جدل كبير يسود الأوساط السياسية هذه الأيام حول رئاسة علي عبدالله صالح حزب المؤتمر، ودخلت أحزاب المشترك في الزفة كالأطرش، ولا ندري ما هي الحكمة في ذلك، وليش هذا الحرص على المؤتمر والخوف من انهياره، هل ستنخفض الأسعار وترتفع الرواتب ويعود الأمن والأمان، ولن نشهد انطفاءات كهربائية وسيطلق المعتقلون من شباب الثورة فورا إذا رحل صالح عن المؤتمر أم أن الأمر من بعضه؟! رئاسة المؤتمر شأن يخص الحزب وحده كأي حزب في العالم بشهادة المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر، وواضح أن هناك تياران داخل حزب المؤتمر أحدهما استشعر الخطر ويدفع بقوة لإزاحة صالح من رئاسة الحزب وإحلال الرئيس هادي بدلا عنه ليس حبا في الثورة والمشترك وليس حرصا على سير عملية انتقال السلطة ولكن خوفا من انهيار الحزب، والتيار الثاني يدفع باتجاه بقاء صالح رئيسا للمؤتمر لأن مصالحهم ارتبطت بوجوده ويعلمون مسبقا أنهم لن يجدوا موضع قدم في عهد هادي، ورموز هذا التيار بالمناسبة لا يتمتعون بوزن اجتماعي أو سياسي ومنبوذين داخل المؤتمر وخارجه..
التيار الأول يقوده الدكتور عبدالكريم الإرياني ويضم قيادات عقلانية ومعتدلة وأخرى غادرت الحزب أثناء أحداث الثورة وتريد العودة إليه الآن لأن ضميرها لم يسمح لها بالارتماء في أحضان الحوثي والولوج إلى أبواب إيران التي لا تغلق كبعض زملائهم الذين لا يحملون قضية ولا يعرفون شيئا اسمه مبادئ وقيم، ولأن القوى الوطنية في الساحة لم تستوعبهم فتخشى الخروج من المولد بلا حمص، فلا أنها صمدت مع صالح حتى النهاية واستغلت أيامه الأخيرة للظفر بأكبر قدر من الغنائم ولا أنها وجدت مكانا شاغرا في الضفة المقابلة تضمن لها حقوقها وامتيازاتها في المرحلة القادمة..
والإرياني بحكم خبرته السياسية وذكاؤه المشهور يعي أن بقاء صالح رئيسا للمؤتمر بعد خروجه من السلطة وابتعاد هادي سيكون المسمار الأخير في نعش الحزب كونه حزبا غير مودلج ولا وطني ولا منظم ونشأ وترعرع بحضن السلطة وبإمكانيات الدولة، وخروجه من الحكم يعني دخوله موتا سريريا بانتظار بيان النعي ومواراة جثمانه الثرى وللأبد.. ولهذا يريد الدكتور الإرياني إجراء عملية إنعاش لقلب حزبه من خلال إزاحة صالح وتسليم المؤتمر لهادي، وهذه خطوة مهمة جدا بالنسبة له فالرئيس هادي بحاجة إلى حزب سياسي يحكم من خلاله ويستخدمه كورقة ضغط في مواجهة القوى السياسية الأخرى كلما استدعت الحاجة، ومعظم رؤساء العالم وصلوا السلطة عبر أحزاب سياسية أو حكموا باسم أحزاب بعضها أنشئت من العدم، ولا يصمد رئيس في السلطة يفتقر لغطاء سياسي..
رئاسة هادي لحزب المؤتمر ستعيد أنفاسه ولملمة وضعه ودفعة معنوية قوية للمتبقين من أنصاره بعد الصدمات الكبيرة التي تعرض لها العام الماضي، وحينها سيستهوي كثيرين من أصحاب المصالح والمترددين والقابعين في المنطقة الرمادية بل ومن قيادات محسوبة على الطرف الآخر بحثا عن فرصة جديدة وطمعا في مزايا قادمة خصوصا في ظل تدهور الوضع الاقتصادي، ومعروف أن المشايخ والقبائل لهم دور كبير في الانتخابات ومعظم هؤلاء يبتاعون ويشترون، ولن يترددوا لحظة في الوقوف إلى صف المؤتمر إذا رأوه يتماثل للشفاء وطالما فتحت الخزينة الرئاسية من جديد وهكذا سيتماسك الحزب، ومع الوقت سيصبح هادي يوظف إمكانيات الدولة وموقعه لخدمته وإذا ما أجريت بعض الإصلاحات وهيكلة الحزب وتم إزاحة قيادات السوء والأزمة عن المشهد سنكون أمام حزب مختلف لا نستبعد دخوله الانتخابات القادمة بقوة مستغلا تغلغله في مفاصل الدولة وربما حصد الأغلبية الكافية وتعود سيطرته على السلطة مجددا وكأنك يا غازي ما غزيت، وهذا سيكون له نتائج كارثية ولا يبدو أن قادة المشترك يحسبون حساب ذلك!!
سيظل صالح وعائلته مركز تجمع القوى المناوئة للتغيير سواء ظل رئيسا للمؤتمر أو بدونه مستفيدا من علاقاته وأمواله الضخمة التي جمعها طيلة ثلاثة عقود وترسانته العسكرية التي لا يزال يكونها حتى اللحظة، ولا أظن أن الوضع سيتغير كثيرا برحيله عن المؤتمر لكن بقاءه في قيادة المؤتمر فيه إضعاف كبير للحزب ويسهم في خلخلته مما يصب في مصلحة البلد ومصلحة اللقاء المشترك أيضا الذي تظن قياداته أن إبعاد صالح سيعيد المؤتمر إلى رشده وبالتالي المضي قدما في مسيرة الإصلاحات السياسية واستكمال انتقال السلطة، وهذا صحيح إلى حد ما لكن ضرر بقاء صالح أهون من رئاسة هادي للمؤتمر، ولا يتوهم المشترك أن القيادة الجديدة للمؤتمر ستجاريه للحد الذي تتصوره ففي الأخير لديها مصالح ومخاوف وتريد الحفاظ على نفسها، وإذا شعرت أن بعض الإصلاحات لا تخدمها لن تمررها، والغريب أن أحزاب المشترك ظلت تنادي مرارا في السابق بضرورة استقالة صالح عن المؤتمر وأن يكون رئيسا للجميع واليوم تكرر نفس الخطأ!!
بمقدور هادي والإرياني أن يحلا محل المؤتمر إذا أرادا ذلك وبدون الحاجة لإزاحة صالح، وهذا الوضع الأفضل للبلد والمشترك فليس بمقدر صالح أن يفعل شيئا إذا توافق المشترك والرئيس هادي والإرياني على أمر ما، والبلد اليوم بحاجة ماسة إلى قرارات جمهورية تزيح القوى المعيقة لعجلة التغيير وبحاجة إلى حكومة تمارس صلاحيتها بكفاءة ووزراء يدركون أهميتهم، وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لتحقيق أهداف الثورة اليمنية ولا يحتاج لموافقة صالح الذي صار شماعة لعجز المشترك عن استغلال الفرص المتاحة فقط يفعل وزراءه أو بالأصح يستبدلهم بآخرين "مشحوطين" ويضغط على الرئيس هادي للمضي قدما في هيكلة الجيش والأمن وإصدار مزيد من القرارات الجمهورية الجريئة، وخلوا للمؤتمر حاله، يرأسه صالح وإلا الشيخ الشايف وإلا حتى حسين حازب مش مشكلة، مش شغلكم يا جماعة.