لم يمضِ على جريمة القرن في "العرضي" (إن جاز الوصف) أسبوع حتى عادت "الأيادي الخفية" لتطبيع الأوضاع، أو كما يقال لمن يعرف اللغة العسكرية "كما كنت". تم الإيعاز لفصيل قبيلي هجين برمي"الخبطة" وإدخال الناس في الدوامة إياها (ضربوها، صلحوها، منعوا الفرق من الإصلاح). ولأن ذلك الهجين قد كررها مرات على يد آل مجراد، وآل مقراد، وآل شبوان، وآل فهوان، وآل جدعان، وآل خذلان، فقد كان من الغباء أن يقوم بها أحدهم، فكان اختيار منطقة "آل حتيك"، وإنزال نجم جديد في بطولة "رمي الخبطة" وهو الكابتن شيخ محمد صالح الأشقم، وهو بالمناسبة لا يمت لصلة لمحمد صالح الأخضر، ولا لمحمد صالح الأصفر. وإن كان مرافقوه صرخوا من الحماس حين بدأت اللعبة: هيه..هيه، والعب يالأحمر. هيه..هيه والعب ياالاشقم... ليدشن المرحلة الجديدة من المسلسل الممل والممل للغاية: "القبيلي والخبطة". لكن مع ذلك فهو إنتاج درامي مربح وهو أول مسلسل يتم دبلجته للغة التركية، لأن الدولة اليمنية أصلحها الله ترسل الوسطاء وتدفع للخابط في المرة الأولى، وتتعامى في الثانية، وتنشر اسمه في الثالثة، وتهدد بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي في الرابعة، في إشارة لعملية تبديل واجبة، ونزول نجم جديد، ليقوم بالمهمة وهكذا دواليك. لكن الظريف أن الكابتن" الاشقم" أثبت أن اليمن لا تعيش مأساة كما يصور ويولول الكثيرون، بل كوميديا وإن كانت من النوع الأسود.. يكفي أن نتخيل ما توارد من أخبار عن "اعتصام" الأشقم ببرج الكهرباء، ومنعه المهندسين من إزالة الخبطة، بالجاه وبا لوساطات حتى يقال إنهم، في نهاية الأمر غنوا له: المهم أنت يا أشقم لا تفكر فتندم كلنا في الهوا دم كلنا أولاد آدم * لكن الأشقم هدد وأقسم ألا يستضيء بالكهرباء اليوم مسكين، لليوم الرابع على التوالي! طبعاً اتصل المهندسون بعمليات الداخلية وعمليات الدفاع، وهم أثبتوا أنهم على أعلى درجة من الجاهزية والذكاء، بحسب تعريف أحد الفلاسفة بأن"الذكي يستطيع أن يتظاهر بالغباء، وليس العكس" فادعوا الغباء بشكل عجيب، وكان أغباهم أو أذكاهم هو ذلك الذي قال إن "وزير الداخلية ذهب لتهجير وتحكيم أحد المواطنين، ولما يرجع سنبلغه بالقضية" أما وزير الدفاع، فيقال والعهده على القائل أنه كلما حولوا له المكالمة يردها مشغول! يلوذ القبيلي الجبان خلف "خبطة" لكن ما يعطيه تلك القوة للاختباء خلفها هو السياق الفاسد، ومن يتصدرون الساحة من الساسة المهجنين بكل نقيصة وخبث وأنانية، إضافةً إلى دولةٍ عاجزةٍ عجزاء، أو استحبت ان تظهر بمظهر االعاجز الذليل، كما يقول أحد الفلاسفة! أما المواطنون الصالحون والمثقفون فحالهم، وهم يبحثون عن "خبطة العمر"، ويحاولون التماهي مع القبيلي الذي طلباته مجابه، بفلسفة ما قاله القاضي الجرجاني: أأشقى به غرساً وأجنيه ذِلةً إذاً فاتباع الجهل قد كان أحكما والسؤال الفلسفي الأكبر: أين عبدربه؟ للبحث عن عبدربه، لا بد أن نعود للوراء مرتين مرةً لمشهدٍ دال. وأخرى لرواية. أما المشهد فهو لأحمد مساعد حسين الوزير والقيادي الجنوبي السابق، حين اشتكى اليه أحد المشايخ أن الدولة تماطله في بعض المستحقات، وطلب منه الوساطة لدى الرئيس السابق. فما كان منه إلا أن نصحه النصح الرشيد، بعد أن أقنعه بأن وساطته لن تجدي ولكن ما سيجدي هو أن يقطع الطريق في منطقته تلك من شبوه، وفعلت النصيحة فعل السحر فأعطاه صالح ما طلب وزيادة. لم يكن الرئيس عبدربه ببعيد عن ذلك المشهد الذي تكرر أمامه مئات المرات، حتى تلبسه وتماهى معه كما أثبتت نظريات علم النفس وهي تفلسف لحالة تحول المظلوم إلى ظالم في أول فرصة يستخدم الأساليب التي استحدمت ضده.
أما الرواية فهي رواية إحسان عبد القدوس "لن أعيش في جلباب أبي" لكن الواضح من أساليب الإدارة "الهادوية" أنها لم تزل تحاول الخروج من جلباب علي حتى تستلقي فيه.
لكن لابد لهادي يوماً أن يستمع كما استمع هارون الرشيد من قبل لذلك الشاعر، وهو يدندن تحت شباكه بكلمات: ليت هنداً أنجزتنا ما تعدْ وشفت أنفسنا مما تجدْ واستبدت مرةً واحدة إنما العاجز من لا يستبدْ إنما العاجز من لا يستبد، فيرى منه الفسدة والمخربون وأصحاب الأيادي الخفية ما يكرهون.
* ( مع الاعتذار لأعنية "المهم أنت يا أحوم" للدكتور المقالح والموسيقار أحمد فتحي)