يبدو واضحا أن هناك خلافات تتخمر الآن بين قطاعات الطلاب لدى بعض أحزاب القاء المشترك في جامعة صنعاء، ويمكن ملاحظة مؤشرات ذلك في الموقف تجاه إدارة جامعة صنعاء؛ فهناك رافضون لقرارات رئيس الجامعة وطريقة إدارته.. وهناك في المقابل من يدافع عنه من طلاب المشترك، ويصف موقف الطلاب المعارضين بأنه فوضى وتجاوز! وكذلك يمكن ملاحظة الخلاف أيضا حول "الاتحاد العام لطلاب اليمن"، والاتهامات المتداولة حول الإقصاء والتكويش.. إلخ الاتهامات التي تروج في المنظمات المماثلة! ليس الغرض هنا ترجيح موقف هذا الطرف أو ذاك.. فمثل هذه الخلافات مفهومة ومتوقعة حتى داخل الإطار الطلابي الواحد.. وكل طرف سوف يحاجج عن مواقفه بقوة، ويمكن أن نشهد موجة بيانات متضادة لا تتوقف! لكن المهم في كل هذا أن عدم قدرة الكيانات الطلابية الوطنية ومعها الكيانات النقابية والجماهيرية المماثلة على التخلص من حفرة أو مصيدة "الكيان الوطني الواحد" مثل الاتحاد العام أو النقابة العامة أو المؤتمر الوطني، أو أي شكل من أشكال العمل العام الواحد الموحد؛ هو الذي يوفر فرصة مؤسفة للاحتكاكات والخلافات حول نصيب هذا الطرف أو ذاك!
بمعنى آخر؛ فإن استمرار وجود ظاهرة الكيانات الوطنية ذات الطابع الرسمي (ولو من حيث التمويل والرعاية في العمل النقابي/ الجماهيري مثل الاتحاد العام لطلاب اليمن، وأشباهه في القطاعات العمالية والمهنية، وكذلك مؤتمرات الشباب والمرأة وأمثالهما) يكرس ظاهرة الصراع الحزبي حول السيطرة عليها، والحرص على الحصول على حصة ما لهذا الطرف أو ذاك مقابل التأييد ولو لم يكن يملك قاعدة مؤيدين حقيقية.. فيتحول الأمر إلى محاصصة وتقاسم ثم صراع للمحافظة عليها وليس منافسة حرة لتقديم خدمات للمنتسبين والدفاع عن حقوقهم!
••• ليست هذه هي المرة الأولى التي نتحدث حول مبدأ تعددية النقابات والمنظمات الجماهيرية، وعدم فرض إطار واحد لها سواء على مستوى النقابة/ المنظمة الجماهيرية الواحدة أو على المستوى الوطني العام، فمنذ مطلع عهد الوحدة كان واضحا أن تأميم العمل النقابي/ الجماهيري وتقاسمه بين الحزبين الحاكمين آنذاك كان أحد الترتيبات السرية بينهما، واستمر الأمر – إلا في حالات نادرة ظلت محاصرة السلطة ومن بعض أحزاب المعارضة- حتى بعد أن صار الرأسان الحاكمان رأسا واحدة! ولعل هذا يفسر الدور الضعيف للنقابات والمنظمات (الموحدة) في مواجهة النظام السابق وسياساته الفاشلة بشكل عام، بينما نجحت الأحزاب على تعدديتها في أداء القاطرة لمسار التغيير.. والمؤسف أن الأحزاب سلكت؛ أو صمتت في أقل الحالات؛ نفس مسلك النظام السابق في عدم الاهتمام بتكريس حق التعددية في العمل العام (أسوة بالتعددية الحزبية)، ولم تهتم في أن تجعل هذا الحق أحد أبرز مسارات نضالها ضد النظام السابق، وانتزاعها بالقوة؛ مع ما كان يمكن أن يسهم في دعم النضال السلمي ضده، ولو لم تحصل تلك النقابات والمنظمات على اعتراف رسمي حكومي!
وحتى الآن؛ وربما باستثناء قطاع التريبة والتعليم؛ فلا يبدو أن هناك اهتماما حقيقيا لا عند الدولة ولا عند الأحزاب باتجاه تحرير العمل النقابي والجماهيري من طابع الحكم الشمولي الذي يفرض على المواطنين: إطارا واحدا لا مناص من الانضمام إليه بالرضا أو بالغصب.. وحتى إذا لم يرض أحد بالانضمام فقد كان يتم خصم قيمة الاشتراك الشهري قهرا (كما كان يحدث في نقابة المهن التعليمية التابعة للمؤتمر الشعبي العام حتى خرجت وزارة التربية من سيطرتهم!).
قد يكون مفهوما حدوث خلافات بين الكيانات الحزبية النقابية والجماهيرية في أي قضية، ويمكن تقبل هذا الخلاف والتعبير عنه بأي وسيلة سلمية؛ لكن الخلاف على كيان وطني عام تحت أي مبرر هو الشيء الذي يجب الكف عنه، ومثل هذا لن يحدث إلا إذا تم إلغاء الكيانات الرسمية (الوطنية)، والسماح بحرية تعددية إنشاء النقابات والمنظمات الجماهيرية على أساس حزبي أو مستقل؛ وبدءا من الإطار الأصغر ووصولا إلى المستوى العام في كل مجال مثل الطلاب والشباب والمرأة، والعمال بكل تخصصاتهم، والمهن النوعية كالمهندسين والمحامين والأطباء، وفتح أبواب التنافس بينها لخدمة منتسبيها، والبقاء والنجاح سيكون للأصلح والأكثر قدرة على تمثيل الأعضاء؛ اعتمادا على جهود ذاتية وليس اعتمادا على دعم الدولة.
••• في تبرير قولبة الكيانات العمالية والجماهيرية في قالب إجباري واحد نسمع عبارات مثل: وحدة العمل، وعدم تشتيت الجهود.. لكن الواقع يثبت عجز هذه الكيانات غالبا عن تحقيق أهدافها؛ فهي إن لم تسقط في قبضة سلطة حاكمة بأمرها، أو في قبصة حزب ما ولو كان معارضا يسخره لأهدافه؛ فإنها تعاني عادة من خلافات داخلية تعوقها عن عملها! وفي المقابل فإن تعددية النقابات والمنظمات الجماهيرية تكون أكثر إيجابية أو أقل سلبية؛ ويكفي أن منتسبيها ينضمون إليها بمحض إرادتهم، ولعل في تجربة تعدد نقابات التربية والتعليم في بلادنا دليل على أن التعددية ليست شرا محضا، وأن التنسيق والتعاون بينها دون دمج قهري سيجعل منها أقوى نقابات في البلاد، خاصة أنها تمثل أكبر قطاع مهني وأكثره حيوية.. والأكثر أهمية هو: وجود اعتراف متبادل بينها فرضته تطورات الأوضاع في البلاد بعد ان كانت في حالة عداء بسبب رفض الاعتراف بتعدديتها في زمن النظام السابق.
واليوم.. واليمن يتجه لبناء نظام جديد فإن المهم تخليص العمل النقابي والجماهيري من عقدة الإطار الواحد المفروض على الناس.. ولتكن البداية من أحزاب اللقاء المشترك بإقدامها على تشكيل نقاباتها ومنظماتها الخاصة بكل حزب ثم تؤسس تعاونا مشتركا مع المحافظة على استقلالية كل طرف.. وقد تؤدي تطورات ما مستقبلا إلى حدوث دمج طوعي بين بعض منها فالتعددية أيضا ليست إجبارا؛ لكن الأساس يبقى: تعددية مشروعة يستفيد منها الجميع.
••• في سابقة لم يسبقهم بها أحد من العالمين؛ يبدو غريبا أن حزب المؤتمر (جناح الكميم) يعارض استمرار النائب الأول لرئيس الحزب والأمين العام رئيسا للجمهورية بواسطة اتفاق سياسي والتمديد للمرحلة الانتقالية.. أو استمراره في الرئاسة بمفهوم المبادرة الخليجية لاستكمال مهام المرحلة الانتقالية!
والأكثر غرابة أن مؤتمر جناح الكميم يصنع ذلك لصالح مرشح آخر ليس حتى عضوا في الحزب؛ كما يفترض في شخصية عسكرية محرم عليها الانتماء لحزب سياسي!