الحديث عن مؤتمر الحوار الوطني من داخله يختلف حتماً عن تقييم المراقبين لأعماله من خارجه، وإذا كانت المشاعر والأحاسيس ذات البعد العاطفي تسبق حديث الصنف الأول، فإن مقدار العقلانية قد يتوافر بنسبة أكبر لدى الصنف الثاني إذا استثنينا من اعتادوا العدمية في تقييم القضايا بشكل عام. سأحاول هنا أن أخرج من أجواء المؤتمر الفياضة بالآمال العريضة، وأعرض بعضاً من المميزات التي تتوافر لمؤتمر الحوار القائم، وغابت عن التجارب اليمنية السابقة، دون أن يعني ذلك أننا بصدد مهمة يسيرة ومفروغ منها.
حوار اليوم وطني وشامل بالفعل، فبالإضافة إلى تمثيل اليمن كل اليمن في المؤتمر، فإن التمثيل يشمل الشباب والمرأة، وتحضر فيه القوى المدنية إلى جوار القوى التقليدية، بل لعل في وجود بعض من رموز النظام السابق فرصة كي يسمعوا ما لم يسمعوه من قبل!
خارطة القضايا المطروحة هي الأخرى وطنية وشاملة، فالقضية الجنوبية تحظى باهتمام خاص، وكذلك الأمر بالنسبة لقضية صعدة، كما أن شكل الدولة والنظام السياسي والانتخابي في سلم أولويات المؤتمر، وتحضر كذلك قضايا الحقوق والحريات، ومشكلات التنمية الشاملة.. وغيرها من القضايا المدرجة في أجندة المؤتمر.
ولأنه من الصعب تناول هذه القضايا في جلسات عامة يشارك فيها نحو 565 عضواً، فقد نصت لائحة النظام الداخلي على توزيع المشاركين إلى فرق عمل، يختص كل فريق بمناقشة قضية محددة وبحيث يتراوح عدد المشاركين في كل فريق بين 40 إلى 80 عضواً، ومنحت لفرق العمل صلاحيات كاملة في تناول القضايا واقتراح الحلول والمعالجات، ما سينعكس إيجاباً على جلسات الحوار القادمة.
لقد كان البعض يرى أن مؤتمراً كهذا سينعقد خلال أيام محددة ويخرج بنتائج معدة سلفاً، وهو ما جعل بعض القوى تتردد في المشاركة في أعماله، وما يزال البعض يرى أن الترتيبات للمؤتمر لن تخرج عن سيناريوهات تعتني بتفاصيلها نفس القوى والشخصيات المحلية والدولية التي كانت وراء المبادرة الخليجية والتسوية السياسية.
غير أن فترة المؤتمر التي ستستمر ستة أشهر بحسب البرنامج المعلن، تؤكد أننا أمام مؤتمر مختلف، حتى أن بعض الأعضاء في الأمانة العامة للمؤتمر يذهب إلى الزعم أن اليمن أمام تجربة قد تشكل حال نجاحها نموذجاً يُحتذى، ويدرس في تجارب الصراعات ومعالجة النزاعات الدولية!
لكن بعيداً عن التفاؤل المفرط يمكن القول إن ثمة تحديات كبرى محدقة بالمؤتمر، وبالأخص القضية الجنوبية، التي لا مناص من تقديم تنازلات مؤلمة في سبيل اجتراح تسوية تاريخية تستمر معها الوحدة، لكن ضمن صيغة جديدة، وشكل جديد للدولة وللنظام السياسي.
وأهم من الحوار نفسه تنفيذ مخرجاته التي سيكون التوافق عليها وطنياً على رأس ضمانات نجاح الحوار، وإذا كان البعض يستحضر حوار وحرب 1994، فالواضح اليوم أن القوة العسكرية غدت أكثر حياداً، مما يوفر مناخاً أفضل، وضماناً أكبر للحوار الوطني وتنفيذ مخرجاته، بعيداً عن العنف والاحتكام لقوة السلاح.