ما تعيشه البلاد هذه الأيام من زخم ثوري وتحولات سياسية كبيرة تهدف في مجملها إلى التخلص من تبعات الممارسات السياسية الخاطئة التي ألقت بظلالها على كل مناحي الحياة في وطننا الحبيب، فكل هذا الغليان لم يأتِ من فراغ بل كان نتاجاً لأسباب كثيرة أهمها إستشراء الفساد المالي والإداري والذي لازلنا نعاني منه حتى اللحظة، والله وحده يعلم إلى متى ستستمر تلك المعاناة، فالفساد في اليمن انتشر كالنار في الهشيم ليطال كل مرافق الدولة ومؤسساتها الحيوية، وليمتد هذا السرطان الخبيث ليصل حتى إلى أهم المؤسسات وهي الجامعات، وهذه هي الطامة الكبرى كما صورها الرئيس الفرنسي ديجول في ستينيات القرن المنصرم والذي سُئل عن رأيه في الفساد المستفحل في فرنسا آنذاك ، ليبادرهم بتساؤل آخرعن ما إذا كان الفساد قد وصل إلى الجامعات، فأجابوه بالنفي، عندها ابتسم وقال أن فرنسا لاتزال بخير، وقد كان محقاً فيما ذهب إليه لأن وصول الفساد للجامعات مؤشر خطير ينبئ بإنحرافها عن أداء وظائفها الأساسية المتمثلة في رفد المجتمع بالقيادات الفنية والمهنية والسياسية والفكرية وإجراء البحوث العلمية والمساهمة في عملية التنشئة الإجتماعية ونقل الثقافة. واقع الحال في الجامعات اليمنية لم يعد خافياً على أحد، فقد بحت الأصوات وجفت الأقلام والشرفاء من منتسبي تلك الجامعات في إنتظار تحرك حكومتنا الموقرة - حكومة الثورة التي جاءت كما يفترض لإجتثاث وقلع الفاسدين - لإنقاذ ما تبقى لجامعاتنا من سمعة في الأوساط الأكاديمية إن كان لها سمعة من الأساس، وكل آمالهم أن تضطلع الحكومة بدورها المنوط في تخليص هذه المؤسسات الأكاديمية التنويرية من سرطانات الفساد ومافيا النهب والتي أتت على الأخضر واليابس نتيجة لتراكم ملفات الفساد والفوضى والعبث في تلك المؤسسات وتحولها الى إقطاعيات تابعة لمتنفذين أفرغوها من مهمتها الأساسية لتصبح مؤسسات إيرادية مهمتها تغذية أرصدتهم في المصارف المحلية والأجنبية ، ولم تكتف تلك الأيادي الفاسدة بالعبث داخل الوطن ، بل أصرت ولاتزال تصرعلى بث سموم فسادها وتصديره ليصل دول الجوار، ولتسلب بذلك أغلى ما تحاول أن تبنية وتحافظ عليه أي جامعة ألا وهوالإبقاء على صيت مقبول في الأوساط الأكاديمية والعلمية وبمايحفظ لخريجيها مستقبل زاهر من حقهم أن ينعموا به مثل غيرهم من البشر.
على الرغم من إدراكنا الكامل بأن مشاكل الجامعات اليمنية من الكثرة بحيث لايمكن معالجتها في مدة قصيرة كونها تحتاج لخطط إستراتيجية ولمعالجات مدروسة تتطلب الكثير من الوقت شريطة توافر الإرادة وتكاتف المخلصين، فمن إنعدام معايير الجودة والشفافية في التعيينات الأكاديمية والإدارية إلى غياب مراكز التطوير والبحث العلمي،علاوة على إقحام العمل السياسي والأمني في نشاطاتها وغيرها الكثير من المعوقات ، إلا أن هنالك ضرورة ملحة لوضع معالجات آنية لاتحتمل التأخير كون هذه المؤسسات تعاني من فساد منظم بكل ماتعنية الكلمة من معنى يُدار من قبل قيادات تمادت في إساءة إستخدام الأمانة الموكلة إليها ، قيادات آلت على نفسها إلا أن تدمر كل شئ جميل في سبيل جمع الأموال وإشباع نزواتها الشيطانية ، فملفات الفساد المستشري في الجامعات اليمنية أصبحت حديث الشارع ومحل إجماع الكل ، وماحدث في جامعة صنعاء على سبيل المثال في الفترة الماضية خير مثال على ذلك ،حيث وُجهت الكثير من الإنتقادات وتهم الفساد لقيادتها السابقة ولتسفر فيما بعد عن موجة إحتجاجات تبناها الشرفاء من منتسبيها ليتم على إثرها تغيير قيادتها بقيادة جديدة لم تسلم هي الآخرى من بعض الإنتقادات، إلا أنها مهما عظمت تجاوزاتها فلن ترقى إلى مستوى الفساد الذي مارسه سلفها، ومع كل ذلك الفساد الذي طال جامعة صنعاء وغيرها من الجامعات الأخرى يظل فساد جامعة ذمار هو الأكثر حضوراً في المشهد، إذ تتوالى فضائحها المالية والإدارية تباعاً وعلى مرأى ومسمع من الجهات المختصة التي تغض الطرف عما يجري لأسباب غير معروفة ، فقد فاحت رائحة فسادها النتنة وتفردت بملف فضائح قلما نجد نظيراً له وزادت شهرتها بشكل سلبي لدرجة أن أصبحت مادة إعلامية دسمة للصحافة السعودية والخليجية في الآونة الأخيرة، والتي تناولت آخر تطورات فضيحة فرع الجامعة بجدة إثر إلقاء السلطات السعودية القبض على مندوب الجامعة هناك في منطقة جيزان وبحوزته مبلغ 13 مليون ريال سعودي حصل عليها من خلال بيع شهادات مزورة بلغ عددها ال 700شهادة موزعة على برامج البكالوريوس والدراسات العليا، وذلك إثر محاولته الهرب إلى اليمن وبتسهيل كماقيل من قبل موظفين بالقنصلية اليمنية في المملكة ، حيث يُعد هذا الملف بلا منازع أشهر ملف فساد شهدته الجامعة وربما الجامعات اليمنية ،والذي بدأت فصول قصته قبل ثلاثة أعوام تقريباً عندما أقدم رئيس الجامعة وشركائة على فتح مكتب (وكالة لبيع الشهادات) في السعودية بإسم جامعة ذمار وبدون علم المجلس الأكاديمي والجهات الأكاديمية المعنية الأخرى بالجامعة ، ودائرة الشك الآن تحوم حول إمكانية وجود فروع للجامعة في دول أخرى، ولعل ما يزيد من ذلك الشك ما نشرته صحيفة الثورة في عددها الصادر في الأول من مارس الجاري حول حصولها على نسخة من وثائق رسمية تفيد بموافقة رئيس جامعة ذمار على فتح مراكز للجامعة في كل من السعودية وفلسطين والأردن وذلك بهدف تسجيل الطلاب الراغبين في الدراسة وفق نظام التعليم عن بعد بموجب اتفاقية تم تحديدها بين رئيس الجامعة الدكتور الحضراني كطرف أول ومن تم تعيينهم من قبله كطرف ثان لتسجيل الطلاب في مراحل الدراسة الجامعية المختلفة إبتداءً ببرامج البكالوريوس وإنتهاء ببرامج الدراسات العليا، والجدير بالذكرأن فضيحة التعليم عن بعد تحديداً ليست وليدة اللحظة ، فقد سبق وأن أثارتها الصحافة المحلية في 2010 وتفائلنا خيراً عندها أن الحكومة ستخجل من نفسها وستتخذ إجراءات رادعة بحق المتورطين في تلك الفضيحة المدوية خصوصاً وأن ملفاتهم السوداء قد تراكمت وأصبحت ثقيلة جداً، ومنها على سبيل المثال فضائح الفساد في مناقصات الجامعة كمناقصة تأثيث مبنى ومعامل ومختبرات كلية الهندسة والسدود المنفذة بمبلغ يزيد عن 2 مليون دولار والتي شابها الكثير من التلاعب وغيرها الكثير من القضايا الخاصة بالمناقصات ، علاوة على قضايا الفساد الإداري وأهمها تعيين أشخاص من غير المؤهلين في مناصب أكاديمية وإدارية دون مراعاة للمعايير المعمول بها في القانون. لن أسهب في سرد تفاصيل المعاناة لأن السواد الأعظم منكم صار على علم بأدق تفاصيلها ، ولكن سأستعيض عن ذلك بتوجيه نداء وللمرة الثانية للأخ رئيس الجمهورية ولحكومة الوفاق الوطني علهم يفيقوا من سباتهم ، بأن انقذوا الجامعات التي تحتضر، وخصوصاً جامعة ذمار التي تصارع الموت في غرفة الإنعاش، فمواردها المالية مسروقة، وسمعتها الأكاديمية ملطخة ، وشهاداتها تُباع على أرصفة جدة ، ومستقبل خريجيها معتم بسبب القيادات الفاسدة ، فهل يرضيكم إستمرارهذا الوضع المزري ،وهل من لفته لإنتشالها من محنتها وتصويب مسارها ، وكلما نطلبه منكم في هذه المرحلة لايتعدى عزل الفاسدين من مناصبهم وتقديمهم إلى القضاء بتهمة الفساد، وإلا فعليكم وعلى الدنيا السلام وعظم الله أجركم في تعليم أبنائكم وفي سمعة جامعاتكم وفي مستقبل وطنكم، والنداء ذاته نوجهه أيضاً إلى كل أصحاب الأقلام الشريفة والنشطاء والحقوقيين ،أن ساندونا على تحريك المياة الراكدة وتسليط الضوء على هذه القضايا المصيرية التي تمس مستقبل أجيال.