الحديث عن مهنة الصحافة في اليمن يستدعي تقليب عقودٍ من الممارسة عكست إلى حدٍ كبير أدواء السلطة والمجتمع على السواء، وراكمت عدداً من الأخطاء والإشكالات، وأظن أن أمام الصحافة الجيّدة تحديات جمّة لتخليص المهنة مما شابها من القصور والاختلالات ونحن متفائلون أن يحظى الوسط الصحفي بمناخ حُر ملائم في ظل المرحلة القادمة كي يلتقط أنفاسه ويتخفف من أعباء الصراعات والمواجهات اليومية مع أجهزة القمع والمصادرة والتوجّهات المعادية لحرية الصحافة كي يدّخر الكثير من طاقته لمعالجة جوانب القصور ولإحداث نقلة في الوعي العام تجاه الصحافة والصحفيين وليعمل على بناء مؤسسات صحفية تتوافر على الشروط الكفيلة بإيجاد صحافة قوية حرة ونزيهة تكفي صحفييها على مستوى العيش والحُرية وتؤدي دورها المطلوب في التنوير والتغيير. في هذا الصدد، يأخذ الصحفي علي الفقيه، نائب رئيس تحرير صحيفة «المصدر» اليومية، على بعض الجهات الإعلامية افتقارها لتنظيم موفديها لتغطية الفعاليات والندوات وورش العمل المختلفة، حيث يلاحظ دائماً قدوم مجاميع تتزاحم على المكافآت المرصودة للفعاليات على نحو يُسيء لسمعة الصحفي والجهة التي يمثلها.
الفقيه أشاد بصحف حزبية معارضة ومستقلة دأبت على سن تقاليد صارمة تمنع بموجبها أن يستلم الصحفي أي مبالغ مالية باسم الصحيفة لقاء تغطيته أية فعالية لأية جهة كانت.
ويحبّذ الزميل خالد العلواني، مدير الأخبار بقناة «سهيل»، التنسيق بين الجهات المنظمة للفعاليات ووسائل الإعلام بشكل مباشر والاتفاق على تعامل ما نظير هذه الخدمة، لا يكون الصحفي طرفاً فيه. وأوضح العلواني أن «سهيل» أصدرت تعميماً مكتوباً ومعلقاً، يمنع على أي صحفي تقاضي أموال مقابل عمله المكلف به من القناة، وفي حال ثبت عكس ذلك ولو طواعية - وليس ابتزازاً- فمن حق الإدارة اتخاذ الإجراءات القانونية، حسب قوله، مؤكداً عدم وصول أي شكاوى من أي نوع، لافتاً إلى أن القناة حصلت على شهادات شُكر من عدد من الجهات؛ لرفض موفديها استلام مبالغ؛ مدللاً على ذلك بتسليم أحد المحررين للقناة مبلغاً حصل عليه من إحدى الوزارات، وبدورها منحت القناة المبلغ ذاته للصحفي، وأرجعت المبلغ للوزارة التي منحت القناة شهادة شُكر.
العلواني قال إن القناة تدفع لموفديها أجور المواصلات ومكافأة تحرير الأخبار، لكن الإشكال -من وجهة نظره- يتمثل في انتحال صفة محرري «سهيل» واستلام مبالغ بأسمائهم.
الأمر ذاته شكا منه الزميل توفيق الشرعبي، مدير الأخبار بقناة «السعيدة»، مؤكداً أن القناة فصلت 13 محرراً بسبب هذه التصرّفات، لاسيما أن موفديها يستلمون مبالغ مقابل عملهم، وتدفع لهم مكافآت بالمثل في حال رفضهم أي أموال من الجهات المنظمة، معتبراً عدم توفير بدل المواصلات لموفدي بعض القنوات من الأسباب التي تدفع بعضهم للابتزاز، بالإضافة إلى إغراءات بعض الجهات، وعدم وجود رقابة أو إجراءات عقابية رادعة لمن يقوم بذلك.
توفيق الشرعبي، الذي كان يشغل نائب مدير الأخبار في الفضائية «اليمنية»، أكد تلقيه عدداً من الشكاوى. الأمر الذي نفاه الزميل علي الشهاري، النائب الأول لمدير الأخبار في الفضائية اليمنية حالياً، مؤكداً أنها تمنع ذلك بشدة، كونه يؤثر على مصداقية الخبر وحياديته، وهدد الشهاري باتخاذ إجراءات عقابية شديدة في حال حدوث ذلك.
وعن زيادة عدد الطواقم التي تحضر باسم الفضائية اليمنية أكد الشهاري أن الطاقم الفعلي لتغطية أي فعالية هو 3 فقط، محرر يتم ترشيحه من قبل إدارة الأخبار ومصور وإضاءة يرشحان من قبل إدارة التشغيل، واستبعد الشهري بقوة تعرّض أي جهة للابتزاز من قبل طواقم الفضائية، نافياً أن أحداً من الطواقم قام بإخفاء الأشرطة وعدم بث الخبر في حال لم يحصلوا على مقابل مالي. داعياً هذه الجهات إلى تبليغ الإدارة، متمنياً تنظيم ندوة لمناقشة هذا الموضوع من أجل الخروج بحلول ومعالجات قبل أن تتحول إلى ظاهرة -حسب قوله.
من جهته، أوضح مروان دماج أمين عام نقابة الصحفيين، نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الثورة»، في تصريح لمجلة الإعلام الاقتصادي أن هناك ممارساتٍ صحفية خارج معايير المهنة، وبعضها تتعلق بالجهد الإخباري، ويحدث ذلك مع المراسلين الخارجيين الذين يأخذون جهد الصحافة المحلية. كما أن هناك جهات نفوذ تحاول بشكل كبير كسب صحفيين يعملون في الجهات الرسمية، مضيفاً «في صحيفة الثورة لا توجد معايير للنشر الصحفي، ولدينا نوايا لوضع ضوابط، ونطلب من اللجنة النقابية في المؤسسة مساعدتنا بوضع ميثاق شرف، يكون لها دور في تطبيقه»، متمنياً على صحفيي المؤسسة وغيرها عدم استلام أي مبالغ مقابل أداء عملهم المهني، داعياً الجهات إلى عدم إعطاء أي صحفي مقابلاً مادياً.
رئيس لجنة الحقوق والحريات بنقابة الصحفيين، جمال أنعم، أوضح بدوره أن النقابة تلقت شكاوى من جهات حكومية وغير حكومية حول ممارسات مسيئة لمهنة الصحافة من قبل بعض الصحفيين عملت النقابة على حصرهم ووجدت أنهم لا يتجاوزون 20 شخصاً معظمهم أدعياء من غير منتسبي النقابة.
وفي حديثه لمجلة الإعلام الاقتصادي، أكد أنعم أنها لا تشكّل ظاهرة غالبة تستدعي وضع سمعة الصحافة اليمنية على المحك، ولا يصح بأي حال جعلها معياراً للحكم على أخلاقيات الوسط الصحفي في اليمن عموماً.
ويرى رئيس لجنة الحقوق والحريات أن أمام المجتمع مسؤولية، كما أن على نقابة الصحفيين والوسط الصحفي العام مسؤولية أيضا في التعامل مع هؤلاء النّفر بحزم وجدِّية، للحيلولة دون إفسادهم للمهنة وإعطاء صورة سلبية عن مهنة الصحافة.
وحمّل جمال أنعم بعض الجهات مسؤولية كبيرة في استجابتها للاستغلال والابتزاز، واعتمادها أساليب ربما تُغري وتفتح شهية البعض للتكسب السريع والسهل، مؤكداً أن ثمة صحفيين انخرطوا في لعبة صراع مراكز القوى، وتحولوا إلى متعهدي حروب وتصفيات حسابات لصالح هذا الطرف أو ذاك. جمال أنعم قال إن النظام البائد اعتمد سياسة إغراق الوسط الصحفي وإفساده، بل وعمل على فتح سوق سوداء لشراء وتأجير ولاءات ومواقف وأقلام وصحف في عملية كبيرة يعرفها الوسط الصحفي تماماً ويعرف أسماء مديريها والمشرفين عليها من صحفيين ومسؤولين.
وأضاف أن توجّه الحاكم لهذا العمل جاء نتيجة شعوره وقتها بالهزيمة أمام قوّة الصحافة اليمنية التي تصدت باكراً لكشف ملفات الفساد والتقاط نذر الانفلات في الأوضاع على امتداد الساحة اليمنية. وأكد أنعم أن ثمة صحفاً اعتمدت بوضوح سياسة صراعية محضة على حساب تقاليد الممارسة الصحفية المهنية، وبدا ذلك جلياً من خلال الخطاب الهجومي ضد شخصيات بعينها سواء على صعيد الحكومة أو على مستوى الساحة السياسية عموماً، وتركيز ما يشبه الحملات المنسّقة ضد مؤسسات وجهات بعينها ومواد تتهم وتطلق الأحكام أكثر مما تبحث وتسأل عن الحقيقة.
يشار إلى أن عدد الصحف المطبوعة في اليمن 260 صحيفة؛ منها 10 صحف يومية، 160 صحيفة خاصة، 38 حكومية و45 حزبية.