«هادي علي هادي مستور».. شاب في مقتبل العمر لم يتجاوز العشرين من عمره بعد، أخذته المقادير نحو مصير مجهول لم يكن يدرك ولو للحظة واحدة أنه يتجه إليه. أنهى مستور دراسته في المستوى الثاني مختبرات بكلية المجتمع بمديرية عبس - محافظة حجة شمال اليمن، ونظراً لظروفه المادية المتردية وفقر أسرته قرر في لحظة عوز أن يغامر مع رفاقه بحثاً عن لقمة العيش، شأنه في ذلك شأن كثير من الشباب الذين يعانون من البطالة في اليمن.
استهوته رغبة تحسين دخله وإعالة أسرته، وقرر أن يدخل مع مجموعة من الشباب إلى الحدود اليمنية - السعودية، للعمل ضمن من يسمون أنفسهم ب«الحمالين» أو «العتالة»، وتسميهم السلطات السعودية واليمنية ب«المهربين» بفتح الراء.
كانت تلك أولى مغامراته، ولم يدرك حين أقدم عليها أنها قد تكون الأخيرة، كل ما كان يدركه حينها أن لديه رغبةً جامحةً في إيجاد عمل يساعده على إعالة أسرته، بعد أن عجز عن إيجاد فرصة عمل في بلده.
عرض عليه أحد أصدقائه السفر إلى السعودية للحصول على عمل، وتم الاتفاق مع أحد مهربي نبتة القات أن يوصلهم إلى المملكة مقابل مبلغ من المال.
وأثناء رحلته سيراً على الأقدام، توقف وعجز عن السير؛ لأنه غير معتاد على السير في طرق خطيرة وطويلة، وحينها تركه رفقاء رحلته، وفروا خوفاً من ملاحقة رجال حرس الحدود السعودي، الذين يباشرون بإطلاق النار عند رؤيتهم أي شيء متحرك باتجاه الأراضي السعودية.
بعد أن اطمأن رفقاؤه من ملاحقة حرس الحدود، عاد أحدهم كي يتقصى أثره، غير أنه لم يجده في المكان الذي تركوه فيه، وهنا انتهت تفاصيل الفصل الأول من هذه المأساة، وبدأت مأساة جديدة أكثر حزناً وألماً.
لقد افتقده أهله، أمه، وأبوه، وبيته المتواضع، وأصدقاؤه، وحارته التي كان يسكن فيها، وجيرانه، كل هؤلاء لم تغب عن ذاكرتهم، بعد 10 أشهر من الغياب، ذكريات ذلك الشاب الذي كان يشاركهم أفراحهم وأتراحهم.
لقد فقد مستور، ولم يعد أحد يعرف هل هو حي يرزق أم أنه فارق الحياة؟ ومع هذا ما زال هناك من يساورهم الأمل في أنه سيعود يوماً ما.
توفي والده، وهو يتمنّى أن يراه، لقد مات حسرة وكمداً على فراق ولده الذي لا يعرف أحد مصيره. مات الأب وترك الأم المكلومة التي لا تفارقها الدموع، ولا يسمع منها سوى صوت النحيب حزناً على فراق ولدها.
لا زالت أمه تعد الليالي، وتترقب كل صباح قدوم ابنها، الذي تحلم برؤيته قبل أن تموت، وتتذكره عندما كان يأتي كل صباح يستأذنها بالخروج إلى كليته، لم يعد لها من ابنها إلا ملابسه، وموضع نومه، والحزن الذي استحوذ على منزلها منذ أن غادرها في 26/6/2012.
تتحدث الأم المكلومة عن طيبة ولدها، وعن مزاحه معها، وعن قبلته كل ليلة في جبينها. تتحدث وعيناها مغرورقة بالدموع فتُبكي كل من يستمع إليها.
بذل أهل مستور وذووه وكثيرٌ من معارفهم كل وسعهم لمعرفة مصيره، فقد زار خاله عدداً من السجون السعودية والمستشفيات وثلاجات الموتى لمعرفة ما إذا كان هناك، ولكنه لم يتوصل إلى شيء.
يقول أحد شباب عبس ممن يسكنون في منطقة جيزان إنه بذل جهداً كبيراً في محاولة الوصول إلى خيط أمل يوصلهم إليه أو إلى معرفة مصيره، لكنه لم يفلح.
ويضيف: «لو كان في أي سجن فمن السهل أن يصل صوته إلينا أو إلى أهله في اليمن؛ كون الكثير من أقرانه يخرجون من السجن وتتم إعادتهم إلى اليمن بشكل يومي، ولا يعقل ألاّ يرسل مع أحدهم برسالة لو كان في السجن، ولو افترضنا موته على الحدود فمن المفترض أن نجده في أحد المستشفيات، وقد بحثنا في كافة مستشفيات المنطقة وثلاجات الموتى، فلم نجد له أثراً، وهذا هو ما يزيد الأمر غموضاً وتعقيداً».
كل هذه التفاصيل لا تبدو مهمّة بالنسبة لأمه، فكل ما يهمها هو أن تراه قبل أن تموت، هكذا تحدثت ل«المصدر أونلاين» وهي تبكي بحرقة كبيرة على فقدان ولدها.
مأساة مستور شائعة في عبس ومديريات حجة المجاورة للحدود اليمنية - السعودية، وهناك حالات كثيرة مشابهة، لا تبرز في وسائل الإعلام، ولا يتم توثيقها من قبل المنظمات ولا من قبل الدولة.
ومستور واحد من مئات الشبان الذين ترمي بهم البطالة في جحيم الضياع، فهل سيعود هادي كي يكفكف دموع أمه، ويروي لنا تفاصيل دروب الضياع التي يتوه فيها المئات من الشبان اليمنيين.