يجادل الكثيرون بشأن مستوى التمثيل في مؤتمر الحوار الوطني، والظلم الذي حاق ببعض المكونات وبالأخص شباب الثورة، وقد لا نجد قوة ما من داخل المؤتمر راضية عن مستوى تمثيلها، فما بالكم بمن لم تُتَح لهم فرصة المشاركة. لكن بالرغم من ذلك يلحظ المنخرط في المؤتمر ومن يراقبه عن كثب أن القوى المدنية تحظى بفرصة كبيرة على مستوى الحضور والتأثير في المؤتمر، وذلك بعكس القوى التقليدية التي وإن كانت حاضرة في المؤتمر إلا أنها مضطرة لمسايرة طروحات ومطالب المدنيين وفي طليعتهم الشباب والمرأة.
هذه الفرصة لا يجب أن تضيع، ليس لأن نتائجها ستكون كارثية على مستقبل اليمن فحسب، بل ولأن التذمر الدائم من تغييب المدنيين والمثقفين في صناعة القرار السياسي لن يكون له معنى إذا لم ترتقِ القوى المدنية إلى مستوى التحدي الماثل، وتعمل باتجاه صياغة مخرجات تاريخية ينتظرها السواد الأعظم من المواطنين بتلهف مشوب بحالة يأس جراء تفاقم الأزمات والقضايا المطروحة على طاولة الحوار.
ليس جديداً أن الثورة الشعبية انتصرت للمشروع المدني ولرؤية مستقبلية، فيما جاءت التسوية السياسية لتحد من خسارة قوى النظام السابق وتكرس جزءاً من الماضي وإن بشكل مؤقت. وقد قبلت غالبية قوى الثورة هذه المقايضة بعد أن كانت نذر الحرب تتهدد سلمية الثورة ومشروعها المدني الحضاري.
والآن فإن مخرجات الحوار لا بد أن تأتي في إطار استكمال مشروع التغيير الثوري، وعلى أسس تنتصر للمدنية الديمقراطية وللقيم المضادة لما تكرس في ظل نظام عصبوى استبدادي عاث في الوطن فساداً، ومضى بحياة اليمنيين إلى أنفاق وسراديب مظلمة لا ينكرها إلا الغارقون في الخداع والتضليل، وما أكثرهم للأسف.
وللوصول إلى نتيجة كهذه يتعين على القوى المدنية أن تنفتح على بعضها، وتخرج من إسار الخطابات المناطقية التي طبعت يوميات الجلسات الأولى للحوار، إذ لا يمكن لآلام تهامة مثلاً أن تعالج بمعزل عن قضية صعدة أو حتى القضية الجنوبية. ومع اعترافنا بخصوصية القضيتين إلا أن ثمة قواسم مشتركة لما يمكن تسميته بالوجع اليمني، ولا مندوحة من بلورة رؤية جامعة لمعالجة مختلف الأزمات الوطنية، حتى وإن نوقشت القضايا بشكل منفصل على مستوى فرق العمل.
من هنا يأتي التعويل على القوى المدنية التي طالما حلمت باليمن الحضاري، وقدمت في سبيل ذلك تضحيات منظورة وغير منظورة، إضافة إلى مشاريع ورؤى نظرية حان وقت ترجمتها إلى رؤية جامعة، يغدو كل من يتوافق عليها (فردا كان أو جماعة وبغض النظر عن الخلفية التي جاء منها) جزءاً من المشروع المدني الحضاري الذي من أجله روى الشباب ثرى اليمن بدمهم الطاهر!