منذ زمن المخلوع القريب والبعيد والتعامل الرسمي مع المشاكل الإستراتيجية الكبرى والمصيرية منها لا يرتقي إلى مستوى تعامل (دولة) بقدر ما هو تعبير عن آراء وانفعالات شخص، شخص عادي لا يختلف عن رجل الشارع البسيط، فلم تتمثل مؤسسات الدولة وأطرها القانونية والسيادية في التعاطي مع كثير من قضايا الوطن، فعلى مدار حكمه البائد لم ينتج تعامله مع أي معضلة تحيق أو مشكلة تنشأ إلا زيادة في تعقيدها وتمكينها واتساع في تبعاتها، ولكم أن تعودوا لتاريخ حكمه، فهو لم يحكم اليمن إلا بالأزمات، ويجيد إبقاء الصراعات مستمرة دون توقف مما أرهق الاقتصاد الوطني وأوصل الشعب إلى حالة الانسداد في الأفق والشعور بالإحباط من أي تقدم أو تحسن في حاله وماله مما دفع بهذا الشعب وفي مقدمتهم الشباب إلى الخروج في ثورة أطاحت بحكمه وجعلته من الماضي.. لكن دعونا نعود لهذا الماضي قليلا؛ المخلوع علي صالح كما قلنا انه لا تطرأ مشكلة على الصعيد الوطني ويأمر بالتدخل فيها إلا ويكون سببا في تعاظمها وتقويتها، ولكم في جماعة الحوثي دليل على ذلك، حيث تحولت هذه الأسرة التي لا تختلف عن أي أسرة يمنية عادية في تهامة أو المكلا إلى كيان وعصابة تمتلك السلاح وتتظاهر به في وضح النهار، بعد أن كانت في كهوف الجبال والجحور مختبئة.
فكان هذا نتاج طبيعي لتعامل اللادولة مع قضية تحمل جميع الأبعاد السياسية والحقوقية والمذهبية، لكنه وبخبثه المعهود أراد جعلها كأحد كروته التي يتلاعب بها مع الجوار والمجتمع الدولي غير عابه أو مكترث لما قد تعكسه على المستوى الوطني والسلم الاجتماعي..
الأمثلة في هذا السياق كثيرة فهو كما أسلفنا لا يجيد الحكم إلا في ظل افتعال الأزمات.. لكننا وبعد أن قدم شباب وشابات اليمن كل هذه التضحيات ابتداء بشهداء الحراك الجنوبي مرورا بأول شهداء الثورة السلمية الذي سقط في مدينة عدن وشهداء الكرامة وغيرهم من الشهداء والجرحى لن نتقبل تكرار هذه السياسات الخاطئة والتي أثبتت فشلها، بل خلفت نتائج عكسية وألحقت بالاقتصاد الوطني الكثير من الخسائر التي مازالت تبعاتها تلاحق الأجيال جيلا بعد الجيل..
إن التعامل العسكري الحاصل هذه الأيام في مأرب ضد من يطلق عليهم «المخربين» لا يحمل أي صفة للدولة بقدر ما يترجم انفعالا وحالة من التشنج البشري لدى صانع القرار في صنعاء صاحبه غضب نتج عنه قذيفتين في صحراء فارغة..
فمصطلح «المخربين» على عموه هو ذاته الذي كان يقتات منه النظام السابق.. ولكي نستطيع الخروج من أزمة كهذه ونتجنب النتائج العكسية التي أشرنا إليها يجب التنبه إلى الآتي: - ضرب مارب بقرار خارج دوائر القانون ومساراته السليمة أمرا لم يعد مقبولا بعد ثورة الشباب السلمية حيث من الواجب حتما أن يتم التثبت وتتبع كل من يقوم بهذه الأعمال التخريبية والتي لا يقرها عاقل أو يرتضيها إنسان.
- الإدراك جيدا أن الضرب العشوائي لا يولد إلا «كلافيت» جدد كمل حصل في صعيدة حيث أن الكثير ممن قاتل في صف الحوثي آنذاك إنما هو انتقاما من بطش الدولة التي كانت لا تفرق بين حوثي وغيره.
- يجب إيقاف كل أنواع التحرك العسكري الذي لا يحمل صفة الدولة ويريد إعادتنا إلى مربع العنف والعبثية التي مل الجميع منها، والعمل فوراً على تعرية المخربين بأشخاصهم وإقامة البراهين والحجج عليهم وملاحقتهم وفق خطة مكتملة يشترك فيها المجتمع.
- تغيير كثير من الضباط الميدانيين في منطقة مأرب يشكل بداية الحل الناجع لأي عمل عسكري في إطاره السليم والمحدود، ويعد الركيزة الرئيسة التي ترتكز عليها هيبة الدولة.
- يجب أن تتحول مأرب بكل مديرياتها ومراكزها إلى ورش عمل تتمثل في إنشاء المشاريع الحيوية وإيجاد المرافق الخدمية التي تلبي أدني متطلبات الحياة كالصحة والكهرباء والمياه، فلا يرضى عاقل أن يكتوي برمضاء مأرب بينما غيره ينعم بالتيار الكهربائي الذي يشق مزرعته في طريقه إلى صنعاء!!
- قليلا من الإنصاف في حق هذه المحافظة المهمشة وعلى وسائل الإعلام أن تنقل الصورة الحقيقية عنها بدلا من القدح فيها وفي أهلها هنا وهناك.
- فرض هيبة الدولة وهذا لا يأتي على ظهر قذيفتين تغازل المخربين، بل بخلق هيبة القانون مما يولد إحساسا لدى المواطن أن الدولة موجودة له وعليه، وكذا تعزيز أجهزتها التنفيذية حتى تقوم بمهامها على أكمل وجه.
- على جميع قبائل مأرب الإدراك أن زمن «الوجهين» قد انتهي وان مرحلة الصمت قد عفا عليها الزمن فهناك وضع جديد بدأ يتخلق فعليهم سرعة التعايش مع مجريات التغيير ومتطلباته والذي بلا شك ستكون انعكاساته عليهم فيها كثيرة من الايجابية وان كانت على المدى البعيد.
- على الجميع أن يستوعب -سواء الدولة أو من يقومون بأعمال التخريب- بأنهم يضربوننا في الخاصرة، فالمخربون يضربون اقتصاد الوطن من جهة، ومن الجهة الأخرى يلحقون العار والخزي بأهل مأرب الأكارم الذين لا تعبر عنهم هذه الأعمال والتي يرون أنها تتنافى مع أبسط معاني الرجولة والنخوة لدى الرجل العربي..
والدولة بدورها المشلول مسبقا وبتصرفات اللادولة حاليا تضربنا في الخاصرة هي أيضا حيث بتصرفاتها هذه تخلق لنا تكتلا جديدا يسهل تغذيته من ضعاف النفوس والذين لا تساوي المصلحة العليا للوطن بالنسبة لهم شيئا مقابل مصالحهم الشخصية وإشباع رغباتهم الانتقامية من هذا الشعب الذي ثار كي يملك قراره..
ختاما إن استمرت الدولة في حلولها الترقيعية وتصرفاتها اللامسؤولة فانه سيأتي اليوم الذي لا تجد ما ترقع به لاتساع الرقعة.