وقعت السياسة اليمنية منذ سبعينيات القرن الماضي في أخطاء كثيرة ومتعددة، وأغلب هذه الأخطاء على تعددها هي أخطاء متكررة مع بعض التغيير في الظروف والأشخاص الذين يقومون بنفس الأخطاء. وفي كل مرة تقع فيها تلك الأخطاء ترتكب أخطاء أخرى تتمثل في عدم فهمها أو تجنب فهمها بالأصح وعدم وضع حلول لتجنب تلك الأخطاء. ما دعاني لقول هذا هو تلك الخطابات النارية التي يطلقها البعض من قادة الحراك مؤخرًا دون فهم لما قد تسببه تلك الخطابات وعبارات التحريض والشحن النفسي الهائل في المستقبل القريب. التعبئة النفسية الخاطئة في مجتمع صغير كذلك الذي في جنوب اليمن شهد عدة اضطرابات نتيجة اختلاط المفاهيم الاشتراكية بالتركيبة القبلية والتعليم العالي بالمناطقية الجهوية رغم قوة الدولة حينذاك، ومحاولة قادة الحراك كل على حدة بجعل أنفسهم بدائل متوفرة للنظام القائم فجأة وبدون مقدمات وأسباب تؤهلهم لشغل هذه المكانة ستؤدي بهم لقيادة المنطقة إلى منطقة الخطر. في كل مرة يأتي أحدهم يصبح هو المتحدث الرسمي باسم الحراك الجنوبي مستغلاً حاجة الجميع لقائد حقيقي قريب منهم - في ظل غياب قيادة الحكومة وقوتها - سرعان ما ينزوي الحراك في ظل القائد الجديد. وجميع قادة الحراك في أرض الوطن لم يقدموا أي برامج مستقبلية أو خطط يواجهون بها أي حالة تفكير بسيطة من أحدهم، فجميع مايصدر منهم ومن بياناتهم هي عبارات عاطفية رنانة يدغدغون بها مشاعر البسطاء في مواجهة حالة الفوضى التي يعيشون بها وسط تخبطات الحكومة وفقدان الثقة بالسلطة. مجرد إطلاق مثل هذه الخطب يعني بأننا لم نستفد من أخطاء الماضي الدموية والتعبئات الخاطئة، وحالات الشحن النفسي العنيفة التي يواجهها المواطن الجنوبي لن تنتهي فجأة وسوف نستمر نعاني منها لفترات طويلة طالما وأن الوجوه التي حكمت في الماضي أو كان لها نفوذ في السابق مازالت متواجدة بصورة أو بأخرى في خضم الأحداث التي يشهدها اليمن بشكل عام والجنوب بشكل خاص. لماذا يصعب علينا أن نتحدث بلغة العفو والتسامح خصوصًا لمن يتحدث باسم الجموع الغاضبة ؟! لماذا لا نفكر ولو لبعض الوقت في المستقبل ورفع مستوى النظر إلى ما وراء الأفق ؟ في كل مرة أسمع بخطاب أحد قادة الحراك أصاب بالهلع مما يحدث، وسقوط بعض الجرحى هنا أو هناك هو مقدمات وصورة مصغرة لما سيقع في قادم الأيام في حالة الاستمرار في هذا النهج الخاطئ. قادة الحراك وسياسيو اليمن ليسوا أذكى من غاندي ومانديلا مع أن المقارنة هنا تعتبر ظلمًا بحق القائدين العظيمين، كما أنهما ليسا أضعف حالا وقد كانا يتحدثان باسم جموع أكبر بكثير من تلك التي يتحدث باسمها الصنف الأخير من وجه المقارنة. لكنهما – غاندي ومانديلا – كانا يدركان أن العنف إذا انطلق فلن يكون بمقدور أي أحد إيقافه، ومن يظن بغير هذا فهو شخص يريد العنف فقط. و مثلما يحدث إذا أخطأ أحد الأبناء فإن اللوم الأكبر يقع على الأب في عدم تربيته لأبنائه، فاللوم هنا يقع تجاه السلطة التي تكرر نفس الأخطاء الماضية دون حل أي منها مما جعل تراكم تلك الأخطاء هو المسيطر على الساحة السياسية اليمنية التي تمشي على عكازات الأخطاء.على الدولة سرعة اتخاذ قرارات مسؤولة ووضعها موضع التنفيذ على وجه السرعة بحل المشاكل التي يعاني منها الشعب اليمني، وعدم التفكير بأن المشكلة محصورة في منطقة واحدة تنادي بالانفصال فقط، فالجنوبيون وحدويون ومؤمنون بالوحدة لكن الشخص المنهار واليائس من الحياة يفكر بالانتحار كحل لكل ما يواجهه دون التفكير بعواقب ما بعد الانتحار، كما أن الاهتمام بالشباب وحل مشاكلهم وتفعيل دور الأندية الرياضية التي تستلم مخصصاتها من الدولة دون أن تفعل أي شيء، وتوظيف الرجل المناسب في مكانه المناسب، وإبعاد بعض الموالين للرئيس والمعادين للشعب، وإعادة ما نهب من أراضٍ وممتلكات. خطوات سريعة قد تعمل على تهدئة بعض الأمور بانتظار الخطوات الأهم في حل كل المشاكل المتبقية مع أهمية الاعتراف بما حدث من أخطاء كجزء من الحل. * خاص بالمصدر أونلاين