مررت «هناء» يديها على أثر ندبة بجانب رقبتها، وقبل أن تتحدث قضمت شفتيها على استحياء، وقالت وهي ترفع وجهها ببطئ وتقلب يديها باضطراب »كان يوماً مفزعاً للغاية». في أكتوبر عام 2004 تزوجت «هناء.أ» وعمرها لم يتجاوز الحادية عشر، دفعتها أسرتها للمجهول، وتزوجت قريباً لها في قرية خولان بريف العاصمة اليمنية، ولم تفهم تماماً لما النساء يزغردن من حولها وطلقات الأعيرة النارية تلهب حماس الرجال المحتشدين خارج منزلها.
يعزز الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه الأسر في عدة مناطق في اليمن، وسطوة الجهل والتركيبة القبلية نحو دفع فتيات قاصرات للزواج من رجال يكبرهن بعقود، مع غياب الوعي بمخاطر تزويجهن دون أن تكتمل بنتيتهن الجسدية على الأقل.
ويسري اعتقاد لدى سكان القرى ومناطق عدة في البلد الفقير، أن الزواج المبكر يحصن الفتاة والشبان من الوقوع في المحرمات، وإنهاء أي تشكيك يخلط أي علاقة، فضلاً عن جشع بعض الآباء في العائد المالي من تزويج فتياتهم القاصرات.
تروي «هناء» ل«المصدر أونلاين» كيف عاشت محنة قاسية في منزل تخترق جدرانه الشقوق وأغطية رديئة وستة أطفال بأجساد ضئيلة في العاصمة صنعاء عندما تزوجت قريبها الذي يكبرها باثني عشر عاماً، ولم تجني سوى علات الزمن كما تقول «كان يضربني بقسوة بسبب أو بدون سبب، وفي إحدى المرات أقدم على ضربي بآلة حادة تركت في جسدي تقاطيعاً غائرة وندوب».
ولا تطبق كثير من القوانين التي تحمي النساء من الاضطهاد أو منحها فرصة اتخاذ قرارات خاصة بحياتها في اليمن وهو بلد يعاني أزمات عميقة في الاقتصاد والسياسية والاضطرابات الأمنية وانتشار الجهل، وغياب برامج الحكومة في أنحاء كثيرة في البلاد.
وقالت هناء إنها فرت مراراً من منزل زوجها إلى أهلها بسبب ضربه المستمر لها وكانت أسرتها تعيدها إليه بحجة أنه سيعيد النظر في معاملته، بيد أنها قالت إنه لم يتغير وظل يضربها.
وأضافت الشابة التي صار عمرها نحو عشرين عاماً وأطفالها يحدقون لها وهي تتحدث «صرت عازمة على الطلاق».
وتحتل اليمن أعلى معدلات وفيات الأمهات والأطفال في منطقة الشرق الأوسط، وتربط دراسات أجرتها منظمات دولية أن احتمال وفاة الفتيات في سن المراهقة بسبب الحمل – وأسباب مرتبطة بالولادة - هو احتمال مضاعف.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في أحدث تقاريرها إن الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 10 و 14 سنة هن عرضة للوفاة خمس مرات أثناء الولادة أكثر من الأمهات اللائي تتراوح أعمارهن ما بين 20 و 24 سنة.
وتبددت طموحات سن تشريع صريح يحدد سناً لزواج الفتيات خلال الأعوام الماضية دفع بها نشطاء حقوق الإنسان وصحفيون مع تكشف قصص مؤلمة لزواج قاصرات، كما حدث للطفلة إلهام مهدي التي توفيت جراء نزيف حاد إثر اتصال جنسي بعد أيام من تزويجها برجل يبلغ من العمر ضعف سنها.
وليس من السهل تجاوز الانقسام الذي يسود المجتمع اليمني بشأن قضية زواج القاصرات بين مؤيد ومعارض، دون أن تفصل جدله قوانين صارمة وواضحة، ونجح دفع مستميت لفريق الحقوق والحريات مطلع أكتوبر الماضي في مؤتمر الحوار الوطني في تحديد سن الزواج ب18 سنة.
وحوى التقرير النهائي لفريق الحقوق والحريات في مؤتمر الحوار على أن يحدد سن الزواج 18 عاما لكل الجنسين، ويحدد سن أدنى لزواج الفتيات ب18 عاما ويعاقب كل من يخالف ذلك.
وقالت رئيس الفريق أروى عثمان إن التصويت على المواد خطوة ايجابية وخاصة في ما يتعلق بالإجماع على مادة تحديد سن الزوج «لأنها قضية حقوقية تحمي الاطفال من الانتهاك وتصون حقهم في طفولة امنة بعيدة عن العنف و الاستغلال».
وأعربت عن ارتياح اعضاء الفريق على هذا التصويت، وقالت إن هذا دليل على الإيمان بضرورة حماية الاطفال كمسؤولية جماعية يشترك في واجب تحقيقها الجميع دون استثناء.
وظلت مادة وحيدة منذ أن أزال مشرعون عام 1999، ال 15 عاما كحد أدنى لسن الزواج لكل من الفتيان والفتيات، هي الحامل لمنع الزوج من الدخول بعروسه «حتى تصل سن البلوغ، حتى لو كانت فوق سن 15 سنة»، ولم يكن هناك أي التزام بنصوص هذه المادة الهشة.
وتترك معظم الفتيات اللاتي يتزوجن مقاعد الدراسة، وهن أكثر عرضة للعنف والاضطهاد دون أن يجدن إنصافاً بسبب نظرة المجتمع القاصرة تجاه حقوق المرأة.
وقالت هيومن رايتس ووتش في بيان صدر مطلع أكتوبر الماضي، إنه لا يوجد أي عقوبة على الرجال الذين ينتهكون الحظر المفروض على الجماع مع الزوجة قبل سن البلوغ، وليس الاغتصاب الزوجي مجرما في اليمن.
ووثقت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقراً لأنشطتها حالات اغتصب فيها رجال زوجاتهم قبل أول فترة حيض للفتيات.
لكن التحذيرات التي تطلقها منظمات دولية ومحلية لخطورة استمرار تزويج القاصرات لا تجد لها من يصغي، ويغيض بعض رجال الدين الطرف عن المخاطر التي تحدق بالقاصرات اللاتي يجبرن على الزواج، فضلاً عن تبني عدد منهم حملات تناهض جهود وقف تزويج القاصرات بمبررات مخالفتها بسنن دينية.
وقال عبدالرحمن محمد 20 عاماً إن التشريعات التي دفع بها في مؤتمر الحوار، جعلته يعيد النظر في مراسيم زفافه التي بدأ بتحضيرها من فتاة أحلامه التي تجاوز عمرها الرابعة عشر تقريباً.
وقال عبدالرحمن الذي يعمل سائقاً لسيارة أجرة في العاصمة صنعاء متناغماً مع موسيقى فرائحية لمراسيم الزواج «كنت قد بدأت تحضير تجهيزات زفافي منذ شهرين، وسمعت عن مطالب بتحديد سن الزواج بالثامنة عشرة، لم أشعر بالسأم من ذلك، فأنا لست متعجلاً، إنما عائلتي هي من دفعتني بتسريع خطوات تحضير أدوات الزفاف».
وكانت صحيفة الثورة الحكومية ذكرت في عدد لها منتصف نوفمبر الماضي أن فتاة تبلغ الثالثة عشر عاماً انتحرت أمام أعين والديها بعد أن أفرغت علبة السم في جوفها وهي تصرخ «أنت حكمت علي�' بالإعدام وعمري (13) عاما وأنا الآن أنفذ الحكم».
وقالت الصحيفة التي تحفظت بهوية ومنطقة الأسرة إن الأب أقدم على تزويج ابنته على رجل كهل متزوج من ثلاث اخريات، وان الزوج ظل يعتدى على زوجته القاصرة بعد علمه بأن الجنين الذي في بطنها أنثى وليس ذكر، ما أدى إلى إجهاضها ووفاة الجنين على الفور.
وقام شقيق الفتاة بعد أن شاهدها تنتحر بإفراغ الرصاص على جسد والده انتقاماً منه لتزويجها لرجل ظل يعتدي عليها، حسب الصحيفة.