أنضم لثورة الشباب ليس بعيدا مما حدث على الأقل بالفرحة وأن كانت مكتومة.. هؤلاء هم هكذا ونعرفهم جيدا.. رحمة الله تغشاكما أيها الأبطال.. يا من سطرتوا ملاحم الشرف والبطولة في كل الجبهات والميادين التي تشرفتما بخوض المعارك كل من موقعه نبكيكما الما وحسرة لكن ثقا أننا لن ننكسر ..وداعا العم سالم ووداعا الأستاذ هشام وذلك قليل من كثير في قلوبنا نحوكما.