تستضيف بريطانيا الأسبوع المقبل إجتماعًا دوليًّا بشأن اليمن، يهدف إلى حشد الدعم من أجل إرساء الاستقرار والأمن في البلاد الذي تحول مع أول يوم في هذا العام، محط أنظار عالم بأكمله باحث عما إذا كان قد أصبح يهدد الأمن والسلام العالميين بالفعل. وفي خضم الجدل اليمني حول المؤتمر أو اللقاء يؤكد الكاتب الصحفي نصر طه مصطفى أن مؤتمر لندن لن يدر على اليمن ذهبا وأموالا كما يظن بعض الحالمين الرومانسيين ، كما انه لن يجلب لليمن الاحتلال والدمار والثبور وعظائم الأمور كما يعتقد بعض المصابين بكوابيس المؤامرات السوداء. وبين هؤلاء وأولئك- يرى مصطفى- ان على الحكومة اليمنية أن تذهب برؤية واقعية وعملية لتتحدث مع أقطاب المجتمع الدولي الذين سيجتمعون لأول مرة على هذا المستوى الوزاري الرفيع ليستمعون الى اليمن بجدية في مؤتمر لن تزيد فترة انعقاده عن ساعتين إلى ثلاث بالكثير. ويقول مصطفى ان فترة المؤتمر كافية إن أجادت الحكومة عرض طبيعة المشكلات في البلاد، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وروسيا يريدون اليمن بلدا موحدا قويا مستقرا معافى اقتصاديا وليس غير ذلك. مخاطبا من وصفهم ب"بالمتوهمين بأن الغرب يريد احتلال اليمن أو تفكيكه " بان عليهم مراجعة أنفسهم بدلا عن ممارسة تحريض الداخل على الخارج وتحريض الخارج على الداخل، ذلك أن معاناة الغرب في العراق وأفغانستان واضحة ولم يعد هناك مجال لفتح بؤر أخرى. ولفت نصر طه رئيس وكالة الانباء اليمنية الى زيارة العشرات من ممثلي الوسائل الإعلامية الدولية إلى صنعاء مؤخرا قد جعلتهم يدركون أن حقيقة الأوضاع ليست كما تصوروا، حيث كانوا يظنون أنهم سيجدون بلدا يتقاتل شعبه في كل الشوارع، لكنهم على العكس من ذلك. مضيفا" رأوا أوضاعا مستقرة وطبيعية والناس يعيشون حياتهم بشكل اعتيادي" ..مستدركا" بالطبع لا أقصد بذلك أن كل شيء على ما يرام إلا أن مشاكلنا معروفة وواضحة، وهي لا تعني بحال من الأحوال أن البلد على وشك التفكك والنظام على وشك الانهيار كما يحلو للبعض تصويره، وأظن أن هذا ما أدركه هؤلاء الصحفيون فكتب بعضهم بواقعية أفضل مما يكتبه بعض زملائنا الذين يحرضون الخارج على وطنهم للأسف الشديد، ولا يتورعون عن ترديد أحاديث من نوع أن هناك تحالفا بين النظام والقاعدة، أو أن هذا الأخير كان جزءا من النظام وما شابه ذلك من أقوال وكتابات مؤسفة بحق". واعتبر نصر طه أن مؤتمر لندن يمكن أن يكون فرصة حقيقية للحكومة لعرض قضايا البلاد عليه، وبالتالي اكتساب تعاطف حقيقي معها،مشيرا إلى أن اليمن تعاني من مشكلات اقتصادية مؤرقة وهي تكاد تكون السبب الأساسي لبروز تيارات التطرف والعنف بصورها وأشكالها المختلفة من انفصالية وقاعدية وحوثية.. وأضاف " أن هذا المؤتمر ليس مؤتمر مانحين ولن يقدم مساعدات اقتصادية، لكنه يمكن أن يكون مفتاحا لدعم حقيقي وجاد لليمن في قابل الأيام" ، مؤكدا على أن ذلك يعني أن تعيد الحكومة النظر في الكثير من آليات أدائها الإداري والاقتصادي على المستوى الوطني خلال الفترة المقبلة لتكون أهلا للتعامل الكفؤ مع كل أشكال الدعم والتعاون المتوقعة. وفي سياق متصل قال مسؤولون بالخارجية البريطانية الجمعة إن الاجتماع الذي يستمر ساعتين حول اليمن في 27 يناير الجاري سيعقد بمشاركة 20 بلدًا وخمس منظمات دولية. كما يتوقع مشاركة عدد من وزراء الخارجية وكبار المسؤولين بدول مجلس التعاون الخليجي في المؤتمر الذي تستضيفه العاصمة البريطانية. وقال المسؤولون في مؤتمر صحافي بمقر وزارة الخارجية امام مجموعة من الاعلاميين العرب في لندن ان المؤتمر سيفتتح بتصريحات يلقيها رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الذي دعا الى عقد هذا الاجتماع لتسليط الضوء على الحاجة لتقديم الدعم لليمن في تحركاته للتعامل مع التحديات الأمنية والمشاكل الاقتصادية ومنها البطالة والفساد. وسيشارك اليمن بوفد رفيع المستوى يضم رئيس الوزراء ووزير الخارجية في المؤتمر. وسيعقد المؤتمر في وقت لاحق جلسة مغلقة فيما سيرأس الاجتماع وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند ويقدم بيانا ختاميا في نهاية أعماله. وأشار المسؤولون الى أن صنعاء تتعرض لضغوط للقضاء على تنظيم القاعدة بعدما أعلنت جماعة مقرها اليمن مسؤوليتها عن محاولة تفجير طائرة ركاب أميركية في 25 ديسمبر الماضي. وأضاف المسؤولون ان الغرب ودول الخليج العربية المجاورة والمجتمع الدولي يشعرون بقلق ازاء الاستقرار في اليمن ويريدون مساعدته في جهوده الرامية الى اصلاح مشاكله الاجتماعية والاقتصادية. وقال السفير البريطاني في اليمن تيم تورلوت الذي شارك في المؤتمر عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من صنعاء انه لا توجد أي مساعدات مالية جديدة مقترحة لدعم الحكومة اليمنية خلال مؤتمر لندن. وشدد المبعوث البريطاني على أهمية الحفاظ على الوحدة والاستقرار في اليمن مسلطًا الضوء على الحاجة الى مساعدة صنعاء في مكافحة التطرف والارهاب الدولي. وناقش المسؤولون أسئلة حول اذا ما كان المؤتمر سيتعامل تحديدًا مع عدد من القضايا الشائكة مثل الارهاب وزيادة نشاط تنظيم القاعدة والحركة الانفصالية في جنوب اليمن والحرب ضد الحوثيين والمشاكل الاقتصادية المتزايدة في البلاد. وكانت لندن استضافت عام 2007 مؤتمرًا للدول المانحة من أجل مساعدة اليمن تعهد خلاله المجتمع الدولي بتخصيص ما يزيد على سبعة مليارات دولار لكنه لم يقدم سوى جزء صغير منها بسبب عدم قدرة اليمن على استيعاب المساعدات. وسيعكف اجتماع لندن المقبل على بحث سبل تطوير وبناء القدرات في اليمن. وحذر المسؤولون البريطانيون من أنه "لا يوجد حل سريع لهذه المشاكل واليمن وحده الذي ينبغي أن يأخذ زمام المبادرة في مساعدة نفسه". وأشاد المسؤولون البريطانيون بالتحركات التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي لدعم اليمن سياسيًّا واجتماعيًّا وماليًّا. وعبروا عن احترامهم الكبير في هذا الصدد تجاه المساعدات المالية "الكبيرة والسخية" التي تقدمها دول مجلس التعاون الخليجي الى اليمن. وكان الكاتب السعودي عبد العزيز عثمان صقر لفت الى أن مؤتمر المانحين نوفمبر عام 2006 الذي أعلنت فيه اليمن انذاك احتياجها لدعم مالي يقدر بمبلغ 48 مليار دولار خلال العقد الزمني القادم من أجل تطوير البنية التحتية للبلاد وتوفير فرص عمل للمواطنين ووضع الاقتصاد اليمني على أسس ثابتة تسهم فى حل المشكلات الاقتصادية والتنموية بشكل فعال ودائم. فيما أقر المؤتمر مساعدات بلغت 4.7 مليارات دولار لفترة الأربع السنوات اللاحقة للمؤتمر (2007 – 2010). وقال صقر انه رغم أن العام الراهن يمثل نهاية فترة التعهد، فإن هناك دلائل على أن اليمن لم يستلم فعليا أكثر من ربع المبالغ التي تم التعهد بها خلال المؤتمر، مشيرا إلى أن : (مساهمة الولايات المتحدة، مثلا في دعم اليمن بلغت عام 2006 مبلغاً لم يتجاوز التسعة ملايين دولار، واليوم نواجه كرماً أمريكيا غير مسبوق بإعلان الإدارة الأمريكية أنها "ستضاعف" حجم مساعداتها الإنسانية والاقتصادية لليمن هذه السنة لتصل إلى مبلغ 63 مليون دولار فقط لاغير، وبريطانيا راعية مؤتمرات الدعم أعلنت انها ستقدم لليمن مبلغ 100 مليون دولار "خلال الثلاث سنوات القادمة" أي ما يعادل 33 مليون دولار سنويا). وأضاف إن مجموع المساعدات الأمريكية و البريطانية السنوية لليمن لا يتجاوز ما تنفقه قوات الاحتلال الأمريكي في العراق في نصف يوم واحد. واعتبر عبد العزيز صقر إن الاستثمار الخليجي في استقرار اليمن يجب أن يُنظر إليه على أنه استثمار في استقرار دول الخليج وأمنه. مضيفا "أن ما يصيب اليمن من الضرر اليوم سيصيب بقية دول مجلس التعاون الخليجي غدا". واقترح في هذا السياق المبادرة بتأسيس صندوق خليجي أو عربي يُخصص لدعم التنمية في اليمن، بحيث تتمثل مهمته في تبني سياسة تنموية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز قدرات الدولة اليمنية، وتطوير الاقتصاد اليمني على أسس علمية، ومعالجة المشكلات الاجتماعية التى تعاني منها البلاد، والتي تخلق بيئة ملائمة لتنامي ظواهر العنف والتطرف. ولضمان الكفاءة والسرعة فى تنفيذ أي مشروع تنموي في اليمن،اكد صقر إن الحكومة اليمنية لا تعارض فكرة قيام الجهات المانحة بعملية الإشراف الكامل على المشاريع التنموية التي يتم تنفيذها داخل البلاد، من مرحلة التعاقد إلى مرحلة التسليم، مما يضمن حقوق الجهات المانحة ويصون مصالح الشعب اليمني. معتبرا هذا الأسلوب بأنه سيقطع الطريق على أي ادعاءات ترى أن الفساد الإداري والمالي يعرقل مشاريع التنمية في اليمن، مضيفا "فعملية الإشراف والتنفيذ المباشر من قبل الجهات المانحة لمشاريع التنمية قد تكون الصيغة المثلى لبداية عملية جدية لتطوير الاقتصاد اليمني".