لا شيء يقتل العمل النقابي والجماهيري أكثر من تنميطه في إطار منظمة واحدة تحتكر نشاطه والتعبير عن منتسبيه. وقبل أيام كنت أتابع في قناة سهيل لقاءاً كان أحد ضيوفه مسؤولاً في اللجنة التحضيرية لاتحاد الشباب .. أو هكذا فهمت. وبدون مقدمات أكرر هنا ما سبق أن طالبت به منذ التسعينيات وهو: إطلاق حرية تشكيل النقابات العمالية والمهنية والمنظمات الجماهيرية، وعدم فرض كيان واحد في هذه المجالات.. أو بمعنى آخر: السماح بتعددية النقابات والمنظمات كما حدث مع الأحزاب السياسية. لسوء الحظ تسيطر فكرة مقدسة عند كثيرين أن هذه الأشكال من العمل غير السياسي ينبغي أن تكون موحدة وحدة اندماجية، لكن هذا الوضع هو الذي عمل غالبا على قتل النقابات والمنظمات، وخاصة أن واحديتها كانت تتم بإصرار أنظمة حكم شمولية لا تؤمن أصلا بأي تعددية أو تتم تحت هيمنة سلطة تستخدمها لتأييد سياساتها حتى ولو كانت ضد مصالح العمال والمهنيين أنفسهم! تذكروا كيف حاربت الأنظمة الشمولية؛ ومنها تلك التي أطاحت بها ثورات الربيع العربي؛ أي توجه لاستقلالية النقابات والمنظمات الجماهيرية، وعندما كانت تعجز عن السيطرة عليها كانت تعمد إلى اختراقها أو وضعها تحت الحراسة (مثال مصر) أو لا تعترف بها وتنشيء مقابلها ما يشابهها، وتمنحه شرعيتها ودعمها! في هذه المرحلة الجديدة من حياة شعبنا لا ينبغي أن نسمع أن هناك تحضيرات لمنظمة شبابية أو طلابية او من أي نوع تحمل صفة المنظمة الوطنية الجامعة للكل، أو تحمل صفة الممثل الشرعي الوحيد لأي فئة من المواطنين أو العاملين أو الناشطين في أي مجال.. انتهى زمان الواحدية القسرية؛ بل كان الأصل أن ينتهي مع فجر الوحدة لكن الحسابات الخاطئة والأنانية كان لها أمل إبليس في الجنة، ودفع المشار إليهم الثمن غاليا عندما انقلب السحر عليهم، وخسروا كل شيء! ما نؤمن أنه أصلح للبلاد والعباد هو أن ألا تتبنى الدولة خاصة أي نقابة أو منظمة جماهيرية كممثل وحيد.. وعلى الحكومة التي أطلقت حرية تشكيل الأحزاب أن تعلن حرية تأسيس النقابات والمنظمات الجماهيرية من كل نوع إذا قرر 500مواطن أن ينشئوا لهم كياناً عماليا أو مهنيا يحمي مصالحهم، ومن حق أي حزب أن يكون له منظماته الشبابية والنسوية والعمالية والجماهيرية إن أراد ذلك، ويحق له أن يشكل منها اتحادات على مستوى الوطن كله؛ لكنها تبقى معبرة عن منتسبيها فقط. ومن حق هذه الإطارات أن تتحالف مع مثيلاتها سواء أكانت مستقلة أو حزبية وتشكل كيانات أكبر لخدمة مصالحها.. ليس في ذلك أي عيب أو دليل على مؤامرة خفية طالما أنها تعمل علنا وتمول نفسها بنفسها عبر اشتراكات أعضائها وتبرعات مؤيديها واستثماراتها الخاصة. الدولة أو الحكومة سوف ترتاح من مشاكل التمويل والإشراف على العمل النقابي والجماهيري، ومواجهة تهمة محاباة هذه أو تلك. والمجتمع سوف يكسب مؤسسات شعبية قوية ومؤثرة قادرة على تشكيل توازن مع قوة الدولة لحماية مصالح المواطنين.. أيضا سوف تنتهي مسلسلات التنازع على الشرعية وعلى: من يمثل من؟ ولن نسمع أن نقابة ما تشهد تصدعات بسبب التنافس الحزبي على مقاليد الأمور فيها، وتصير مهمة الفوز في الانتخابات هي آخر المطاف للفائزين وليس خدمة المنتسبين! لن يكون منطقيا أن الدولة تسمح للمواطنين بالدعوة للانفصال وفك الارتباط والفيدرالية الاتحادية ثم تظل النقابات والمنظمات الجماهيرية أسيرة لأوضاع قديمة لم تعد مسايرة لروح العصر! من مصلحة الجميع أن تكون منظمات شبابية وطلابية متعددة تخدم الشباب والطلاب.. ومن مصلحة العمال والمهنيين بكل فئاتهم.. ومن مصلحة النساء ورجال الأعمال والأدباء والفنانين وغيرهم ألا يفرض عليهم كيان نقابي واحد إلا إن أجمعوا على ذلك مع إتاحة الفرصة لمن يريدون أن يستقلوا بنقاباتهم .. المهم ألا يجبر إنسان على الانضواء في كيان لا يريده ويمنع من العمل لضمان مصالحه بالطريقة التي يجدها مفيدة.