يستقبل اللواء يحيى علي الراعي رئيس مجلس النواب ، هذه اليومين ، أخبارا غير سارة. وكانت مصادر خاصة ووسائل إعلام أكدت أن أحزاب اللقاء المشترك ناقشت مع الوسيط الأممي جمال بن عمر فكرة "إصلاح البرلمان على أساس التوافق ". وأفادت تلك المصادر ان احزاب المشترك تقدمت برؤيتين لحل الموضوع وطلبت من المبعوث الأممي جمال بن عمر أن ينقلها الى رئيس الجمهورية .. والفكرة تتبلور حول " إعادة البناء والتنظيم الإداري والهيكيلي لمجلس النواب والمتمثلة في؛ اختيار هيئة رئاسة توافقية للمجلس والتوافق على الأمانة العامة ودوائرها وإداراتها ، وايضا التوافق على رؤساء اللجان الدائمة ، أو حل البرلمان واختيار جمعية تأسيسية توافقية". غير ان رسائل الصحوة نت التلفونية ، نفت على لسان المبعوث الاممي جمال بن عمر ذلك ، خصوصا ما يتعلق بإلغاء البرلمان. وكان النائب الاصلاحي محمد الحاج الصالحي قد طالب ، بأسلوب تهكمي ، جمال بن عمر للتدخل لحل إشكالية التوافق البرلماني ، في جلسة الثلاثاء, ما يعني أن الموضوع بالفعل محل نقاش واهتمام كتل المشترك وشركائهم. غالبية النواب لا تصلهم اخبارا من هذا القبيل.. لكن ملامح رئيس مجلس النواب هذا الاسبوع تفصح بأنه غير بعيد عن هذه الأخبار المقلقة.. فأعصاب الراعي غير مضبوطة . فهو يستثار من أي مداخلة شديدة.. كما أنه تحرك في اليومين الأخيرين ؛ أمس وقبل أمس (الثلاثاء والأربعاء) وفتح نقاشا موسعا داخل القاعة حول وضع البرلمان ومشاكله الداخلية.. لقد أجل قضية الديزل ورحل قضايا أساسية كانت في جدول الأعمال وجعل الأولوية لمناقشة وضع المجلس وشئونه الداخلية. وكان الراعي تحرك من بداية الأسبوع وطلب من رؤساء الكتل ورؤساء اللجان الدائمة في المجلس الاجتماع "للتشاور ووضع مقترحات لحل موضوع الغياب ؛ ومشاكل المجلس الفنية والادارية واعادة النظر في عدد من المواضيع وعلى رأسها بعض مواد اللائحة الداخلية للمجلس".. وبالفعل أجتمعت اللجنة الخاصة ، ولكن واضح أن اللجنة خرجت بتقرير سطحي للغاية ولم يحضر معظم اعضائها. كما ان هذا التقرير لا يلبي مطالب المشترك، بل ولا طموحات البرلمان كمؤسسة. أختارت اللجنة ، المشكلة من رؤساء الكتل ورؤساء اللجان ، زيد الشامي رئيسا لها بإيعاز مقصود من الراعي ؛ فالشامي هو نائب رئيس كتلة الاصلاح وبمعنى أدق ؛ الرجل الأول في هذه الكتلة ، ويتمتع بسمعة محترمة في الوسط النيابي ، كما أن زيد الشامي محل تقدير لدى قيادة الاصلاح العليا .. والراعي ، وهذه عادته الذكية عند أي موضوع هام ، تعمد ايضا ، واختار زيد الشامي لقراءة التقرير الذي خرجت به هذه اللجنة الخاصة المعنية بترتيب الشأن الداخلي لمجلس النواب.. ويرمي الراعي من وراء ذلك أن يبعث برسالة غير مباشرة من خلال وسائل الإعلام والتلفاز الرسمي أن التفاهم البرلماني قائم ، وأن رئيس كتلة الاصلاح على رأس لجنة خاصة لدراسة وحلحلة المسائل الداخلية "العالقة"..واتجه يتحدث معه هذه الأيام بلين ولطف ويحرص ان ينادي عليه بالأستاذ زيد . ويحيى الراعي ، وهذا ذكاء منه ايضا ، يتقرب الى زيد الشامي دائما ، وفي الفترة الأخيرة كثف الراعي من علاقاته وتواصلاته الخاصة والمعلنة بهذا الرجل العاقل ذو الملامح العاطفية الهادئة والطبيعة السهلة. فهو يعطيه الكلام متى شاء ، وأحيانا يطلب منه ان يتكلم وهو لم يطلب ذلك. وبخلاف ما يعتقده الكثيرون ، ف"يحيى الراعي" شخصية ذكية ويتصرف ببرغماتية شديدة دائما ؛ يعرف طبيعة كل نائب ، وينفذ حين يكون "مزنوقا" إلى اقصى مسافة في دماغ "الاصلاح". كما انه ايضا ، يحرض المؤتمريون في الخفاء ، وهم يدفعون بأسماء بديلة لرئاسة البرلمان ويجعلوا من الراعي خيارا افضل عند المشترك ، طالما والبديل عنه هما ؛ محمد بن ناجي الشايف او صغير عزيز.. وكان المؤتمر يطرح هذين الإسمين ، في الأشهر الماضية ، عندما طالب نواب المشترك وشركائهم بتقاسم هيئة الرئاسة ، وتلك لعبة الراعي الذكية! منذ بداية استئناف انعقاد الجلسات ، عقب التوقيع على المبادرة الخليجية ، ويحيى الراعي يتموضع بشكل ذكي ، ولكن ليس من أجل نجاح التوافق ، وإنما كي لا يخسر المقعد. وكان الراعي يعد المشترك بتصعيد زيد الشامي الى هيئة الرئاسة كنائب رئيس مجلس نواب بديل لأكرم عطية ، الذي تعين قبل سنة ونصف محافظا للحديدة..وتأجلت فكرة حسم الموضوع عند المشترك لأسباب داخلية.. وكانوا يطالبون بحقيبة الأمين العام للمجلس ونائبين لرئيس المجلس ويكون للمؤتمر الرئيس ونائب رئيس وأمين عام مساعد ، أو العكس ؛ رئيس من المشترك ونائب له وأمين عام مساعد ويكون للمؤتمر نائبين للرئيس وامين عام مساعد. غير أن ذلك لم يحسم ، ومضى البرلمان يسير برجل واحد في هيئة الرئاسة ، رجل عائد من الموت. منذ البداية كثف نواب المؤتمر ضغوطاتهم على حكومة الوفاق وأمضوا يوميا يطالبون بحضورها ، حتى ولو لأبسط الاسباب ، كان يحيى الراعي يجاريهم ، وأحيانا يجاري المشترك. واضح أن الضغوط البرلمانية زادت على حكومة الوفاق من جهة المؤتمر، الذي بات نوابه كل يوم يهددون بسحب الثقة عنها . ويبدو هذا هو السبب الذي أحيى لدى المشترك فكرة التوافق على هيئة رئاسة البرلمان وأمانته العامة.. والظاهر ان يحيى الراعي شعر بالأمان في الأسابيع الماضية الأخيرة، ولا يريد أن يحسم قضية الديزل ، اذ يريدها ان تكون معلقة ، وهذه خطة المؤتمر كي يضرب سمعة المشترك امام الرأي العام تحت ذريعة "الديزل". بدت في الاسبوعين الأخيرين على وجه الراعي تباشير الأمان لكون أحد من المشترك لم يعد يتطرق لموضوع التوافق على هيئة الرئاسة ، فأخذ الرجل يتصرف بطريقته القديمة وينحاز للمؤتمر ، كما أنه فتح باب التوظيف خلسة ، ووظف مجموعة من القريبين منه ومن شخصيات نافذة في المجلس لا يحملون اية مؤهلات ، ثم انه بالمقابل رفض أكثر من مرة وساطة لنواب كبار في المشترك بتوظيف شخص مؤهل. على مستوى اللجان الدائمة البالغة عددها 20 لجنة ، انتهت الفترة القانونية لرؤساء اللجان ، كما ان فترة هيئة الرئاسة انتهت قبل 5 اشهر طبقا للائحة ، ولا ينوي الراعي أن يفتح هذا الموضوع ، ليس حفاظا على مواقع رؤساء اللجان الذين يتحدر معظمهم من المؤتمر الشعبي العام ، ولكن خشية أن يخسر كرسيه الأسود في هيئة الرئاسة. يتحكم الراعي بإدارة مطلقة لمجلس النواب، كما ان الرجل يأخذ "كراتين" الماء كل يوم من المجلس لبيته.. وفي الفترة الأخيرة شدد الراعي الحماية الأمنية على المجلس ؛ وعمد الى اغلاق شرفة الصحفيين. وبحسب مصدر خاص في كتلة المشترك ، فإن حسم موضوع البرلمان هذه الفترة أمر لا بد منه ، والمسئولية الوطنية والأخلاقية تقتضي أن يقبل كتل المشترك وشركائهم التعايش مع وضع البرلمان "المنكوش" ، إذ أن القبول ببقاء الوضع كما هو لا يجسد بأي حال من الاحوال معنى الوفاق ولا يترجم الرغبة الحقيقية في التغيير لدى من دافعوا عن فكرة الثورة. سلطان العتواني شدد قبل اسبوعين في مداخلته خاطفة ، على فكرة التوافق. ونبه العتواني وهو قطب مهم داخل المجلس ومسموع الكلمة ، الى حقيقة يجب ان يعيها المؤتمر الشعبي العام وهيئة الرئاسة بدرجة اساسية "إلى أن أية قرارات قد يتخذها المجلس يجب أن تكون بالتوافق". واضاف حينها بلهجة حاسمة :" يجب أن تتأكدوا بأن عهد الاستقواء بالأغلبية قد انتهى وأن البلد اليوم يدار بالتوافق على كل المستويات". علي العنسي النائب البارز في كتلة الاصلاح حذر قبل أمس من مغبة الانفراد بالمجلس ، وقال في خروج اعتراضي عن النقاش :" يجب أن نحقق التوافق في مجلس النواب ، ويجب أن نتعامل هنا على أساس وطني توافقي قائم على الحوار والشعور بالمسؤلية تجاه الوطن والشعب وتضحيات الشهداء ". مطالبا في الوقت نفسه ب" التوافق على هيئة الرئاسة وبالتوافق على اللجان وعلى الأمانة العامة ، وأن نضع شروطا مهنية لمن يتسلم هذه المواقع كي نؤسس لحياة برلمانية جديدة ومحترمة وكي نرسي ثقافة المؤسسة". واضاف العنسي ، وكان الراعي ينصت اليه باهتمام ، ولكن بضيق مدفون :" عليكم أن تتأكدوا أننا والله لا نريد الا التوافق وتحقيق المصلحة الوطنية العليا ولا نستقصد من وراء ذلك اية مصالح شخصية أو حزبية ". لكن الراعي علق عليه ، وهو لا يترك التعليق هذه الأيام على أحد ابدا :" ايش خرجك الى هذا الوادي واحنا في وادي ثان ، القيت خطبة عصماء كان يفترض تلقيها على ابناء دائرتك افضل وتربخ نفسك التعب".. وكانت ملامح الضيق تظهر على زيد الشامي ، من هذه التعليقات ، على أحد انشط النواب في كتلة الإصلاح.. أما علي العنسي فاكتفى برفع اصبعه :" إنا لله وانا اليه راجعون ، مشكلتك عويصة يا صاحبي". تسير الأمور باتجاه التوافق البرلماني، ولا يزال يحيى الراعي يراهن على قدراته في "التنسيم لتواير المشترك" كما قال أحد المؤتمريين الأذكياء ذات يوم.. واضاف معلقا :" عمك يحيى نسخة من عمك علي يا ولدي". ثم استطرد هذا المؤتمري ، ضاحكا :" شوف كيفوه يتملق زيد الشامي كلما اشتدت عليه عشان يتخارج ، ولوما تنفرج يرجع يمارس طقوسه القديمة وكأن شيئا لم يكن" ، وكان نائبا من الاصلاح حاضرا فرد عليه :" .. صحيح ، ومع هذا أنتبه تعتقد أن عمك زيد مش مدرك أيها الزميل العزيز". # عن الأولى ب"تصرف".