ركزت معظم التقارير المحلية والدولية حول اليمن بشكل شبه يومي، عقب الضربات العسكرية الجوية التي أستهدفت تنظيم القاعدة بدأ من 17 ديسمبر الماضي، وقتل فيها العشرات من أعضاء التنظيم، وما تلاها من محاولة شاب نيجيري – زار اليمن مؤخراً - تفجير طائرة أمريكية كانت متجهة إلى ديرتويت، عشية رأس السنة الميلادية. ذهبت معظم التقارير – وبالأخص الخارجية منها – إلى الحديث عن تنامي تنظيم القاعدة في اليمن، مع إنعدام الأمن، وعجز الحكومة المركزية من السيطرة على معظم أجزاء هذه البلاد التي وصفت أنها من أفقر الدول العربية، وتعاني مجموعة إضطرابات متزايدة على عدة جبهات. عقب الأحداث الأخيرة توافد عشرات المراسلون الصحفيون من مختلف أنحاء العالم، وتحولت اليمن إلى ما يشبه ورشة عمل صحفية غير مرتبة، تتقاذفها التقارير والأخبار من كل جانب..! ومن وجهة نظر مقاربة، يمكن القول أنها تحولت إلى مشرحة كبيرة يمسك تتقاذفها السواطير من كل إتجاه..! كل يوم تسطر صفحات كبريات الصحف العربية والعالمية، تقاريرها وأخبارها عن اليمن، بشكل أقرب لما يمكن وصفه بمأساة على وشك أن تقع بعد أيام، ذلك إن لم تكن بعد لحظات. ومنها..يحلو لمعظم الصحف والمواقع المحلية نقل وترجمة تلك التقارير التي تثير الذعر في أوساط الأجانب العاملين هنا، وإلى حد ما: وقليل من اليمنيين المتشككين من نوايا الأمريكان ومعهم الغرب الخائف من تنامي قوة تنظيم القاعدة في اليمن. ولقد بات الحديث حول إمكانية قيام تنظيم القاعدة بتوجيه ضربة إنتقامية للمصالح الغربية، وبالمقابل إمكانية القيام بضربة إمريكية إستباقية وشيكة..من الأمور الأكثر مدعاة للخوف والذعر. لم يكن المواطنون هم الشريحة الأكثر قلقاً من مساوئ تلك الإحتمالات، بل ومؤخراً، برزت مجموعة من التصريحات، كان أدلى بها مسئولون يمنيون بشكل متوالي ومتصاعد، أعربوا فيها عن قلقهم من أن توجه أمريكا ضربتها القادمة نحو اليمن. ومع تعدد أوجه تطمينات الجانب الأمريكي – عبر الرئيس أوباما، مؤخراً، وقبله مسئولون مهمون في الإدارة الأمريكية – بعدم وجود تلك النية لدى الإدارة، التي قررت مؤخراً رفع دعمها المالي لليمن من 65 مليون دولار إلى 150 مليون.. إلا أن الأجواء بين الجانبين مازالت مشحونة، لاسيما وأن مجموعة من تقارير الصحافة الغربية ومراكز الأبحاث ومعهم مجموعة من المحللين المتعمقين في سلوك الإدارة الأمريكية، ما زالت تتحدث - فيما تنقله - عن إمكانية أن تكون اليمن هي المكان التالي للقوات الأمريكية، ضد تنظيم القاعدة..!! ونقل عن شخصيات جمهورية في الكونجرس الأمريكي، مطالبتهم بتوجيه ضربة عسكرية للقاعدة في اليمن. الأمن.. وجهة نظر مغايرة لكن وخلافاً لذلك كله، ظهرت صحيفة اللوس انجلوس تايمز على موقعها الإلكتروني، بتاريخ 6 يناير الحالي، بتوجه مختلف. وذلك حين نشرت تقريراً عن اليمن، حاولت من خلاله تلطيف الأجواء، ونقل حقائق أخرى غير ما دأبت على تبنيه معظم زميلاتها. مراسلة الصحيفة الأمريكية، هايلي سيوتلند إدواردز، والتي بعثت تقريرها من صنعاء (فيما يبدو أنها ماتزال متواجدة حالياً في اليمن)، تمكنت من أخذ عينة من الأجانب المتواجدين في البلاد، كانت أستطلعت أرائهم عن الأوضاع الأمنية، وخلصت إلى نتيجة شبه مؤكدة من قبل معظم من أستطلعتهم، مفادها: عدم وجود شيئ إستثنائي في اليمن، سوى ما أعلنت عنه بعض السفارات الغربية من إغلاق أبوابها تحسباً لوقوع شيء.(كانت بعض السفارات الأجنبية أعلنت إغلاق أبوابها عقب الهجمات التي نفذت على مواقع مختلفة من البلاد ضد تنظيم القاعدة. لكنها بعد أيام قليلة أعلنت عن معاودتها فتح تلك الأبواب، على ما قالت بسبب زوال الخطر القائم في حينه، نتيجة معلومات تفيد بإستهدافها). وتنوعت عينة الإستطلاع بين موظفين في منظمات دولية اجنبية وأغاثية، وطلاب أجانب يدرسون اللغة العربية، وزوار يحبون السياحة ومهندسون معماريون ممن يستمتعون بالهندسة المعمارية اليمنية القديمة والمدهشة، وغيرهم. لقد أعتبر غالبية المستطلعون - ضمن التقرير - أن الأمور هادئة كما هي عليها منذ عقد تقريباً، غير أن الفترة الأخيرة أختلفت نوعاً ما من حيث التركيز على اليمن بشكل مكثف في التقارير المحلية والغربية بسبب تلك العمليات وما تلاها من العملية الفاشلة للشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب (العملية تبناها تنظيم القاعدة، الأمر الذي أثار ذعراً عالمياً حول إجراءات الأمن الدولية) وتقول إلينا ريزنيك – طالبة بعمر 21 عاماً – "في الأونة الأخيرة، إذا ما قرأت عن اليمن في الأخبار، ستعتقد أن هناك قنابل وإرهابيين يركضون حولك، في كل مكان". وأستدركت "لكن وبينما أنت هنا، تجد الهدوء، وحين أذهب لتصفح الأنترنت، أتذكر فقط أن هناك حرب دائرة". وأكدت الصحفية في سياق تقريرها، أن الآخرون، بمن فيهم الألآف من عمال الإغاثة الأجانب، وطلاب يدرسون اللغة العربية، ممن يعيشون في هذا البلد الفقير، لديهم وجهة نظر مشابهة. وهم يقولون أن "اليمن تواجه – منذ مدة طويلة – مشاكل كبيرة، لكنها على الأقل بشكل سطحي، وهي ليست وكراً للإرهاب كما تبدو في بعض التقارير الغربية". "إنه تقريباً أمر طبيعي تماماً، في جميع النواحي" يقول ريمون سكوبل – وهو مهندس في معالجة المياه في "وكالة التنمية الألمانية" GTZ. وهو يعيش في اليمن ويعمل فيها منذ عقود. ويضيف "وهذا لا يعني أن المشاكل ليست حقيقية، لكنها ليست جديدة". ليست سوى إحتياطات وقائية لكن ذلك كله، لم يمنع الأجانب من توخي الحذر، والقيام بإجراءات وقائية إحتياطية وإحترازية. وهي إجراءات وإحتياطات تحثهم عليها منظماتهم والجهات التي يعملون فيها. وتتعدد أساليب الوقاية الجماعية والشخصية، من جهة إلى أخرى، ومن شخص إلى آخر. رشا الجندي – التي تعمل في منظمة كير الدولية في اليمن - تقول أن كثير من الأجانب العاملين لدى المنظمات الدولية في اليمن تلقوا دروسا حول كيفية حماية أنفسهم، وأنها تتبع احتياطات أمنية وقائية معينة. وهي تؤكد انهم تلقوا نصائح لتجنب قضاء أوقات المرح والمتعة في الفنادق الدولية وغيرها من الأماكن التي يتجمع فيها الأجانب. كما أنهم تلقوا تعليمات تحضهم على تغير نمط حياتهم الروتينية في حالة انهم يخضعون للمراقبة. وفي السياق الوقائي ذاته فإن الكثير من الاجانب يتجنب حضور أو القيام بالإحتفالات الكبيرة، التى تعزف الموسيقى الصاخبة في المنزل، أو الخروج لتناول الطعام مع قلة من غيرهم من الأجانب. الزي اليمني.. والحجاب لمنع لفت الإنتباه إحدى النساء – طلبت عدم ذكر أسمها، حفاظاً على سلامتها – قالت أنها باتت منذ فترة طويلة، تحرص على إرتداء العباءة. مثلها مثل العديد من النساء الأجنبيات في اليمن، واللائي أصبحن يرتدين عباءة سوداء وغطاء للرأس (كالنساء اليمنيات) وذلك لتجنب لفت الانتباه. ,وقالت أن المرأة الغربية "أحياناً تكون منزعجة من ارتداء الحجاب، ولكن عليك أن تفكر في الأمر من ناحية أخرى: كتسهيل لحياتك." بينما أكدت الجندي "أنه وبعد فترة، ستعتاد المرأة الأجنبية على إرتدائه". الجندي التي عاشت في لبنان خلال الفترة بين 2005، و2008، وجدت أن لبنان كانت – خلال تلك الفترة – أكثر خطورة من اليمن. في الإختطافات.. ومواجهة القاعدة بعدم الإستسلام ذهب التقرير إلى أن معظم الأجانب يعيشون في صنعاء وعدن، حيث تنعدم الإختطافات بسبب تشديدات الأمن. وقالت الكاتبة أن الرحلة عبر الريف، تتطلب الحصول على إذن من الحكومة، وهي مهمة صعبة وأحيانا من المستحيل الحصول عليه.
وهذا يرجع- جزئيا – إلى أن المسؤولين اليمنيين لايثقون بما يمكن أن يحدث من قبل رجال القبائل الذين يحكمون جزءا كبيرا من البلاد، والذين يقومون بإختطاف الأجانب لاستخدامهم كورقة مساومة في المفاوضات على الخدمات العامة أو تبادل الأسرى. وأكدت أن كثيراً من أجزاء البلاد -- بما في ذلك محافظة صعدة - حيث أندلع هناك تمرداً للمسلمين الشيعة ضد الحكومة اليمنية – تعتبر أماكن محرمة على الأجانب. "أنا أقرأ عن هذه القضايا كل يوم، لكنني لن أغادر، إلا إذا أضطرت لذلك" يقول ستيفان دوسا، 22 عاما، وهو رجل أشقر ذوعيون نيرويجية زرقاء، ويدرس اللغة العربية في صنعاء. ويضيف "من منظور إنساني، فإن الوضع سيزداد سوءا إذا استسلمنا لتهديدات تنظيم القاعدة."