أيّد السفير الأمريكي في صنعاء تصريحات الرئيس عبدربه منصور هادي الأخير القائلة إن اتفاقية التعاون الأمني بين اليمن وبلاده تعود إلى ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. في الوقت الذي اعتبر فيه أن العملية «الإرهابية» الأخيرة التي تمت صباح أمس الأحد ضد جنود يتبعون قوات الدفاع الجوي في حي الحصبة بالعاصمة صنعاء بمثابة دليل على أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مازال يمثل تهديداً قوياً على اليمنيين، ويجب التعاون لمواجهته «واستئصاله». وبخصوص رفض نائب الرئيس اليمني الأسبق، علي سالم البيض، صيغة الاعتذار التي تقدّمت به الحكومة اليمنية مؤخراً من حرب صيف 1994 في الجنوب، وعن الأحداث التي ضربت صعدة وما جاورها، طالب السفير من البيض أن يقدّم هو اعتذاراً؛ لأن حرب 94 كانت نتاج سلوكياته هو.
وكان السفير الأمريكي في صنعاء جيرالد فايرستاين، تحدث، أمس الأحد، أمام عدد من صحفيي وسائل الإعلام المحلية، حيث أعتاد بين الحين والآخر عقد مؤتمرات صحفية دورية معها للرد على الاستفسارات توضيحاً لبعض الحقائق أو لتقديم بعض المعلومات أو لتوجيه رسائل مباشرة وغير مباشرة فيما يتعلق بعدد من قضايا الساعة الهامة.
وحسم سفير واشنطن في صنعاء السجال الذي طرأ مؤخراً بين الرئيسين الحالي والسابق لليمن بشأن من الذي سمح للطائرات الأمريكية بدون طيار بشن غارات على مواقع داخل البلاد. حيث أيّد السفير الأمريكي ما جاء في خطاب الرئيس عبدربه منصور هادي، قبل أيام أمام طلبة كلية الشرطة، بتأكيده أن اتفاقيات التعاون الأمني بين الجانبين اليمني والأمريكي في مجال مكافحة الإرهاب «تعود في حقيقتها إلى ما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 مباشرة»، قال السفير فايرستاين، مضيفا: «حيث إن الحكومتين ظلتا تبنيان هذا التعاون والتنسيق فيما بينهما منذ ذلك الحين». وبالتالي – يستدرك: «فإن حديث الرئيس هادي أن هذا التعاون يعود إلى ما قبل توليه الرئاسة كان صحيحاً».
وفي رده على سؤال «المصدر أونلاين» عمّا إذا كانت تلك البداية عبارة عن مجرد تنسيقات أمنية، وليس اتفاقات، كما زعم الرئيس السابق؟ قال: «في الحقيقة، العناصر الرئيسية لهذا التعاون والتنسيق القائم اليوم مع الحكومة اليمنية هي امتداد للتعاون والتنسيق الذي تم في فبراير من العام 2001، وبالتالي فإطار التعاون القائم بين البلدين تم تطويره خلال وجود الرئيس السابق على عبدالله صالح في السلطة».
وبخصوص ما ورد في خطاب الرئيس هادي ذاته فيما يتعلق بطلب اليمن من الولاياتالمتحدة إمدادها طائرات بدون طيار، جاءت إجابات السفير الأمريكي على نحو غير مؤكّد تماماً لما قاله الرئيس هادي من أن واشنطن وافقت على مثل هذا الطلب. حيث بدأ السفير بتأكيد وجود محادثات وحوارات مستمرة بين الجانبين اليمني والأمريكي «فيما يتعلق بنوعية النّظم التي يراد استخدامها لأي من المجالات المطلوبة..». وبالتالي – يواصل: «إذا كانت لدى اليمن الرغبة الحقيقية في الحصول على نظام بعينه فإن حكومة الولاياتالمتحدة ستأخذ ذلك مأخذ الجدية».
لكن، حين سُئل: هل هذا يعني فعلاً أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لديها نية حقيقية في إمداد اليمن بمثل ذلك السلاح الخطير؟ يحتوي هذا التساؤل ضمنياً على ما يُثار من جدل واسع بشأن التأثيرات الجانبية (السلبية) الناجمة عن استخدام مثل تلك الطائرات الموجّهة من قبل متخصصين أمريكيين أكفاء؟ حينها عاد السفير ليؤكد: «في الحقيقة هذا أمر يتوجّب علينا مناقشته مع الجانب اليمني، إذ أن القضية أكثر شمولاً من مجرد الحديث عن التقنية..». وأضاف «وبالتالي إذا أراد الرئيس هادي أن يتقدّم بهذا الطلب فنحن حتماً سنناقشه معه..».
وفيما إذا قدّمت بلاده هذه التقنية لليمن: فهل ستُدار من قبل يمنيين أم ستظل تدار من قبل متخصصين أمريكيين؟ على هذا السؤال رد السفير بالقول «نحن بعيدون جداً من اتخاذ مثل هذه القرارات».
وأكد السفير أن التعاون اليمني - الأمريكي في مواجهة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب سيستمر حتى يتم القضاء على تهديدات التنظيم الذي بات يشكل خطراً أكبر على اليمنيين أنفسهم. وقال إن ذلك يأتي على الرغم من أن هذه المنظّمة لم تعد بذات القوة والقدرات التي كانت عليها قبل عامين، من حيث إنها -على سبيل المثال- لم تعد تحتل أراضي في أبين وشبوة، برغم أنها كانت تسعى مؤخراً لتعزيز تواجدها وحضورها في حضرموت، إلا أنها طُردت من قبل قوات الأمن اليمنية، مضيفاً، «وبالتالي فإنهم قد يتحولون إلى تلك العمليات غير النوعية مثل الاغتيالات».
ويضيف السفير «ولأن موقفنا ما يزال قائماً على أساس أن هذه المنظّمة لم يتم إزالتها تماماً، فإننا سنستمر في العمل عن كثب مع أصدقائنا في اليمن للقضاء على تلك التهديدات كلما تسنّى لنا الأمر القيام بذلك..».
واستشهد السفير بالحادث الأخير الذي وقع، أمس الأحد، في الحصبة بالعاصمة صنعاء، والذي طال باصاً خاصاً بضباط في القوات الجوية، وراح ضحيته شخص وإصابة آخرين، معتبراً أن هذا الحادث، فيما لو ثبت أن تنظيم القاعدة هو من نفّذه «فإن ذلك يدل على أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية تظل تهديداً قوياً على اليمنيين، إذ ما زالت قادرة على مواصلة مثل هذه العمليات». وبالتالي يقول السفير: «على الرغم من أنها (القاعدة) أصبحت اليوم أضعف مما كانت عليه في السابق، إلا أن الحادث الأخير وحوادث مماثلة سابقة تدل على أنه لم يتم القضاء عليها كلياً..»، ولهذا – من وجهة نظر السفير- يجب مواصلة التعاون والتنسيق مع الحكومة اليمنية للتخلص نهائياً من هذه المجموعات الإرهابية.
وعن استمرار إغلاق السفارة الأمريكية؛ خوفاً من عمليات قد تقوم بها القاعدة، في الوقت الذي أعلنت فيه معظم السفارات الغربية التي أعلنت إغلاقها قبل أسابيع، قال السفير، كما تشاهدون بأنفسكم، «نحن نعمل جزئياً»، مضيفاً «وسوف نقيس إمكانية استمرار فتح السفارة كُليا بناءً على مستوى الأمن والسلامة المتاح، ليس للعاملين في السفارة فقط، ولكن أيضا لزائريها.
وفي سياق متصل، أوضح السفير أن عملية إغلاق السفارة لا يعكس إطلاقاً عدم الثقة بالإجراءات الأمنية التي توفّرها الحكومة اليمنية، بل على العكس، فإنه يعكس مدى التعاون الأمني القائم بين الجانبين من خلال استمرار نجاح الإجراءات الأمنية المتّخذه بين الطرفين والذي قلّص من مستوى التهديدات القائمة خلال الفترة القليلة الماضية التي تبعت إعلان الإغلاق. وإذ اعتبر السفير أن الرد الأمريكي على مثل تلك التهديدات لم يكن مبالغاً فيه، قال إن الإجراء المتخذ خفف بدوره من مستوى التهديدات في بعض المنشآت التابعة للسفارة، كما أنه جاء «لمنح أصدقائنا في الأمن اليمني وقتاً للتعامل مع تلك التهديدات، وهي إستراتيجية أثبتت نجاحها حتى الآن..».
وفي الشأن السياسي اليمني، هنأ السفير الأمريكي الحكومة اليمنية على توصلها إلى إصدار بيان اعتذار شجاع عن حرب 1994 في الجنوب، والأحداث الأخرى في صعدة والمناطق المجاورة لها. وتعليقاً على ردة فعل نائب الرئيس اليمني الأسبق، علي سالم البيض، الرافض لهذا البيان الحكومي المتضمن للاعتذار، قال: «السؤال هنا يتعلق ب لماذا لا يعتذر البيض نفسه، كون أحداث 94 كانت نتاج سلوكياته هو..». وبالتالي – يواصل – فهو ليس بريئا ليتساءل لماذا لا يعتذر الآخرون.
وجدد السفير الأمريكي الإعراب عن قلقه وقلق بلاده من تصاعد التوترات المذهبية الأخيرة في منطقة دماج في صعدة بين أنصار السنة والشيعة من مسلحي الحوثيين. وقال «لقد عبّرنا عن وجهة نظرنا في هذا الجانب، في ضرورة مواصلة الجهود القائمة لإيقاف تلك المواجهات ومنع البلاد من الانزلاق في مثل تلك الصراعات المذهبية». كما أشار إلى ترحيبه بالإجراءات المتخذة من الرئيس هادي بإرسال وسطاء إلى منطقة دماج لحل القضية حتى لا تنزلق البلاد إلى مخاطر ليست بحاجة إليها في مثل هذه المرحلة الحرجة.