يقلل الدكتور عبد الباري دغيش من حجم المخاوف الناشئة عن أي قرارات يمكن أن تصدر عن فريق 8+8، ويشير إلى أن هذه اللجنة هي مجرد لجنة مصغرة منبثقة عن فريق القضية الجنوبية، حيث إن قراراتها ليست نهائية ولا بُد من إقرارها أولاً في فريق القضية الجنوبية، وثانياً في الجلسة العامة لمؤتمر الحوار. ويكشف الدكتور دغيش وهو رئيس فريق العدالة الانتقالية بمؤتمر الحوار الوطني وعضو في لجنة التوفيق عن ضمانات صادرة من رئيس الجمهورية رئيس مؤتمر الحوار بشأن الالتزام بعدم إنهاء مؤتمر الحوار دون استكمال كل البواقي، وبالأخص فيما يتعلق بكل القضايا المعلقة.
د. دغيش يرى أن مصطلح العزل السياسي أثبت فشله في العديد من الدول، ويعتقد بأن مثل هذا الأمر ينبغي أن يسري فقط على أولئك الذين ثبت تورطهم في ارتكاب جرائم لحقوق الإنسان.
ويشير إلى أن هنالك ثغرات عديدة مازالت بائنة في مسألة نقل السلطة كانت سبباً في إعاقة العديد من مهام المرحلة الانتقالية.
يتحدث الدكتور دغيش ل"المصدر أونلاين" عن التقرير النهائي لفريق العدالة الانتقالية وعن ما أنجزته الفرق الفرعية وبالأخص ما يتصل باسترداد الاموال المنهوبة، كما يتطرق إلى الجدل الدائر بشأن قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية..
موضوع العزل السياسي دكتور لم يثر فقط في فريق الحكم الرشيد بل تم مناقشته أيضاً في العدالة الانتقالية، إلى أين وصلتم في فريق العدالة الانتقالية حول هذا الأمر؟ فيما يتعلق بقانون العزل السياسي هذا المصطلح أثبت فشله في أكثر من دولة، يعني في العراق اجتثاث البعث، وفي مصر أيضاً وفي تونس، وكذلك في مناطق أخرى، أنا أعتقد بأن المنطق يقول إن من ثبت تورطه بانتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الفساد، الجرائم طبعاً شخصية والعقوبات "لا تزر وازرة وزر أخرى"، عندما تأتي بقرار خاص بموضوع العزل السياسي يشمل كل من شملهم قانون الحصانة هذا أمر أنا أعتقد أولاً يناقض أساساً قانون الحصانة رقم "1" لعام 2012، الذي يعتبر من الأعمال السيادية، وبالتالي إضافة أي نقطة ينظر إليها وكأنك تضيف مادة إلى قانون الحصانة نفسه..
لكن الإضافة هنا دكتور لن تكون لقانون بل ستكون عبارة عن نص في الدستور القادم؟ نحن مثلاً في فريق العدالة الانتقالية كانت هنالك اجتهادات، وكانت هنالك خيارات أمامنا، ووقفنا أمام خيارين اثنين: كل من ثبت تورطه بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم فساد بقرار من هيئة الحقيقة والإنصاف والمصالحة التي ستنبثق عن قانون العدالة الانتقالية يُمنع من تولي المناصب العليا في الدولة أو الترشح للانتخابات العامة أو مزاولة العمل السياسي، يعني مع شركائنا الآخرين في المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه هم قدموا مقترحاً آخر: كل من ثبت تورطه بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الفساد بحكم قضائي بات يُمنع من الترشح للانتخابات العامة أو من تولي المناصب العليا للدولة، يمكننا خلال الفترة القادمة التوصل إلى إتفاقات بهذا الشأن ربما نصل إلى توافق حول إعادة صياغة قرار موحد هذا يمكن بمساعدة لجنة التوفيق، نحن سنعرض المقترحين على الفريق، وبعد ذلك يمكننا أن نرفع المقترحين إلى لجنة التوفيق إذا لم تحظ القرارات أو هذه البدائل بالأصوات الكافية وفقاً لدليل مؤتمر الحوار الوطني.
لجنة التوفيق سبق لها أن أقرت مقترحاً تم رفعه إليها من لجنة الحكم الرشيد، حيث اعتمدت مبدأ رئيسياً في مسألة العزل السياسي، وأحيل مرة أخرى من لجنة التوفيق إلى فريق الحكم الرشيد؟ لجنة التوفيق لا يمكن لها أن تلغي أي قرار وصل إليها من فريق ما من فرق مؤتمر الحوار الوطني، فريق الحكم الرشيد قام باتخاذ هذا القرار، وكان هنالك توافق بالنسبة للمكونات التي ظلت، كان هنالك إجماع بعد إنسحاب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه من الجلسة، وتوافقوا على مشروع قرار بإلغاء الحصانة..
... لكل من يمارس العمل السياسي؟ نعم، العزل السياسي لكل من شملهم قانون الحصانة..
... بالنسبة للذين يمارسون العمل السياسي فقط، أما الذين لا يمارسون العمل السياسي فسيظل قانون الحصانة سارياً عليهم؟ كان هنالك حل أو مقترحاً آخر من لجنة التوفيق أعيد إلى الفريق، نحن نتمنى أنه في الأخير يصلون إلى توافقات من شأنها تنفيس الأجواء المشحونة والوصول إلى قرارات قابلة للتنفيذ وللحياة، ومساعدة على الانفراج بين مختلف القوى السياسية، وهنالك مشكلات تتعلق بقضية نقل السلطة دائماً حيث يُنظر إلى قانون الحصانة الذي تم اتخاذه في 2011 -وأنا كعضو في مجلس النواب حينها ومن الذين صوتوا على قانون الحصانة بكل مواده حسب ما توافقت القوى السياسية- كان يُنظر إلى هذا القانون على أساس أنه وسيلة من وسائل الحصانة مقابل نقل السلطة..
... لكن السلطة لم تنتقل فعلياً؟ مع الأسف الشديد، مازالت هنالك ثغرات كثيرة في موضوع نقل السلطة، هذه الثغرات أعاقت حتى إنجاز مهمات المرحلة الإنتقالية، يعني عندما نتحدث الآن عن المرحلة الانتقالية نتحدث أساساً عن مهام كان يجب أن يتم إنجازها، وبالتالي بسبب القراءات المختلفة لموضوع نقل السلطة تعثر هذا الموضوع، وتعثر تنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية، الآن عندما نفكر في الوصول إلى فيدرالية 2014 هل بالإمكان إجراء انتخابات في هذه المرحلة أو في هذا التاريخ، أنا أرى أنه هنالك صعوبات كثيرة صعوبات ذاتية وصعوبات موضوعية تقف أمامنا، يعني مسألة أولاً إنجاز الدستور والتصويت عليه والاستفتاء عليه..
وطبعاً لجنة صياغة الدستور لم تتشكل حتى الآن؟ نعم، لم تتشكل إلى الآن، الأمر الثاني الموضوع المتعلق أساساً بإصلاح النظام الانتخابي وإنتاج سجل انتخابي نظيف، كل هذا يحتاج إلى وقت وجهود..
... معنى هذا دكتور أننا بحاجة إلى تمديد؟ نعم، والأمر الثالث المهام الأخرى المتعلقة أساساً بتوفير المناخات الملائمة للسير باتجاه الوصول إلى هذه الاستحقاقات، يعني مثلاً موضوع الأمن والاستقرار وبسط سيادة الدولة على كامل التراب اليمني. يعني -للأسف الشديد- مازالت حتى اللحظة بعض المناطق خارج إطار سيطرة الدولة، أنت من أجل أن تعمل انتخابات يجب أن تتوفر هذه الشروط اللوجستية العادية في الظروف العادية، لكن حتى اللحظة يعني نحن نعول على أساس أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي اجتمع فيه كل الشركاء والفرقاء أنهم يصلون أساساً إلى هذا التوافق وبالفعل تم التوصل إلى توافق، لكن نحن بحاجة إلى نقل هذه التوافقات من الأوراق إلى الواقع..
خلافات 8+8 تعليقك على الخلافات الدائرة في فريق 8+8 وبالأخص ما يتصل منها بقضية الأقاليم، حيث تم إقرار مقترحين؛ إما التقسيم على أساس إقليمين (جنوبي وشمالي)، وإما التقسيم على أساس خمسة أقاليم مع عدم وجود تداخل بين الأقاليم الشمالية والجنوبية؟ أنا اقول لك المواطن اليمني حريص على وجود دولة للنظام والقانون، دولة تحفظ حقوقه وكرامته وحرياته العامة والخاصة، حتى القوى السياسية سواءً المعارضة أو حتى شباب الثورة الشبابية هم حريصون على وجود دولة نظام وقانون. لكن - للأسف الشديد- هذه الدولة نحن بحاجة إلى أن نبنيها معاً، وبالتالي موضوع التقسيمات بدت وكأنها هي المشكلة، في حين أن المشكلة الأساسية أننا نريد دولة في البداية، ثم كيف تكون تقسيماتها هذا امر آخر. أنا أعتقد بأنه يجب ألا ننطلق من دوافعنا السياسية، ومن الدوافع الأنانية في هذا الأمر، هذا الموضوع يحتاج إلى فترة زمنية أكيد، لكن يجب أولاً أن تتوفر دولة قوية، وبعد ذلك يمكن لنا النظر في عدد الأقاليم، وهذا يجب أن يُنظر إليه على أساس ماهية الشروط الموضوعية التي تستدعي بالفعل الذهاب إلى إقليمين أو إلى خمسة أقاليم أو إلى ثمانية أقاليم أو حتى إلى واحد وعشرين إقليماً (يبتسم)..
... هذه التقسيمات تضاعف من مستويات القلق لدى الناس يا دكتور؟ ... نحن عندما نتحدث الآن عن إقاليم أو إقليمين أو خمسة أقاليم أو ثمانية أقاليم ما هي أفضل الحلول القابلة للحياة وللبقاء القابلة وللتطبيق، الشروط المناسبة للتنمية ولتوفير الشروط التي تضمن إستقرار البلد والسلم الأهلي والاجتماعي فيه، ما هي الشروط أو ما هي الأشكال التي يمكن أن تعزز دور هذه البُقعة من العالم في أن يكون رقماً إيجابياً في معادلة حفظ السلام الإقليمي والدولي، هذا المهم المسألة في النتائج التي نريد الوصول إليها، ليست الغاية هي الوصول إلى إقليمين أو ثمانية أقاليم أو خمسة أقاليم أو واحد وعشرين إقليماً، يجب أن تكون الغاية مقصداً في أن نصل إلى توافقات أو إلى حلول توفر لنا ظروف التنمية الدائمة والمستدامة، ظروف التنمية العادلة والشاملة، ظروف تحفظ المساواة والعدالة في توزيع السلطة والثروة، الأمر الثاني ضرورة أن توفر هذه الحلول شروط السلم الاجتماعي، بحيث يتم عبر هذه الحلول ضمان دعائم راسخة للسلم المجتمعي والاجتماعي والوطني على مستوى كل محافظات الجمهورية، وعلى مستوى النخب السياسية والمجتمعية وعلى مستوى الجهات، أنا لست قابلاً بأي حل يمكن بعد كم شهر أو كم أسبوع يكون سبباً في اضطراب الأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي فالمجتمع الدولي حريص على هذه البقعة من العالم أن يسود فيها الأمن والاستقرار، وهكذا توافق العالم..
قرارات 8+8 ليست نهائية ما أقر في لجنة 8+8 برأيك هل تنطبق عليه هذه الشروط؟ .. لجنة 8+8 هي عبارة عن لجنة مصغرة منبثقة عن فريق القضية الجنوبية، وأي مقترحات تصل إليها يجب أن تُعرض على فريق القضية الجنوبية وعلى الجلسة العامة لمؤتمر الحوار..
معنى هذا أن إقرار لجنة 8+8 لأي حلول لا يعد إقراراً نهائياً؟ نعم، إقرارها ليس نهائياً، يعني الأمور هذه تكتسب شرعيتها أساساً من مرجعيات مؤتمر الحوار الوطني القائم على التوافق الوطني.
.. في ظل تحذيرات مجموعة الأزمات من مخاطر الإسراع في إنهاء الحوار الوطني، هنالك قوى باتت تخشى من سيناريو الاسراع في إنهاء الحوار؟ ليس هنالك محاولة للإسراع بإنهاء مؤتمر الحوار الوطني، هنالك توافق تم التأكيد عليه سواءً في اجتماعات لجنة التوفيق، وتحديداً القرارات الأخيرة المنبثقة عن لجنة التوفيق بأنه لا يمكن أساساً رفع مؤتمر الحوار الوطني وفض هذا الاجتماع بدون الوصول إلى معالجات وحلول لكل المشاكل، لا يمكن أن يُرفع مؤتمر الحوار الوطني أو ينهي أعماله مع وجود بواقٍ، يعني مسألة انعقاد الجلسة العامة بشكل موازٍ لأعمال الفرق التي لم تنجز مهامها هو شكل من أشكال إدخار الوقت في الحقيقة وتوجيه رسائل للمجتمع أن الأمور ماشيه، وبالفعل هنالك فرق أنجزت ماذنبها أن تظل هذه الفرق جالسة هكذا، رغم أنها أنجزت بانتظار البقية. الأمر الثاني أن الجلسة العامة تناقش ما أنجز، والبقية يستكملون سواءً في إطار اللجان المصغرة، لكن هنالك تأكيداً وهذا التأكيد موجه لكل الناس الذي لديهم ارتياب تجاه مؤتمر الحوار الوطني أو مخرجاته، هنالك ضمانات جدية صادرة من رئيس مؤتمر الحوار الوطني ومن لجنة التوفيق، ومن هيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني، أنه لا يمكن أن ينفض هذا المؤتمر دون إستكمال كل البواقي في كل القضايا المعلقة..
بمناسبة ذكر رئيس مؤتمر الحوار الوطني، ما الذي دار بينكم وبين الأخ الرئيس في الاجتماع الأخير الذي عُقد للجنة التوفيق بحضوره؟ كل خير ..(يضحك).
... أقصد أبرز القضايا التي نُوقشت في الاجتماع ولم يتم الإعلان عنها؟ هذه القضايا التي طرحتها لك، والتي سألت عنها هي ذات القضايا التي دار النقاش بشأنها، يعني مسألة المخاوف لدى بعض الشركاء أو المكونات في مؤتمر الحوار الوطني طرحوا مخاوفهم، وكان هنالك تأكيد على أنه أولاً ليس هنالك سلق كما يُعتقد للمواضيع، إنما هنالك توجيه رسائل إيجابية للمجتمع أن المؤتمر أموره ماشية، وبالفعل الناس أنجزوا، وحتى في التقارير المتعثرة هنالك توافق كبير جداً، يعني ربما بعض القرارات المخاضية أنا أعتبرها عسيرة، يعني ولادتها عادةً تكون مؤلمة ومحتاجة إلى فترة أطول وتوافقات، لكن في الحقيقة إنعقاد الجلسة العامة الثالثة بشكل متوازٍ مع البت في القضايا يشكل أيضاً ضغطاً على المتأخرين في أنهم ينظرون إلى الوقت على أساس أنه مورد غير قابل للاستبدال أوغير قابل للتمديد أو للبيع والشراء، "الزمن كالسيف إن لم تقطعه قطعك".
مراجعات العدالة الانتقالية هل يمكن القول إن نقاشات فريق العدالة الانتقالية أوجدت الحلول اللازمة لملف الصراعات التي شهدها الوطن خلال مراحل وحقب منقضية؟ هو موضوع العدالة الانتقالية يعني أنا أعتقد بأن جوهر الحوار الوطني هو دار في هذا الفريق. الناس تحاورت حول قضايا شكلت جروحاً غائرة في الجسد الوطني طوال الفترات الماضية، وبالتالي الوقوف أمامها ليس من أجل الثأر ولا الإنتقام ولا إفحام الآخر ولا الكيد السياسي وإنما الوقوف أمامها من أجل مُعالجتها وأخذ العبرة ورد الاعتبار لكل من أسيء إليهم خلال فترات الصراعات الماضية. بالضبط يمكن تشبيه هذا الأمر كالطبيب الذي يعالج هذا الجرح الغائر بشكل شفاف ويعالجه دون أن يخيط عليه بما يحتويه مثلاً من صديد أو غير ذلك، يعني موضوع العدالة الانتقالية موضوع يتعلق بمعالجة آثار وجراحات الماضي، لكن ليس الوقوف أمامها عند هذا المستوى، لكن من أجل الانطلاق إلى المستقبل. موضوع العدالة الانتقالية سيتمخض عن محددات تنبثق مشروع قانون، وكذلك مواد في الدستور؛ لأن الموضوع لا يتعلق فقط بموضوع العدالة الانتقالية وإنما موضوع يتعلق باتفاقيات دولية تم المصادقة عليها، أو نحث الدولة، أو اتخذنا قرارات بشأن المصادقة عليها وتوطينها في التشريعات الوطنية، أو قضايا ذات بُعد وطني؛ مثل الاتفاقية الدولية الخاصة بالإخفاء القسري أو الاتفاقية الدولية بتجريم التعذيب، وغيرها. وكذلك بالنسبة للقضايا ذات البُعد الوطني المتعلقة بمكافحة الإرهاب وهذه إشكالية كبيرة، نحن طرحنا الآن محددات خاصة بتطوير وصياغة استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب تلامس كل المواضيع، سواءً التشريعية أو القانونية أو التنموية أو الاقتصادية أو الاجتماعية والمشهد الديني والتوعوية والثقافية، الخ.. وتلتزم بمبادئ إعلاء قيم الحفاظ على الحياة وتحقيق العدالة والإنصاف وتعزيز السلم الوطني والإقليمي والدولي وفقاً لمعايير علاقات دولية قائمة على التوازن والعدالة، وهنالك من ينظر لموضوع العدالة الانتقالية على أساس أنه يتعلق فقط بجبر الضرر والتعويض وتخليد الذاكرة الوطنية وإصلاح المؤسسات، ومنهم من يطمح إلى أن يكون الموضوع أكبر من هكذا، ويدخل في مسألة المتابعات والإجراءات القضائية والمحاسبة.
هل تجاوزتم كل الخلافات الدائرة بشأن قانون العدالة الانتقالية؟ أنا أعتقد بأن الناس تقدر واقع الحال والظروف الراهنة، نحن مُمكن نخرج بأحسن قانون على المستوى النظري، لكن كل قانون ضروري يكون قابلاً للتطبيق، بحيث ألا يشكل خطراً يسعى إلى تفجير الواقع.
معظم الفرق في العدالة الانتقالية قد أنجزت أعمالها؟ أكيد، كل الفرق أنجزت أعمالها. نحن نقف فقط من أجل تحسين الصياغات، ومن أجل ضغط المعاني وتكثيفها في قرارات مختصرة، ووضع المحددات التكميلية لموضوع العدالة الانتقالية. ونحن أساساً كنا قد توافقنا على قضايا، لكن أثيرت بعض المشاكل الجديدة غير أنها ليست بتلك الدرجة من التعقيد. إن شاء الله، سنتمكن من تفكيكها خلال هذين اليومين، ويكون تقريرنا جاهزاً.
بمناسبة الحديث عن التقرير النهائي، ما أبرز ما سيتضمنه؟ هو اشتمل على عدد كبير من القرارات، خاصة في القضايا ذات البُعد الوطني وقضايا النازحين، بالإضافة إلى قضايا استرداد الأموال المنهوبة الخاصة والعامة وسُوء استخدام السلطة، وكذا قضايا مكافحة الإرهاب، يعني هنالك عدد كبير من القرارات نحن توافقنا عليها تقريباً بنسبة مائة في المائة، وقد انتهينا تقريباً من محددات قانون العدالة الانتقالية، ومعظم المواضيع تم طرحها من قبل، لكن أيعد مناقشتها على سبيل أنه كانت هنالك..
... مراجعات؟ نعم، مراجعات، بالإضافة إلى المشاكل السياسية التي صارت بين المكونات..
هل هنالك مراجعات جوهرية فيما يتعلق بقانون العدالة الانتقالية؟ المحددات الدستورية والقانونية لقانون العدالة الانتقالية تم طرحها في تقرير فريق العدالة الانتقالية خلال الجلسة النصفية الثانية، يعني ما تطرقنا إليه الآن بالنسبة لموضوع العدالة الانتقالية هي قضايا تكميلية للمحددات الدستورية والقانونية المتعلقة بالعدالة الانتقالية، أما بالنسبة للقضايا ذات البُعد الوطني ليس هنالك مشكلة فيها، سنسعى إلى التفاهم حولها خلال اليومين القادمين، أعتقد بأن عملنا لن يتجاوز الثلاثة أيام بمشيئة الله سبحانه وتعالى وبإرادة كل المكونات في أن نأتي إلى نهاية التقرير..
استرداد الأموال المنهوبة هنالك من يتساءل عما أنجز بالنسبة لفريق استرداد الأموال المنهوبة المنبثق عن فريق العدالة الانتقالية؟ نحن أقرينا تشكيل لجنة مستقلة تنبثق عن قانون خاص باسترداد الأموال المنهوبة، وبالطبع ستكون هذه اللجنة بحاجة ربما إلى عقد من السنين لمواصله هذا العمل، نحن وضعنا المحددات الأساسية القانونية والدستورية فيما يتعلق باسترداد الأموال المنهوبة ومواطنة الاتفاقية الدولية الخاصة بهذا الشان ألا وهي اتفاقية الأممالمتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد..
هل تتفق مع الدعوات المثارة بشأن تحويل مؤتمر الحوار إلى هيئة تأسيسية على غرار المجلس التأسيسي في تونس؟ هذه الفكرة ممتازة، لكن أيضاً لا نغفل دور البرلمان ربما يكون هذا المقترح أكثر جدوى من أن يُضاف البرلمان إلى مؤتمر الحوار الوطني لتشكيل هيئة تأسيسية تسهم في تحويل مخرجات مؤتمر الحوار الوطني إلى واقع ملموس، وبالتالي تلبية الاستحقاقات التشريعية التي لم تُنفذ حتى اللحظة والمتعلقة بتنفيذ بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وكذلك برنامج الحكومة للعامين الماضيين، حيث كان هنالك أكثر من واحد وعشرين مشروع قانون يلبي استحقاقات المرحلة الانتقالية. حتى اللحظة لم يقف البرلمان أمامها، ولم تقف الحكومة أمام معظمها؛ مثلاً قانون الانتخابات بالإضافة إلى إصلاح النظام الانتخابي بشكل عام، وغير ذلك من القضايا، قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وقوانين أخرى نحن نقترحها الآن وهي موجودة في إطار مؤتمر الحوار الوطني، وكذلك موضوع الدستور القادم..
إضافة البرلمان إلى الهيئة التأسيسية لكن هنالك من يقول إن البرلمان لم يعد بأهلية أن يبقى كمؤسسة تشريعية حيث إنه تجاوز ثلاث ولايات تقريباً حتى الآن؟ هنالك وجهتا نظر كلاهما تحظيان بشكل من أشكال المشروعية، هنالك من يقول إن البرلمان قائم على أساس المادة 65 من الدستور النافذ، والتي تنص على أنه في حاله عدم قيام انتخابات تشريعية يظل البرلمان يمارس مهامه حتى تُعقد انتخابات، والرأي الآخر يقول إن البرلمان قائم على أساس المبادرة الخليجية والتوافق السياسي. صحيح إن معايير اللعبة السياسية الآن قد تغيرت بفعل الانتخابات الرئاسية التي صارت بشكل استثنائي، وكذلك نحن أمام حكومة وفاق وطني مع أنها حتى اللحظة لم تشتغل كحكومة وفاق وطني حقيقية، حيث مازال البعض ينظر إلى المسألة من منطق: رجل في السلطة وأخرى في المعارضة. وهذا ما ينبغي تجاوزه أساساً. نحن بالفعل بحاجة إلى إعلان هدنة بين مختلف القوى السياسية، واستشعار خطورة هذه المرحلة وتلبية استحقاقاتها بما يهيئ للانتقال إلى واقع جديد يمكن أن تسود فيه فكرة التنافس بين الأحزاب والقوى السياسية برامجياً، لكن في ظل الوضعية الحالية التي تتهدد كيان الوطن بشكل عام وتتهدد المجتمع، وفي ظل رؤيتنا لمدى تفاقم الأزمات الإنسانية القائمة ولمدى الانفلات الأمني الحاصل ولمدى التخريب الحاصل للمنشآت الاقتصادية وخاصة أنابيب النفط والكهرباء، وإضافة إلى ذلك أيضاً ما هو حاصل على الأرض؛ كل هذا يستدعي بالفعل من القوى السياسية أنها تتناسى مبدأ التنافس خلال هذه الفترة، وتلغي من رأسها فكرة أن التوافق الحاصل ما هو إلا شكل من أشكال الحيل السياسية. يجب أن يتجسد هذا الأمر في ممارساتها وتصرفاتها، لاسيما والمرحلة تستدعي الصدق والأمانة وصدق الإرادات وتوفر هذه الإرادات من أجل الوصول إلى قواسم مشتركة والخروج من المأزق الراهن.
إذا ألغي البرلمان في المرحلة الانتقالية الثانية، وجرى استبداله بمؤتمر الحوار كهيئة تأسيسية، هل تتوقع احتجاجاً من جانب أعضاء البرلمان؟ هنالك نسبة لا باس بها من أعضاء البرلمان مشاركون فعلاً في مؤتمر الحوار الوطني، وهم موزعون على مختلف فرق مؤتمر الحوار الوطني، لكن لا بأس من إضافة بقية أعضاء مؤتمر الحوار الوطني إلى هذه الهيئة التأسيسية وأن نشتغل معاً من أجل إخراج البلد من وضعها الراهن.
ولكن كيف سيتم التعاطي مع مجلس الشورى في حال تم ضم البرلمان إلى كيان الهيئة التأسيسية؟ مجلس الشورى هو جهة استشارية ليست جهة منتخبة وليست جهة تشريعية، حسب الدستور النافذ هو كهيئة يرجع لها رئيس الجمهورية في دراسة بعض المواضيع الخاصة يمكن أن يتم ضم عدد محدود إلى الحوار، ويمكن أن يقدموا استشارات سواءً للهيئة التأسيسية أو لرئاسة الجمهورية.
معنى هذا أن الهيئة التأسيسية ستصل إلى نحو ثمانمائة عضو أي ما يوازي نصف برلمان جمهورية الصين الشعبية؟ خلال هذه المرحلة وطالما أن الموضوع يمكن أن يخدم إخراج البلد من واقع حاله المزري، فلا بأس أن يتم استيعاب هذا العدد. ولا ننسى أن في البرلمان مثلاً هنالك واحداً وعشرين لجنة من اللجان الدائمة، إضافة إلى لجان مؤتمر الحوار الوطني، لو تم توزيع الأعضاء على مختلف هذه اللجان وصياغة نظام أساسي للهيئة التأسيسية الجديدة التي تشمل أيضاً أعضاء البرلمان ممكن استيعاب الجميع، هذا بحد ذاته يُعد مقترحاً جديراً بالدراسة..