تدخل الدعوة التي أطلقها رئيس الحكومة البريطانية لعقد مؤتمر دولي في لندن في الثامن والعشرين من الشهر الحالي لبحث كيفية «مكافحة التطرف في اليمن»، في إطار محاولة تدويل أزمة اليمن، وذلك على خلفية المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة ديترويت القادمة من أمستردام عشية عيد الميلاد، التي قدمت الذريعة المباشرة لدعوات التدخل الخارجي. وعليه فإن الأوضاع في هذا البلد، «غير السعيد»، تتجه بشكل متسارع نحو مزيد من التعقيد والتفجير، حيث بات التخوف كبيراً من أن تتحول الأراضي اليمنية إلى ساحات مواجهات داخلية وإقليمية ودولية، تتكاثر من بعضها وإلى أجل غير معلوم. وما يدعم سير الأزمة في اليمن نحو التدويل، هو ردود الفعل التي صدرت في العواصم الدولية الكبرى، وخصوصاً في كل من واشنطنولندن، على محاولة ديترويت الإرهابية الفاشلة، حيث اعتبرتها بعض الأوساط السياسية أشد خطراً على الولاياتالمتحدة الأميركية من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 نفسها، من منطلق أن تلك الهجمات لم يسبقها إنذار. أما المحاولة الجديدة، فجاءت بعد حرب طويلة ضد الإرهاب، وتشدد أمني عالمي وإجراءات كثيرة، لذلك ينبغي تشكيل تحالف دولي تدخلي من أجل مكافحة «القاعدة» في اليمن، بوصفه ضرورة مصيرية لصون أمن الولاياتالمتحدة والعالم، بعدما تحوّل اليمن إلى قاعدة وملاذ لانتشار تنظيم «القاعدة». وعليه أبدى غوردن براون حماسة مفاجئة لمحاربة تنظيم «القاعدة» في اليمن، وسارع، بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي طارئ، لبحث سبل مواجهة مخاطر الإرهاب، فيما لبس الرئيس باراك أوباما عباءة سلفه جورج دبليو بوش، على الرغم من أن الرئيس الحالي يحاول منذ مجيئه إلى البيت الأبيض، الظهور بمظهر مخالف لسلفه، لكنه لم يختلف عنه كثيراً حين يشير بإصبعه إلى هدف جديد هذه المرّة هو اليمن.
ولا شك في أن التحرك الدولي تحت المظلة الأمنية يؤشر في أحد وجوهه إلى وجود نوع من القلق من احتمال اتساع رقعة العنف الدائر في المنطقة الإستراتيجية المهمة، التي تتحكم بجغرافية اليمن، كونها تطل على خطوط الملاحة التجارية الرابطة بين بلدان أوروبا، وبلدان العمق الآسيوي. إضافة إلى أن موقع اليمن الحساس هذا لا يشرف على منابع النفط في الخليج فقط، بل يطل أيضاً على ممراته الحيوية في خليج عدن، وبحر العرب.
غير أن التحرك الدولي يشير في أكثر وجوهه وضوحاً إلى قصور في الرؤية الإستراتيجية للدول الكبرى الفاعلة، لأن تحركها كان مفاجئاً، وأتى على خلفية أمنية، ولم يقرأ التعقيدات والأزمات التي تقاطعت موضعياً لتنتج أزمة داخلية يمنية قابلة للتصدير الإقليمي والدولي، وبالتالي من حق اليمنيين، في ظل غياب دور عربي فاعل، أن يشعروا بالخوف والقلق والارتياب حيال مساعي التدويل والتدخل، حتى وإن لم تجلب قوات عسكرية أجنبية إلى أراضيهم. وقد بيّنت تجارب تدويل الأزمات السابقة أن مثل هذه المخاوف مبررة للشعب اليمني. يشهد على ذلك الوضع في كل من الصومال والعراق وأفغانستان والسودان وسواها، خصوصاً أن الوضع في اليمن مرشح لمزيد من التفكك الداخلي، بعدما أدت بعض سياسات النظام اليمني الخاطئة إلى نشوء حراك سياسي وأمني، ذي طبيعة انفصالية، في جنوب اليمن وشماله، ولم يبذل المطلوب لمعالجة المسببات التي تراكمت لسنوات طويلة، وأدت إلى جذب التدخُّلات الخارجية لأطراف وجهات عديدة.
ومن الخطأ اختصار الأزمة في اليمن بثنائية الأمن والإرهاب. فهنالك مشكلات ومطالبات داخلية حقيقية، وهناك فقراء ومعدمون بحاجة إلى الخبز والعمل لإسكات جوعهم، ومشكلة الحراك الجنوبي تختلف تماماً عن التمرد الحوثي في صعدة وجوارها وتلويناته السياسية وامتداداته القبلية، وتنظيم «القاعدة» لم يفجر أعمال العنف في اليمن، بل استفاد من تفجرها كي يتغلغل وينتشر. ويزداد تغلغله بعد كل عملية قصف بالطيران والصواريخ، يذهب ضحيتها مدنيون، حسبما تبيّن الوقائع، وهو تنظيم اعتاد على تصدير الإرهاب والعنف من خلال قنوات جاهزة للقيام بهذه الأدوار.
وأثبتت التجارب في العراق وأفغانستان وسواهما، أن سياسة عدم معالجة أسباب ومسببات الأزمات، والتركيز على الجانب الأمني، هي سياسة خاطئة، وتقود نحو الدمار والفوضى، كونها تنفق المال على السلاح والتسلح، وتنتج الفساد، مع أنه بإمكان المليارات التي تهدر في الحروب، أن تعطي نتائج أفضل لو استهلكت واستثمرت في مواضع تلبي حاجات الناس وتنقذ أرواحهم.