"أم الأسرى الفلسطينيين" تروي حياتها في الذكرى ال (61) للنكبة ما تزال العجوز أم جبر وشاح الملقبة ب"أم الأسرى الفلسطينيين" تحتفظ بمفتاح بيتها في قرية "بيت عفا" رغم مرور 61 عاما على النكبة؛ حيث غابت أرض كنعان إلا من ذاكرة ملايين البشر الذين شاءت لهم الأقدار أن يسكنوا قلب التاريخ ليشكلوا عنوانا كبيرا لمأساة أجيال أصروا على أن تبقى قضيتهم حية إلى حين عودتهم لوطن طالت الغيبة عنه.
أم جبر التي لا تختلف قصتها عن قصة ملايين اللاجئين الفلسطينيين تروي ل "العربية.نت"، وهي تحمل بيدها مفتاح دارها في قرية "بيت عفا" الصغيرة، كيف خرجت من بيت عفا وهي في العشرين من العمر، وها هي اليوم تجاوزت الثمانين عاما من رحلة اللجوء، موضحة "أن العرب والصهاينة تآمروا علينا.. قالوا لنا اتركوا بيوتكم وستعودون بعد أسبوع وها هو الأسبوع امتد ليصبح أكثر من ستين عاما".
وتقول "حاولت أن أبني بيتا يشبه بيتي في "بيت عفا" وبنيت فرن طين.. كما أنني لا زلت أحتفظ بطاحونة القمح، ولا زلت أحتفظ بمفتاح الدار، وسأعود لداري وإن لم أعد سيعود أبنائي وأحفادي.. فأنا خرجت من بيت عفا بثلاثة أبناء ولدي الآن أكثر من خمسين ابن وحفيد".
وتتحدث أم جبر عن حياتهم قبل النكبة، وتقول: "كانت حياتنا هادئة قبل النكبة الفلسطينية وقبل أن يحتل الصهاينة ديارنا.. لم يكن ينقصنا شيء، كما لم نكن نعرف ما معنى الفقر"، وتتابع "لا أستطيع أن أنسى البيادر في قريتي "بيت عفا" ولا رائحة البرتقال والشمام.. كانت أراضينا واسعة خضراء تمتد على قدر مد البصر".
وتشير أم جبر إلى أن ما عكر صفو حياتهم هو الانتداب البريطاني؛ حيث بدأ الإنكليز بفرض الضرائب على الفقراء والأراضي الزراعية.. "أصبحنا نزرع ونحصد ولكن ما نجنيه من الزراعة ندفعه ضرائب.. حتى إن الأموال التي نملكها لم تعد تكفي لتسديد الضرائب.. من هنا بدأنا نشعر بالظلم". عودة للأعلى
وتتحدث كيف كان الإنكليز يحفرون الأنفاق تحت الأرض ليستقدموا من خلالها الصهاينة إلى فلسطين، مضيفة "قبل الهجرة كانت عائلات يهودية تعيش معنا وكانت تربطنا بهم علاقات طيبة.. وكنا نتبادل معهم الأفراح والأحزان.. كانوا في ذلك الحين يشاركوننا في السراء والضراء، إلا أن من يسمون -بن غوريون وجولدا مائير وشارون وشامير- كانوا يعملون جاهدين حتى يقتلعونا من أرضنا ويزرعوهم هم في مكاننا.
وتتحدث عن رواية العذاب الفلسطيني قائلة "بدأت مشاكلنا قبل النكبة بعام واحد أي عام 1947 عندما رفضنا أن يشاركنا الصهاينة دولتنا وأن نقسم فلسطين دولتين؛ حيث دار حديث في ذلك الحين عن إنهم ينوون إقامة دولة يهودية تمتد من قرية سدود حتى شمال فلسطين.. فيما تمتد دولة الفلسطينيين من قرية سدود حتى حدود دولة مصر وهذا ما رفضناه.
بدأوا يأتون بجماعات "الهاغاناة" المسلحين ونحن لم نكن نمتلك السلاح ولكن الشباب تصدى لهم، ومن هنا بدأت مقاومة الثوار الفلسطينيين الذين كانوا ينزلون من الجبال ويقاتلون ثم يعودون للجبال مرة أخرى.
وعن يوم النكبة والهجرة القسرية تقول أم جبر "قتلوا الأطفال والشيوخ والشباب وبقروا بطون الحوامل واغتصبوا الفتيات.. نفذوا مجازر بشعة أرعبتنا.. خفنا أن يلحق بنا ما لحق بمن سبقونا ورغم ذلك بقينا في بيوتنا إلى أن بدأ الصهاينة بتطويق البلد واشتعلت النيران في كل مكان، كانوا مجرمين لا رحمة في قلوبهم، قتلوا الناس في كل بلدة وقرية دخلوها خاصة الأطفال، وقاموا بأخذ الرجال في شاحنات أمام نسائهم وأطفالهم".
وتقول "من شدة الخوف هربنا من منازلنا وبدأنا نتنقل من بلدة إلى بلدة ومن قرية إلى قرية هاربين من وحشية الصهاينة.. قررنا مغادرة بيوتنا لمدة لا تتجاوز الأسبوع على يقين منا بالعودة بعد أن تهدأ الأوضاع".
وتضيف "أتذكر كيف كان الناس يهربون ويتجهون إلى اتجاهات بعيدة خوفا من القصف.. كنا نسير مشيا على الأقدام وتشتتنا عن بعضنا البعض، والمشكلة أن الصهاينة كانوا يلحقوا بنا ويحرقوا كل شيء من حولنا".
وتتابع أم جبر أن المسيرة كانت شاقة جدا في الهجرة؛ حيث قصف الطائرات فوق رؤوسهم، فيما يعاني الكثيرون من الأعباء الكثيرة التي يحملونها من أطفال رضع وشيوخ بحاجة لمن يعتني بهم ويحملهم أثناء الطريق.. مضيفة بحزن "ابني إبراهيم الذي أنجبته في قرية بيت عفا أنهكه المرض ولم يحتمل رحلة العذاب الفلسطيني فتوفي في مخيم النصيرات، وكان أول من دفن في مقبرة المخيم، ورحلنا بعدها من مخيم النصيرات إلى مخيم البريج لنستقر هناك حتى يومنا هذا".
وتقول أنجبت ابني جبر عام 1950 في غزة، وقد أسر في سجون الاحتلال لمدة 15عاما، وتؤكد أم جبر أنها لن تتنازل عن حقها في العودة إلى الوطن. وتقول "أرغب أن يمد الله في عمري حتى أعود وأن أدفن هناك.. اشتقت إلى كل شيء.. لون الأرض المختلف وهواؤها النظيف وراحة البال التي لا تنتهي، ورائحة البرتقال والشمام في أرضي".
شاهد على النكبة يروي جانبا من المأساة
لا يزال سقوط بلدة الدوايمة غرب الخليل أيام النكبة مأساة محفورة في أذهان كبار السن من الفلسطينيين، الذين يتذكرون المجازر التي وقعت فيها، والمعارك التي خاضوها دفاعا عنها.
الحاج محمد الصغير أبو شرار، تجاوز العقد التاسع من العمر، ولا يزال يذكر تلك المعارك التي خاضها دفاعا عن بلدته المدمرة.
يسكن الحاج أبو شرار حاليا في بلدة المجد، غرب الخليل، بمحاذاة الجدار والحد الفاصل بين الأراضي المحتلة عامي 1948 و1967 ويمكنه مشاهدة بلدته عن بعد، وغاية أمنياته وأمنيات أبنائه وأحفاده أن يعودوا إلى موطنهم ويسكنوا في مغاراته.
وأكد أبو شرار أنه شارك مع المتطوعين في ثلاث معارك للدفاع عن الدوايمة عشية النكبة في منطقة المقحز (نحو عشرة كلم غربا) تحت إمرة ضابط مصري مُدرب، وكان من بين ثلاثة توجهوا لرصد مواقع العدو، لكنه لا يذكر التاريخ جيدا.
قصف وأضاف في اليوم الأول استمر الرمي على مواقع العدو من الفجر حتى الضحى فتراجعنا، ثم حضرت نجدة من الجيش المصري في الفالوجة قوامها عشر حاملات جنود تضم ستين جنديا، وفي اليوم الثاني عاودنا الهجوم وتمكنا من دحر العدو واحتلال مواقعه.
وتابع "عاودنا الهجوم بالسلاح وبمساعدة الطائرات المصرية، فدحرنا العدو مجددا وحاولنا أخذ أسلحتهم، لأنه ليس لدينا كمتطوعين السلاح الكافي، لكن الجيش المصري منعنا من ذلك، وهدد بإطلاق النار على كل من يقترب من السلاح والعتاد الذي تركه اليهود، وطلب منا إحضار عشرة جنيهات في اليوم التالي لاستلام بارودة (سلاح) من التي تم الاستيلاء عليه".
مفاجأة وأضاف أن المفاجأة بالنسبة للمتطوعين كانت في اليوم الرابع حيث حضروا بناء على وعد الضابط المصري ليشتروا السلاح، وبالفعل توجه ثلاثة من المقاتلين -أعرفهم جيدا- إلى موقع الجيش المصري المعتاد، لكنهم لم يجدوهم ووجدوا العصابات اليهودية في الموقع فقتلتهم، وبذلك تأكدنا أنه تم تسليم المدينة.
وقال إن الجيش المصري لم يحضر في ذلك اليوم من الفالوجة كعادته، ولم يحضر لاستعادة البلدة، فتأكدنا أن البلدة قد سلمت، وانتقلت المعركة إلى منطقة القبيبة القريبة (غربا) لكن السكان بدؤوا بمغادرة البلدة تحت الملاحقة وتهديد اليهود الذين هاجموا البلدة بقسوة.
وأكد أبو شرار أنه شاهد ضحايا مجزرتي المسجد الكبير وعراق الزاغ في البلدة. ويقول، عندما وقعت المجزرة كنت خارج الدوايمة، وعندما سمعت عن مجزرة المسجد الذي يقع بجوار منزلنا عدت إليه، وشاهدت جثث عشرات الشهداء ومعظمها لمسنين ممن لم يتمكنوا من المغادرة، وقتلوا جميعا في صلاة الجمعة.
مجزرة وأضاف "القتل لم يحدث في المسجد فقط، بل أخذ اليهود عددا من المصلين إلى بئر يسمى بير الصحراء الغربية وهناك ألقوا بهم داخل البئر ومن كان يمسك بالباب كانت تقطع يده حتى يسقط في الأسفل".
أما عن مجزرة عراق الزاغ فقال إنه بعد مجزرة المسجد هرب الناس، وفي الطريق لجؤوا بأمتعتهم إلى كهف يسمى عراق الزاغ، وكان عددهم نحو سبعين شخصا، ومنهم أطفال وكبار في السن.
وتابع "في محل إقامتهم داهمتهم العصابات الصهيونية وأخرجتهم منه وأوقفتهم إلى جانب بعضهم على الحائط وأطلقوا النار عليهم، ولم ينج سوى امرأة واحدة كانت متخفية تحت الأمتعة، ماتت قبل سنوات".
وأضاف أنه توجه إلى المكان مع الأهالي الذين أفزعهم الخبر وقاموا بدفن الجثث بشكل جماعي في "لتون" وهي حفرة كبيرة كان يصنع فيها الجير مشيرا إلى العثور على جثث أخرى لمرضى قتلوا في بيوتهم.