الطفولة هي المرحلة العمرية الأولى في حياة أي إنسان، وجميع البشر ينتهجون ذات الأسلوب في طفولتهم من سطحية للتفكير، و حب التجريب وكثرة المشاغبة ...إلخ. ومهما تمادوا في إغضاب عالم الكبار لا يخرجهم هذا من طور طفولتهم ، ولهذا جاءت الكثير من القوانين لتحمي الإنسان في تلك المرحلة المبكرة من العمر من الإنسان في مراحل عمره الأخرى...
في اليمن لا يوجد شيء اسمه انتهاكات أطفال كما يرى البعض ممن ينتهجون الضرب كوسيلة فاعلة للتربية، كما أن القوانين الدولية المصادق عليها والقوانين الوطنية لا ترقى لتجريم بعض الأفعال والجرائم الإنسانية التي تطال بعض الأطفال بسبب الثقافة السائدة التي تبرر العنف على أنه ضرب من الحب أو الاهتمام أو العناية الأبوية،ولذا تصبح تلك الانتهاكات الجسيمة مجرد مادة للاستنكار والشجب من قبل المنظمات الحقوقية المهتمة بالطفولة دون أن يتغير الوضع كثيراً على ما هو عليه!
لا ننام عن حادثة انتهاك ما طالت أحد الأطفال إلا لنستيقظ على انتهاكات أكبر منها، وعلى الرغم من أن القضية وصلت لعدد كبير من الناشطين المجتمعيين والحقوقيين كما أنها أثرت بشكل كبير على وجدان المجتمع إلا أنها تسفر عن فعل روتيني لا يرقى إلا وقف ذلك العنف الذي نستيقظ عليه كل صباح.
وأنا في الصفوف الابتدائية قتلت أحد صديقاتي بسبب خلاف بين والديها! ذهبت لتزور والدها بشكل اعتيادي فحبسها هي وأختها الصغيرة التي لم تتجاوز السابعة بعد، ثم أفرغ محتويات مسدسه الشخصي في رأسها واستطاعت الأخت الصغرى النجاة بعد أن تنبه الجيران لصوت صراخها وكسروا الباب، والدها كان ضابطاً لذا لم يأخذ فترة طويلة في السجن ثم خرج لينهي حياة الأخرى مما أضطرها ووالدتها إلى الهجرة إلى مكان بعيد لا نعرفه إلى الآن!
الاعتداءات الجنسية التي تطال الأطفال بسبب غياب الرقابة أصبحت موضة العصر! سابقاً لم يكن أحد ليجرؤ أن يتحدث عنها بسبب ثقافة العيب التي تسيطر على الجميع،ثم لتفشي الظاهرة أصبح من السهل الحديث عن تلك المشكلة الجسيمة دون البحث في الحلول الواقعية التي تحد من تلك الظاهرة.
عمالة الأطفال جزء لا يتجزأ من الثقافة المحلية، صحيح أن الأوضاع الاقتصادية تلعب دوراً كبيراً في ذلك لكن غياب دور الحكومة في الحد منها يلعب الدور الأكبر،كون أكثر أولئك الأطفال متسربين من المدارس الحكومية! ومن أهم واجبات الحكومة تجاه الإنسان في مرحلته العمرية المبكرة أن توفر له التعليم المجاني لا كما يحدث من بيع الكتب المجانية لأسر لا تجد ثمن الدفاتر مما يؤدي إلى ذلك التسرب العريض الذي نعاني منه.
قبل عامين قتلت طفلة لم تتجاوز الثالثة من العمر بسبب غضب زوجة والدها من ازعاجها،اعتادت تلك المرأة ضرب الطفلة بمختلف الأدوات الحادة، لكن في مرتها الأخيرة لم تعد تتحمل إزعاج تلك الطفلة فما كان منها إلى أن ضربتها حتى فارقت الحياة،كتبت بعض الصحف عن تلك الطفلة التي رقد جثمانها لفترة طويلة في مشفى الثورة، كان يحمل الكثير من الألوان كما نشرت بعض الصحف صورتها والتي تفيد بأنها لم تمت من الضرب وحسب وإنما من التعذيب أيضاً، انتهت تلك الجريمة بعفو من الوالد الذي قال أن قصد زوجته تأديب تلك الطفلة!
ثم جاء هذا العام بقصة الطفلة احتكام التي لم تتجاوز الخمسة أعوام والتي ربيت بنفس الطريقة التي ربيت بها طفلة مشفى الثورة، إذ أن زوجة أبيها أقدمت على حرق مؤخرتها بسكين حاد مما سبب لها جروحاً بالغة، وعلى الرغم من تنبه الجيران لتلك الجريمة وإبلاغهم إلا أن العائلة تسترت على الجريمة بحجة العيب ، ولم تتحرك الحكومة أو أي منظمة حقوقية لتحقق في الأمر وتحول دون أن تلحق الطفلة احتكام بنظريتها التي وئدت قبل عامين في مشفى الثورة.
فتاة عصر، الطفلة نسيبة، الطفلة مرام....جرائم طالت الطفولة ، ولازلت عجلة تلك الجرائم تدور لتحصد المزيد من الأرواح في ظل غياب القوانين الحقيقية التي تحمي الأطفال في اليمن..