علاء قاسم وفارع المسلمي تمت كتابة هذه الورقة بناءً على اجتماعات نظمها تشاتوم هاوس والمجلس الأطلسي في بداية أكتوبر بين شباب يمنيين والمجتمع الدولي من 26 سبتمبر حتى 5 أكتوبر في نيويورك وواشنطن (دي سي)، وقد شملت لقاءات مع صانعي قرار دوليين ودبلوماسيين أمميين من كافة المستويات. كل الاجتماعات تمت ضمن إطار قاعدة تشاتوم هاوس، وهي "حيثما يعقد اجتماع أو جزء منه في ظل قاعدة تشاتام هاوس، فللمشاركين حرية استخدام المعلومات المتلقاة، لكن لا يسمح بكشف هوية أو انتماء المتحدثين أو أي مشارك آخر".
هناك ثلاثة اهتمامات رئيسية يتمحور جهد المجتمع الدولي حولها فيما يخص اليمن؛ وهي: الاهتمامات الأمنية والسياسية والاقتصادية. وغالبية السياسات الدولية الحالية مصاغة ضمن هذه الثلاثة المحاور الرئيسية، بالطبع مع غلبة الاهتمام الأمني على المحورين الآخرين, لكن في نفس الوقت ارتفع الاهتمام السياسي والاقتصادي بدرجة لم يسبق لها مثيل لوعي المجتمع الدولي بأهميتهما لتحقيق الاستقرار الأمني في البلد.
من المهم عند الحديث عن المجتمع الدولي الإشارة إلى أن هناك سياسة دولية موحّدة ومتوافقة تحت مظلة الأممالمتحدة ومجلس الأمن بخصوص اليمن، وفي نفس الوقت وعلى صعيد الدول فإن لكل منها أجندتها ومصالحها المختلفة التي تتصارع عليها في اليمن. وحتى على صعيد الدول نفسها هناك تعقيدات وأولويات مختلفة وأجندة متصارعة، أو متنافسة في أحسن حالاتها، لدوائر دبلوماسية وتنموية وأمنية عديدة.
المحور الأمني: على الرغم من قناعة صانعي السياسات الخارجية للدول المهتمة باليمن بأهمية مساندة اليمن في الجوانب الاقتصادية ودعم الجهود التي تحاول التخفيف من الوضع الإنساني المزري للعديد من اليمنيين, إلا أن الاهتمام والقلق على الوضع الأمني، فيما يختص بقضايا الإرهاب، ما يزال يغلب على كل الاهتمامات الأخرى، على الأقل بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا وهذا يبدو جليًا من خلال الوجوه التي تدفع بها -على سبيل المثال- الإدارة الأمريكية إلى زيارة اليمن والتعليق على سياستها تجاه البلد وفي استمرارها في استخدام سياسة الطائرات من دون طيار لاستهداف الأفراد ولو كان ذلك على حساب استقرار العلاقة بين البلدين على المدى الطويل. وعلى سبيل المثال، فإن اليمن هو البلد الوحيد من دول العالم الذي ينسق البيت الأبيض مباشرة السياسات الأمريكية تجاهه بدلًا من وزارة الخارجية أو أي دوائر دبلوماسية أخرى.
وعلى الرغم من هذا، إلا أنه يوجد تيار آخر ضمن الإدارة الأمريكية يعمل على حرف السياسة الأمريكية تجاه التعامل مع اليمن كأحد دول الربيع العربي، ولكن لم تكلل هذه الجهود بالنجاح حتى الآن. حيث وأنه على الرغم من أن أمريكا بدأت على الورق في صياغة سياسة شاملة ومتكاملة تجاه اليمن في محاولة للتعامل معها كأي دولة عادية عبر وزارة الخارجية الأمريكية، لكن حتى اليوم لا يزال القرار النهائي فيما يخص أي سياسة تجاه اليمن بيد الدائرة الأمنية وليس الدبلوماسية، علاوة على أنه لا توجد سياسة متكاملة وشاملة فيما يخص اليمن حيّز التنفيذ حاليًا. فعلى سبيل المثال، أنشأت الخارجية الأمريكية مكتبًا خاصة لدول الربيع العربي التي تمر بمرحلة انتقالية، إلا أنها لم تضم اليمن إليه حتى الآن.
وللأسف، يصاحب هذه الازدواجية في السياسة الأمريكية فتور في الجهد الدبلوماسي اليمني على صعيد الحكومة والخارجية على الأخص والتي يعد دورها هشًا وركيكًا فيما يتعلق بتحسين صورة اليمن وفي تشجيع الإدارة الأمريكية على سلك النهج الدبلوماسي في تعاملها مع اليمن. من المهم الإشارة إلى أن هناك فرصة جيّدة للعمل على تغيير هذه الصورة ويجب أن تغتنم هكذا لحظة وهكذا وضع للقيام بقفزة نوعية لتحسين صورة اليمن وحشد الدّعم الدولي لها. ولكن إحدى المعضلات ضعف القدرات لدى الكادر الدبلوماسي يمثل مشكلة كبيرة جدًا تعيق من إمكانيته في لعب هكذا دور في وقت حساس كالذي نحن فيه. بل إن العديد من المنظمات التنموية والإنسانية والصحفيين يشكون إلى اليوم من أن إجراءات الحصول على الفيزا إلى اليمن لا تزال كما في السابق بل وأكثر صعوبة في بعض الأحيان وتعد هذه مشكلة؛ لأن خندقة اليمن عن المنظمات الإنسانية والصحفية يمنع نقل الصورة الحقيقية عن اليمن ويجعل الصورة المنقولة عن اليمن تخضع لهواجس دبلوماسية وأمنية غير دقيقة. وترتبط إجراءات "فيز" الإعلاميين بوزارتي الخارجية والإعلام سويًا.
المحور السياسي: فيما يخص اليمن، فإن هناك إجماعا دوليا لا مثيل له في مجلس الأمن. فبالرغم من تأثير الانقسام والاصطفاف الحاد بخصوص سوريا داخل أروقة مجلس الأمن على أداء المجلس وتعامله الداخلي على أي حال، إلا أن جميع الدِّول متحدة بخصوص الموقف من اليمن وحتى روسيا والصين والتي تريد أن تثبت دوليا أنها دول ملتزمة تجاه التحول الديمقراطي العربي، وأن موقفها في سوريا ليس نتيجة سياسة معادية للتحول الديمقراطي في الدول العربية، وإنما حالة خاصة. فاليمن هي فرصتهما لإثبات مسؤوليتهما كعضوين دائمين في مجلس الأمن. كما هي أيضا فرصة للمجتمع الدولي بشكل عام أن يكون له "نموذج نجاح" في الإقليم. هذه الرغبة المهولة لأسباب مختلفة، ومن قبل أطراف مختلفة لنجاح اليمن، تحتاج إلى رغبة رسمية يمنية متمثلة في عمل دبلوماسي وسياسي دولي جاد ومنظّم ومتمكن للاستفادة منها.
يرى المجتمع الدولي في الحوار الوطني خلاصا لليمن من الكثير من المعضلات السياسية التي تواجهه. لذلك فهو على استعداد تام وكامل وشامل لدعمه واتخاذ عقوبات رادعة تجاه أي طرف من الأطراف يحاول عرقلته وليس فقط عقوبات على رموز النظام السابق بل أيضا شخصيات جنوبية وشمالية وقبلية وعسكرية وأي أطراف سياسية أخرى فاعلة في اليمن. وهو إذ يتفهّم رغبة أطراف جنوبية في عدم المشاركة في الحوار إلا أنه غير مستعد للسماح لهذه الأطراف بعرقلته. وعلى حد تعبير أحد الدبلوماسيين "من حق أي طرف ألاّ يُشارك في الحوار، ولكن ليس من حقه أن يعترض على نتائجه، أو أن يمنع الأطراف المتحاورة على تنفيذ ما اتفقت عليه". ويبدو جليا أنه سيتخذ إجراءات صارمة تجاه أي هكذا سلوك. ولكنه في نفس الوقت، يتعامل المجتمع الدولي بحذر شديد تجاه فكرة العقوبات. فهو على استعداد لاستخدامها لكنه يعي عواقب تطبيقها. فعلى حد تعبير أحد الدبلوماسيين "العقوبات كالرصاصة، متى أطلقتها فقدت القدرة على التهديد بها"، ولذلك مع أنه لا يحب فكرة دفع أي طرف للانتحار، لكن يبدو جليا أنه لن يسمح بتفخيخ المرحلة الانتقالية من قبل أي طرف وسيتعامل، كما سبق وعمل وراء الأبواب المغلقة، بحزم شديد تجاه أي إعاقة.
الجانب الاقتصادي: يعي المجتمع الدولي الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تمرّ به اليمن ويريد أن يقدّم نفسه كمهتم بالجانب الاقتصادي والسياسي بدرجة على الأقل موازية لاهتمامه بالجانب الأمني. وبناءً على ذلك، عقد مؤتمر أصدقاء اليمن والمانحين وأطلقت وزارة التخطيط والبنك الدولي مبادرة الشفافية المشتركة.
على عكس المتداول إعلاميًا, فإن الأموال التي تعهد بها المجتمع الدولي (حوالي 7.8 مليار دولار) هي ليست منحًا وإنما النصف أو يزيد عبارة عن قروض وتسهيلات جمركية. علاوة على ذلك، فإن بعض هذه المبالغ لن تصرف إلا في وقت متأخر جدًا، أي بحوالي نهاية 2013، وعلى حد قول دبلوماسي رفيع المستوى "عادة ما يتحمس المجتمع الدولي بعد إنجاز أي عملية انتقالية بإطلاق الوعود، ولكن إذا وفى بنصف التعهدات التي التزم بها اليوم فسأكون في غاية السعادة". إضافة إلى ذلك، فإن الدول المانحة هي من تقرر أي قطاعات تريد أن تذهب إليها أموالها. فعلى سبيل المثال، لم تتعد النسبة المخصصة للأزمة الغذائية والمعونات العاجلة نسبة ال50% من النسبة التي قالت منظمات دولية إنها بحاجة لها للقيام بعمليات إغاثة عاجلة. وتقود بريطانيا حشد الدعم الاقتصادي والسياسي، وتعتبر المملكة العربية السعودية أكثر الدول مانحة، لكنها الأقل اهتمامًا وتحمسًا لمبادرة الشفافية المشتركة.
وعلى الرغم من التعهدات المالية الكبيرة التي قدّمها المانحون إلا أن هناك امتعاضًا لدى بعض المسؤولين الدوليين من بطء الحكومة اليمنية في إعداد البرنامج الانتقالي للاستقرار والتنمية، وهي الخطة التي تم على أساسها طلب تعهدات المانحين والتي لم ينتهِ إعدادها إلا بعد ما يقارب العام من توقيع المبادرة الخليجية. وعلى أية حال, فإن هناك فرصة في الحصول على دعم أكبر وأشمل، ولكن الأمر يعتمد بشكل كبير على جدية الحكومة وسرعة تجاوبها. إضافة إلى تنسيقها للدعم وقدرتها على صياغة احتياجات واضحة، خاصة أن للدول المانحة رغبات مختلفة فيما تريد وما لا تريد أن تدعم من القطاعات. كما أن الاستقرار الاقتصادي يحتاج إلى ضغط شعبي في هذا الاتجاه، وهو مجال غير سياسي؛ يمكن إحراز تقدّم أسهل فيه في ظل تعاون المجتمع الدولي وشبه توحد موقفه حوله، فيبدو أنه مستعد لأن يتجاوب لأي ضغط شبابي في هذا الاتجاه. وقد علق أحد الدبلوماسيين بالقول "تظاهروا للمطالبة بشفافية المساعدات الاقتصادية، عوضًا من التظاهر للمطالبة بإسقاط الحصانة". وقد طوّر كل من وزارة التخطيط والبنك الدولي إطار المساءلة المشتركة بين الحكومة اليمنية والمانحين, ومنذ إطلاقه تم لقاء تشاوري واحد بين الحكومة وممثلي المانحين الدولي ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لتطوير مصفوفة مؤشرات واضحة يمكن الاستناد عليها لتقييم مدى التزام كل من الحكومة اليمنية والمانحين الدوليين بتعهداتهم، وما زلنا في انتظار النسخة النهائية لهذا الإطار.
توصيات عامة: - تطوير الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة خارجيتها لخطة تواصل متكاملة وشاملة مع المجتمع الدولي عن احتياجات اليمن وما يجب (والأهم ما لا يجب) عمله وتعميمها على البعثات والسفارات. - تغيير طبيعة الحديث مع المسؤولين الدوليين من حديث عن "السياسة" إلى حديث عن "السياسات". - الاستفادة من آلاف الطلاب المبتعثين في أوروبا وأمريكا لتحسين صورة اليمن؛ عبر تدريبهم ليكونوا سفراء شعبيين أو أي برنامج مماثل. - عدم حصر التواصل والتعاون الدبلوماسي على اللاعبين التقليدين والتوجه والانفتاح أكثر على الدول الاسكندنافية٬ على سبيل المثال؛ إذ أن لديها رغبة أكبر في مساعدة اليمن ولها أجندة أقل. - هناك حاجة ماسة وعاجلة لإنهاء البيروقراطية في عملية منح تأشيرات الدخول للمنظمات الإنسانية والصحفية، خاصة أن الأمر يخضع لمزاجات شخصية في كلا الوزارتين. - تأهيل وتدريب الكادر القنصلي والدبلوماسي، بل واستبدال بعض الكوادر القديمة غير القادرة على مواكبة التحولات الدبلوماسية والتقنية اليوم, ونقل المسؤولين الذين لا يجيدون بعض اللغات المعينة من الدّول التي تتكلم هذه اللغات. - على الشباب الاهتمام أكثر بمتابعة التطورات الاقتصادية والضغط في اتجاه أن تكون عملية صرف الأموال التي تم التعهد بها شفافة وألا يتم إدارة الدعم بشكل لا مركزي، بحيث تصل الفائدة المالية لجميع المحافظات.