في يوم الجمعة الماضي، الأول من يناير، دعا رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون إلى اجتماع قمة طارئ في لندن في أواخر هذا الشهر، لمناقشة الأوضاع في اليمن، لأنها أصبحت تشكل حسب قوله "تهديداً للمنطقة والعالم، بعد أن أصبح اليمن ملاذاً ومصدراً للإرهاب". وجاء إعلان براون يوم رأس السنة بعد المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة أمريكية يوم 25 ديسمبر، وما ظهر من مؤشرات بأن للمتهم فيها صلات بفرع تنظيم القاعدة في اليمن. وقد أبدت الحكومة البريطانية اهتماماً خاصاً باليمن منذ سنوات، ولهذا لم يكن مستغرباً أن يتبنى براون هذا المقترح، الذي يحظى بدعم بقية دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة خصوصاً.
وربما كان لهذا الاهتمام باليمن مردود إيجابي، إن كان سيؤدي إلى زيادة المساعدات ودعم قدرة اليمن على مواجهة تحدياته المزمنة، والتي ازدادت سوءاً. ولكن الصحافة أصبحت تطرح فكرة أن اليمن قد أصبح "دولة فاشلة أو منهارة" failed state مثل الصومال وأفغانستان. ومثل هذا الطرح، الذي ليس له ما يدعمه في الواقع، قد يكون له مردود سلبي، إذ إنه قد يزيد من عزلة اليمن ويحد من جاذبيته للاستثمار، بعد أن بذل جهوداً كبيرة لإصلاح نظامه الاقتصادي والإداري وتحسين بيئته الاستثمارية.
ومع أن اليمن يواجه تحديات جسيمة في جميع المجالات، إلا أنه ليس هناك ما يدل على أنه قد وصل إلى مرحلة "الدولة الفاشلة". حيث يُقصد عادة بفشل الدولة فقدانها السيطرة على جزء ملموس من أراضيها، ومواجهة الظواهر المسلحة، والانخفاض الكبير في مستوى المعيشة، وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات جوهرية لمعالجة ذلك. وهناك مؤشر سنوي تصدره منظمة صندوق السلام الأمريكية Fund for Peace يرصد 12 متغيراً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً تحدد مكانة دول العالم على مقياس الفشل. ونجد في هذا المؤشر تدهوراً ولكنه محدود في مكانة اليمن على مقياس الفشل خلال العام المنصرم، فبعد أن كان يحتل المركز 21 في عام 2008 أصبح يحتل المرتبة 18 في هذا المؤشر عام 2009، وهو تطور سلبي بلا شك، ولكنه ما زال يعني أن هناك 17 دولة وضعها أسوأ من وضع اليمن في هذا المجال، ومنها دول بديهية مثل الصومال وزيمبابوي (احتلا المركزين الأول والثاني على التوالي كأكثر الدول فشلاً)، وأفغانستان والعراق اللذين احتلا المركزين 6 و7 على التوالي. لكن تلك القائمة تشمل أيضاَ دولاً أخرى قد لا تخطر على البال في هذا المجال مثل كينيا ونيجيريا وإثيوبيا (التي احتلت المراكز 14، 15، 16). ومع ذلك لا يُعتبر أي من هذه الدول الثلاث دولاً فاشلة أو منهارة.
ولهذا فإن مجرد دعوة رئيس الوزراء البريطاني إلى عقد مؤتمر عن اليمن لا يعني في حد ذاته إصدار حكم على اليمن بأنه أصبح دولة على شفا الانهيار، بل ربما كان تعبيراً إيجابياً عن مدى حرص الحكومة البريطانية على منع مزيد من التدهور في الأوضاع الأمنية والاقتصادية في اليمن. وقد ظهر هذا الحرص البريطاني منذ عام 2005 على الأقل، حينما تبنت الحكومة البريطانية خطة جديدة لتقديم الدعم الاقتصادي لليمن، وأصبحت منذئذ إحدى أهم الدول المانحة لليمن.
ويشارك بريطانيا في التعبير عن الاهتمام بالأوضاع اليمنية دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. ولكن بخلاف بريطانيا، لم تقدم تلك الدول مساعدات تذكر لليمن، وطالما عبر الاتحاد الأوروبي عن قلقه من الوضع في اليمن وحث الدول الأخرى على تقديم المساعدة لليمن، إلا أنه لم يقدم سوى النزر اليسير من المساعدات الفعلية لليمن، فلو نظرنا إلى آخر مؤتمر للمانحين تم تنظيمه برعاية دول مجلس التعاون ومشاركة فعالة من بريطانيا، فإن بريطانيا تعهدت فيه بمبلغ (230) مليون دولار، في حين تعهدت بقية دول الاتحاد الأوروبي بمبلغ (540) مليون دولار، أي إن مجموع المساعدات التنموية التي قدمتها دول الاتحاد الأوروبي بلغ (770) مليون دولار للفترة (2006-2010)، في حين أن مساعدات المملكة العربية السعودية وحدها تجاوزت (1000) مليون دولار لنفس الفترة!
ولذلك، ولكي يكون ناجحاً، فإن مؤتمر لندن المقترح يجب ألا يقتصر على الندب والعويل أو التنظير بشأن ما آلت إليه الأوضاع في اليمن، بل يجب أن يتعدى ذلك إلى تحمل الدول الغنية لمسؤوليتها نحو اليمن، وتحذو حذو دول مجلس التعاون، في مساعدته بشكل فعلي في التغلب على التحديات الجسيمة التي تواجهه في المجالين الاقتصادي والأمني.